For you in the cage - 10
تأخرت عودة يوليف.
برز وجه شاحب من الفجوة الضيقة.
‘لا يوجدُ أحدٌ هُناك، صحيح؟’
اهتزت أُذنا كانارين و هيَ تتفحص المكان بحذر. فقد كانَ بإمكان السمع الحاد لشعب الهويرا التقاط حتّى أضعف الأصوات من بعيد.
لم يكُن هُناك أيُّ صوتٍ لخطوات أو هُتافات تدلُ على وجوِد شخصٍ آخر. و بعدَ أن تأكدت عدةَ مراتٍ، خرجت بحذر.
أخبرها يوليف قبلَ أن يُغادر أن تنتظره، و وعدَ بالعودة قريبًا، لكنهُ لم يعد حتّى بعدَ مرورِ وقتٍ طويلٍ. كانت النافذة مُغلقة بإحكام، فلم يكُن لديها ما يشغِلُ وقتها سِوى القلم و الورق.
بعدَ أن دوّنت بعض الملاحظات العشوائية، أدارت كانارين مقبض الباب. و حينَ رأت الباب ينفتح ببطء، تملّكتها للحظة مشاعِرُ الأمل و الشجاعة التي كانت قد تحطمت سابقًا.
معرفة ما يوجد في الجوار قد يُساعِدها على الهرب.
بعيدًا عن مُجرد الإيمان أو الاعتماد على يوليف، أرادت كانارين أن تفعلَ كُلَّ ما بوسعِها إن كانَ هُناكَ شيء تستطيع فعله.
“هل هذا هو القصر الرئيسي؟”
كانَ للقصر الرئيسي جوٌّ مُختلفٌ تمامًا عن القصر المُنعزل الذي كانت مُحتجزة فيه. رُبما بسبب لون الجدران الداكنة و الأرضيات الكئيبة، بدا المكان أكثر ثِقلًا و هيبةً.
سارت كانارين ببطء في الممر، و هيَ تحفظ الطريق بعينيها و ذهنِها.
عندَ المُنعطف، شعرت بوجودِ شخص قريب.
“ماذا أفعل…؟”
وصلَ إلى مسامعِها صوتٌ صغيرٌ.
تراجعت كانارين بسرعة و اختبأت خلفَ الحائِط، ثُمَّ تسللت بنظراتها بحذرٍ إلى مصدر الصوت.
كانَ هُناكَ فتى صغير ذو مظهرٍ أنيقٍ. شعرهُ البُنيّ الداكِن كانَ مربوطًا بشريط واحد، و ملابسهُ على الرغم من طرازِها القديم، بدت مُرتبة و أنيقة. بدا الصبي، الذي لم يتجاوز العاشرة من عُمره، ينظرُ إلى التمثال بعينين قلقتين، بينما أعطت وقفتهُ المُستقيمة انطِباعًا بالهيبةِ و الرزانة.
تبِعتهُ كانارين بنظرها بِشكلٍ طبيعي نحوَ التمثال.
“منديل؟”
“آه…”
كانَ المنديل عالقًا في إصبع التمثال، يرفرُف معَ كُلِّ نسمةِ هواء. حاولَ الطفل القفز للوصولِ إليه، لكنَ قامتهُ الصغيرة لم تكُن كافيةً حتّى لِمُلامسةِ أطرافِ الأصابع. بدأ وجههُ يُعبِرُ عن إحباط واضِح، و كادت دموعه تتجمع في عينيه.
ارتعشت أُذنا كانارين بحساسية. لم يكُن هُناكَ أحدٌ في هذا المكان سواها و الطفل. نظرت إلى تعابيره المُتوسلة، و لم تستطع تجاهُلَ الأمر و التظاهُر بعدمِ رؤيته.
‘سأساعده.’
خرجت كانارين خطوةً إلى العلن، حريصةً على ألا تُفاجئ الطفل بظهورها المُفاجئ.
فجأة، رفعَ الطفل عينيه و اتسعتا في دهشة و هوَ ينظُرُ إليها. كانَ لونُ عينيهِ البنفسجيّ يتوهجُ بشكلٍ غريبٍ تحتَ الضوء الخافت.
شعرت كانارين بإحساسٍ مألوفٍ غريبٍ، و كأنها رأتهُ مِن قبل. بدا لها مألوفًا بطريقةٍ ما، و كأنهُ يُشبِهُ شخصًا ما.
مالت برأسِها قليلًا، ثُمَّ أشارت بالتناوب إلى المنديل العالق و إلى نفسِها، في محاولة للإشارة إلى نيتها في مُساعدته.
أشرقَ وجهُ الطفل الذي بدا و كأنهُ على وشك البُكاء في أي لحظة. لكن كانت هُناكَ مُشكلة. عندَ النظرِ عن كثب، اتضحَ أن التمثال كانَ أكبرَ بكثيرٍ مما ظنت. حتّى لو مدت ذراعيها، فلن يكونَ ذلكَ كافيًا.
راقبَ الصبي كانارين و هيَ تقفزُ مرارًا و تكرارًا، لكنها بالكاد كانت تلمِسُ المنديل دون أن تتمكن من التقاطه.
“من الأفضل أن نستدعي الخادم. سيكونُ الأمرُ خطيرًا إذا أسقطنا التمثال.”
تحدثَ الطفلُ بنبرةٍ تفوقُ عمره.
‘لا ينبغي أن يراها الآخرون.’
هزّت كانارين رأسها. ثُمَّ نشرت جناحيها دونَ تردُّد.
“واو…”
تمتمَ الطفلُ بِإعجاب دونَ وعي.
زوجان من الأجنحة البيضاء انبثقا فجأة من ظهرها، و تناثرت الريشات في الهواء. ثُمَّ ارتفعت برِفق و سحبت المنديل بِحذر. كانَ مشهدًا مُهيبًا ينكشِفُ أمامَ عينيه.
الطفل، الذي كانَ ينظرُ إلى كانارين و كأنهُ مسحورٌ، استعادَ وعيهُ بلمسةِ يدها الناعمة. كانَ المنديل الذي كانَ يبحثُ عنهُ قد عادَ إليه. و عندما فتحَ عينيه ببطء، رأى كانارين تبتسِمُ لهُ من الأعلى.
في تلكَ اللحظة، تسللَ ضوءٌ من خِلال النّافِذة ليُضيء عليها. بدت كالملاك، بهالةٍ مُتلألئةٍ تُحيطُ بأجنحتها البيضاء.
“أوه… شُكرًا لكِ.”
انعكسَ وجهها في عيني الطفل الواسعتين. أطلقت كانارين صوتًا قصيرًا: “أوه.” لقد أدركت الآن سببَ الشعورِ بالألفة معَ وجه الطفل.
كانَ ذلك في عيني الطفل.
لم تكُن حواجبهُ مرفوعةً قليلًا مِثلَ يوليف، لكنه كانَ يُشبهُه كثيرًا.
‘هل يمُكن أن يكونَ ابنه؟’
لم يخطر ببالها أبدًا أن يكونَ هُناكَ طفلٌ يُشبهُ التوأمين، يوليف و ديلتينوس. لأن ديلتينوس لم يكُن حاضِرًا في أفكارها من الأساس.
علاوة على ذلك، كانَ الجو المُحيط بالطفل لطيفًا و دافِئًا. لم يكُن يُشبهُ ديلتينوس على الإطلاق.
طوت كانارين جناحيها و خطت خطوة للأمام.
ما أسمُه؟ كم عُمرهُ؟ و كيفَ يُمكِنُها الخروجُ من القصر الإمبراطوري؟ كانت لديها الكثير من الأسئلة، لكنها لم تستطِع طرحها لأنها لا تملِكُ صوتًا.
تمنت لو كانَ لديها قلم و ورقة.
لم تتمكن إلا من الابتسام بِـخجل، فـبادرَ الطفلُ بالكلام أولًا.
“شُكرًا جزيلاً على مُساعدتِكِ لي. لكن هل أنتِ ضائِعة؟”
الصوتُ الشابُ الواضِحُ و النغمة المُهذبة كانت تتناسب معهُ بِشكلٍ غريب.
لم تكُن ضائِعة، و لكن لم يكُن هُناكَ سببٌ لِلـرفض إذا أخبرها الطفل عن المخرج.
أومأت كانارين برأسِها بِسُرعة. ثُمَّ أشارت إلى عُنقِها و فمِها و عبّرت عن إشارة “X” بأصابِعها. كانت تلكَ مُحاولتُها لنقلِ وضعِها بطريقتها الخاصة.
لِحُسنِ الحظ، كانَ الطفلُ ذكيًا و فهِمَ مقصدها، فأومأَ برأسِه. لكنهُ سُرعانَ ما اكتسى وجههُ بتعبيرٍ جادٍ.
“مِنَ الصعبِ عليكِ التحدث… ألن يكونَ مِنَ الأفضل العثور على شخصٍ يعرفكِ؟”
“آه.”
كانت تفهم رغبةَ الطفل في مساعدتِها، لكن مقابلتها لأشخاص آخرين لم تكُن خيارًا جيدًا. لم تكُن تُدرِكُ أن عدمَ قُدرتِها على الكلام سيكون بهذا الإحباط.
بينما كانت تُفكر فيما يجبُ فعله، لمعت عينا كانارين.
آه! تذكرت! فأخرجت بفخرٍ ساعةَ الجيب الخاصة بـ يوليف. الشيء الذي أعطاها إياه لاستخدامِه في مثلِ هذهِ الأوقات!
“هل تعرفينَ عمي؟”
سألَ الطفلُ بصوتٍ بدا عليه الدهشة أكثر.
عمي؟
سمعت كانارين كلِماتِه و عادت بنظرِها إلى الطفل. حينها فقط تذكرت أنَّ يوليف لم يكُن الوحيد الذي يملُك هذهِ العيون.
إذن… هذا الطفل…
“كانارين؟”
استدارَ كلاهما في نفس الوقت باتجاه الصوت القادم.
كانَ يوليف يقترِبُ منهُما بخطوات ثابتة.
“عمي!”
أمسكَ الطفل بمنديله و توجهَ نحوَ يوليف بحماس.
كانَ يوليف هوَ ثاني أحبُ شخصٍ إليهِ بعدَ والدته، و ليسَ والده، ديلتينوس.
بالنسبة للطفل، لم يكُن ديلتينوس أكثرَ من إمبراطورٍ قاسٍ، و ليسَ أبًا.
لم يكُن الأمر أن ديلتينوس كانَ يوجهُ إليه كلماتٍ مُسيئةٍ أو يُعاملهُ بقسوةٍ كما يفعلُ معَ خدمهِ و الإمبراطورة. بل على العكس، كانَ غريبًا بعضَ الشيء، ساخِرًا لكنهُ في الغالب أب مرح بالنسبة إلى لوسيان.
و معَ ذلك، نشأ الطفل و هوَ يرى والدته تمتلئُ بالخوف و الاستياء بسببِ ديلتينوس.
و بشكل طبيعي، بدأ انتباهُ الطفل يتجِهُ نحوَ يوليف. كانَ يتطلع إليه بشوق، ذلك الرجُل القوي، الصامت، الذي كانَ دائِمًا يقِفُ في وجه الصعوبات و يحلها دونَ تردد.
“عَمِّي! هل كُنت هُنا مُنذُ وقت طويل؟”
“نعم، مولاي. كيفُ حالك؟ كانَ يجِبُ أن أُحييكَ أولًا، أعتذر.”
“لا بأس، عَمِّي، متى أتيت إلى العاصمة؟ ما الذي يحدثُ في القصر المُنعزل؟ هل تمارسُ السحر مرّةً أُخرى؟ كم ستبقى هُنا؟”
“يُمكِنُكَ أن تسألَ ببطء، واحِدًا تِلو الآخر. و أيضًا، جلالتُك، نادِني بدوق روبيوس. سيوبخكَ جلالتُه إن عَلِمَ بذلك.”
“…لا بأس، جلالتُه ليسَ هنا.”
“لا يوجد مكان في القصر الإمبراطوري لا تصِلُ إليه أعيُن جلالته.”
كانَ جوابُ يوليف حازِمًا. لم يكُن يفعلُ ذلكَ لأجله، بل من أجلِ هذا الطفل المسكين.
كانَ ديلتينوس يكرهُ الاعتراف بـ يوليف كأحد أفراد العائلة المالكة، سواء علنًا أو سرًا.
انخفضَ رأسُ الطفل بِحزنٍ للحظة، لكنهُ سُرعانَ ما عادَ بوجهٍ مُشرقٍ و نظرَ إلى يوليف.
أما كانارين، التي كانت بجانِب الطفل، فقد وقفت فجأة بِجوارِ يوليف. كانَ ذلك طبيعيًا كما لو كانَ الأمرُ كذلك مُنذُ البداية.
“من هيَ؟”
“اسمُها كانارين. كانارين، هذا هوَ سمو ولي العهد، لوسيان.”
كانت تعرِفُ ذلك. انحنت كانارين و ألقت تحيةً مُهذبةً. و في تلكَ اللحظة، انسابَ شعرُها إلى الأمام، كاشِفًا عن أُذنيها المُدببتين التي انتصبت على الفور. ركّزَ لوسيان نظرهُ على الأُذنين المُختلفتين تمامًا عن آذان البشر.
لاحظَ يوليف ذلك، فاندفعَ بسُرعة ليقفَ أمامَ كانارين، مُحجِبًا إياها عن أنظار الطفل.
“شُكرًا لمُساعدتِك لكانارين. إنها لا تعرِفُ القصر الإمبراطوري جيدًا. لا بُدَّ أنكَ مشغول، لذا سنُغادر الآن.”
“عَمّي! ألا يُمكِنُها مُرافقتي لبعض الوقت؟ لقد مرَّ وقتٌ طويلٌ مُنذُ أن رأيتك، و أنا أشعرُ بالحزن.”
“أنا آسف، لكن لا يُمكِنُنا الذهاب إلى القصر الخاص…”
كانَ يوليف على وشكِّ رفضه على الفور، لكنهُ توقف عندما شدّت كانارين ذراعه. من خِلال إيماءاتها المُستميتة و نظراتِها المُتوسِلة، أخبرتهُ أنها تُريدُ الذهاب معَ لوسيان.
لم يكُن مِنَ المُمكِن لأمرأة طيبةَ القلب مثل كانارين أن تتجاهلَ طفلًا حزينًا دونَ مُحاولةِ مواساته.
تنهدَ يوليف بصوتٍ خافتٍ.
“إذا خاطبتني بلقب ‘دوق’، فسأوافق.”
“نعم! يا عمـ … آه، اقصد دوق.”
“إذن، لِنصعد معًا إلى الطابق الأول.”
ابتسمَ لوسيان على نِطاقٍ واسِعٍ و اقتربَ أكثر من يوليف. و معَ وجود يوليف في المُنتصف، بدأ الثلاثة بالسير جنبًا إلى جنب في الممر.
كانَ لوسيان يختلِسُ النظر سرًا إلى يوليف و كانارين.
بالنسبةِ للطفل، بدا الاثنان و كأنهُما أميران من قصة خيالية. الأميرة، كانارين، ذاتَ المظهر الغامض، و فارسها المُهيب، يوليف، الذي يحميها.
ساعةُ يوليف، التي كانت بحوزةِ كانارين، أضفت على خيال لوسيان بُعدًا آخر. لم يكُن قد سمِعَ مِن قبل أن يوليف قد قدَّم هديةً شخصيةً لأي شخص.
ظهر لهُ مشهدٌ مُشابِهٌ مِن القصة الخيالية التي قرأها ليلةَ البارحة. في القصة، اعترفت الأميرة بِمشاعِرها لفارسها بتقديم زوجٍ من الأقراط التي كانت تُحبها.
كانَ لوسيان يتخيلُ يوليف و كانارين و هُما يتبادلان الساعة، دونَ أن يُدركَ أن يوليف كانَ يُراقبه.
“لقد وصلنا.”
توقفَ يوليف عن السير عندما وصلوا إلى الطابق الأول.
لوسيان، الذي كانَ يعيشُ في القصر الرئيسي معَ ديلتينوس، كانَ يزورُ الإمبراطورة، التي كانت تعيشُ في القصر المُنفصل، عِدةَ مرات في اليوم.
هزَّ لوسيان كتفيه و دخلَ المسار الأيسر المؤدي إلى القصر المُنفصل. كانَ يبدو مسكينًا و لطيفًا، مثل كلبٍ يتِمُ طردهُ مِن قِبلِ سيده.
قامَ يوليف بمهارة بحجبِ كانارين، التي كانت تدفعُ جسدها للأمام لِتُراقِبَ لوسيان، باستخدام ظهرهِ العريض.
“أتمنى أن أراك مُجددًا قبلَ أن تعود إلى الإقطاعية، يا عمـ — أوه عذرًا… دوق.”
“سأخبر جلالتُه. من فضلك، قدم تحياتي للإمبراطورة أيضًا.”
“نعم! أمي ستكونُ سعيدةً أيضًا. الآنسة كانارين، كانَ وقتًا قصيرًا، لكنهُ كانَ مُمتعًا. شُكرًا جزيلاً على مُساعدتِكِ لي. سأحرصُ على رد الجميل في وقتٍ لاحق…”
“يجبُ علينا أن نقولَ وداعًا.”
لوسيان، الصغير و البريء، لم يكُن يعلمُ أن يوليف قد قاطعهُ عن قصد.
و عجزت كانارين عن الكلام، فببساطة لوحت بيدها تجاه لوسيان.
نظرَ لوسيان إلى الاثنين مرّةً كُلَّ ثلاثِ خطوات. و في النهاية، أخذَ يوليف كانارين الملاك و صعدَ الدرج مرّةً أُخرى.
“لا تخرُجي بمفردكِ مُجددًا.”
وبخَ يوليف كانارين بصوتٍ مُنخفضٍ.
لقد تجاهلت نصيحته بالبقاء في الغرفة الآمنة، لذا كانَ من الطبيعي أن يوجه لها اللوم.
‘هل هوَ غاضبٌ جدًا؟’ نظرت كانارين إلى يوليف. كانت شفتاه المزمومتان و عيونه العميقة كما هيَ، غير مبالية كالمعتاد.
هزّت كانارين كتفيها. بفضلِ لوسيان البراق و اللطيف، نسيت محنتها للحظة.
قبلَ أن يعود يوليف، كانت ستعودُ إلى الغُرفة.
إذا اكتشفَ ديلتينوس الأمر بدلاً من يوليف… كانت ستتعرضُ لشيءٍ مُروعٍ لا تستطيعُ حتّى تخيُله.
ارتجفت كانارين و كأنها شعرت بالقشعريرة. ثُمَّ هزّت رأسها.
معَ يوليف الصامت، بدأ الجو بينهُما يهدأ. أصبح الصمتُ أثقل معَ اختفاء لوسيان، الذي كانَ يتحدثُ طوالَ الوقت.
“ماذا فعلتِ مع ولي العهد؟”
“آه…”
كانَ الأمرُ محبِطًا، فلم تخرُج الكلمات. كانت تعرفه بوضوح في عقلها، لكن عندما وصلت إلى فمِها، لم تمتزج معَ صوتها.
‘منديلهُ طارَ إلى مكانٍ مُرتفِع و لم يتمكن من الوصول إليه.’
لماذا يصعُبُ عليها قولُ حقيقةٍ بسيطةٍ كهذه؟
بعد لقائِها مع لوسيان، تراجعت مشاعِرُها المُتقلبة.
هل كانَ هُناكَ شيءٌ يُمكِنُهُا فعلُه بِشكلٍ صحيحٍ في القصر الإمبراطوري؟ على الأقل، الإجابة على الأسئلة البسيطة.
“لا بأس إذا لم تتمكني من الإجابة.”
‘إذن لماذا سألت؟’
أضافَ يوليف بينما كانت عينا كانارين مليئتين بالأسئلة.
“سألتُ بدافعِ الفضول، يبدو أنكِ سعيدة.”
قالَ يوليف بصوته المُنخفض، الذي لا يحتوي على الكثير من التنغيم، لكنهُ بدا أكثرَ رقةً.
بطريقةٍ ما، شعرت أطرافُ أصابِعُها بوخز.
ضمَّت كانارين يَديها معًا. كانَ يوليف ودودًا في أوقاتٍ مِثلِ هذهِ، لكنهُ عندما يُديرُ ظهره، يعودُ بتعبيرٍ باردٍ.
إذا كانَ ديلتينوس شخصًا خطِرًا لا تعرِفُ متى أو أين سينفجر، فكانَ يوليف شخصًا لا تعرِفُ ما الذي يُفكرُ فيه.
كانَ سيكونُ رائِعًا لو كانَ بإمكانِه التحدُث كما في اليوم الذي التقيا فيهِ لأول مرّةً عند البحيرة.
وصلَ الاثنان إلى أمام غُرفة يوليف، و كانا قد مرّا بالتمثال الذي كانَ قد أخذَ منديل لوسيان.
فتحَ يوليف الباب و أشارَ إلى كانارين للدخول أولاً.
“تعالي إلى هُنا لحظة.”
“أوه!”
توجهت كانارين، التي قادتها يدُ يوليف، و جلست على السرير.
قامَ يوليف بخلعِ حذائِها عن قدميها. كانت قدماها المتورمتان ظاهرتين.
لوت كانارين كاحلها ذهابًا و إيابًا في دهشة، لكنها لم تستطع الهروب من قبضة يوليف.
أرتدت كانارين حذاءً على قدميها العاريتين في عجلةٍ للخروج. كانت قدماها الصغيرتين أصغر قليلاً من يدي يوليف. قدماها، التي لم تكُن مُعتادةً على الأحذية لأنها كانت تعيشُ دائمًا في الغابة، كانت مُتورمة. حتى الأحذية التي أحضرتها الخادمات كانت أصغرُ من قدميها بقليل. و كانَ هذا قد تمَّ عمدًا من قبلِ ديلتينوس لمنعِها من المشي بشكل صحيح.
“لماذا تحملتِ ذلك؟”
“…همم.”
لم يكُن ذلكَ شيئًا مُقارنةً بالجروح التي تعرضت لها من ديلتينوس. تحملت الألم لأنهُ كانَ مُحتملًا، و رغم أنهُ كانَ مؤلِمًا، إلا أنهُ لم يكُن مؤلِمًا للغاية.
كانت أكثر خجلًا من أن تُظهِر قدميها المكشوفتين و المُتشوهتين ليوليف أكثرَ من شعورها بالمرض.
علاوة على ذلك، عندما لامست يدهُ الساخنة بشرتها العارية، انتشرَ إحساسٌ بالوخز الذي لا يُحتمل.
“لم أُفكر في الأحذية. أنا آسف.”
كانارين هزّت رأسها. كانَ حقًا جُرحًا لا يُذكر. لكن يوليف لم يرد عليها ، بل عبسَ و عقدَ حاجبيه. كانَ ذلك تعبيرًا عن الغضب، و كأن هُناكَ شيءٌ لم يُعجبه.
「لا بأس…」
خرجت الكلمات بلُغةِ الهويرا من فم كانارين، التي كانت في حالة من الحيرة. على عكس اللغة الإمبراطورية، كانت قادرة على التحدث بلغة الهويرا بشكل طبيعي. ولكن على أي حال، بدا أنهُ لم يفهم.
“أنتِ تقولينَ ‘لا بأس’ فقط عندما لا تكونين بخير فعلًا.”
نظرت كانارين إلى يوليف بعينيها المتفاجئتين. لا يُمكن!
「هل تعرِفُ لُغة الهويرا؟」