“ماذا… تتحدثين عنه؟” 

ارتجفت عينا إيلينا لا إراديًا. هذه المرة، لم يكن تمثيلًا، بل انفعالًا حقيقيًا. 

قالت أريانا، التي ألقت نظرة على أدولف.

“هذا ليس خيارًا جيدًا.”

ارتجفت إيلينا للحظة وشدّت كتفيها، لكنها سرعان ما أبرزت صدرها بفخر. فكرت: “أدولف شميدت. الابن الأكبر لعائلة شميدت، لم يكن من كبار أفراد العائلة، ولكن بفضل نجاحاته الاستثمارية المتتالية، أصبح حاليًا واحدًا من أغنى رجلين في النظام. أحبّني بشغف، وقبل كل شيء… إذا داعبتُه قليلاً ومنحته بعض العسل، فسوف يسيل لعابه مثل الأحمق ويتصرف وكأنه سيعطيني كبده ومرارته.”

ابتلعت أريانا تنهيدة، فكرت: “هذا هو نوع الشخص الذي تُحب إيلينا التعامل معه أكثر من غيره. يبدو أدولف خيارًا ثانيًا جيدًا لإيلينا. لكن لديه عيبًا قاتلًا. زراعة وتوزيع أدوية غير قانونية. مطاردة. محاولة اختطاف. كان مجرمًا سيُسجن قريبًا بعد تورطه في سلسلة من الجرائم الخطيرة. إضافة إلى ذلك، سرعان ما سيتبيّن أن شركة التجارة البحرية التي استثمر فيها الفيكونت شميدت عصابة من كبار المحتالين، فتُفلس. يُترك أدولف ليعاني في السجن، عاجزًا حتى عن دفع كفالة. لديكِ موهبة في التقاط الرجال الفاسدين، إيلينا. في البداية، رجلٌ يعاني من خللٍ جنسي. ثم مجرم.”

نظرت أريانا إلى إيلينا بعيونٍ حزينة دون أن تُدرك ذلك. 

ثم، كما لو كانت إشارةً، أمسكت إيلينا بيد أدولف أكثر. 

“اعتقد أنكِ لن تصدقيني، يا أختي.”

همست إيلينا وهي تُخفض نظرها. ارتجف صوتها بحزن، وكأنها تُقرّ بأمرٍ مُحزن. 

“لطالما… كنتُ قلقةً عليكِ. أخبرتُكِ أن الرجال، وخاصةً الماركيز، كانوا لطفاء معي للغاية عندما كانوا معكِ.” 

أصبحت تعابير وجوه من سمعوا صوتها المرتعش غريبة، لكن إيلينا التي كانت ترفرف رموشها بحزن لم تلاحظ. 

“عندما جاء الماركيز، طلبتِ مني عدم وضع المكياج وارتداء ملابس قديمة فقط… لكن يا أختي، لم يكن لديّ أي نية لإغواء الماركيز. أنا جادة. أرجوكِ صدقيني في هذا الأمر تحديدًا…!”

في هذه اللحظة، سقطت دمعة. راقبت إيلينا الدموع التي انهمرت في الوقت المناسب بارتياح. استطاعت سماع الثرثرة حولها تزداد حدةً مع تصاعد دخان الدموع. اعتادت إيلينا على هذا الموقف. إنها تقنية اعتادت استخدامها منذ صغرها.

[إيلينا! أخبرتكِ أن هناك  ضيوفًا مميزين قادمين اليوم. لماذا ترتدين هذه الملابس الممزقة؟] 

[تلك… أختي، طلبت مني ألا أرتدي فستانًا…]

[ماذا؟ أريانا، هل هذا صحيح؟]

[نعم؟ لا. إيلينا، أنا…]

[أوه، لا يا أختي. أفهم. حتى وقت قريب، كنتُ من عامة الناس… كيف يُمكن لفستان ترتديه سيداتٌ ثمينات أن يُناسب شخصًا مثلي؟]

[لا يا إيلينا، قلتُ لكِ إن هذا ليس ما قصدتُه. يا أخي، ما سترتديه إيلينا كان تذكارًا أهدته لي أمي. يمكنكِ ارتداء أي شيء آخر.]

[يمكنها فقط ارتداء هذا وغسله، ولكنكِ لا تعرفين كيف تتنازلين وتثيرين ضجة في المنزل؟ تسك!]

[لا، لا. من الخطأ أن تشتهي إيلينا هذا الفستان، مع أنها من عامة الشعب. ليس ذنبي.]

[أريانا! تأكدي من أن إيلينا ترتدي أفضل فستان الآن! سيصل الضيوف قريبًا، لذا أسرعي!]

تعلّمت إيلينا منذ صغرها كيف تتغلب على أريانا. كان الأمر يتعلق باستغلال مكانتها كأخت غير شقيقة صغرى. كلما تظاهرت إيلينا بالشفقة وبكت، كان إدوارد يضيق ذرعًا ويصرخ على أريانا لتفعل ما تشاء إيلينا. ولأنه كان سيد المنزل، بدأ الخدم أيضًا بحماية إيلينا أكثر فأكثر.  كلما تكرر هذا، تضاءل شأن أريانا في القصر. حتى بعد أن كبرت، لم يتغير شيء. من يثير الشفقة ويحفز غريزة الحماية أولًا ينتصر. لم تكن أريانا تعلم ذلك، لكن إيلينا كانت تعلم، لذا كانت النتيجة واحدة دائمًا. لذا كان هذا موقفًا مألوفًا جدًا لإيلينا. 

لكن شيئًا غريبًا كان… نظرت إيلينا إلى أريانا بصدمة. كانت أريانا تبتسم. 

كلما تصرفت إيلينا هكذا، كانت أريانا تشعر بالحرج وتنشغل بالإنكار. وتزداد ثقة الناس بإيلينا وعدم تصديقهم لكلام أريانا، ويزداد حرج أريانا، وكان لذلك عواقب وخيمة. 

ومع ذلك، الآن لم يكن هناك أي علامة على التردد في تعبير أريانا الآن. 

“نعم. هذا جوابكِ. لنصيحتي.” 

قالت أريانا بابتسامة هادئة. 

كادت إيلينا أن تعبّس حاجبيها من الإجابة غير المتوقعة. 

“أفهم.” 

“ما هذا…” 

كانت إيلينا على وشك الجدال عندما سمعت أصواتًا تهمس في أذنيها. 

“ماذا تقول تلك المرأة؟” 

“لقد كانت الدوقة الكبرى تمنع هذه المرأة من وضع المكياج وارتداء الملابس القديمة فقط؟” 

“همم… الدوقة الكبرى؟ لماذا؟” 

كانت نظراتهم تتطلع إليها من أعلى إلى أسفل كما لو كانوا يُقيّمونها. شدّت إيلينا قبضتيها المرتعشتين.

[كيف يمكن أن تكونا مختلفتين إلى هذا الحد، رغم  أنهما أختان؟ الأخت الصغرى أكثر سحرًا بكثير!]

[يا إلهي، لا بد أنكَ سعيد جدًا لأن لديكَ أختًا صغيرة جميلة، إدوارد.]

أريانا الهادئة والمُتحفّظة، وإيلينا المُلفتة والمنفتحة. من بين الاثنتين، كانت إيلينا دائمًا الأكثر لفتًا للانتباه. كانت هذه أول مرة في حياة إيلينا تُقيّم فيها بهذه الطريقة. 

فكرت إيلينا: “أختي أصبحت دوقة كبرى. لهذا السبب يحاول الجميع تملقها.”

حاولت إيلينا جاهدةً أن تفكر بهذه الطريقة، لكن شعور الازدراء لم يزول. شخص واحد فقط أبدى رد الفعل الذي أرادته إيلينا. 

“أوه، إيلينا… لا يمكنها فعل شيء. جمالكِ أناني.” 

عزاها أدولف، وهو يربت على ظهر يدها. ثم ازدادت الهمسات حولها. 

“يا إلهي، زوجان كلاهما أُصيبا بالجنون.” 

“لماذا يأتون إلى هنا كل هذه المسافة للقيام بذلك؟” 

انتاب إيلينا قلقٌ شديد. فكرت: “هذا ليس صحيحًا. لو اعترفتُ بأنني مجرد ضحية، وظهرتُ بمظهرٍ مثيرٍ للشفقة، لكان الجميع مصدومين ومذهولين. مع ذلك، بدوا الآن متفاجئين، وهذا كل شيء.”

لم يُبدِ أحدٌ أيَّ ردِّ فعلٍ تجاه مظهر إيلينا البائس. اكتفوا بامشاهدتها كقردٍ في حديقة حيوانات. 

لكن أريانا أبدت ردَّ الفعل الذي أرادته إيلينا. 

“هل الأشياء التي قلتيها حقيقية حقًا، إيلينا؟” 

سألت أريانا بوجه جاد. 

“هل كانت كل الأشياء التي أجبركِ لوكاس على فعلها؟ حتى الأشياء التي فعلتماها في غرفة ملابسي؟” 

سادت الضجة. 

أكثر ما أثار الجدل في كلمات أغنية لحن الزانية هو بالتأكيد ذلك الجزء الذي ارتكبا فيه الزنا في غرفة الملابس. تساءل الجميع إن كان هذا الجزء مبنيًا على قصة حقيقية. 

عندما ذكرت أريانا ذلك الجزء، حبس الجميع أنفاسهم. 

قضمت إيلينا فمها سرًا. فكرت: “بالنظر إلى أنها كانت تذكر غرفة الملابس باستمرار، لا بد أنها كانت تعلم منذ يوم لقائنا السري في غرفة ملابسها. ولم تظهر ذلك على الإطلاق… إنه أمر مخيف.” 

الأشخاص الذين كانوا مهتمين بدموع إيلينا غيّروا نظرتهم أيضًا إلى كلمة غرفة الملابس. 

شعرت إيلينا أن الجو لم يكن كما أرادت، فحاولت الاستمرار. 

“لا أتذكر إن كان ذلك قد حدث في غرفة الملابس، لكنه كما ذكرتُ تمامًا. كل ذلك كان على يد ماركيز فيدغرين.” 

“إذا كان ما تقوليه صحيحًا.” 

عضت أريانا شفتها السفلى واستمرت. 

“كان الماركيز رجلاً شريرًا أكثر مما كنتُ أعتقد.”

أخفت إيلينا عينيها المتشككتين وراقبت تعبير أريانا. 

فكرت إيلينا: “في الماضي، كنتُ سأظن أنني خدعتها. لكن الآن، بعد أن عرفتُ كل شيء عن جانب أريانا المخيف، لم أعد متأكدة.” 

تقدمت أريانا خطوة للأمام قبل أن تتمكن إيلينا من الملاحظة. 

“إذًا يجب عليكِ معاقبته فورًا. هل أبلغتِ عنه للشرطة؟” 

“أردتُ فعل ذلك أيضًا يا أختي. لكن كما تعلمين، الماركيز نبيلٌ رفيعُ المكانة… ويتمتع بحصانة.”

“الحصانة. امتيازٌ يُجنّبك التحقيق، ناهيك عن الاعتقال، بتهمة ارتكاب جريمة شخصية.” 

هزّت أريانا رأسها عند سماعها هذه الكلمات. 

“إيلينا. إذا عوملتِ بهذا الظلم، فلا يمكنكِ التغاضي عنه. عليكِ محاسبتهم.” 

“ولكن الحصانة…” 

“الحصانة ليست غير قابلة للهزيمة.”

اندهشت إيلينا من هدوء صوت أريانا. التفتت أريانا إلى الضيوف وقالت.

“أبلغوا عن لوكاس وإيلينا. ربما يوافق الناس هنا على هذا الادعاء.”

لم يكن هناك سوى طريقة واحدة لكسر الحصانة. لو قدّم عشرة أشخاص مدرجين في تقويم النبلاء نفس الادعاء، لكانت الشرطة تملك سلطة التحقيق حتى مع النبلاء رفيعي المستوى المتمتعين بالحصانة. 

نظرت أريانا إلى الضيوف وقالت.

“هل ستفعلون ذلك يا رفاق؟”