فكرت أريانا: “لا بد أن خدودي كانت حمراء زاهية كفاكهة ناضجة في تلك اللحظة.” 

تحسست أريانا شفتيها، وشعرت بالحرج من ضوء الشمس الساطع. 

“أنتِ التي حفزتيني…”

“لقد كنتُ مخطئةً هذه المرة.”

قال دانتي، وشفتيه تبتسمان. 

“إن الأمر ليس بهذا القدر فقط.”

فجأة خفض دانتي رأسه. تجمد جسد أريانا. شعرت بوضوحٍ بالهمس كدغدغة قرب أذنيها. حتى أدنى حركةٍ لشفتيه. شعرت بقلبها على وشك الانفجار. 

فكرت أريانا: “ماذا كان يقول؟ لم أسمع صوتًا. لم أستطع قراءة شفتيه.” 

رفع دانتي رأسه سريعًا ونظر إليها بابتسامة خفيفة. عضت شفتيها وتحسستها بسرعة. 

“هذه لعبة غير شريفة!”

عندما اعترضت أريانا، أصبحت ابتسامة دانتي أعمق قليلًا. 

“لم أرى ذلك.” 

عندما قالت أريانا هذا وهي تشدّ على كمّ دانتي، أغمض عينيه وابتسم. كانت ابتسامةً مُبهجةً جدًا. كادت تُعارضه مُجددًا، لكن دانتي اقترب. قبل أن تُجهّز نفسها، تلامست شفاههما مُجددًا. تحركت شفتا دانتي وهما لا يزالان يتلامسان. اتسعت عينا أريانا. هذه المرة، شعرت بكل حركة حقيقية. كأن كل حرف محفور على شفتيها. 

“آه…” 

شعرت أريانا بحرارةٍ في وجهها كأنه يحترق. كان قلبها ينبض أسرع من ذي قبل. أغمضت عينيها بإحكام، وشعرت وكأن دموعها تسيل. تسارعت أنفاسها، فافترقت برفقٍ بين شفتيها. وبينما استقبلت القُبلةَ الذائبة، مضغت الكلمات التي كانت شفتاه تنطقان بها. 

“أنا أُحبُّكِ أريانا.”

كان كل مقطع وكل حرف حلوًا جدًا. 

كتبت صوفي بعناية على مذكرة وسلّمتها لأريانا. 

(كيف تشعرين اليوم؟)

ابتسمت أريانا وأومأت برأسها. ارتسمت على وجه صوفي نظرة ارتياح. كتبت صوفي رسالةً أخرى وسلّمتها مع صينية فضية عليها جريدة. 

(جريدة اليوم سيدتي.)

كان بإمكان صوفي أن تُعطيها الجريدة، لكن أريانا ابتسمت لأن الأمر كان مُضحكًا، ومُمتنةً لاستمرارها في إعطائها الرسالة. 

عادت الجريدة التي فتحتها تُصدر ضجيجًا اليوم، تمامًا كما كانت عليه في الأيام القليلة الماضية. انقلب العالم رأسًا على عقب بعد تفجير المحكمة. بفضل الإجراءات السريعة لفرسان دانتي، أُزيلت العديد من القنابل المزروعة في المحكمة مُسبقًا. 

فكرت أريانا: “لو انفجرت كلها… لكانت مأساةً جهنميةً بكل معنى الكلمة. لكنا جميعًا، الإمبراطور والنبلاء الحاضرون، وأنا ودانتي، والمواطنون المحيطون، قد فقدنا أرواحنا دفعةً واحدة. لم يكن هناك دليلٌ قاطع على وقوف ولي العهد وراء التفجير. مع ذلك، فإن اختفاء ولي العهد مع جنوده الخاصين ذلك اليوم كان الدليل الأكيد. كانت هذه حادثة غير مسبوقة، إذ اعتدت فيها العائلة المالكة على المواطنين. بل إنها خيانة جلية، إذ كاد الإمبراطور أن يُقتل.” 

بعد ظهر أمس، التقت أريانا بالإمبراطور مع دانتي. قدّمت الأدلة التي جمعها جدها وهوفمان، والتي لم يكن من الممكن تقديمها في المحاكمة. أظهرت الأدلة بوضوح أن ولي العهد حرّض على قتل أخيه.

قرأ الإمبراطور جميع المواد وصمت برهة. ثم، بعد فترة طويلة، فتح فمه ببطء.

[لقد قمتُ بتربية ابني بطريقة خاطئة، لذلك عانيتُ كثيرًا.]

أصبح وجه الإمبراطور الذي كان يقول ذلك عابسًا لدرجة أنه بدا أكبر بعشر سنوات في غضون أيام قليلة. بعد مغادرة دانتي وأريانا، عزل الإمبراطور ولي العهد رسميًا. 

(يجب أن أُطلق عليه الآن اسم ولي العهد المخلوع، وليس ولي العهد.)

فكرت أريانا: “لم يُعثر على ولي العهد المخلوع بعد. ولكن، هل يُعقل أن يهرب شخصٌ مهووسٌ بالعرش لدرجة التخطيط لمثل هذه الأمور؟ مستحيل. لا بد أنه كان يخطط لشيء جديد. كانت تُعقد اجتماعات يومية في منزل الدوق الأكبر. كان ريو يُطلعني دائمًا على محاضر كل اجتماع، ولحسن الحظ، بدت عملية مطاردة الأمير المخلوع تسير بسلاسة تامة. كان هذا خبرًا مطمئنًا بالتأكيد، ولكن… لسبب ما، لم يكن الأمر على ما يرام. الصحف تحتوي فقط على الكثير من القصص المليئة بالأمل! كان الأمر كما لو أن القصص السيئة قد حُذفت عمدًا.” 

وبينما كانت أريانا تقلب صفحات الجريدة وهي تفكر في ذلك، لاحظت فجأة الكتاب تحت الجريدة. بدا وكأن صوفي وضعته عمدًا تحت الجريدة.

ضحكت أريانا ضحكةً خفيفةً وهي تتصفح الكتاب. كان سيرةً ذاتيةً لفنانٍ عظيمٍ ألّف الموسيقى حتى بعد أن فقد سمعه بسبب الحمى في أواخر عمره. كانت نوايا صوفي في تركه واضحةً جدًا لدرجة أنها لم تستطع إلّا أن تضحك.

“هل هذا ممكن؟”

أدارت أريانا رأسها ببطء. لفت البيانو انتباهها. 

“هل يمكنني أن أفعل ذلك أيضًا؟” 

“يقولون أن فرسان الدوق الأكبر عثروا على آثار الأمير المخلوع.” 

“أوه، هذا خبر جيد. ولكن ماذا حدث له؟” 

“له؟” 

“هذا الرجل المجنون. إدوارد، هذا المجرم الشرير!” 

“أوه، هذا المُفجّر المجنون.” 

كانت وجوه الناس ملطخة بالغضب. قبل أسبوع، أحدثت حادثة تفجير محكمة الأمير المخلوع ضجة كبيرة في العاصمة، لكن حادثة أخرى صدمت الناس بنفس القدر. إنها حادثة تفجير إدوارد لدوقة هايجنبرغ الكبرى. 

“أنتَ تقول أنه فعل ذلك لأنه كان غاضبًا لأن الدوقة الكبرى استعادت الموسيقى؟” 

“كيف يكون وقحًا لهذه الدرجة! لقد وضع اسمه فقط على موسيقى الدوقة الكبرى الرائعة منذ البداية!”

كان الجميع غاضبين. إدوارد، الذي أُلقي القبض عليه فورًا، سُجن في انتظار الحكم. أجمع الجميع على وجوب الحكم عليه بالإعدام. 

“وهذه مجرد إشاعة، ولكن…” 

تحدث أحدهم بهدوء.

“هناك قصة مفادها أن الدوقة الكبرى عانت من إصابة في الأذن في تلك الحادثة.” 

“هاه؟ ماذا؟!” 

“يا إلهي!” 

“كيف أُصيبت بهذا الأذى الشديد؟” 

غطّى الناس أفواههم. وتابع الذي جاء بالخبر حديثه بوجهٍ كئيب. 

“حسنًا، سمعتُ أنها فقدت سمعها…” 

“بحق الجحيم؟!” 

“يا إلهي! هذا شيء فظيع!” 

“كيف يمكن أن تكون مثل هذه المأساة!” 

صُدم الجميع بالخبر القاسي. حتى أن بعضهم ذرف الدموع. ثم انضم أحدهم إلى الصخب. 

“ماذا قلتَ للتو؟” 

تجمد الأشخاص الذين التفتوا إلى صاحب الصوت من المفاجأة. 

“يا إلهي، يا سمو الأمير.” 

مايكل إندي، أول أمير لمملكة إندي… كانت هناك شائعات كثيرة مفادها أن السبب وراء بقائه في الإمبراطورية منذ تأسيس البلاد هو رؤية الأداء التالي للدوقة الكبرى. 

“الدوقة الكبرى… ماذا فقدت؟ هل فقدت سمعها؟” 

“ذلك، ذلك… نعم. يُقال إنها لا تسمع إطلاقًا.” 

“ها.” 

تعثّر مايكل ووضع يده على الحائط. 

“كيف يمكن أن تحدث مثل هذه المأساة القاسية؟” 

حزن الناس جميعًا وهم يشاهدون مظهر الأمير مايكل إندي الحزين. كان الجميع يعلم أن مايكل أحبَّ جميع موسيقى دار أوبرا لوبيز، والتي اكتُشف لاحقًا أنها من عمل الدوقة الكبرى. 

“ثم ربما لن أسمع موسيقاها مرة أخرى أبدًا.” 

“أوه، هذا لا يمكن أن يكون…” 

عند صوت مايكل المتردد، بدأ النبلاء، الذين أسرتهم موسيقى أريانا، بالهمس. خيّم يأسٌ ثقيلٌ على القاعة. 

(ستتعافين بالتأكيد. سأدعو الله كل يوم. )

(من المؤكد أن الله سوف يمنح الدوقة الكبرى العافية والشفاء.)

“هذا… ما كل هذا؟”

نظرت أريانا إلى الرسائل المتراكمة بذهول. كانت جميعها مليئة برسائل المواساة والتمنيات بالشفاء العاجل. كان أناسٌ لم تلتقِ بهم من قبل يكتبون لها قائلين إنهم سيدعون لها كل يوم. 

(وهذه هدايا للسيدة.)

ناولها كبير الخدم، الذي كان يراقب هذا المشهد بوجهٍ مُسْرورٍ، رسالةً وأومأ برأسه في مكانٍ ما. ثم أحضرت الخادمات عدة رفوفٍ متحركةٍ مليئةٍ بأكوامٍ من الصناديق. 

“هل هذه كل الهدايا التي وصلتني؟” 

فتح كبير الخدم الهدايا واحدة تلو الأخرى لأريانا. 

(يا إلهي! هذه لحية حوت أسود! إنها عشبة طبية ثمينة جدًا.)

(عشبة جبلية عمرها مئة عام! هذا دواء لا يُشترى حتى بالمال!)

كان كبير الخدم يُدوّن الشرح على الأوراق، ويُريها لأريانا كلما تفقّد هدية. وبفضل ذلك، استطاعت أن ترى بوضوح كمّ الهدايا الثمينة والرائعة التي وصلتها. من بينها، كان هناك صندوق ضخم لفت انتباهها أكثر من غيره. 

“الأمير إندي؟” 

اتسعت عينا أريانا عندما رأت اسم مايكل إندي. أرسل لها مايكل رسالة تعزية مصحوبة بدواء قال كبير الخدم إنه ثمين للغاية. 

(عزيزتي الدوقة الكبرى، تلقيتُ الخبر المفجع بتعرضكِ لمأساة. أشعر بالحزن الشديد لوقوعكِ في هذه المأساة؟ مع ذلك، أنا متأكد من أنكِ ستتعافين بالتأكيد. ما زلتُ لا أنسى اللحظة التي سمعتُ فيها موسيقاكِ لأول مرة. تلك اللحظة المؤثرة والمرتعشة…)

“رسالة طويلة جداً! ما هذا بحق الجحيم…”

اندهشت أريانا وهي تقلب الصفحة الثالثة من الرسالة. دوّن مايكل انطباعاته، مُعبّرًا ببلاغةٍ لا تُصدّق، عن مدى تأثير الموسيقى التي قدّمتها في حفل التأسيس على قلبه، وكيف كانت موسيقى أخرى من دار لوبيز. 

فكرت أريانا: “تشتهر مملكة إندي بذوقها الرفيع. لم أكن أعلم أن عبقريًا تخرج من الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة بامتياز سيُعجب بموسيقاي إلى هذا الحد.”

ربما لأن أريانا قرأت كلمات كثيرة جدًا في وقت قصير، احمرّ وجهها قليلًا. فكرت: “أنا سعيدة. بصراحة، كنتُ كذلك. شعرتُ بحرجٍ وغرابةٍ كبيرين لأن كل هؤلاء الناس يتمنون لي الشفاء العاجل… لكن في الوقت نفسه، كنتُ سعيدةً.”

لم تنتهِ رسالة مايكل عند هذا الحد. 

(لذا إذا كان الأمر مناسبًا، يمكنني زيارتكِ شخصيًا…)

في تلك اللحظة. غطّت يدٌ كبيرة الرسالة. فزعت أريانا، فنظرت جانبًا. كان دانتي واقفًا هناك، وتساءلت متى وصل. كان وجه دانتي متيبسًا بشكلٍ غريب. 

“صاحب السمو.”

ضمت أريانا شفتيها خجلاً. كانت على وشك أن تسأله متى أتى، لكن دانتي كتب بسرعة رسالة. 

(أنتِ بحاجة ماسة إلى الراحة، لذا سيكون من الأفضل عدم تلقي أي زيارات.)

رمشت أريانا وهي تنظر إلى الرسالة التي ناولها إياها. دانتي، الذي نقر على أنفها وجعلها تنظر إليه، حرّك شفتيه. 

“أنتِ بحاجة إلى التعافي، أليس كذلك؟”

“نعم.”

أومأت أريانا برأسها بتلقائية، وشعرت أنها يجب أن تُجيب بنعم. حينها فقط ارتسمت ابتسامة رضى على شفتي دانتي.