“الحمى لم تزُل بالكامل بعد. لماذا أنتِ بالخارج بدلاً من أن ترتاحي في غرفتكِ؟”
“شعرت بالضيق من البقاء داخل غرفة النوم. ورائحَة احتراق الحطب تجعل حلقي يلسع…”
ضيّق حاجبيه.
بالفعل، أصبح سعالها أكثر تكراراً منذ أن بدأوا بإشعال النار.
بدا أنه يجب عليه تجهيز جهاز تدفئة يستخدم الحجر السحري قريباً.
“ومع ذلك، لا تبقي في الخارج لفترة طويلة. الهواء بارد.”
“إذن متى سأستخدم هذا المعطف؟”
رمقته باستغراب.
بعد صمت وجيز، ردّ بارْكاس بهدوء.
“يمكنكِ استخدامه عندما تخرجين معي في نزهة.”
ربما كانت الإجابة غير متوقعة، فكبرت عيناها اللتان تشبهان سماء الخريف قليلاً.
قالت ببرود وهي تخفي علامات اضطرابها بإرخاء رموشها الطويلة:
“أنت مشغول جداً. كيف تعرف متى يمكنك تخصيص وقت لي؟”
“قريباً…”
كان على وشك أن يقول إنه سيخصص وقتاً، لكنه تذكّر الأخبار التي وصلت من بالتو، فصمت.
فرك ما بين حاجبيه وهو يشعر بشيء قريب من الانزعاج، في حين ابتعدت المرأة التي كانت تراقب تعابيره خطوة وتحدثت بفتور:
“لا يهم. لا داعي للقلق بشأني، فقط اذهب وانظر إلى شؤونك الخاصة.”
ثم استدارت نحو مدخل القصر الرئيسي.
أمسك بها بارْكاس بشكل شبه انعكاسي.
عادت صورته لتنعكس في عينيها المتوسّعتين.
“سأصطحبكِ إلى الغرفة.”
“لا حاجة. يمكنني المشي بقدميّ…!”
تجاهل كلماتها ورفع جسدها الصغير.
بعد أن نظرت إليه بغضب للحظة، استندت المرأة على كتفه بتعبير مستسلم.
دعم ظهرها بقوة وأومأ برأسه إلى الخادمة القزمة التي كانت تنتظر بتردد على مسافة.
“اذهبي إلى مكتب الشؤون العسكرية وأخبريهم أنني سأحضر بعد ساعة واحدة، وأن ينتظروا.”
“آه، حسناً.”
تجاوز الخادمة التي انحنت في ارتباك ودخل القاعة، حيث انهالت عليه نظرات الخدم الذين كانوا يتجولون بانشغال.
تجاهل النظرات التي كانت تراقبه وكأنه مشهد ثمين وصعد الدرج بخطوات واسعة، ورأى خادمة تتسكع بالقرب من غرفة نومه.
“لماذا أنتِ هنا؟”
تقدم نحوها وتحدث، ففزعت الخادمة الشابة التي كانت تتململ أمام الباب وانحنت.
“تحية لك يا صاحب السمو الدوق. صباح اليوم، أرادت سمو الدوقة بعض الفاكهة الطازجة، لذلك أحضرنا البضاعة على عجل من السوق. لكن بما أنها كانت قد غادرت مؤقتاً، كنت أنتظر.”
أنزل بصره إلى الصينية التي تحملها الخادمة.
كانت طبق فضّي يحتوي على عنقود من عنب الميرلو وبعض قطع الكمثرى المقشرة بعناية.
على الرغم من أنها كانت تأكل في الأصل الفاكهة أو المشروبات الممزوجة بالعسل بشكل رئيسي، إلا أنها لم تكن تتناولها إلا بعد توسلات مربّيتها.
لم يسمعها أبداً تقول إنها تريد أن تأكل شيئاً بنفسها، فشعر بالسرور.
عدّل بارْكاس حملها بذراع واحدة، وتناول الطبق باليد الأخرى.
“شكراً لكِ. سأتولى الأمر بنفسي، يمكنكِ الانصراف.”
ثم فتح الباب ودخل غرفة النوم.
“هل كنتِ ترغبين في تناول الفاكهة؟”
أنزلها على الكرسي ذي الوسائد السميكة وانحنى أمامها، فرأى وجهاً يبدو قلقاً.
قسّت تاليا فمها لتخفي مشاعرها وقالت بلامبالاة:
“لم تكن تلك هي الفاكهة التي طلبتها.”
“إذن ما الذي كنتِ ترغبين في تناوله؟”
لم تستطع المرأة الإجابة على الفور، وظلّت تمزّق طرف ثوبها، وبعد فترة طويلة، تمتمت بهدوء:
“الفراولة…”
عبس.
كانت الفاكهة قد انتهى موسمها منذ فترة طويلة.
هي أيضاً كانت تعلم هذه الحقيقة جيداً، فأضافت بسرعة وكأنها تدافع عن نفسها:
“طلبت منهم أن يحاولوا الحصول عليها إذا أمكن، لم أكن مصرّة أو وقحة. مجرد سؤال في السوق ليس طلباً مستحيلاً، أليس كذلك؟”
“يمكنكِ أن تطلبي أي مهمة من هذا القبيل.”
قال بنبرة حازمة.
اجتاحه نوع من القلق بسبب سلوكها الذي بدا وكأنها تتحسس رأيه.
هل تعتقد أنها ستُوبّخ على طلب كهذا؟ شعر بالإحساس الذي كان يخنق حنجرته ينزل إلى صدره، فرفع ذقنها برفق.
“هل ترغبين في تناول الفراولة؟”
“فقط فكرة طرأت على بالي فجأة…”
“لن يكون ممكناً اليوم، لكنني سأحضّرها لكِ في غضون أيام قليلة.”
التعليقات لهذا الفصل " 132"