الفصل 101
شعر بتوتر أعصابه في جميع أنحاء جسده.
عندما سكب ببطء سائلًا ذا رائحة عشبية في فضاء ضيق ورطب، تقلّص وجهها المحمّر قليلًا بعبوس خفيف.
بدا أن طعم الدواء كان منفّرًا لها حقًا.
لكنه لم يستطع أن يتفهم إحساسها.
كان يشعر برائحة العشب القوية التي تهيّج الأنف، والطعم المرّ الحاد الذي يحفّز براعم التذوّق، لكن دون أي نفور.
أدخل باركاس لسانه في فمها المنقبض بشدة ثم أخرجه مرارًا، مقربًا جسدها المرتجف أكثر.
ابتلعت ما تجمّع في فمها، مرتجفةً برفق، وصوت أنفاسها المتقطّعة بلّل طرف لسانه.
وقعت عيناه على وجهها المضطرب بشدة بسبب هذا الفعل غير المألوف.
في لحظة، شعر وكأن شيئًا حادًا خدش عموده الفقري.
ضغط بإبهامه على شفتيها المنتفختين، مفسحًا فكّها بالقوة.
ارتجفت عيناها المبلّلتان بالقلق.
تسرّب صوته المتعجّل قليلًا:
“هيّا، بسرعة لتشربي الدواء”
نظرت إليه بعينين مشوّشتين، ثم أخرجت لسانها ببطء.
امتصّه في فمه على الفور، يمتصّه بلطف، فتصلّب جسدها النحيل وكأنه سينكسر من الصدمة.
أمسك برقبتها المشدودة، مقربًا رأسه أكثر.
شعر من تحت طبقة الثياب الرقيقة بهيكلها العظمي الدقيق ومنحنياتها الناعمة.
كان جسدها، الذي خسر وزنًا ملحوظًا خلال موسمين فقط، يبدو وكأنه سيتفتّت بأدنى ضغط.
شعر بالقلق لسبب ما، فتراجع عنها.
سمع صوتًا يشبه البكاء:
“لماذا…”
نظرت إليه بعينين محمومتين، وخرج من بين شفتيها المنتفختين صوت كطفل تائه:
“لماذا تفعل مثل هذه الأشياء؟”
عبس متجهّمًا.
أراد أن يسألها بدوره:
لماذا لا يُفترض بي أن أفعل هذا؟
كانا زوجين.
حتى لو فعلا أكثر من ذلك، لم يكن ليكون شيئًا غريبًا.
لم يطالب به فقط لأنه يعلم أنها لا تريده.
‘لكنّكِ أنتِ من مدّ يده أولًا.’
كبح رغبته في لومها، ونظر إلى عينيها المشوّشتين المحيّرتين.
شعر فجأة بانقباض في صدره بسبب نظرتها الممزوجة بالحيرة والحذر والشك.
أرخى ذراعيه ببطء، وقال ببرود:
“إذا كنتِ تكرهين أن أفعل هذا، فلا تتحدّينني في المستقبل.”
نظرت إليه بعينين مظلّلتين، تعضّ شفتيها وتخفض بصرها.
جذبت شفتاها المشوّهتان انتباهه مجدّدًا.
سخر من نفسه وهو ينهض من السرير، لكن صوتها المكبوت خدش أعصابه:
“مَن، مَن قال إنّني أكره ذلك؟”
نظر إليها باركاس بعيون باردة.
بدت وكأنها تطالب بشيء أودعته عندها.
“لن أبكي بعد الآن، فاستمر. الدواء، لا يزال هناك بعض منه، أليس كذلك؟”
في لحظة، اجتاحت حرارة شرسة أحشاءه.
عبس وهو يشعر بشيء يشبه النفور.
ما الذي تريده هذه المرأة منه بالضبط؟
“أتمنّى أن تتألم. أن تتألم كثيرًا جدًا.”
عبرت كلماتها التي قالتها ذات مرة وهي مخمورة بالدواء ذهنه.
في ذلك الوقت، تجاهل كلماتها كشيء تافه.
حتى بعد مرور عشرات السنين، لم يستعد بعد إحساسه بالألم.
لم يعد قادرًا حتى على تذكّر كيف كان شعور الألم.
لربما، الإحساس الذي يشعر به الآن قد يكون قريبًا من ذلك.
“إذا، إذا كنتَ تكره ذلك، فاذهب بعيدًا.”
لم تتحمّل تاليا الصمت الطويل، فدفعته من صدره.
أمسك يدها بسرعة كما لو يختطفها، وسحب جسدها الخفيف بشكل مذهل إلى حضنه.
اقترب وجهها الجميل بشكل غريب.
لفّ شعرها الناعم المرعب حول أصابعه، وعضّ شفتيها الناعمتين مجدّدًا.
كانت دائمًا امرأة لا تشبع حتى تدمّر الآخرين وحتى نفسها.
منذ أن تحمّل مسؤوليّتها، كان يعلم أن عالمه المنظّم سينهار.
أغمض باركاس عينيه وهو يشعر بحرارة كأن أحشاءه تتمزّق تنتشر ببطء في جسده.
كأنه ابتلع سمًا.
* * *
استمرّت الرحلة بسلاسة.
زاروا الأراضي الرئيسية في الشمال الشرقي، ثم تحرّكوا جنوبًا، متجوّلين في عدّة مناطق تجارية.
تكشّفت أمامهم مناظر مدن كبرى مبهرة بحجمها الضخم.
لكن لم يجذب أيّ منها قلبها.
كان ذهنها مليئًا بالحيرة.
فركت تاليا شفتيها المؤلمتين وهي تنظر من النافذة.
ظهرت صورة باركاس بين الفينة والأخرى بين الفرسان الذين يسيرون بانتظام.
كان يرتدي درعًا أسود، يقود حصانه بوقفة صلبة، تجسيدًا للورد القاسي نفسه.
لم يبدُ أبدًا كالرجل البدائي الذي يتذوّق شفتيها كل ليلة.
شعرت بانقباض في أحشائها، فأسدلت ستارة نافذة العربة.
لكن حتى بعد حجب الرؤية، لم تستطع التوقّف عن استعادة ما حدث بينهما بشكل قهري.
استلقت على المقعد المرتجّ قليلًا، مستعيدةً أفعاله.
لم يقبّلها أبدًا من تلقاء نفسه إن لم تطلب هي ذلك.
لكنه لم يكن يبدو كمن يستجيب فقط لمطالبها.
كان دائمًا يفعل أكثر مما طلبت.
أحيانًا، شعرت أنه هو من كان أكثر شغفًا.
لكن عندما كانت تخاف من العمق الذي يصل إليه التماس وتدفعه بعيدًا، كان باركاس يتراجع بهدوء بوجه خالٍ من التعبير.
في تلك اللحظات، شعرت أن كل شيء قد يكون مجرّد تحليل مبالغ فيه منها.
عضّت تاليا شفتيها بعادة، فشعرت بألم خفيف وعبست.
عندما لمستها بأصابعها، لاحظت أثر دم خفيف.
لم تعرف إن كانت هي من فعلت ذلك أم هو.
في الآونة الأخيرة، كان هو من يعضّ شفتيها أكثر منها.
مسحت الدم بعشوائية ودفنت نفسها في الأغطية.
في تلك اللحظة، توقّفت العربة التي كانت تسير بلا توقّف فجأة.
“وصلنا، انزلي.”
كانت تاليا غارقة في أفكارها، فأخرجت رأسها بحذر من العربة.
رأت في السهل الواسع خيامًا مخروطية وأكواخًا متناثرة.
في مشهد القرية البسيط، بدت مرتبكة.
كانت الجنوب، مقارنةً بالشمال ذي الفجوة الاقتصادية الكبيرة، تتكوّن عمومًا من مدن كبرى غنية.
“سنمكث هنا الليلة.”
أوضح مقاتل شاب من الفرسان الذي عيّنه باركاس مرافقًا لها بأدب:
“قد يكون الأمر غير مريح، لكن تحمّلي يومًا واحدًا فقط.”
لم تجب تاليا، بل تحرّكت متعثرة.
كان باركاس يتحدّث مع رجل يبدو أنه مسؤول القرية.
التفت إليها الرجل الذي كان يناقش شيئًا بجدية وأشار إليها برفق.
اقتربت تاليا بحذر إلى جانبه.
“سننصب خيامنا بشكل منفصل، فكل ما تحتاجه هو ترتيب مكان لزوجتي.”
وضع يده على كتفها، قائلًا بلهجة رسمية.
نظرت إليه تاليا بعينين متفاجئتين.
“ما الذي تعنيه؟”
“هذه الليلة، ستكون هناك معركة توبيخية خفيفة.”
التعليقات لهذا الفصل " 101"