لامس “باركاس” جبهتها بقمّة أنفه المستقيم وهو يداعب شفتيها بإبهامه.
“سأجعل الغرفة مظلمة في ذلك اليوم.”
أومأت “تاليا” برأسها ببطء وهي تتجوّل بعينيها، وقد أسندت كتفها على صدره.
أمسك بذقنها وراح يحدّق في عينيها بهدوء.
في اللحظة التي شعرت فيها برغبة في الهرب بسبب شعور غامض بالخجل، أنزل شفتيه مرة أخرى.
كانت هذه المرة قبلة خفيفة كأنّ طائراً ينقر بمنقاره.
هذا التلامس كالريشة هدّم أعماق قلبها.
أغمضت “تاليا” عينيها بشدة كأنها تنكر تلك الحقيقة.
* * *
منذ ذلك اليوم، بدأت “تاليا” تبقى في غرفة نومه كأمر طبيعيّ.
لقد اتخذت ذريعة أنها تفعل ذلك لمراقبة خبيرة الشفاء التي لا تثق بها.
ومع ذلك، لم تغادر الغرفة حتى بعد انتهاء العلاج.
كانت تستجيب لطلبه بإطعامه الدواء على مضض وتتلكأ، ثمّ تنام في سريره بشكل أو بآخر.
كان هذا التغيير قد حدث بعد شهر واحد فقط من صراعها للعودة إلى غرفتها.
شعرت بالاشمئزاز من نفسها، لكن “تاليا” برّرت لنفسها بشتّى الأعذار.
هذا مجرّد تغيير مؤقّت.
هو مصاب، ولأنني لا أستطيع أن أرفضه وهو مصاب، أنا أتساوم معه مؤقتاً.
كانت تنوي العودة إلى ما وراء الخطّ الذي رسمته لنفسها بمجرد أن يتعافى “باركاس” تماماً.
ولذلك، كان غضبها على “باركاس” الذي لم يعتنِ بنفسه غضباً مبرّراً.
ألن تطول هذه الحالة الغامضة كلما تأخر تعافيه؟
“تاليا”، التي كانت تتجهّز طوال اليوم، وجّهت اتهامها مباشرة إلى “باركاس” الذي عاد إلى الغرفة في وقت متأخر.
“أنت لا تملك الحق في توبيخي بشأن صحتي.”
أرسل “باركاس” نظرة استغراب وهو يدخل الغرفة.
ألقت “تاليا” بالكتاب الذي كان على ركبتيها ونهضت من سريره ورفعت صوتها.
“أنت تعمل كالبهائم كل يوم وأنت في هذه الحالة! كنت تعاني من الحمّى في الفجر…….”
“جسدي كان سليماً.”
اعترض “باركاس” ببرود وهو يخلع معطفه.
رفعت “تاليا” زاوية عينيها.
“لا، لم يكن كذلك. كنت ساخناً أكثر من المعتاد.”
“إذا كان كذلك، فربما لم يكن ذلك بسبب الحمّى.”
عبّرت “تاليا” عن حيرة لوهلة، ثمّ احمرّ وجهها.
لم تستطع أن تفهم كيف يمكنه أن يقول مثل هذا الكلام دون أن تتغيّر ملامح وجهه.
بدا كأنّ مفهوم الخجل غير موجود لديه.
قالت “تاليا” وهي تشدّ على أسنانها.
“لا يمكن أن تكون بخير والسمّ يجري في جسدك. يجب أن تحصل على قسط كافٍ من الراحة حتى تتمّ إزالة السموم.”
“في الواقع، أنهي عملي في وقت أبكر من المعتاد هذه الأيام.”
أجاب “باركاس” بنبرة خالية من العاطفة وهو يحلّ حزام سيفه ويضعه على الحامل.
ضحكت “تاليا” ضحكة ساخرة.
كان روتينه اليوميّ الذي اكتشفته اليوم بعد أن ضغطت على كبير الخدم قريباً من العقاب.
تساءلت عما إذا كان حتى الرهبان الأكثر زهداً يمكنهم العيش على هذا النحو.
كان “باركاس” يستيقظ كل صباح قبل شروق الشمس ويتّجه إلى ساحة التدريب.
بعد تدريب فنونه القتالية هناك، كان ينتقل إلى القاعدة العسكرية لفحص حالة تدريب كل وحدة، وتجنيد المجنّدين الجدد، وإدارة الإمدادات العسكرية بالتفصيل، ثمّ يتولّى معالجة مختلف الوثائق اللازمة.
بعد ذلك، كان يقوم بمهامّ رسمية مثل مراجعة الشكاوى المقدّمة من مختلف أنحاء الشرق أو مناقشة السياسات مع أعضاء مجلس المدينة، وكان يحضر في بعض الأحيان فعاليات تستضيفها الكاتدرائية الكبرى أو اجتماعات اتحاد النبلاء.
كان من الصعب تصديق كيف يمكن لشخص واحد أن يتعامل مع كلّ تلك الأمور دفعة واحدة.
قالت بقلق طفيف.
“حتى الشخص السليم سيموت قريباً إذا عاش مثلك.”
“لقد تمّ تدريبي لأكون قادراً على تحمّل جدول مثل هذا منذ أن كنت في الثامنة من عمري. لا تقلقي، لن تصبحي أرملة بسببي.”
قبضت “تاليا” على قبضتها بسبب إجابته اللامبالية.
لو كان في حالة جيدة، لكانت ألقت عليه وسادة على وجهه الخالي من المشاعر.
“كيف تكون متأكداً من ذلك؟ كل من يموت من الإرهاق يثق بصحته مثلك، ثمّ ينهار فجأة ذات يوم ولا يستيقظ أبداً! انظر، إذا واصلت العيش بهذه الطريقة، فستكون النهاية لك قريباً أيضاً.”
“هل هذا قلق، أم لعنة؟”
نظر إليها “باركاس” بدهشة وهو يفتح أزرار سترته.
ابتسمت “تاليا” ابتسامة شرسة كقطة مسمومة.
“أيّهما يبدو لك؟”
ضيّق “باركاس” عينيه، ثمّ تنهّد بخفة وخلع سترته ورمى بها على الكرسي.
تصلّبت شفتا “تاليا” عندما رأت جسده العاري في الضوء.
لقد أُزيلت الضمادة التي غيّرتها الليلة الماضية بالكامل.
اقتربت منه وفحصت كتفه بانتباه.
لم يبقَ في مكان الجرح سوى أثر طفيف.
“ماذا حدث؟ قلت إن الشفاء سيستغرق يوماً إضافياً.”
“المرهم الذي صنعته خبيرة الشفاء تلك كان أفضل مما توقعت. بمجرد أن تأكّدت من زوال أعراض التسمّم، تلقيت العلاج من الكاهن.”
التعليقات لهذا الفصل " 130"
كملي بلييز❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥🥰