تألقت عينا المرأة بنظرة نارية وهي تلفظ كلماتها واحدة تلو الأخرى وكأنها تمضغها قبل أن تبصقها:
“كلامي يبدو تافهًا في نظرك أيضًا، أليس كذلك؟”
تراجع الشاب خطوة للوراء دون وعي، أمام الهالة العنيفة التي كانت تصدر عنها.
الأميرة، التي كان جسدها النحيل يرتجف كغصن في مهب الريح، صرخت بصوت عالٍ غاضب:
“كم مرة يجب أن أقول لك أن تتركني وشأني؟! هل كلامي يبدو مضحكًا إلى هذا الحد؟”
قال إدريك مدافعًا، يتلعثم قليلًا تحت وابل الكلمات:
“أنا فقط… جئت بالطعام لأنني كنت قلقًا من أن تنهاري، هذا كل ما في الأمر.”
ضحكت الأميرة في وجهه بسخرية صارخة، قائلة:
“وأنت من تكون حتى تقلق علي؟”
ردّ بتوتر:
“أنا فارس من الحرس الملكي، ومن واجبي حمايتك وخدمتك…”
فقاطعته بضحكة باردة مفاجئة.
احمرّ وجهه من الإهانة، لم يعرف كيف يرد، فقد كانت تلك أول مرة يُسخر منه بهذه الطريقة المباشرة.
قالت الأميرة ببطء وهي ترمقه بازدراء:
“يبدو أنك تعتبرني ساذجة… تظن أنني لا أعلم أن فرقة فرسان رويم ما هي إلا كلاب طيعة لولي العهد؟”
تصلب وجهه، لكنّها لم تتوقف.
نظرت إلى السلة في يده بنظرة محتقرة وأضافت:
“ومن قال إنني سأثق بما في هذه السلة؟ من يدري ما الذي وضعته فيها؟ هل تنتظر أن أُسمّم أو أتقيأ؟”
صاح إدريك، وقد بلغ به الغضب منتهاه:
“أنا فارس! لا أسمح لكِ بإهانتي بهذا الشكل. كلامك ليس إهانة لي فقط، بل لكل فرسان القصر! لقد أقسمنا أمام الإله على حماية العائلة الإمبراطورية، ولن نضرّكم أبدًا!”
رفعت حاجبيها وقالت ببرود:
“وتعتقد أنني سأصدق هذا؟”
لم يجد ما يقوله، وبقي يحدق في وجهها الجامد كقطعة جليد.
تابعت وهي تمسح الابتسامة الساخرة عن وجهها:
“إذا كنت تبحث عن شخص تتودد له، فاذهب إلى إخوتي غير الأشقاء. لست بحاجة إلى نفاقك.”
ثم أغلقت الباب خلفها بعنف، منهية الحديث.
تشنّجت قبضته على السلة حتى كاد يحطمها. لو لم يتمالك نفسه، لانفجر صارخًا في وجهها يطالبها بالكف عن هذا العناد.
نظر إلى باب العربة الموصَد بعينين تغليان بالغضب، ثم استدار وابتعد.
لقد فعل كل ما في وسعه. ولم يكن مستعدًا بعد الآن لإقناع امرأة تعامله علنًا بعداء وتحقير.
عند عودته، وضع السلة بقوة على رفّ أمام المخيم، ثم اتجه نحو خيمة الطعام.
كان الفرسان قد بدأوا بالفعل في تناول وجبتهم في الحقل.
جلس إدريك بينهم، وبدأ يلتهم طعامه بنهم. يكرر في نفسه: “دعها تجوع كما تشاء، لا دخل لي بعد الآن.”
************
في تلك الليلة، كانت تاليا تتقلب في فراشها داخل العربة، عاجزة عن النوم. نهضت بهدوء وفتحت الستائر، فظهر ضوء المشاعل التي يحملها الحرّاس المتجولون في الظلام.
عدا ذلك، كان العالم غارقًا في سكون دامس.
نظرت إلى السماء المعتمة الخالية من القمر، ثم خرجت بهدوء من العربة.
لم تكن قد أكلت شيئًا يُذكر منذ أيام سوى بعض الخبز والفواكه المحفوظة بالعسل، لذلك شعرت بوهن في أطرافها. ربما كان من الأفضل لو تناولت الطعام الذي جلبه ذلك الفارس الغبي.
تذكرت وجهه الساذج وفكّرت: “لا يبدو ذكيًا بما يكفي ليدبر مكيدة… هل بالغت في حذري؟”
لكنها ما لبثت أن طردت هذه الفكرة. فالوجوه الوديعة غالبًا ما تخفي نوايا خبيثة، وهذه الحقيقة تعلمتها بالطريقة الصعبة.
نظرت بحذر إلى الحراس القريبين من السور، ثم بدأت تتسلل وسط الخيام.
تدريجًا، بدأت تتضح لها معالم المخيم في الظلام: الخيام المثلثة، العربات الطويلة، وظلال الخيول.
سارت بحذر بين الخيام، متجنبة التعثر بالحجارة. تسللت رائحة الحشائش الرطبة والخشب المحترق إلى أنفها.
وأخيرًا، وصلت إلى منطقة خدمها. تأكدت من أنها في المكان الصحيح، ثم زحفت على عربة محمّلة بالأمتعة واختبأت بينها، وهي تحدّق صوب مدخل الخيمة.
كانت تترقب تحرّك الجاسوسة التي زرعتها والدتها.
ضمّت ركبتيها إلى صدرها وبقيت تراقب الظلام دون أن ترمش.
كانت أصوات الجنود وهم يشخرون أو يصرّون على أسنانهم تختلط بصوت صهيل الخيول وزقزقة الحشرات. لم تكن تعلم أن الليل يمكن أن يكون بهذا الضجيج.
مرت الدقائق ببطء قاتل وهي تحاول تهدئة أعصابها المشدودة.
وبينما كان الليل يتلاشى، بدأت السماء تكتسب لونًا أزرق باهتًا. بدا أن الليلة ستمرّ بسلام.
تحركت أخيرًا ومدّت أطرافها المتيبسة التي أصدرت طقطقات مزعجة.
وأثناء فركها لساقيها لتخفيف التنميل، رأت ظلًا أسود يخرج من إحدى الخيام.
ضيّقت عينيها لترى بشكل أفضل.
لم تستطع تمييز ملامح الوجه، لكن الشكل النحيل أوحى بأنها امرأة.
نهضت تاليا وبدأت تتبع الظل بخفة.
بعد مسافة على طول العربات، ظهرت لها عربة أيلا. فركت تاليا راحتيها المرتجفتين بملابسها.
تمنت من أعماقها أن تدخل تلك المرأة إلى عربة أيلا… أن تقوم بالمهمة بدلًا عنها.
لكن المرأة تجاوزت العربة وتوجهت إلى طرف المعسكر.
رفعت تاليا بصرها لتجد علم “سيركان”، المزيّن بشعار الحصان الأسود، يرفرف أمام إحدى الخيام.
فزعت وركضت نحوها. ولكن حين التفتت للحظة، كانت المرأة قد اختفت.
تلفتت بين الخيام، قلبها يغلي قلقًا، ثم نظرت نحو مدخل الخيمة.
“هل… دخلت إلى هناك؟”
تجمد قلبها من الرعب.
إن تمّ الارتباط بين أيلا وباركاس، سيزداد نفوذ غاريس قوة.
فأسرة سيركان لها تأثير كبير في الشرق والشمال، وإذا أصبحت أيلا دوقة سيركان، فإن غاريس سيكسب دعم نخبة النبلاء. ربما لهذا السبب قرروا التخلص من باركاس.
بلا تفكير، اندفعت تاليا نحو الخيمة.
كانت تعلم أن باركاس يستيقظ قبل الفجر، ربما خرج ليتفقد المعسكر أو حالة تورك، ولكن هذا لم يمنع شعورها بالقلق.
تلمست السرير بقلق، تبحث عن أي أثر… دماء مثلًا.
ثم سمعت صوت خطوات ثقيلة، فرفعت رأسها بسرعة.
كان رجل طويل يقف عند المدخل.
اعتقدت أنه باركاس، فركضت نحوه، لكنها توقفت فجأة.
لقد كان غاريس، ينظر إليها بدهشة، مرتديًا ثيابًا خفيفة.
قال بحدة:
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
وامتدت نظرته الحادة تمسحها من رأسها حتى أخمص قدميها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"