[حتى لو لم يُمزّق طبلة أذني، يبدو أن الأغنية قادرة على جعلي أنام؟ مثل الشيطان.]
[لا، إنها مجرد أغنية عادية… لكن أمي تقول أنها تستطيع النوم عندما تستمع إلى أغنيتي.]
لقد كانت واثقةً من هذا، لذلك هذه المرة لم تستسلم للضحك وأصرّت مرة أخرى.
[لقد أنقذتَ حياتي، ولكن لا أستطيع فعل شيء حيال ذلك… لا، ألّا يمكنكَ الاستلقاء؟ سأراقبكَ الليلة.]
[أنتِ مثابرة.]
أغمض الصبي عينيه بإحكام. قال إنه لا يحتاج إلى النوم، لكن بدا عليه التعب. كان ذلك طبيعيًا، فهو لم ينم إطلاقًا منذ ثلاثة أيام. أصرّت عليه أكثر.
[إذهب إلى هناك واستلقِ. من فضلك.]
في النهاية، نجحت أريانا الصغيرة في إجبار الصبي على الاستلقاء. مستلقيًا على ظهره، نظر إليها بنظرة فارغة. وبينما التفتت إليها عيناه الجميلتان، كياقوت أحمر فاقع، بدأ قلبها الصغير ينبض بسرعة غريبة. صفّت حلقها قليلًا وفتحت فمها.
«ليلة مقمرة، ليلة مليئة بالنجوم.»
اتسعت عيناه القرمزيتان الياقوتيّتان قليلاً. لم تتوقع حقًا أن تكون لأغنيتها قوةٌ عظيمةٌ تُغيّره سحريًا. لكن لو أغمض عينيه واستمع إلى اللحن الهادئ، ألن يخفّ عنه التعب بدلًا من مجرد الوقوف حارسًا؟
مع تلك الصلاة واصلت أريانا الصغيرة الغناء.
«أغمض عيني وأتبع بهدوء مسار ضوء النجوم للعثور على أحلامي…»
كانت هذه تهويدة كتبها لها جدها لأمها. مع أنها كانت أكثر من غنّت الأغنية، إلّا أن أمها كانت تستمع، فوخز طرف أنفها قليلاً. تمنّت أن ترى أمها وجدها. كانت الدموع على وشك أن تنهمر، لكنها أمسكتها وواصلت الغناء.
«الغناء والرقص مع الجنيات، واتباع ضوء القمر للعثور على أحلامي…»
أريانا الصغيرة، التي كانت تُغني بهدوء، فتحت عينيها فجأةً على اتساعهما. كانت عينا الصبيّ قد أُغمِضتا بالفعل. ابتسمت بخفة لتنفسه المنتظم.
كان ذلك في منتصف الشتاء. كان النهار مُحتملًا عندما كانت الشمس ساطعة، لكن منذ المساء فصاعدًا كان الجو باردًا جدًا لدرجة أنها كانت ترتجف وتتكور. منذ اليوم الخامس فصاعدًا، تيبست ساقاها ولم تستطع المشي بشكل صحيح. عندما رأت الصبي يعرج ويسقط، نقرت بلسانها وانحنت.
[احملني.]
[أوه…]
كان فمها متجمدًا، فلم تستطع حتى التحدث بشكل سليم. في النهاية، حُملت على ظهر الصبي، فحاولت أن تحافظ على هدوئها. لكن، على عكس ما كانت تعتقد، ظلت عيناها تغمضان. ورغم أن الصبي كان يحملها، إلّا أن تنفسها أصبح سريعًا، كشخص يركض. سمعت تنهدًا من ظهر الصبي الذي كان يحملها.
[انخفاض حرارة الجسم وسوء التغذية؟ هيا. لا تفقدي وعيكِ. إذا فقدتيه الآن، فلن تستيقظي أبدًا مرة أخرى.]
[أوه…]
بفضل حديث الصبي المستمر، تمكنت من استعادة حواسها قليلًا.
[افعلي شيئًا أنتِ جيدة فيه… أعني الغناء.]
تسللت تلك الكلمات إلى أذنيها كالسحر. تلعثمت وفتحت شفتيّها لتبدأ بالغناء.
«ضوء القمر، ليلة مشرقة… ليلة مليئة بالنجوم.»
متمسكةً باللحن، أجبرت نفسها على استجماع شتات ذهنها. كان ذلك وهي تُردد كلمات الأغنية بهدوء.
[سأتراجع عن حقيقة أنني ضحكتُ عليك من قبل.]
صوت واضح خرج من الصبي الذي يحملها.
[يمكنكِ أن تتجولي وتقولي إنه تخصصكِ… أعني الغناء.]
فتحت عينيها على اتساعهما قليلًا، ثم ابتسمت بخجل وأسندت خدها على ظهر الصبي.
[نعم.]
خرج همس صغير من فمها.
[سأفعل.]
كانت الحمى تزداد سوءً. كلما فتحت أريانا الصغيرة فمها، كانت تشعر بأنفاسها الحارة تخرج. لم تكن مجرد أنفاس حارة تخرج، بل كان الهراء يتدفق باستمرار. كان ذلك دليلًا على أن دماغها يُسحق من شدة الحمى، لكنها لم تكن تدرك ذلك حينها.
[أنتَ تعرف… لدي حلم.]
همست أريانا بكلمات غريبة مجددًا، وشعرت بالقلق. حتى في ذهولها، كان الغريب أن الصبي الذي ظنّت أنه سيتجاهلها إن تكلمت بكلام فارغ كان يُجيبها في كل مرة.
[ما هو؟]
على الرغم من أنها كانت إجابة قصيرة ومباشرة للغاية.
[ما هو؟ إذا كنتُ أُنتج موسيقى، فأنا أُريد مساحةً حيث يُمكن للناس الغناء عليها.]
ظهرت ابتسامة على وجهها عندما ذكرت حلمها القديم.
[في الواقع، إنه دار جدي لأمي، ويبدو جميلاً في كل مرة أزوره. لكنه دار أخي… يقول والدي دائماً إن الأعمال العائلية تنتقل إلى الرجل. لذا لدي خاصتي، تلك… تلك…]
وبينما كانت تومئ برأسها وعلى وشك فقدان الوعي، سمعت صوتًا ناعمًا من الصبي.
[دار الأوبرا.]
[أوه… نعم. أريد دار أوبرا. والاسم… اخترتُ اسمًا رائعًا حقًا.]
همست أريانا الصغيرة بابتسامة خجولة. كانت كلمةً تعلّمتها من خلال تصفحها للقاموس، لكنها أرادت استخدامها هنا، لذا احتفظت بها إلى الآن.
[سأُسميها الجنة. ما رأيكَ؟]
[حسنًا.]
هزّ الصبي كتفيه قليلًا.
[إنه ريفي.]
رغم إجابة الصبي اللامبالية، ابتسمت أريانا الصغيرة وقالت.
[كان حلمًا جميلًا. كان حلمًا لم أخبر به جدي أو أمي قط. خفق قلبي بشدة عندما رويته لشخص آخر لأول مرة. ولكن يا أخي… ما اسمكَ؟]
[أنتِ تسألين بسرعة، أليس كذلك؟]
[حسنًا، بدا وكأنكَ لن تخبرني أبدًا.]
لكن الغريب أن الصبي أجاب مطيعًا.
[دانتي هايجينبرغ.]
[واو، هذا اسم صعب. دانتي.]
نطقت الاسم. كان اسمًا جميلًا. لم تستطع تحديد ما هو جيد فيه تحديدًا، لكنها أحبَّبت طريقة نطقه.
[سوف أتذكر.]
[إن كان لديكِ ضمير، فعليكِ أن تتذكري اسم المحسن الذي عانى كثيرًا.]
[نعم، إذا كان لدي ضمير، فعليّ أن أتذكر.]
حتى لو لم يقل ذلك بهذه الطريقة، كان اسمًا جميلًا جدًا لدرجة أنها لن تتمكن من نسيانه…
[دانتي.]
ظلت أريانا الصغيرة تنطق الاسم.
[أعجبني، على كل حال. كان مشابهًا لأندانتي…]
[انهضي. اعبري التل وستصلين إلى الطريق الرئيسي. من هناك، يمكنكِ ركوب عربة… ما اسمكِ؟]
[اسمي آري…]
[لا، أخبريني باسمكِ الكامل. أنتِ فتاة نبيلة. لا بد من وجود قصر يحمل اسم عائلتكِ.]
لقد حثها دانتي على أن تُخبره باسمها.
[لوبيز. أريانا… لوبيز.]
[أريانا لوبيز.]
همس دانتي بصوتٍ خافت باسمها. بعد ذلك، أصبح وعيها متقطعًا. في كل مرة تستيقظ فيها من الحمى الضبابية، يزداد ذهنها ضبابيةً.
[أين أنا؟]
[نحن تقريبًا هناك الآن.]
كان بصرها يتغيّر بسرعة كلما أغمضت عينيها وفتحتهما ببطء. في كل مرة كان ذلك يحدث، كان ذهنها يختلط كالعجين.
[أين أنا ولماذا الجو بارد جدًا؟ أين أمي؟ قال جدي إني سأغني في القصر اليوم. هل كان ذلك اليوم؟]
[من أنتَ يا أخي…؟ من يكون هذا الصبي؟ كيف لصبي أن يبدو كدمية؟ قالت أمي أنني الأجمل في العالم، ولكنها ربما قالت ذلك لأنها لم تستطع رؤية وجهه…]
وبعدها فقدت أريانا الصغيرة الوعي تمامًا.
“آه…”
سقطت الدموع على الأرض. ضمت أريانا صدرها وأطلقت نفسًا عميقًا، فسمعت صوتًا أجشًا.
“أريانا. أريانا!”
كانت اليد التي تمسك كتفيها كبيرة وثابتة. رفعت رأسها بلا تعبير ونظرت إلى صاحب اليد. كانت عيناه قرمزيتين كالدم، وفي الوقت نفسه، جميلتين كالياقوت.
“كيف لي أن أنسى حتى الآن؟ أتذكر… أتذكر. كل شيء.”
اتسعت عينا دانتي.
“بعد ذلك، عندما استيقظتُ، لم أستطع تذكر أي شيء. لم أستطع حتى تذكر وفاة أمي وجدي، فاضطررتُ للراحة مجددًا بعد أن سمعتُ أن الجنازة قد أُقيمت. لماذا لم تخبرني؟ على عكسي، الدوق الأكبر يتذكر من البداية.”
التقت عيناها بعيني دانتي وواصلت الكلام وهي تلهث كما لو كانت تبكي.
“لقد تذكرتَ كل شيء منذ البداية.”
دانتي، الذي كان ينظر إليها بعيون قاسية، أطلق ضحكة منخفضة.
“ما هو الجميل في التظاهر بالمعرفة أولاً؟”
لقد همس دانتي في أذنيها بصوت إتهامي.
“أنتِ من نسيتِ بشكل مخجل.”
في تلك اللحظة، فجأة جاءت ذكرى من الحياة السابقة إلى ذهن أريانا.
[أريانا لوبيز.]
فكرت أريانا: “عندما كنتُ ماركيزة حمقاء تدعى فيدغرين، كان دانتي هو الوحيد الذي يناديني باسمي قبل الزواج.”
[هل فكرتِ في عرضي؟]
[الدوق الأكبر.]
[لن يكون مبلغًا كبيرًا. تفضلي الآن. لقد أخبرتكِ. مواهبكِ لا تستحق هذا النوع من المعاملة.]
فكرت أريانا: “في ذلك الوقت، كان دانتي هايجنبرغ شخص غريب ومختلف بالنسبة لي. لم يكن ذلك فقط لأن إدوارد كان يشتم دانتي والنادي كلما سنحت له الفرصة، ولا لأن ذلك الرجل كان الوحيد الذي يعلم دون تردد أنني الملحنة الحقيقية لدار أوبرا لوبيز.”
[أنا آسف الدوق الأكبر. أُقدّر هذا العرض حقًا، لكن لا يُمكنني خيانة زوجي وعائلتي.]
[لماذا لا تستطيعين؟]
قال دانتي وهو يميل رأسه بحزن.
[اعتقدتُ أن عدم الامتنان هو تخصصكِ.]
[نعم؟]
فكرت أريانا: “السبب الأكبر وراء كون دانتي شخصًا غريبًا بالنسبة لي هو لأنه كان يأتي إليّ بشكل غير متوقع ويقول أشياء غريبة.”
[تعالي إليّ الآن. أريانا لوبيز، التي لا تعرف الامتنان.]
فكرت أريانا: “في ذلك الوقت، فسرتُ تلك الكلمات بطريقة غريبة. أعتقدتُ أنه كان يقصد أن التعرف عليّ كان بمثابة خدمة كبيرة. لم يكن من غير المعقول التفكير بهذه الطريقة، إذ كان يُلوّح بشيكٍ مكتوب عليه مبلغٌ ضخمٌ بشكلٍ مُبالغٍ فيه كلما زارني. لقد كان الدوق الأكبر هايجنبرغ يُعامل امرأةً لا يعرفها أحدٌ بهذه القيمة الكبيرة. لكن الأمر لم يكن كذلك. لم تكن الخدمة التي كان يتحدث عنها مجرد ذلك.”
أخذت أريانا نفسًا عميقًا ونظرت مباشرة إلى دانتي، الذي كان يقف أمامها الآن، وليس في الماضي.
“أنا آسفة لأني نسيتكَ بسهولة. و.”
ثم قالت التحية التي كان ينبغي لها أن تقولها منذ زمن طويل…
“شكرًا لكَ على إنقاذي. لن أنساكَ مرة أخرى.”
اتسعت عيناه القرمزيتان ببطء، وبعد لحظة، استقرت حرارة مظلمة داخلهما.
“نعم لقد انقذتكِ.”
ارتسمت ابتسامة على شفتي دانتي الأنيقتين. كانت ابتسامةً مليئةً بالرضى العميق. أمسك دانتي بيدها وشبك أصابعه بأصابعها. ببطء واحترام، كما لو كان يتفقد ممتلكاته التي أخذها بين يديه. ارتجفت رقبتها عندما لامست أطراف أصابعه الخشنة أصابعها الرقيقة. ابتلعت أنفاسها عندما ضغط دانتي بشفتيه على ظهر يدها.
كان هناك إحساس دافئ يحرق مثل لهب صغير على ظهر يدها وانتشر إلى قلبها…
التعليقات لهذا الفصل " 83"