1
كان اليوم يومًا آخر من أيام الحزن.
في الوقت الذي يبتلع فيه الظلام المدينة، دخلت امرأة تبدو وكأنها على وشك التبخر إلى مبنى، ممسكة بوالدها الفظ.
لم يكن داخل المبنى سوى هواء خانق وأضواء متفرقة.
ورغم أنها زارته عدة مرات، إلا أنه كان مكانًا يصعب الاعتياد عليه.
ممرات ضيقة، أبواب لا حصر لها على الجانبين، ورائحة تبغ وأعشاب هلوسة محترقة—لم تكن ترغب في الاعتياد عليه أبدًا.
لم تحمل عيناها الرماديتان الباهتتان أي مشاعر تُذكر وهي تُسحب بقوة تكاد تلتوي معها لحمها. كان هذا أمرًا طبيعيًا بالنسبة لديلارايلا إيرلي؛ حياة تتنقل فيها بين صالات القمار كل ليلة بجرٍّ من يد والدها.
وصل الرجل إلى باب غرفة في نهاية ممر أحمر ضيق، وفتحه ودخل دون تردد.
اندفع دخان كثيف من داخل الغرفة إلى الممر.
حبست ديلارايلا أنفاسها لا شعوريًا لتجنب استنشاق الدخان.
وفي وسط غرفة واسعة، كان هناك ثلاثة رجال شاحبين يجلسون حول طاولة مستديرة كبيرة. كان من بينهم وجوه مألوفة، وآخرون تراهم لأول مرة.
أظهرت عيناها اللامباليتان اللتان فقدتا حيويتهما شعورًا خفيًا بالرفض.
“الكونت مارسيل! لقد وصلت أخيرًا. أنت متأخر”
تفتحت أسارير وجه رجل كان يمضغ تبغه بقوة، ورحّب بالرجل الداخل بحفاوة زائدة.
وعندما نهض فجأة، توجهت عدة أعين مليئة بالحسرة نحو الباب. ولم يبدُ أي منهم في حالة طبيعية. وكانت نظرة الرجل الذي بعثر شعره وأحنى رأسه هي الأكثر رعبًا.
“أوه … هل هذا هو الشيء المشهور الذي يجلب الحظ؟ هذه أول مرة أراها في الواقع.”
ركز الرجل المرعب نظره على المرأة البيضاء الشاحبة التي سُحبت للداخل، بدلًا من الكونت مارسيل ضخم الجثة.
كانت امرأة لا تليق بصالات القمار المتدنية. وعندما تلاقت أعينهما، ارتجف شعرها الباهت المموج وجسدها النحيل الأبيض بخفة. كانت رموشها المنخفضة مبللة قليلاً، مما أعطى الرجل قوة جذب لشهوته.
نعم، كانت تليق بمعبد مقدس أكثر من صالة قمار كئيبة كهذه.
مسح الرجل الذي كان يتأمل ديلارايلا بعينين متوهجتين منطقة فخذيه بيده.
“نعم، نعم! إنها ابنتي ديلارايلا. ها ها ها!”
تصرف مارسيل بغطرسة وهو ينفخ صدره، غير مبالٍ بالرجل الذي كان يقوم بتصرفات بذيئة وهو ينظر إلى ابنته. بل إنه قدمها للأمام ليسمح له بتأملها كما يشاء.
“والدي …!”
دُفعت ديلارايلا للأمام فارتجفت وأمسكت بذراع والدها.
وعندما دُفعت رغم مقاومتها الضعيفة، تراجعت بجسدها للخلف.
نظر مارسيل إلى ابنته المثيرة للشفقة التي ابتعدت خطوة ولسانه يطقطق. يا لها من مثيرة للشفقة. لوى ذراعه التي كانت تمسك بها بقوة وانتزعها.
“إنها خجولة هكذا. هيا هيا، لا تهتموا بالأشياء غير المجدية ولنبدأ اللعب!”
كان يرى أنها غبية لأنها تقبع في الزوايا كل يوم، بدلاً من إغواء الرجال بجمالها لتجعل والدها يربح المزيد من المال.
عامل مارسيل ابنته ديلارايلا، التي كان ينبغي له حمايتها من الخطر، كبلهقاء.
“ما حاجتنا للخجل وهي تجلب الحظ. أنت طماع حقًا! وأين نجد حسناء كهذه؟ ستجلب لك مهرًا وفيرًا لاحقًا. أليست ابنة مثالية؟ آه، هل يجب أن أنجب ابنة أنا أيضًا.”
“كف عن هذا، هل تملك الطاقة لتجعل زوجتك تحمل؟”
تبادل الرجلان المألوفان نكاتًا بذيئة وهما يضحكان. وجلست ديلارايلا، التي اعتادت سماع مثل هذه الأحاديث الفاحشة، بضعف على كرسي ملتصق بالحائط. كانت ديلارايلا فاقدة للطاقة ومستسلمة تمامًا دون أي قدرة على المقاومة.
في عالم القمار، كانت ديلارايلا رمزًا للحظ. حظ مارسيل.
مرة واحدة فقط، في اليوم الذي ذهبت فيه لصالة القمار لاصطحاب والدها، حقق مارسيل، الذي كان يخسر دائمًا، فوزًا لم يذق مثله من قبل. أثارت تلك اللذة عقلًا غارقًا في الطمع.
وأصبح وجود ابنته علامة حظه الخاصة التي تجلب له النصر.
انتشرت هذه الشائعات السخيفة بين مدمني القمار. ولم يكن المشاركون الجدد يخفون اهتمامهم عند رؤية ديلارايلا، ولم يستطيعوا صرف أنظارهم عن حظ مارسيل.
تمامًا كما يحدث الآن.
حتى بعد بدء اللعبة، لم تبتعد نظرات الرجل الذي يراها لأول مرة عن ديلارايلا.
ورغم أن تلك النظرات كانت تخترق وجنتيها، إلا أن ديلارايلا كانت تكتفي بإمالة جسدها أكثر لتختبئ.
لقد واجهت مثل هؤلاء الأشخاص عدة مرات من قبل، ورغم صبرها اللامتناهي، إلا أنهم كانوا يثيرون اشمئزازها.
عليها أن تتحمل. إذا تحملت وتحملت، فسيأتي يوم تنتهي فيه هذه المعاناة.
كتمت ديلارايلا مشاعرها بداخلها وأسندت رأسها إلى الحائط المتسخ. وبينما كانت تشاهد خيوطًا بيضاء تطفو في الهواء، استغرقت في ذكرياتها.
لقد مر أكثر من أربعة أشهر على هذا الحال. كانت صورتها وهي تقاوم والدها باهتة.
صفعة—!
“أهذا وقت التذمر من وضعكِ؟ إذا لم نحصل على هذا المال، هل تعتقدين أنكِ ستتمكنين من تحمل كل تلك الديون! لا تجادلي، واتبعيني بهدوء واجلسي صامتة، ما الصعب في ذلك.”
انهارت ديلارايلا أمام عنف مارسيل. وكلما قاومت، زاد العنف شدة، ففقدت تدريجيًا حتى الرغبة في المقاومة.
منذ وفاة كاثرينا، والدتها التي كانت ربة عائلة الكونت الحقيقية، أصبح مارسيل متباهيًا بنفسه، بينما ذبلت ديلارايلا.
كان مارسيل، زوج كاثرينا الذي دخل العائلة، رجلاً غارقًا في الشعور بالنقص. وجاء الشعور بالاضطهاد كعلاوة على ذلك.
كانت تلك المشاعر القبيحة تخمد بسبب كاثرينا وتنتظر الفرصة. لذا، كان موت كاثرينا بمثابة الإبرة التي فجرت دمل الكونت مارسيل المتورم.
فقدت رغباته المنبعثة السيطرة فانخرط في شتى أنواع المشاريع والاستثمارات دون خوف، مما أدى إلى تآكل ثروة عائلة الكونت.
مرت أربع سنوات فقط على وفاة كاثرينا. كان هذا هو الوقت الذي استغرقه تحول عائلة الكونت إيرلي المرموقة إلى نبلاء مفلسين.
رفعت ديلارايلا رموشها ونظرت نحو الطاولة المستديرة.
كانت تتمنى فقط أن يتحسن مزاج والدها بسرعة. فمارسيل المنتشي يكون رحيمًا، ويضع في يدها بضعة قروش.
وديلارايلا كانت بحاجة إلى ذلك المال القذر.
بينما كانت تراقب طاولة القمار بحذر، التقت عيناها بعينيّ الشخص الذي لم يرفع نظره عنها للحظة. كان هو نفسه الإنسان الذي كان يتخيل خيالات دنيئة بشأن ديلارايلا عندما دخلت الغرفة.
“لماذا أنتِ قلقة هكذا؟”
نهض الرجل الذي التقت عيناه بعينيها من مكانه وجلس بجانب ديلارايلا. ولتجنبه، ذهبت ديلارايلا إلى الزاوية أكثر، فاقترب منها بنفس القدر، لتجد نفسها محاصرة بين الحائط والرجل.
لامست أنفاس ساخنة وجنة ديلارايلا المنحنية. وانتشرت القشعريرة التي بدأت من مكان التلامس في جسدها كله.
لم تستطع ديلارايلا رفع وجهها، فاكتفت بالتمسك بطرف فستانها وهي تتجاهل الرجل بيأس.
“هل تجلبين الحظ حقًا؟ على عكس ما كنت أظن….”
أمسك الرجل بعنق ديلارايلا المنكمشة وأجبرها على الالتفات، ثم أطلق صرخة إعجاب. بدأت كفه الخشنة في الضغط على وجنتها الناعمة بعشوائية.
“اتركني …!”
أمسكت ديلارايلا بذراع الرجل بقوة محاولةً إنزالها. و
رغم فعلتها تلك، بدأ الرجل يلعق شفتيه وكأنه يتوق لشيء ما، وبدأ يلهث عند شعوره بالرعشة في ذراعه.
وظهرت ابتزامة لزجة على وجه الرجل.
أمالت ديلارايلا عينيها قليلاً لتنظر إلى طاولة اللعب.
بدا أن الجميع غارقون في اللعب ولا يهتمون بما يحدث هنا.
“سمعتُ أنكِ ترعين أخًا صغيرًا. أليس من المتعب ملاحقة والدكِ هكذا، ها؟”
أكمل الرجل حديثه بمفرده، غير مبالٍ بالمرأة التي أغلقت فمها بإحكام.
“زوجتي الحالية تموت، وأنا بحاجة لعروس جديدة، ما رأيكِ؟ يمكنني أن أغض الطرف عن زيادة فرد واحد في العائلة.”
بدأت يده التي وصلت إلى كتفها بالضغط والتدليك حتى وصلت إلى فخذها. لا أحد يعلم بماذا كان يفكر، لكن عينيه كانت قد غرفت بالفعل.
الرجل الذي جعل حتى زوجته السليمة مريضة، كان يغوي ديلارايلا بكلام لا يصدر عن بشر.
“لا … لا تفعل ذلك.”
“بما أنكِ تبدين مثيرة، فمن المؤكد أن حياتكِ ستصبح أصعب في المستقبل، لذا سآويكِ. نعم، وسأقضي ديون والدكِ أيضًا.”
أمسك الرجل بخصرها النحيل بقوة، وهمس بكلام قذر في أذنها. شعرت ديلارايلا بالغثيان من تصرفاته، فبذلت كل قوتها لدفعه بعيدًا.
“آه!”
شعرت ديلارايلا بالخطر، فالتوت بجسدها للهروب. لكنها لم تستطع منع كفه المقززة من التسلل إلى كتفها. وعندما أمسك بلحم كتفها النحيل بقوة، شعرت ديلارايلا بالدوار.
لقد سئمت من كل هذا. لقد ذهبت مع والدها إلى جميع صالات القمار، ولم يكن الرجال الذين يتصرفون بأسلوب دنيء تجاهها واحدًا أو اثنين.
كانت تقبع دائمًا في الزاوية دون أن تصدر نَفَسًا واحدًا.
شعرت ديلارايلا بالظلم وبدأ نَفَسها يتسارع؛ لماذا يلاحقها مثل هؤلاء الرجال بشكل دوري؟
عند رؤية ديلارايلا وهي تتنفس بصعوبة، فقد الرجل عقله.
“هاه … لماذا حتى رائحتكِ مثيرة هكذا.”
نطق الرجل بكلمات بذيئة دون تردد، بدا الأمر وكأنه سيتحرش بها في هذا المكان تمامًا. ولم يكن هناك أمل بالنظر نحو مارسيل.
عضت ديلارايلا شفتيها بقوة وأغمضت عينيها بشدة.
طاك—!
“آه!”
غرست ديلارايلا أظافرها في كتف الرجل، وركلت بركبتها المنطقة التي أمامها. صرخ الرجل صرخة حادة وتدحرج على الأرض.
قفزت ديلارايلا فوق جسد الرجل وركضت للخارج.
لم تلتفت ديلارايلا خلفها وركضت خارج المبنى، وعندها فقط استطاعت التقاط أنفاسها التي كانت تحبسها.
لم تكن تعلم ماذا سيفعل مارسيل إذا علم باختفائها أثناء اللعب.
وعندما أدركت خطأها متأخرة، عضت ديلارايلا شفتيها حتى كاد الدم ينزف منها.
التعليقات لهذا الفصل " 1"