نظرًا لطردها لجميع الخدم الذين أرسلهم القصر الإمبراطوري سابقًا، لم يكن هناك سوى أقل من عشر وصيفات يتبعن القصر الجانبي، ولم تكن أيٌ منهن تجرؤ على الاقتراب منها. وبالتالي، لم يكن لديها سوى عدد محدود من المرافقين لا يُعدّ على أصابع اليد الواحدة.
وبسبب هذا، اضطرت تالیا للسفر محاطة بخدم أرسلتهم سينيفيير. كانت ترغب بشدة في طردهم جميعًا، لكنها لم تستطع فعل ذلك وهي ترى غاريس وآيلا يحيطان نفسيهما بمئات الخدم، متباهين بعظمة العائلة الإمبراطورية.
كانت تالیا تعضّ شفتيها بقلق بينما تحدق في الحشود التي تحيط بعربات ولي العهد والأميرة الكبرى. لطالما أبعدت الناس عن نفسها لسنوات، فلا أحد كان يجرؤ على الاقتراب منها سوى باركاس والمربية. لم تكن ترغب بأن يحيط بها أشخاص قد يطعنونها في أي لحظة.
ومع ذلك، فكرة أن تظهر بمظهر بائس، تسافر ببضعة مرافقين بينما إخوتها غير الأشقاء يصطحبون جيوشًا من الخدم، كانت تثير الغضب في داخلها. في النهاية، لم يكن أمامها خيار سوى قبول وصيفات سينيفيير. لكنها لم تأمن جانبهن لحظة واحدة، وظلت تراقب كل حركاتهن كما لو كانت تحرس كنزًا.
عندها سمعت صوتًا مترددًا بجانبها.
“هل تنوين حقًا أخذ كل هذا القدر من الأمتعة؟”
رفعت نظرها لتحدق في الرجل الذي اقترب منها بنظرة حادة. لم يمضِ وقت طويل على طردها للحارس الغبي الذي كان يتودد إلى ولي العهد، وها هو الحارس الجديد يتحدث إليها بهذه الطريقة دون أي تحفظ. ولم يرق لها ذلك إطلاقًا.
ردت عليه ببرود:
“هل لديك مشكلة مع أمتعتي؟”
قال مبتسمًا بتوتر:
“أتفهم رغبتكِ في الحفاظ على هيبة العائلة الإمبراطورية، ولكن أليس هذا مبالغًا فيه؟ مئات الفساتين ومجوهرات لا تُعد ولا تُحصى… إن لم تكوني تنوين تغيير ملابسكِ خمس مرات يوميًا، فهذه الحمولة لا ضرورة لها.”
“بل أنوي تغييرها عشر مرات إن لزم الأمر. أثناء السفر بالعربة، سأتعرض للغبار من كل جهة، ولن أسمح لنفسي بارتداء شيء متسخ حتى للحظة واحدة.”
قال، محاولًا الضحك بتوتر:
“لكن هذا… هذا يبدو كمزاح…”
لم تدعه يكمل. تركته خلفها وتوجهت نحو عربتها. كانت عربتها، التي وُضعت في آخر القافلة، لا تقل فخامة عن عربة ولي العهد، مزينة بالذهب والعاج، ومزودة بمقاعد واسعة مكسوة بالصوف الفاخر والحرير.
فتحت الستائر خلف المقعد لتكشف عن غرفة تبديل صغيرة وخزانة كبيرة. فتحت الأدراج لتتفقد محتوياتها بدقة: أرقى الفساتين وأثمن الحلي، لكنها لم تشعر أن أيًا منها كافٍ لتتفوق على آيلا.
بدأت تُفتش الخزانة بعصبية، تعضّ شفتها السفلى.
“كان عليّ سرقة قلادة الماس التي أهداها الإمبراطور لسينيفيير… لا، بل كان يجب أن آخذ صندوق مجوهراتها كله.”
كانت تعلم أن والدتها ترغب في إفشال خطبة آيلا، ولأجل ذلك لم تكن لتبخل عليها بأي شيء، حتى أغلى المجوهرات.
“هل عليّ العودة الآن إلى القصر الإمبراطوري؟”
تساءلت بتردد، لكنها ما لبثت أن خرجت من العربة متوجهة إلى جناح سينيفيير، عندما لمحت باركاس، يرتدي زي فرسان “رويم نايتس”، بين الجنود.
توقفت في مكانها، متجمدة. رغم وجود أكثر من 150 فارسًا يرتدون نفس الزي، لم ترَ سوى باركاس وحده. عيناها ثبتتا عليه، على ظهره المستقيم وكتفيه العريضتين، وعلى شعره الذهبي الرمادي المتلألئ.
كان يتنقل في الفناء يوجه أوامره للفُرسان بخطوات رشيقة، يبدو أنه كان يُراجع صفوف القافلة قبل المغادرة. مع اقترابه، شعرت تالیا وكأنها تبتلع زجاجًا مكسورًا.
نظرته، التي كانت تتحرك بلا مبالاة على القافلة، توقفت أخيرًا عند عربتها. من هذه المسافة، رأت تعبير العبوس الطفيف يظهر على جبينه، ذلك التعبير الذي لا يفارق وجهه حين يراها.
اقترب أكثر، ووجهه البارد الذي لطالما آلمها اقترب منها خطوة بخطوة.
“ألَم تنتهي من استعداداتك بعد؟”
سأل، دون أن ينظر إليها حتى، وهو يوبّخ الحارس الجديد الذي بدا محرجًا.
“يبدو أننا نحتاج إلى عربة إضافية لنقل أمتعتها، كما ترى.”
نظر باركاس إلى الخدم الذين كانوا يحاولون حشو الجبال من الأمتعة داخل العربة، وتعبيرات الضيق بدأت تظهر على وجهه الجامد.
ثم أخيرًا، التفت إليها.
“سنمرّ عبر ست مدن كبرى. يمكنك شراء ما تحتاجينه في الطريق، فلا داعي لكل هذا العبء.”
رفعت رأسها بتحدٍ:
“كلا. من يضمن لي ما سأحتاج إليه؟”
“لا شيء سوى الملابس والحُلي، كما هو واضح.”
قال بصوت جاف،
“في الشمال الغربي مدن صناعية وتجارية. ستجدين ما يكفيك من التسوق هناك. لا تُرهقي الخدم قبل حتى أن نغادر.”
ضحكت بازدراء:
“لا تحاول خداعي. تريد مني أن أبدو كأميرة مدللة تفرط في الترف أثناء الحجّ، لتقارَن آيلا بي، أليس كذلك؟ تظن أنني سأسقط في هذا الفخ؟”
“منذ متى بدأتِ تهتمين برأي الناس؟”
قالها ساخراً، ثم تابع:
“لا أحد، ولا حتى الإمبراطور، سيضعكِ في مقارنة مع الأميرة الأولى. فلا تقلقي على ما لا يستحق.”
كانت تلك كلمات لا تحتملها من فمه تحديدًا.رفعت يدها بعصبية لتصفعه، لكنه أمسك بمعصمها بسرعة، ثم أشار بذقنه إلى الخدم.
“احتفظوا بما هو ضروري فقط. أما الباقي فأنزلوه فورًا، ننطلق خلال لحظة.”
صرخت:
“بأي حق؟!”
حاولت بكل قوتها أن تخلص نفسها من قبضته، لكنه لم يتحرك.
ثم فجأة، رفست ساقه بغضب وصرخت:
“من تظن نفسك لتقرر مصير أمتعتي؟! هل تظن أنك أصبحت شيئًا عظيمًا؟ لست دوقًا بعد! مجرد حارس في قصر الإمبراطورية! من تظن نفسك لتتكلم مع أميرة؟!”
لكنه تجاهلها، والتفت إلى الخدم ببرود:
“ما الذي تنتظرونه؟ أسرعوا.”
وبالفعل، بدأ الخدم بإنزال الأمتعة واحدًا تلو الآخر. بدا واضحًا أن أوامر القائد الأعلى للحرس الإمبراطوري والوريث المرتقب للدوقية الشرقية كانت فوق أوامر أميرة بلا سلطة حقيقية.
جن جنون تاليا. بعينين مشبعتين بالغضب، اندفعت نحو إحدى الخادمات تصرخ:
“ابتعدي عن أمتعتي حالًا! لو فُقد شيء واحد فقط، سأعلّق رؤوسكم جميعًا على الأسوار…!”
لكنها لم تكمل جملتها، إذ رفعها باركاس بذراع واحدة، وكأنها لا تزيد عن كتلة أمتعة مزعجة، ودفعها داخل العربة بلا أي تردد.
وقعت تاليا على المقعد، ووجهها يشتعل احمرارًا من شدة الغيظ.
باركاس، ذلك الرجل المملوء حتى النخاع بالولاء للعائلة المالكة، لم يكن ليمسّ أيلا بسوء مهما حدث. أما هي، فلم يكن يراها حتى كواحدة من السلالة الإمبراطورية.
كانت الإهانة أكثر مما يمكنها تحمّله. كانت تبكي من شدة القهر، لا من الضعف. أن ترى ذلك الرجل، الذي ينحني دومًا احترامًا لأختها غير الشقيقة، يعاملها هي بهذه القسوة والاحتقار، كان كافيًا ليكسر ما تبقى من كبريائها.
التعليقات لهذا الفصل " 19"
هي لو تعقل وتصير مثل امها 🐍 تجيب عشرة باركاس