بعد ذلك اليوم، أصبحت تاليا لا تستطيع تقريبًا تناول أي طعام. لم تستطع أن تثق بما قد يكون داخل الطعام.
كانت المربية، التي لم تفهم السبب، تشعر بالإحباط. كانت تعتقد فقط أن تاليا تتصرف بشكل متقلب.
لم تشرح تاليا شيئًا، واكتفت بتناول الفواكه والعسل التي كانت المربية تقدمها لها كوجبات خفيفة.
لم تعد الوحدة أو العزلة مشكلة بالنسبة لها. في أكثر الأماكن فخامة وبذخًا، كانت تضطر إلى محاربة الجوع.
في بعض الأيام، كانت تشعر بالجوع الشديد لدرجة أنها كانت تضطر لتناول الطعام الذي يجلبه الخدم، رغم ترددها. لكن الطعام كان يحتوي دائمًا على حشرات أو فئران، وأحيانًا كرات شعر ملتوية لا تعرف لمن تعود.
بعد عدة تجارب من هذا النوع، أصبحت تالياً في مرحلة لم تعد فيها قادرة على تناول أي شيء. خلال أسابيع قليلة، أصبحت هزيلة جدًا.
حتى المربية، التي كانت غافلة عن الوضع، بدأت تلاحظ أن هناك شيئًا خاطئًا. فذهبت مباشرة إلى الإمبراطورة، طالبةً مساعدتها، وقالت لها أن ابنتها الوحيدة في خطر.
وبفضل ذلك، استطاعت تالياً أخيرًا رؤية وجه والدتها بعد أشهر.
“كيف أصبحتِ على هذه الحال؟”
كان هذا أول ما قالته “سينيفير”، وهي التي كانت تنكرت تمامًا لوجود ابنتها، عندما زارت القصر الصغير لأول مرة.
حدقت تاليا في والدتها، التي بدت مشرقة وجميلة كزهرة في يوم صيفي، وأغرقت عيونها في الدموع. كانت والدتها تتمتع بوجه نقي بشكل مبالغ فيه، مما أثار في داخلها مشاعر مختلطة من الغضب.
كانت على وشك أن تصرخ في وجه والدتها، تسألها كيف يمكنها أن تكون أنانية لهذه الدرجة. لكنها، عندما فتحت فمها، انطلقت دموعها.
بدأت تاليا تبكي مثل الطفل الرضيع، وبدأت تروي كل ما مر بها من محن. تحدثت عن الأعمال الوحشية التي ارتكبها الخدم، وعن المعاناة التي تحمّلتها طوال الفترة الماضية. ومن البداية حتى النهاية، كانت سينيفير جالسة بجانب سريرها تستمع في صمت.
كانت تاليا تعتقد أن والدتها كانت صامتة بسبب الغضب، وأنها لم تستطع التعبير عن كلماتها بسبب الفظائع التي تعرضت لها ابنتها.
وبينما كانت تهز ذراع والدتها بعنف، طالبت بتغيير الوضع فورًا.
“أمي! لا تدعيهم يؤذونني بعد الآن! يجب أن تتخذوا إجراءات فورية حتى لا يتجرأ أحد على إيذائي مجددًا!”
ردت سينيفير وهي تميل رأسها بتعجب:
“لماذا يجب علي أن أفعل ذلك؟”
كانت الإجابة غير متوقعة، فأصابتها الدهشة. كان وجه سينيفير مليئًا فقط بالفضول البريء، وكأنها لم تفهم السبب وراء طلب ابنتها المساعدة بعد كل ما مرت به.
“تاليا، هذا القصر هو قصرك، وكل الخدم هنا هم ملكك. أنت الآن في التاسعة من عمرك. كيف تتوقعين مني أن أتدخل إذا كنت لا تستطيعين إدارة أمورك الخاصة؟”
أصبحت تالياً في حالة من الذهول التام.
ثم أخذت سينيفير بيدها كأنها تستعرض خيبة أمل كبيرة، وأطلقت تنهيدة عميقة، وهي تلمس خديها كما لو أنها حزينة على ابنتها.
“أنت ابنة الإمبراطور. لا أفهم كيف يمكن أن تتعرض ابنتي لمثل هذا، كيف يمكن أن تكوني ضعيفة جدًا لهذه الدرجة. هذا محير.”
“أم… أمي…”
تأملت سينيفير في الشعلة المضيئة على نافذة القصر، لكن وجهها الجميل كان خاليًا تمامًا من أي مشاعر غضب بسبب ما تعرضت له ابنتها. كان يظهر عليها فقط شعور بالملل والإحباط، وكأنها تفكر في كيفية إيقاظ ابنتها لتصبح أقوى.
بدأت تاليا تشعر وكأنها أمام حشرة تحاكي شكل الإنسان.
بعد فترة طويلة من التفكير، ضربت سينيفير بأصبعها وقالت:
“لنحاول شيئًا مختلفًا. سأترك لك حارسًا جيدًا. لقد ربيته طويلًا وهو رجل قوي، وإذا عرفت كيف تديرين الأمور معه، قد يكون مفيدًا جدًا لك.”
وبدت سينيفير وكأنها قد حلّت جميع المشاكل، فنهضت فجأة.
أمسكت تاليا بثوب والدتها بقلق.
“لا أحتاج إلى مثل هذا الشخص! أريد أن أبقى معكِ!”
وبينما ظهرت على وجه سينيفير لمحة من الاشمئزاز، أصبح وجه تاليا شاحبًا من الصدمة.
بدأت سينيفير في إزالة أصابع ابنتها التي تمسكت بثوبها، ثم انحنت نحوها وقالت بجدية، وكأنها لا تستطيع فهم الموقف:
“تاليا كل هذا بدأ منّي. هل تعرفين لماذا لا يضعون الفئران في حسائي؟”
تجمدت تاليا في مكانها مثل فأر أمام ثعبان، ولم تستطع الرد.
“هل تعرفين لماذا ماء حمامي دائمًا دافئ وعطره رائع؟ لماذا طاولتي دائمًا مليئة بالأطعمة؟ ولماذا لا يجرؤ أحد على إيذائي مثلما فعلوا معك؟ هل تريدين أن أخبرك بالسبب؟”
اقتربت شفاهها الحمراء كالدم من أذنها وهمست:
“لأنهم يخافون مني. لا يجرؤون على فعل ما فعلوه بكِ معي. وبعضهم يشعرون بالخوف والاحترام تجاهي. بالطبع، هناك من يكرهونني ويحتقرونني، لكن حتى هؤلاء لا يروني هدفًا سهلاً. لأنني كائن مُهدِّد.”
حدقت سينيفير في عيون ابنتها، وكأنها تلمح شيئًا مظلمًا مختبئًا فيها.
ثم استقامت سينيفير وأعطت ابنتها آخر نصيحة:
“تذكري، ما هو قوي وجميل يصبح مصدرًا للخوف والإعجاب. لكن الجميل والضعيف يصبح هدفًا للنهب. خاصة في هذه القصر. إذا كنت لا تريدين أن تُداسِيَ على يد الوحوش هنا، فعليك أن تحافظي على سر قوتك.”
ثم تركتها وخرجت، تاركةً ابنتها الضعيفة وراءها.
تلك الليلة، أمضت تالياً وقتًا طويلاً في التفكير في كلام والدتها.
الضعفاء يُسحقون. وسينيفير لم تكن تملك نية لحماية ابنتها الضعيفة.
هل هذا هو شعور الجندي الذي فقد آخر قلاعه؟ بدأ جسدها يرتجف من الخوف من مصير أسوأ قد يحدث قريبًا.
إذا كانت ستعامل أسوأ من هذا، فلا أحد سيفتح ذراعيه لحمايتها. بعد أن تركتها والدتها، هل يظن الإمبراطور أنه سيولي ابنتًا غير شرعية أي اهتمام؟
كانت تحتضن نفسها بشدة في السرير، تقضم أظافرها بقلق. كانت تتذكر أقدام الخدم وهم يسيرون بالقرب منها عندما كانت تتقيأ في مطبخ القصر.
كانت تلك الأرجل تمشي حولها بلا مبالاة، وكأنها مجرد حشرة يُسحق بها.
أحست بحرارة عينيها وكأنها تحترق. كانت كلمات والدتها صحيحة. قريبًا، ستتحطم إلى أجزاء صغيرة.
وكانت كل هذه المعاناة بسبب ذنبها. فقد جعلها شعورها بالذنب ضعيفة.
حين بدأ الآخرون يعرفون أنني لن أقاوم، أصبحوا يزدادون قسوة.
ولكن عندما حل الصباح، أدركت تالياً تمامًا ما يجب عليها فعله.
التعليقات لهذا الفصل " 11"
شكله محد صاحي بالقصة ذي
امها مريضة