-الأخت التافهة-
ارتكزت كلير على النافذة، تحدق بلا مبالاة في العربة التي كان على متنها راينر والخادمة المشاغبة.
«إذ انسحبت بهدوء دون أن تناديني، فلا بد أنها تخشى أن يظهر إثيريون على السطح.»
إذا ما وصل هذا الكلام إلى آذان ديتريش ومن معه، فلن ينجوا.
كانت حقيقة تصادم شجرة بيريغرين مع إثيريون معلومة لها بعد أن صارت إمبراطورة.
«لم أتوقع أن تُستغل الشتلة التي تلقيتها من القديسة مارجريت بعد النبوءة بهذا الشكل.»
أعادت كلير الغصن الذي كانت تحمله إلى الفتحة الصغيرة في ظهر الكتاب.
“آآآآه!!! يؤلمني!!!”
تردد صراخ ليليانا من الطابق السفلي، متبوعًا بصوت الزجاج المتحطم، صدى مزعجًا يملأ المكان.
«لقد عشت ألمًا يذيب جلدي ويجعل التنفس مستحيلًا كل يوم.»
ابتسمت كلير بسخرية، مستمتعة بالصراخ المبالغ فيه القادم من الخارج.
فكرت أن قلبها أصبح أخف قليلًا مع انتظارها للهدية التي ستصل غرفتها قريبًا.
✦✦✦
حلّ الليل بهدوئه.
حتى في مايو، بعد غروب الشمس، لا يزال الجو باردًا بعض الشيء.
أغلقت كلير النافذة متأخرة، واستندت على الكرسي الهزاز القديم، تقلب صفحات كتابها.
في تلك اللحظة، دوت خطوات ثقيلة خارج الباب، وفتح الباب فجأة دون طرق.
“كلير لوبيوس!”
انتشرت تلك الصوت المزعج في الغرفة بأكملها.
وضعت كلير الكتاب جانبًا، ونظرت إلى أخيها ديتريش.
شعر أشقر كالذهب، وعيون زرقاء تشبهها.
الوحيد من العائلة الذي لا يثير لديها نوبات الذعر حتى بدون الحجاب.
عند مواجهة شخص يشبه والدها في الذاكرة، ارتسم على شفتيها طعم مرّ.
“أخي، ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟”
تظاهرت كلير بعدم المعرفة، وكأنها لم تكن تنتظره على الإطلاق.
“سمعت أن ليليانا أغمى عليها بعد أن ركبت عربتك. هل هذا صحيح؟”
“ليلي ركبت عرَبيتي بالطبع، وما حدث كان نتيجة الإرهاق فقط.”
تنهد ديتريش بغضب وجذب شعره إلى الأعلى بعنف.
“أليس من المفترض أن تهتمي قليلاً بليلي، وأنت تعرفين أنها تقوم بأعمال خيرية للفقراء، لتجعل رحلتها أسهل قليلًا؟”
ضحكت كلير داخليًا عند تخيلها ليلي ذات الوجه البريء ترفع عيونها إلى ديتريش وتستجديه بالدموع.
كان بإمكانها استخدام عربة أخرى، لكن اختيارها لعربتها كان متعمدًا لتقييد تحركات إيفلين وليليانا، وللتحدث مع ديتريش بمفردها.
“أعلم أن لعائلة الكونت أكثر من عربة واحدة.”
“كنت قد استخدمت عربتك فقط لتجنب إزعاج الآخرين، وأليست تلك الطيبة سببًا كافيًا لعدم اختيار ليلي لعربة أخرى فجأة؟!”
تصاعد غضب ديتريش في الجو بعنف.
“هل تستاء لأن ليليانا ركبت عربة البارون بالْم بدلاً من عرَبتي؟”
“ليليانا فتاة ذات رمز. بفضلها، يراقب الناس عائلتنا. إذاً، بصفتك صديقتها، يجب ألا تعرقلي، بل تساعدي!”
كانت كلير تدرك أن القديسة ليست مجرد قضية دينية، بل أداة سياسية.
بالنسبة لديتريش، القديسة وسيلة لتعزيز نفوذ عائلة الكونت.
ولم يكن من الممكن لليليانا ألا تعرف ذلك.
لذا، فإن تمسكها بالمكانة كقديسة رغم كونها مزيفة كان مجرد طموح بلا جدوى.
تمنت كلير أن تسأل أخاها بصراحة: من هي عائلته الحقيقية؟
لكنها شعرت بأن الحديث لن يجدي، فحوّلت الموضوع بهدوء.
“أخي، لا يهمك أن تعرف إلى أين ذهبت؟”
“من الطبيعي أن أتوقع أن تكوني قد ذهبتِ إلى المكتبة أو الحدائق النباتية على الأكثر.”
“لقد زرت قبر والدينا.”
صمت ديتريش للحظة عند سماع هذا المكان غير المتوقع.
كان والداه نقطة حساسة لديه.
لو كانت كلير في الماضي، لكانت اعتذرت على الفور لتجنب غضبه، لكن الآن كان الوضع مختلفًا.
“…أنتِ، التي لم تطأ قدماك حتى القبو، لماذا ذهبتِ هناك؟”
“لقد حلمت بالوالدين ليلة البارحة، وكانا يبكيان حزنًا.”
عبس ديتريش.
“لقد انطبعت تلك الصورة في ذهني، لذا ذهبت للصلاة في المعبد نيابة عنكما.”
“…لقد صلّيتِ…؟”
“وضعت المسبحة، واستخدمت عربتي لأدعو لأمانك وأمان ليلي. هل هذا خطأ كبير حقًا؟”
“…”
“عادةً لا أخرج كثيرًا، لذا صحيح أنني طلبت من ليلي أن تستخدم عربتي. لكن زيارة القصر مختلفة، أليست كذلك؟”
تابعت كلير حديثها بعينين هادئتين:
“أنا على وشك أن أصبح زوجة ولي العهد. لو ركبت عربة بلا ختم رسمي، فسوف تنتشر الشائعات أن أخي الأكبر يتجاهلني، وذلك لن يكون في صالح عائلتنا.”
صمت ديتريش الذي كان يعبس بوجه متجهم.
لم يكن ثقل كلمتها عن رؤية والديهما في الحلم ما أثقله، بل تلك الكلمة التي خرجت من فم أخته: “زواج”.
شعر وكأن كتفيه يرزحان تحت حمل ثقيل. أخته الهادئة على الدوام بدت وكأنها ستغادر إلى مكان لا يمكن أن تراها عيناه بعد الآن. تمامًا كما حدث حين رحل والداهم في حادث العربة.
‘لماذا هذه الغرفة باردة هكذا…؟’
جال ديتريش بنظره في أرجاء غرفة كلير. لم يفهم كيف أن هذا المكان وحده يبعث برودة قاسية، بينما أرجاء القصر والممرات يفيض منها الدفء.
نظر إلى وجه أخته المكشوف بلا حجاب لأول مرة منذ زمن طويل. بشرة بيضاء كأنها لم تعرف الشمس، وعينان أرجوانيتان فاتحتان ورثتهما عن والدتهما. جسدها هزيل وواهٍ، كأنها قد تنهار في أي لحظة.
حينها أدرك أنه منذ وفاة والديهما لم تطأ قدمه غرفة كلير ولو لمرة، متذرعًا بانشغاله الدائم. ورغم سعة الغرفة، إلا أن الأثاث العتيق وثوب النوم البسيط جعلاه يشعر وكأن أحدهم يضغط على عنقه.
في النهاية، هدأ من حدة صوته.
“لا أقول إنك مخطئة… لكن، ليلي هي قديسة تحمي الإمبراطورية. بما أنها صديقتك المقربة، كنت أتمنى لو أظهرتِ قليلًا من التفاهم والتنازل.”
“أعلم ذلك، يا أخي. سأفعل.”
أجابته كما اعتادت دومًا بخضوع، فاستدار على عجل. لم يطق البقاء في مكان يذكره بالماضي. لكن صوت كلير أوقفه.
“أخي.”
توقف ديتريش وألقى نظرة نحوها.
“أريد أن أطلب منك شيئًا.”
“طلب؟ وما هو؟”
“أعلم أن الإمبراطورة الأم قد اختارت وصيفاتي بالفعل. لكنني أود أن أحتفظ بواحدة بجانبي. إنها آنا من عائلة الفيسكونت تينوار.”
تجهمت ملامح ديتريش. أليست تلك العائلة التي ضجت بها الصحف مؤخرًا بعد أن انتحر سيدها غارقًا في الديون؟
لو أرادت كلير، لكان بوسعها أن تختار وصيفة من بنات إحدى العائلات المماثلة مكانة، أو حتى من فرع لعائلة كونت. فلماذا إذًا أصرت على فتاة تحمل وصمة كهذه؟
قرأت كلير أفكاره من وجهه، فقالت بصوت خافت يحمل حزنًا:
“لا يمكنني أن أجعل ليلي وصيفة لي.”
“ماذا تقولين؟”
أن تجعل القديسة، التي يجلها الجميع في الإمبراطورية، مجرد وصيفة؟ أي هراء هذا؟
“لقد جننتِ؟”
“لهذا أقول ما قلت… صحيح أننا ابتعدنا بسبب سوء فهم بسيط، لكن آنا كانت أقرب صديقة لي قبل أن تأتي ليلي. كل ما أريده هو رفيقة أشاركها بعض الذكريات. أرجوك، امنحني هذا.”
ارتعشت عيناها الأرجوانيتان بإصرار يكاد يكون يائسًا. زفر ديتريش أنفاسه بعمق. لم يكن الأمر صعبًا إن كان السبب مجرد حنين قديم.
“سأطلب من رئيس الخدم أن يعرف أين هي.”
أشرقت ابتسامة على وجه كلير، فانعكس ذلك كطعنة على وجه أخيها. أحس كأن شعورًا منسيًا عاد فجأة ليغمر صدره. قبل وفاة والديهما، كانت كلير تبتسم هكذا كثيرًا. وكان يظن أنه يستطيع مواجهة أي ألم أو مشقة طالما ابتسمت له أخته.
لكن الآن… لم يستطع تحمل ذلك. فأشاح برأسه.
“أخي، وأرجوك، اجعل هذا سرًا عن ليلي.”
“ولماذا؟”
“لأنها صديقتي الأقرب. لو علمت بالأمر فستحزن، وربما تفكر في ترك مكانتها كقديسة لتصبح وصيفتي بدلًا منها. فهي تحبني لهذه الدرجة.”
“…حسنًا.”
عادت الابتسامة لترتسم على وجه كلير بعد سماع جوابه. لكن ديتريش لم يستطع النظر إليها أكثر، فخرج من تلك الغرفة الباردة بخطى سريعة.
✦✦✦
كان يسير شارداً في الممر حين عقد حاجبيه بضيق.
لقد عمل ليلًا ونهارًا ليحمي العائلة من أطماع الأقارب الساعين لاغتصاب منصب سيد العائلة. لكنه لم يجد تقديرًا من كلير التي أغلقت قلبها وراء حجابها، بل وجد السند في إيفلين، صديقة والدته، وليليانا فقط.
ورغم ذلك… غرفة كلير كانت أبرد حتى من الممرات المضيئة، تخلو من أي دفء. وجهها الأبيض، الذي لم يره منذ زمن، ظل يطارد عينيه.
‘هل تعرف لمن أتحمل كل هذا العناء؟!’
امتلأ صدره بالغضب من أخته التي لم تفهم أن كل جهده كان لبناء دعامة قوية لها كزوجة مستقبلية لولي العهد.
خرج من القصر دون أن يدري، ليجد نفسه وسط الحديقة المشذبة. لكن لا عطر الأزهار ولا نسمات الأشجار استطاعت أن تهدئ اضطرابه.
كانت ليليانا هي التي سقطت فاقدة الوعي، ومع ذلك بدا أن كلير هي من تتألم أكثر. نظراتها الأرجوانية الموحية بالوحدة وخزت قلبه بحدة غريبة.
“ديتريش.”
التفت، فرأى إيفلين تتقدم نحوه بثوب نوم شفاف رقيق.
الانستغرام: zh_hima14
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"