For you in the cage - 8
“جلالتُك، الدوق روبيوس يَطلبُ مُقابلَتك.”
“قلتُ إنهُ مُزعِج، حتّى لو كانَ دوقًا. أشعُر بصُداعٍ شديدٍ اليوم، و لن أُقابِله. رأسي يؤلمني بالفِعل، و رؤيةُ وجههِ المُزعِج ستجعلُني أرغبُ في تحطيمِ رأسهِ.”
“نعم… جلالتُك تُعاني مِن صُداعٍ شديدٍ، سأُخبره أن المُقابلة ستكونُ صعبة.”
انحنى كبيرُ الخدم ثُمَّ غادر، بينما كانَ ديلتينوس يرفعُ كأسهُ مُتأمِلًا مشروبه.
فرغَ ديلتينوس كأسهُ دُفعةً واحِدةَ، ثُمَّ غاصَ عميقًا في الأريكة. كانَ كأسُ النبيذ، المُتدلي بخطورة بينَ أصابِعه، يرتَجِفُ قليلًا.
كانت هُناكَ أكثرُ مِن خمسِ زُجاجاتِ نبيذ فارغةً، مقلوبةً فوقَ الأرض و تحتَ الأريكة. لقد أفرغها بِنفسه، مُنذُ اللحظة التي فتحَ فيها عينيه و حتّى الآن.
“الأمرُ غريبٌ مهما فكرتُ فيه. كيفَ استطاعَ لمسي؟”
وِلدَ يوليف بِموهِبةٍ و عقلٍ متقد، و أظهرَ مهارةً فائِقةً في كُلِّ شيءٍ، لكن قُدراتهُ السحرية كانت بِلا نظير بينَ جميعِ السحرة.
كانت والِدةُ الأخوين مُرتعِبة مِن أن يتسببَ الخِلافُ بينهُما في اندلاعِ معركةٍ دمويةٍ على العرش. و بِشكلٍ أدق، كانت تخشى أن يقتُل الابن الأكبر، الغارِق في مشاعِر النقص، شقيقهُ الأصغر. و لِهذا، أجبرت يوليف على أداء قَسمٍ.
كانَ ذلك القَسمُ يهدفُ إلى تهدئِةِ عُقدةِ النقصِ لدى ديلتينوس.
أجبرتهُ على أن يُقسِم بألّا يؤذي ديلتينوس بسحرِهِ أبدًا.
و بناءً على هذا اليقين بأن يوليف لن يتمكنَ من إيذائِهِ، اعتقدَ ديلتينوس أنهُ يستطيعُ إظهارَ المزيد من العِداء تجاه شقيقه.
يوليف، الذي كانَ يُطيعُ والِدتهُ طاعةً عمياء، قَبِلَ القَسمَ بِخُضوع.
لكن المُشكلة لم تكُن يوليف. حتّى بعدَ هذا الإجراء المُتطرف، ظلَّ ديلتينوس متوجسًا، مُتلهفًا لِقتلِ يوليف. حتّى بعدما اعتلى العرش، لم يستطِع أن يشعُر بالراحة.
يوليف، الذي لم يكُن قادِرًا على لمسِه بسببِ قسمِهِ، كسرَ إصبِع ديلتينوس في تلكَ الليلة.
“هل انكسرَ القَسَم؟” تساءل ديلتينوس بِقلق.
“كانت نظراتهُ تقولُ إنهُ أرادَ قتلي على الفور. و معَ ذلك… لماذا اكتفى بطردي بهدوء؟”
بينما كانت جُفون ديلتينوس تغلق، عادَ كبيرُ الخدم و هوَ ينحني ببطء. كانَ العرقُ البارِدُ يتجمعُ على جبهتِه.
“جلالتُك… قالَ دوق روبيوس إنهُ لم يرَ جلالتك مُنذُ عدةِ أيامٍ، و أنهُ يجِبُ أن يراكَ اليوم. و قالَ إنهُ سينتظرُ حتّى تكون في كامِل مجدِك…”
“هذا الشقي. كيفَ يجرؤ على تهديدي بتجاهل ما قُلته؟”
ألقى ديلتينوس بالكأسِ بعيدًا. تحطمت الكأس على الباب، و تطايرت شظايا الزُجاج في كُلِّ مكان، و بعضُها علقَ في ملابسِ كبيرِ الخدم.
لم يقُم كبيرُ الخدم بتقويمِ ظهرِهِ رغم الألم الحارِق. عندما كانَ ديلتينوس غاضِبًا، كانَ يفعلُ أيَّ شيءٍ دونَ تردُد.
“لنرَ كم مِن الصبر يملُكهُ دوق روبيوس. سألتقي بهِ عِندما يخفُ الصداع، فقُل لهُ أن ينتظر خارجَ الباب. و لكِن، أخبِرهُ أنهُ بِما أنهُ جعلني أغضب لدرجة أن صُداعي قد ازداد، عليهِ أن يركع اعتذارًا. و إن لم يُعجبهُ ذلك، فليعد من حيثُ جاء.”
أشارَ ديلتينوس لهُ بالخروج و إبلاغ يوليف بِما قاله، ثُمَّ أغلقَ عينيهِ مَرَّةً أُخرى. خرجَ كبيرُ الخدم دونَ أن يُصدرَ أي صوتٍ و أغلقَ الباب خلفهُ.
كانَ يوليف واقِفًا بِثباتٍ في وضعٍ مُستقيمٍ، و نظرَ بعينيه مُستفسِرًا عما حدث.
“جلالتُهُ في مِزاجٍ سيئٍ للغاية. قالَ إنهُ إذا كنت تُريدُ مُقابلتهُ، فعليكَ أن تركع و تنتظر.”
“سأعودُ في الظهيرة.”
بعدَ أن أجابَ بِجفاف، استدارَ يوليف و غادر.
لم يكُن ينوي الركوع أمام ديلتينوس. لم يكُن ذلكَ مِن أجلِ حماية كبريائه. كانَ شخصًا يُقدر العملية و الهدف أكثرَ مِن فخرِه أو قضيته. هدفهُ الأساسي الآن كانَ إخراج كانارين من القصر الإمبراطوري بأمان. من أجلِ تحقيق أهدافه، لم يكُن الكبرياء مُهِمًا بالنسبةِ لهُ.
لكن، في الأمور المُتعلِقة بـكانارين، كانَ يوليف مُستعدًا الآن لإظهارِ أدنى درجاتِ الخُضوع لِـديلتينوس. كانَ عليهِ أن يُظهرَ عزيمته الثابتة في حمايةِ كانارين، و أنه سيُخرِجُها من هذا المكان بأي طريقةٍ كانت، و كانَ عليه أن يترُك انطِباعًا لدى ديلتينوس بأنهُ يقِفُ وراءَ كانارين.
“لن أسمحَ لكَ بِلمسِها، و لا حتي بإصبِعٍ واحِدٍ.”
كانَ قلبهُ يتألم لرؤية كانارين بِهذا الحال، و هيَ لا تستطيعُ حتّى التحدث. لم يكُن يُريد لها أن تتألم أكثرَ من ذلك.
في الحقيقة، كانَ يوليف يُريدُ أن يُخرجَ كانارين من القصر الإمبراطوري على الفور. لكن جسدهُ لم يكُن في حالة طبيعية الآن.
“أتى أخي الفظ ثلاثَ مراتٍ في اليوم. خرجتُ ظنًّا مني أن الأمر عاجل. و لكن بِما أن الأمور تبدو على ما يُرام، فـمِن الواضح أنهُ ليسَ كذلك، أخي.”
كانَ صوتُ ديلتينوس الساخِر للغاية هوَ ما جعلَ يوليف يلتفت.
ديلتينوس كانَ مُتكِئًا على الباب بطريقة فوضوية، مُمسِكًا بزُجاجة نبيذ بيده. لم يكُن غريبًا أن يعتقد أحدٌ أنهُ كانَ شابًا فوضويًا يبحثُ عن الكحول مُنذُ الصباح.
و رغم ابتسامته على وجهه، إلا أنهُ كانَ على وشك الانفجار. كما قال الخادم، كان في مِزاجٍ سيئٍ للغاية.
معَ ذلك، لم يتجنب يوليف نظرته.
“يبدو أن صُداعكَ قد اختفى.”
“هاها، هُناكَ الكثيرُ من الأمور، هل حقًا ترغبُ بِتلك الفتاة، يا يوليف؟”
“ألم أُخبرك أن تتوقف عن الحديث عن كانارين بِطريقة غير لائِقة مرَّةً أُخرى؟”
تجمدت ملامِحُ ديلتينوس.
ما السبب؟ ما الذي جعلَ يوليف، الذي عاشَ حياتهُ كـقِطعةِ خشبٍ، مهووسًا بِـكانارين إلى هذا الحد؟
من أجلِ الحُب؟ كانارين و يوليف التقيا مرَّةً واحِدةٍ فقط. هل وقعَ في حُبها مِنَ النظرة الأولى؟ لم يكُن هذا مُستبعدًا تمامًا، لكنها لم تكُن فرضيةٍ مُقنِعةٍ أيضًا. لم يكُن يبدو أنهُ يطمعُ في كانارين جسديًا، رغم ذلك. كانَ يُريدُ فقط حمايتها. كانَ يُعامِلُها بِعنايةٍ شديدةٍ.
كانَ حُبًا أكثرَ نقاءً لا يتناسبُ معَ يوليف، الذي كانَ يحملُ لقب “الدوق ذُو الدَّمِ الحديديِّ”.
انسابَ برودٌ بينَ الاثنين و هُما يتبادلان النظرات.
كانَ ديلتينوس أولَ من كشفَ عن أسنانه، مُبتسِمًا ابتِسامةً شريرةً.
“سأُقدمُ لكَ اقتراحًا. اتبعني.”
اتجهَ الاثنان إلى المقبرة التي دُفنَ فيها أفرادُ العائِلة المالِكة فقط.
مرورًا عبرَ غابة الأكاسيا شمالَ القصر الإمبراطوري، كانت هُناكَ مقبرةٌ دُفنَ فيها فقط أفرادُ العائِلة المالِكة المُباشرين.
كانَ الإمبراطور، الذي كانَ يفتقِدُ الإمبراطورة التي توفيت أولاً، قد تركَ وصيةٍ بأن يُدفنَ بِجانِبِها.
كُلما جاءَ يوليف إلى القصر الإمبراطوري، كانَ يضعُ تعويذة حفظ على قبريّ والديه. كانت المقبرة أكثرَ الأماكن هدوءًا في القصر، لذا كانَ يُفضلُ أن يأتي إلى هُنا عِندما لا يرغبُ في التفكير في شيء، أو عِندما يكونُ في رأسِه العديد من الأفكار.
وقفَ ديلتينوس في وضعٍ مائِلٍ أمامَ قبريّ والديه. على وجههِ كانَ تعبيرٌ مليءٌ بالانزِعاج الذي بدا قبيحًا لِلوهلةِ الأولى. لم يهتم بطريقةِ اهتزاز شعرِه الطويل الداكِن في الرياح.
لطالما كرِهَ ديلتينوس والديه طوالَ حياته، و لم يولي أيَّ اهتمامٍ لـهذهِ المقبرة.
لكن كانَ هُناكَ سببٌ مُحتملٌ يجعلهُ يرغبُ في المجيء إلى هُنا.
‘لا بُدَّ أنهُ يَشكُ في وجودِ مُشكلةٍ في القَسَم.’