0
دوق شونيس. لم أكن أتوقعُ أن أسمع هذا الاسم مجددًا.
ولا سيما في هذه اللحظة، بعد زواجي من زوجي بوقتٍ قصير.
“تهانينا على زواجكَ، يا دوق شونيس.”
كان الاسمُ قد وصل إلى مسامعي مصادفةً وأنا أمرّ أمام غرفةِ الاستقبال.
هذا الاسم وحدهُ جعل ذهني يغرق في بياضٍ محيّر. وتسارعت دقاتُ قلبي حتى بدا أنها ستُفلتُ من عقالها.
وكأنما بشكلٍ طبيعي، تذكّرت مقطعًا من روايةٍ طافت أمام عينيّ.
«لم يكن الكثيرونَ يعرفون الطباعَ القاسية لدوق شونيس.
بدأت هذه الطباعُ تتجلى بوضوحٍ قبل ستّ سنوات.
تزوجَ وهو في الثانية والعشرين، ثم في الخامسة والعشرين، دفن زوجتهُ حيّة.»
“لم يعد الكثيرون يتذكرونَ هذا الاسم.”
“ووالدكَ قد مات، فما الذي يهمّ؟”
في غرفة الاستقبال، كانت امرأةٌ وزوجي يواصلان الحديث.
لا يمكن… لا يمكن أن يكون ذلك الدوقِ شونيس هو زوجي، ريجيس!
استدرتُ وركضتُ في الاتجاه المعاكس.
قطعٌ متفرقة من الذكريات راحت تتطاير حولي، تمرّ بي كأنها شظايا.
القفلُ الخارجي. رغبةُ ريجيس الغريبةُ التي كانت تأسرني. و……
فجأة، خطرت في بالي مرآةُ غرفتي الكبيرة. كانت، على عكس المرايا الأخرى، مدمجةً مع الحائط.
بل إنها… لم تكن قابلة للكسر.
«نظرت إليزابيث إلى وليّ العهد أورين من خلف نافذةٍ بحجم مرآة كبيرة.
أورين، أورين…!
مهما ضربت النافذة وصاحت، لم يسمعها.
غرفةُ المرآة الخاصة بدوق شونيس.
مكانٌ لن يعرفَ أحدٌ أبدًا إن مات فيه إنسان.»
اندفعتُ إلى الخارج. تراجعت خطواتي وأنا أنظرُ إلى جهة غرفتي. كانت غرفتي في الطابق الثاني، الغرفة الأخيرة في الجهة اليمنى. من الداخل، كانت النافذةُ تقع في زاوية الحائط. وبالتالي، كان من المفترض أن تكون النافذة ملاصقةً لحافة الجدار الخارجي للمبنى.
لكن الجدار امتدّ أبعد من نافذة غرفتي.
دون تردّد، عدتُ إلى الداخل وهرعتُ إلى مكتب ريجيس في الطابق الثاني. كان أحدُ جدران المكتب مغطى بمكتبة مليئةٍ بالكتب.
«الرفّ الثاني من اليسار، الخانةُ الرابعة من الأعلى.»
تحسستُ بيديّ حتى وجدتُ تلك الخانة، حيثُ كان كتابٌ اقتصادي ضخم موضوعًا. سحبتُ علامة الكتاب من بين الصفحات، فظهر مفتاح متصلٌ بها.
أمسكتُ بالمفتاح وفكرتُ مجددًا. تلك الغرفة… الغرفة التي كانت إليزابيث محبوسةً فيها، أين كان بابها بالضبط……؟
لقد مرّت خمسة عشر عامًا منذ تجسدتُ في رواية <إليزابيث المضطهدة>. لذا تلك الذكريات، ذكرياتٌ بعيدة جدًا الآن.
خرجتُ من المكتب بلا تفكير واتجهت إلى المطبخ في الطابق الأول. بما أنه أسفلَ غرفتي مباشرة، افترضتُ أنني سأجدُ إجابة هناك.
تحركت بخطواتٍ بطيئة، أفحصُ المطبخ بعناية.
لم يكن هناك شيء لافت ظاهريًا، لكن في الزاوية، كان هناك بابٌ صغير يشبه الغرفة الملحقة.
فتحت الباب، فظهرت غرفةٌ مهجورة مليئة بالفوضى. تفحصتُ بين الخزائن، لكن لم أجد شيئًا غريبًا.
توقفت في مكاني، أغمضتُ عيني، وفكرت. بعد تفكير طويل، تذكرتُ جزءًا من الرواية.
«انفتح بابٌ في الأرضية.
نهضت إليزابيث، التي كانت منهارة، ومفزوعة.
طــق، طــق.
سمعت صوت خطواتِ دوق شونيس وهو يصعد الدرج.»
اقتربتُ من تلك النقطة، ورفعتُ رأسي بهدوء لأنظر إلى السقف.
كما توقعت، كان هناك بابٌ مربع مزودٌ بمقبض. أحضرتُ كرسيًا ووضعته تحته.
صعدتُ على الكرسي وحاولتُ إدخال المفتاح في فتحة المقبض بحذر.
طـــــق.
كأنما يؤكّد صحة تفكيري، انفتح القفلُ بسهولة.
أمسكتُ بالمقبض وسحبته للأسفل بقوة. فتحركَ السّلم القابلُ للطي، كاشفًا مدخلًا مغمورًا بالظلام.
تقدمتُ خطوة للأمام، ثم توقفتُ فجأة.
إن دخلتُ ذلك الظلام، لن أرى النور مجددًا.
ريجيس الذي عرفتهُ سيصبح دوق شونيس، وعالمي الهادئ سيُحبس كليًا داخل <إليزابيث المضطهدة>.
ومع ذلك…
طــق. سمعت صوت فتح باب المخزن من الخلف. في تلك اللحظة، اندفعتُ نحو تلك الغرفة.
توقعت أن أجد غرفة سرية يمكن أن يعيش فيها شخص، ربما محبوس بالفعل. لكن توقعاتي خابت.
“ما… هذا؟”
نظرتُ حولي بذهول. كانت الجدرانُ مغطاة بلوحاتٍ لامرأة.
امرأةٌ تضحك، تتنزه، تتناولُ الطعام، تقرأُ كتابًا… امرأة في يومِ عيد الميلاد. بعضُ اللوحات كانت مقصوصة بعناية ومعروضةً في إطارات، كأنها مُعدّة للعرض.
اقتربتُ من إحدى اللوحات. امرأةٌ في شتاء قارس، تنظر إلى الخلف وهي تبتسم.
سحبتُ نفسًا عميقًا دون وعي. أخرجتُ زفيرًا طويلًا لتهدئة قلبي النابض. وقفتُ أمام نافذة زجاجية بحجم مرآة كبيرةٍ في وسط الجدار.
رفعتُ رأسي. انعكس وجهي بشكلٍ باهت في الزجاج.
كلّ النساءُ في هذه الغرفة كنّ أنا، ليندسي شارلوت إيفرغرين.
طــق، طــق.
سمعتُ صوت خطوات تصعد الدرج.
“ليندسي.”
صوتٌ منخفضٌ وبارد جعل قشعريرةً تسري في أنحاء جسدي. ارتعشت جفوني. قبضتُ يدي المرتجفتين بسرعة.
“ليندسي؟”
تكرّر صوتهُ بنبرة استفهام. استدرتُ ببطء.
كان ينظر إليّ بعيونٍ هادئة، كأنّ لا شيء غريب. أصابتني القشعريرة.
“ري… جيس.”
نطقتُ اسمه. اسمٌ أصبح غريبًا في لحظة.
عندما ناديته، انحنت زوايا عينيه بلطف.
بوجهه الوسيم، قال:
“لقد اكتشفتِ الأمر.”
نبرتهُ كانت خفيفة، كطفلٍ أُمسكَ به في لعبة الاختباء.
دارت رأسي، وفقدت توازني للحظة.
اندفع ريجيس نحوي، أمسك بجسدي وهو يسقط.
حملني بين ذراعيه ونزلَ الدرج. أمسك كتفيّ بيديه ونظر في عينيّ.
عيناه الذهبيتان كانتا هادئتين بشكلٍ مخيف. لكن ذلك الهدوء لم يكن تعقلًا، بل جنونًا.
“لا داعي للدهشة، ليندسي. إنها مجرد علامةٍ على مدى حبّي لكِ.”
“ماذا…؟”
“بل إنني سعيد. أشعرُ أنكِ أخيرًا فهمتِني.”
بعيون رجلٍ مغرمٍ بالحب.
“ليندسي شارلوت دي فالنتين، زَوجتي.”
همس في أذني بنعومة.
“أحبكِ. وأنتِ تُحبٌينني، أليس كذلك؟”
نظرتُ إليه بذهول.
حينها فقط أدركت. هذا الزواجُ الذي اضطررتُ إلى إتمامه بسرعة بعد تركِ خطيبي القديم كايدن.
لقد انتقلتُ إلى مختل عقلي في الرواية. بالأحرى، أُجبرت على ذلك.
* * *
كان الثلجُ يتساقط من السماء.
رفعتُ رأسي ونظرت إليه بهدوء.
منذ دخولي هذه الرواية، أصبح عمري هنا عشرين عامًا.
قبل بدء الفصل الدراسي الأول في المدرسة الثانوية، تجسدت هنا، ومرت الآن مدة تساوي الزمن الذي عشته في عالمي الأصلي.
“غدًا سيكون عيد ميلاد أبيض.”
اقتربت أختي الصغرى هيلين وقالت.
التفتّ إليها، فوجدتها تبتسم. هيلين في الخامسة عشرة هذا العام، وستصبحُ بالغة بعد عامين.
“يبدو أن الوقت مرّ بسرعة البرق.”
“ربما لأننا كنّا سعداء. أنا أيضًا كنتُ سعيدة جدًا، أختي.”
هزّت رياح الشتاء غابة الصنوبر التي نقفُ فيها. في نهاية الطريق، كان يظهرُ قصر عائلة بلاكوود الحجري.
“ستكونين أسعدَ في العام القادم من هذا العام، أليس كذلك؟”
أمسكتُ بخدي هيلين بيديّ المغطاة بالقفازات وفركتهما. ضحكت هيلين وهي تحتضنُ خديها المحمرتين.
استدرنا واتجهنا نحو البيت. طوال الطريق، تحدثت هيلين بحماس عن زفافي في العام القادم.
“لا أصدق أنكِ ستصبحين سيدة بلاكوود.”
“ولمَ لا؟ أختنا الكبرى أيضًا سيدةٌ نبيلة.”
“آه، لا أتذكر حتى وجه أختنا الكبرى. لقد مرت خمسة عشر عامًا منذّ أن زارت البيت.”
تمتمت هيلين بنبرة متذمرة.
“وزوج أختنا الكبرى مجردُ فارس حصل على لقب. ليس مثل بلاكوود، عائلةٌ نبيلةٌ تقليدية موروثة عبر أجيال.”
واصلت هيلين حديثها عن الفرق بينهما، لكنني اكتفيتُ بالإيماء دون تعليق.
في الحقيقة، مع ازدهار اقتصاد كوريلاوت، بدأت تظهرُ شخصياتٌ بارزة من غير النبلاء. زوجُ أختي الكبرى ووالدي من هؤلاء.
بعد تحقيق إنجازات، كان يُمنح هؤلاء ألقاب فرسان من العائلة المالكة في كوريلاوت. من وجهة نظري، هؤلاء كانوا أكثر إثارة للإعجاب.
كانت أختي الكبرى إيب ابنة زوجة والدي الأولى، أي أختنا غير الشقيقة.
على عكس أمنا المنحدرة من عامة الشعب، كانت والدة إيب من عائلة راسل النبيلة، امرأةً التقاها والدي في شبابه أثناء صعوده في طريق النجاح. ربما لم تكن زوجة أبيها الجديدة من عامة الشعب وأخواتها الصغيرات موضع ترحيب لدى إيب بسبب أصولها النبيلة.
لم تكن بيننا وبين إيب ذكرياتٌ مشتركة تِذكر. بل كانت تُظهر عداءً خفيًا تجاه عائلتنا، مما جعل علاقتنا متوترة.
لو أُتيحت لنا فرصة كافية للاقتراب، لكان ذلك رائعًا. لكن عندما تجسدتُ في هذا الجسد، كانت إيب في الثامنة عشرة بالفعل. وفي العام التالي، التقت بزوجها وغادرت هوغوس إلى الأبد.
بعد ذلك، كانت ترسل رسائل تهنئةٍ لوالديّ في عيد الشكر أو عيد الميلاد، لكنها توقفت عن ذلك منذُ خمس سنوات، عندما وُلد ابنها روبين. ربما شعرت إيب أن عائلتها اكتملت أخيرًا، فأرادت نسيان عائلة هوغوس.
من الطبيعي أن يُحبّ المرء العائلة التي اختارها أكثر من تلك التي لم يخترها. هكذا انقطعت تلك الرابطة الهشة بيننا كأخواتٍ غير شقيقات. هكذا فكرتُ وقتها.
لم يكن هناك مجال للوم أو الكراهية. تمنيتُ لها السعادة بصدق.
لذلك، كان موتُ زوجها أكثر ما يثير الأسف.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 0 - المقدمة 2025-07-31
التعليقات لهذا الفصل " 0"
اكملو الفصول