ما عليه سوى تحمّل هذه الرحلة حتى نهايتها، وبعدها سيكون حرًّا من هذا الكابوس. طالما أن الأميرة تغيّر حرّاسها باستمرار، فلا شكّ أنه سيُستبدل قريبًا.
جلس إدريك مع بقيّة الجنود في الظلّ، يتناول القليل من الخبز والنبيذ لسدّ رمقه، قبل أن يعتلي حصانه مجددًا.
مرّت ساعات، وبدأت البرودة تدبّ في الجو بعد الظهيرة.
استعاد الحجاج نشاطهم، وواصلوا السير على طول جبال “غايزا” الفاصلة بين الغرب والشمال الشرقي. ومع حلول المساء، وصلوا أخيرًا إلى سهول “سينا”، إحدى أراضي مملكة فالتو القديمة.
“سننصب المخيم هنا هذا المساء.”
قالها باركاس بصوت هادئ، وهو يلقي نظرة فاحصة على القافلة.
نظر إليه إدريك بنظرة مُتعَبة، فباركاس بدا وكأنه لم يركب الحصان طوال اليوم؛ لم يتغير فيه شيء.
ترجّل القائد بنشاط لافت، وأمر ببناء سور حول المخيم وتعيين حرّاس.
امتثل الجميع للأوامر فورًا، وبدأ إدريك في وضع الحواجز. في البداية رأى أن الأمر مبالغ فيه، لكن تذكّر أن السهول تعجّ بالوحوش المتخفية، فغيّر رأيه. الحذر لا يضر.
أخرج ألواحًا حديدية مدببة من العربة، وثبّتها على الأرض، ثم لفّ حولها حبالًا مزودة بأجراس صغيرة.
بعد ساعات من العمل، أتمّوا بناء السور المؤقت.
مسح التراب عن يديه وتوجه نحو النار حيث بدأ تجهيز العشاء. كانت خادمات الأميرة قد انتهين من الطبخ.
اقترب من النار، محاولًا تهدئة جوعه، والتقط قطعة من لحم الخنزير المقدد، وسأل إحدى الخادمات:
“هل أُرسلت وجبة سموّ الأميرة؟”
ترددت الفتاة، وهي تقلّب القدر الكبير أمامها:
“في الحقيقة… سموّها قالت إنها لا ترغب في الأكل…”
قطّب إدريك حاجبيه وهو يمسح الزيت عن يده.
لم تأكل الغداء، والآن تتجاهل العشاء أيضًا؟
اشتعل الغضب في قلبه، فما زالت تتصرف كطفلة عنيدة.
رمى المنشفة أرضًا، والتقط سلة فارغة:
“املئي هذه السلة بشيء مناسب للأكل.”
وضعت الخادمة بسرعة قطعًا من الفطائر، واللحم، وحساءًا ساخنًا، مع زجاجة نبيذ وبعض الفواكه المجففة.
حمل السلة الممتلئة، وتوجه نحو العربة الخاصة بالأميرة.
رغم معرفته بأن من يرفض الطعام عنادًا لا يجب أن يُجبر عليه، إلا أن صورة جسدها الهزيل ما زالت تلاحقه.
تنهد وهو يلعن طبيعته المتدخلة، ثم طرق الباب بلطف:
“سموّ الأميرة، أحضرت العشاء.”
“قلت لك، لن آكل.”
“لكنك لم تتناولي شيئًا طوال اليوم. كيف تنوين تحمّل بقية الرحلة دون طعام؟ حتى إن لم تشعري بالجوع، جربي أن تأكلي قليلًا…”
“قلت لك، انصرف من هنا!”
تقلّص وجهه من الغضب. حتى القنفذ لا يرفع أشواكه بهذا الشكل.
لكنّه استجمع ما تبقى من صبره، وقال بهدوء:
“سأضعها هنا أمام الباب، في حال غيّرتِ رأيك…”
انحنى ليضع السلة، لكنه تراجع فجأة للوراء، وقد فُتح الباب فجأة، وظهرت أمامه وجهها المتجمد، شاحبًا، قاسي الملامح.
التقت نظراته بعينيها الزرقاوين المتوهجتين وسط ضوء الغروب، وبلع ريقه دون قصد.
التعليقات لهذا الفصل " 35"