انعكست صورتها المتجمّدة من التوتر في عينيه اللتين اقتربتا منها فجأة.
واصل كلامه بهدوء وهو يلفّ خصلات شعرها التي كان يداعبها بلا مبالاة حول إصبعه.
“هل ستأتين لتوبّخيني مرة أخرى كما فعلتِ اليوم؟”
انتقلت الحرارة التي كانت تُلهب وجنتيها إلى مؤخرة عنقها وشحمة أذنها.
لم يكن هناك أي أعصاب في الشعر، ومع ذلك شعرت بوخز في مؤخرة رأسها كأنّه عضّ عنقها.
أخفت “تاليا” آثار اضطرابها وتظاهرت بالغضب عمداً.
أرادت أن يبدو احمرار وجهها بسبب الغضب.
“نعم. إذا عدتَ مصاباً مرة أخرى، فلن أتركك وشأنك. سأجعلك تتألّم حتى الموت.”
في تلك اللحظة، ارتفعت زاوية فمه قليلاً.
اتّسعت عينا “تاليا”.
لكن الابتسامة التي ظهرت لوهلة اختفت في لمح البصر.
نهض ببطء والتقط قميصه الذي خلعه.
ثمّ أجاب بنبرته الفاترة المعهودة وهو يدخل ذراعيه في الأكمام الكتانية.
“بما أنكِ تخيفينني إلى هذا الحدّ، فيجب عليّ أن أكون حذراً بشكل خاصّ في المستقبل.”
حدّقت به “تاليا” بعينين غاضبتين.
“ألا تأخذ كلامي على محمل الجدّ؟”
“أخذتُه على محمل الجدّ.”
أجاب “باركاس” بلا مبالاة وهو يرتدي قميصه ويزرّر أزراره.
“أليس المعنى أن هذا الجسد أصبح ملككِ الآن، لذا يجب عليّ أن أتعامل معه بحذر حتى لا يُصاب بأذى؟”
“لم أقلها بتلك الطريقة!”
“قلتِها بتلك الطريقة.”
نهضت “تاليا” فجأة.
“سأذهب.”
حدّقت به بوجه غاضب وسارت نحو الباب وهي تعرج، فقبض على معصمها على الفور.
كانت “تاليا” على وشك دفعه بعيداً، لكنها أبعدت يدها فجأة عندما شعرت بملمس الضمادة من خلف القميص الرقيق. نظرت إلى وجهه خوفاً من أن تكون قد آذته، فسحبها “باركاس” بشكل طبيعيّ نحو السرير.
“لم تطعميني الدواء بعد.”
داعبَت أنفاسه الناعمة جبهتها.
حدّقت به “تاليا” بوجه محمرّ بالكامل.
كان “باركاس” يبدو وكأنه يطلب شيئاً طبيعياً.
شعرت بقلق مضحك للحظة، خشية أن تكون قد زرعت فيه انطباعاً مشوّهاً بأن إطعامها له الدواء فمويّاً هو أمر طبيعيّ.
بينما كانت تفكّر في هذه الأفكار الحمقاء، فتح الدرج وأخرج قارورة الدواء.
“ها هو.”
ثمّ جلس على حافة السرير ولفّ ذراعاً حول خصرها حتى لا تهرب.
تناولت قارورة الدواء على مضض وفتحت الغطاء، فرأت سائلاً أرجوانيّ اللون متجمّعاً في الداخل.
قرّبت القارورة من وجهها وشمّتها.
لم تكن هناك رائحة المرّ العائدة لعصارة المندرغورة، بل رائحة عسل قوية ورائحة نعناع خفيفة.
“هل هذا دواء سليم؟”
“إنه دواء سليم. قيل إنه محلول لتنقية الدم. أبقيتُ عليه لأنه فعّال في إزالة سموم الوحوش أيضاً.”
على الرغم من شرحه، لم تتخلّ “تاليا” عن نظرتها المتشكّكة.
“هذا الدواء، أعطتك إياه خبيرة الشفاء تلك، أليس كذلك؟ هل يمكن الوثوق بتلك المرأة حقاً؟ إذا وصفت الدواء بشكل خاطئ مرة أخرى…….”
“تلقيتُ هذا الدواء من “دارين”.”
قاطعها “باركاس”.
“إذا كنتِ قلقة، فلن تضطري إلى وضعه على فمكِ.”
ثمّ أخذ نفساً قصيراً وحاول أن يسحب قارورة الدواء من يدها.
أخفت “تاليا” القارورة خلف ظهرها دون وعي.
“من قال إني لن أفعل؟ أنا قلقة وحسب…….”
اعترفت بذلك دون قصد، ونظرت إلى تعابير وجهه.
لحسن الحظ، لم يبدو أنه لاحظ أن قلقها كان على صحّته.
حدّق بها “باركاس” وهو يقطّب جبينه بجدّية، وقال بصدق.
“لن يلمس فمكِ أي دواء صنعته خبيرة الشفاء تلك في المستقبل، لا تقلقي. لقد أُقيلت من مهامّها الرئيسية بعد ذلك الحادث.”
“يجب أن تكون أنت حذراً أيضاً! ما معنى الإقالة، وهي لا تزال تعمل كطبيبة شخصية للدوق!”
عندما سخرت بقوّة، تنهّد بخفة.
“استدعيتها استثناءً هذه المرة فقط. قيل إنه لا يوجد أحد في الشرق أكثر دراية بعلم الصيدلة منها. بما أنها عالجت جروحاً عديدة لم يكن السحر يجدي معها، فقد قرّرت أن تعتني بجرحي فقط حتى يزول السمّ.”
شعرت بضيق في بطنها بسبب إجابته الهادئة.
استذكرت “تاليا” صورة خبيرة الشفاء.
كانت امرأة شابة بعينين كبيرتين و صافيتين كالبقرة.
على الرغم من أنها تعلم جيداً أن “باركاس”، الذي لم يكن يرفّ له جفن لجميلات القصر الإمبراطوري المشهورات، لن يهتمّ بامرأة وضيعة مثلها، إلا أن الشعور بالقلق لم يتبدّد.
كان ذلك على الرغم من أنها تعلم أن معظم البشر بالنسبة إليه ليسوا أكثر من جمادات متحرّكة.
منذ أن كانت صغيرة جداً، لم تستطع “تاليا” تحمّل وجود امرأة أخرى تتسكّع حوله.
لدرجة أنها طردت جميع الخادمات اللاتي كنّ يرمينه بنظرات حارقة.
في النهاية، استسلمت لتلك الغيرة المشمئزة مرة أخرى.
“لا أثق بتلك المرأة. الخطأ الأول يصبح خطأين، والخطأين يصبحان ثلاثة أخطاء. على ماذا تعتمد لتأتمنها على جسدك؟”
حدّق بها “باركاس” مليئاً، ثمّ أومأ برأسه ببطء.
“إذا كنتِ مصرّة، فسأطردها من القلعة قريباً.”
فوجئت “تاليا” بإجابته السهلة، فقالت على عجل.
“من قال لك أن تفعل ذلك؟ من الواضح أنني سأصبح المرأة السيئة مرة أخرى. سيقولون إنني الشريرة التي طردت خادمة مخلصة لعائلة الدوق بلا رحمة.”
ضيّق ما بين حاجبيه وألقى عليها نظرة غريبة.
لا بد أنه كان يفكر، هل أنتِ مهتمة بسمعتكِ؟
حدّدت “تاليا” زاوية عينيها بحدة.
“إذا كانت تلك المرأة تستطيع حقاً الاعتناء بجرحك، فسأسمح بالعلاج. لكن يجب أن تتمّ العملية بأكملها أمام عيني. إذا رأيتكما لوحدكما في غيابي…….”
صمتت “تاليا” فجأة وهي تطلق الكلام بسرعة.
لقد أدركت أن كلماتها كشفت عن غيرتها الفجّة بوضوح.
نظرت سريعاً إلى تعابير وجهه، ثمّ أضافت بسرعة.
“إذا حدث لك شيء، فسيكون وضعي في خطر أيضاً. هذا الأمر يتعلّق بسلامتي كذلك.”
حدّق بها “باركاس” بنظرة لا توصف.
كانت عيناه مصرّتين كأنه يريد أن يشرح ما في رأسها.
فتح فمه بعد فترة طويلة.
“إذا كان ذلك سيشعركِ بالاطمئنان، فسأفعل ما تريدين.”
أثار رده الخاضع بشكل غريب قلقها بدلاً من طمأنتها.
عضّت شفتيها.
لماذا يتحمّل كل هذا التذمّر مني؟ هل هو فقط يعاملني بلطف من باب الواجب لأنني زوجته؟
أم أنه أصبح يحبّني قليلاً؟ هل يريدني أن أبقى معه؟
سحقت عدداً لا يحصى من علامات الاستفهام وابتلعتها.
هذا تضرّع. لن تنحدر إلى هذا المستوى أبداً.
لن أتوقّع منك أي مشاعر بعد الآن.
بينما كانت تتمسّك بكذبها الممزّق بصعوبة، سحبها إلى حضنه.
شدّت “تاليا” جسدها لدرجة كبيرة لتجنّب لمس جرحه.
لكن “باركاس” لم يبدُ مهتماً بإصابته على الإطلاق.
انتزع “باركاس” قارورة الدواء بشكل طبيعيّ وهو يعانق ظهرها بقوّة.
“افتحي فمكِ.”
اتّبعت تعليماته دون وعي، فقرّب فوهة القارورة الزجاجية من فمها وأمالها بحذر.
بعد ذلك، بدأ السائل الحلو لدرجة تذويب اللسان ينساب شيئاً فشيئاً.
أحنى “باركاس” رأسه وهو يحدّق في المنظر بعينين مغمورتين بالظل.
التقط لسانه الناعم السائل الحلو المتجمّع داخل فمها.
لفّت “تاليا” ذراعيها حول عنقه بشكل طبيعيّ.
شعرت أن دماغها يذوب من الإحساس القويّ باحتكاك الغشاء المخاطي بالغشاء المخاطي.
“آه…….”
أبعد “باركاس” شفتيه بعد أن امتصّ السائل الذي لم يكن يتجاوز رشفة واحدة لفترة طويلة.
وبينما كانت تحاول تنظيم أنفاسها، ضغطت القارورة الزجاجية على شفتها السفلية مرة أخرى.
عندما فتحت فمها بناءً على طلبه الصامت، تسلّل السائل اللزج كالعسل.
ثمّ تبع ذلك لسانه كخطوة طبيعية تالية.
لم تتوقّف القبلة التي بدأت بحجة الدواء إلا عندما ابتلع الظلام ضوء الغروب تقريباً.
“……متى سيُشفى الجرح بالكامل؟”
سألت “تاليا” بلا مبالاة وهي تستند برأسها على كتفه السليم وتلتقط أنفاسها.
التعليقات لهذا الفصل " 129"