-أول حصاد-
تسللت أشعة الشمس المتدفقة عبر نافذة العربة.
منذ الصباح، كانت ليليانا تشعر بتوعك، والروائح الكريهة المتصاعدة جعلت رأسها كأن أحدًا يسحقه.
وضعت يدها على صدغها، وهي تحدق في كلير الجالسة قبالتها بنظرات مليئة بالقتل.
(هذه الحقيرة التي حبست نفسها في القصر طويلاً، ما الذي تخطط له فجأة؟)
غضبها الملتوي كان على وشك الانفجار في أي لحظة.
حين علمت ليليانا أن كلير تتجه إلى المعبد الكبير، تبعتها على عجل دون أن تجد الوقت لتزيّن نفسها.
وكان أكثر ما زادها غيظًا، أنها لم تستطع ركوب عربة كلير المفضلة، واضطرت أن تستقل عربة عائلة بارون بائسة.
كانت ليليانا تنقر بأصابعها بقلق، وإحساس سيئ يسيطر عليها.
(ولِمَ بالذات تيوبالت هو الذي كانت تلتقي به؟)
لطالما تجنبت كلير مواجهته، فلماذا الآن؟
بعد أن تحقق أحد الكهنة المتدربين، تأكد أن كلير قد وضعت إكليلًا فوق تابوت الإمبراطورة الراحلة.
إن كان مجرد تغيّر في المزاج قبل زفافها القريب كوليّة للعهد، فالأمر مقبول.
لكنها لم تحتمل فكرة أن يكون تيوبالت مع كلير حتى ولو صدفة.
وما إن تذكرت صورة الاثنين وهما متشابكان من قبل، حتى خفق قلبها بعنف.
رغم أن كلير ما زالت هي نفسها تلك الغبية المعتادة…
إلا أن هدوءها الغريب كان يزيد قلقها.
كان تيوبالت أول حبٍ لليليانا، ومنذ عشر سنوات لم يتغير شيء.
لكن قلقها المتزايد جعل بريق عينيها الحمراوين يتحول إلى قسوة حاقدة.
(يجب أن أصبح زوجة ولي العهد بسرعة… عندها فقط سأستطيع امتلاك قلبك بالكامل.)
أما كلير، فكانت تنظر من خلف الحجاب إلى تلك القديسة المزيّفة التي بدأت ملامحها تشحب شيئًا فشيئًا.
منذ طفولتها، كانت ليليانا تبغض أن تراها بجانب تيوبالت، حتى الموت.
كانت دائمًا تضع العراقيل الغبية، ثم أمامه تتصنع الضعف والحنان لتستدرّ عطفه.
(أجل، ازدادِي شراسة أكثر من الآن. كي أستمتع بسقوطك بكل تفاصيله.)
لقد كان منظر ليليانا المرتبكة والمضطربة مصدر متعة خالصة لكلير.
✦✦✦
ما إن نزلت كلير من العربة متجهة إلى غرفتها، حتى أمسكت بها ليليانا.
“كلير، لنتعشَّ معًا. لدي أسئلة عن القائد أيضًا.”
“آسفة، عليّ أن ألتقي الإمبراطور والإمبراطورة الأم قريبًا، لذا يجب أن أتحكم في كمية طعامي.”
تضيقت عينا ليليانا.
“همم… اليوم أنتِ غريبة. أشعر وكأنك تبتعدين عني وهذا يجرحني.”
ربّتت كلير بلطف على شعرها الفضي الناعم.
“لا تقولي هذا. فقط، بما أنني سأدخل القصر قريبًا، مشاعري مشوشة بعض الشيء. تفهمينني، أليس كذلك؟”
“… حسنًا.”
وكعادتها، سكّنتها كلير بكلماتها الحلوة، ثم سألتها بقلق مصطنع:
“ليلي، هل أنت بخير؟”
نظرت ليليانا إليها بعينين غائمتين.
“هل أنت مريضة؟ وجهك شاحب وعرقك يتصبب.”
أخرجت كلير منديلاً ومسحت عرق جبينها البارد.
لكن ما إن امتزجت رائحة الصابون العطرة مع تلك الرائحة الكريهة التي كانت تهاجمها منذ الصباح، حتى دفعت ليليانا يدها بعنف.
“أوه… أأآ…”
بدأ رأسها يثقل أكثر فأكثر، والعرق البارد يغمر جسدها.
ملأ فمها طعم مر، وارتفع غثيانها فلم تستطع تحمله.
وقبل أن تهرب من يد كلير، خارت قواها وسقطت أرضًا.
دوّى صوت ارتطامها بالرخام البارد، والألم الذي اجتاح جسدها جعلها ترتعش بشدة.
“ليلي!”
صرخت كلير وهي ترفعها وتصفع خديها بلا رحمة.
صفعة!
(ماذا… يحدث؟)
الصدمة من ذلك الألم العنيف أربكتها أكثر من الوجع نفسه.
“ليلي! استفـيقي!”
لكن صوت كلير بدا غريبًا، كأنها تسخر من خلف الحجاب.
ولم تستطع أن تفهم أكثر، إذ سرعان ما انطفأ نور بصرها بالكامل مع ألمٍ لا يُطاق.
✦✦✦
رفع راينر، خال ليليانا، كأسه وهو يتجرع الخمر، فيما تدفقت من أصابعه قوة إلهية.
“ما الذي أصاب ليلي فجأة؟”
سألت إيفلين بقلق بالغ وهي تراقبه.
بعد أن صفعَتها كلير، وحُملت إلى غرفتها، ظلّت ليليانا تتأوه وهي تنزف الكثير من الدم من أنفها.
وكان المشهد كفيلًا بأن يُغشي إيفلين من شدة الخوف.
حتى أطباء القصر وأشهر المعالجين فشلوا في معرفة سبب إغمائها.
ولم يكن في وسعهم اللجوء إلى المعبد، فلم يبقَ لهم إلا الاستعانة براينر، الكاهن الفاسد المطرود.
“غريب… لا أرى أي مشكلة صحية.”
سحب راينر قوته، ثم نظر إلى خادمة ليليانا الخاصة، يوليا.
“أخبريني، هل تناولت ابنة أختي طعامًا مختلفًا اليوم؟ أو استعملت أي عطر غريب؟”
“لم تتناول حتى الفطور، ولم تستعد قبل خروجها.”
“فكري جيدًا… أي شيء غير معتاد.”
بعد لحظة، تذكرت يوليا ما قالته الخادمة ريزيل في المطبخ صباحًا.
شدّت الجرس بسرعة واستدعت ريزيل.
“قولي الحقيقة. ما الذي طلبته منك الآنسة كلير اليوم؟”
“آنسة كـ، كلير؟”
ترددت ريزيل قليلاً، ثم أخرجت شيئًا من جيبها.
“في الفجر، طلبت مني أن أعلق هذا الـ(مسبحة) على عربة الموقف.”
ولأنها كانت تخطط لسرقته وبيعه مع النقود الفضية التي أخذتها، أضافت الكثير من الأكاذيب وجعلت الأمر يبدو كله من فعل كلير.
حين رأى راينر المسبحة، اتسعت عيناه.
“اللعنة… هذه غصن القديس بيريغرن!”
سألت إيفلين وهي تحاول التماسك:
“وماذا يعني ذلك؟”
أخذ راينر يقبّل الغصن البسيط وهو يردد: “أيها الحاكم العظيم بودين…”
ثم قال بابتسامة ماكرة:
“لا تقلقي يا أختي. سبب سقوط ابنتك هو هذا فقط.”
ورفع المسبحة وهو يضحك.
“هذه الشجرة مشهورة بقدرتها الهائلة على التطهير. حتى المعبد يعتبرها نفيسة.”
“نفيسة؟”
“بيريغرن هو قديس الحماية، والفضة تطرد الشياطين. حين يُعلّق مثل هذا على العربة، يُقال إنه يبعد الحوادث. مجرد خرافة شعبية.”
ابتسم راينر وهو يستحضر صورة كلير بالحجاب الأسود.
“شبح غريب الأطوار… ألا تمل من تكرار هذه التصرفات كل عام؟”
“خالي! ما علاقة هذا الغصن بإغمائي؟ آه…”
تمكنت ليليانا بصعوبة من رفع جسدها وهي تتأوه.
فنظر إليها راينر باشمئزاز، وقال ببرود:
“إثيريون.”
في اللحظة نفسها تجمّدت ليليانا وإيفلين.
“إنها شجرة ذات قوة تطهير عالية، لمجرد وجودها بالجوار تكبح قوة الإيثرون. لذلك عند استخدام إيثرون نقيّ تنهار الجسَد. تمامًا كما حدث معك.”
تذمّر راينر في نفسه: “كنت على وشك أن ألقى حتفي أيضًا.”
“……هل كلير لاحظت شيئًا ما؟”
غرق راينر في التفكير لبرهة، ثم أخذ يهز ساقه ويهز رأسه نافيًا.
“لو كان هذا صحيحًا فهو يثير القشعريرة، لكن لا يمكن أن يكون كذلك. مع ذلك، كصدفة فهو أمر لا يُصدَّق.”
“لكن الأمر غريب! قلت لك إن كلير ضربتني!”
“يا ابنة أختي، عليك أن تقرئي بعض الكتب. ضرب الخد لشخص منهار هو لمنعه من فقدان وعيه. ولولا أنها أمسكت بك لتهشّم رأسك.”
“ذاك… ذاك لأن……!”
“على أي حال، كل هذا بسبب الإيثرون، ولهذا ستنزفين من أنفك طوال أسبوع. يا لَحظ ابنة أختي، سيكون الأمر مؤلمًا.”
ضحك راينر وهو ينظر إلى ليليانا التي فقدت دماء وجهها، ثم أعاد المسبحه الذي بيده إلى جيبه.
“مع مرور الوقت ستتعافين، لذا اصمتي حتى ذلك الحين.”
“راينر.”
رمقته إيفلين بنظرة حادّة.
“هل تعرف من الذي أعطاني هذه الشجرة؟ القديسة مارغريت. هل تتصور كم عانيت لأنتزعها من كلير؟!”
لم يكن عدد المرات التي قلبت فيها تراب الحديقة بحثًا عنها بالقليل.
لكن راينر تجاهل أنفاس الغضب التي تخرج من ليليانا وإيفلين، وحذّرهما:
“هذه معلومة يتكتّم عليها حتى المعبد، فلا تُثيرا ضجّة بلا داعٍ. لا حاجة أن أشرح لكما السبب، أظنكما تفهمان.”
فالإيثرون كان ملكًا خاصًا بأفراد العائلة الإمبراطورية يخضع لرقابة صارمة من الإمبراطور نفسه.
ولو انكشف أنه تم تهريب مثل هذه الأحجار السحرية الخطيرة واستخدامها سرًّا، فالمصير الوحيد سيكون الموت للجميع.
نهض راينر مترنّحًا بفعل الخمر، وسار متمايلًا حتى توقّف فجأة أمام يوليا والخادمة ريزيل.
“هؤلاء معنا.”
ثم رفع طرف شفته بابتسامة جانبية، وطوّق خصر ريزيل بذراعه.
“أنت، ستأتين معي.”
“هـ..هـه؟”
احمرّ وجه ريزيل من فكرة أنها حازت اهتمام نبيل وسيم.
إيفلين التي كانت تنوي أصلًا إسكات الخادمة وضعت يدها على جبهتها من صداع الموقف.
لقد أدركت أن حياة كان يُفترض أن تنتهي للتوّ لفتت انتباه راينر، وأن نهايتها ستكون أتعس ما يمكن.
فأيّ كاهن هذا الذي يكون التعذيب والسجن هوايته؟
مهما يكن أخاها الأصغر، فقد كان حقًا شخصًا لا يمكن فهمه.
وبعد مغادرته، انفجرت ليليانا غاضبة.
“أمي! هل ستتغاضين عن هذا هكذا؟!”
فبغضّ النظر عن النوايا، بسبَب تلك الحقيرة كلير، عانت من هذه الإهانة وتلقّت صفعة على وجهها أيضًا.
“ليليانا.”
قاطعتها إيفلين بصوت قاتم، وضغطت على كتفها بيدها القوية.
“أنتِ اليوم أغمي عليكِ بسبب الإرهاق.”
“أمي!”
“أيّتها الطفلة الطائشة! أتريدين أن يكتشف الجميع حقيقتك؟!”
أمام توبيخ إيفلين أطبقت ليليانا شفتيها.
“تماسكي. لماذا لا تفهمين أن قوتك ليست ملكك بالكامل؟”
“لكن……!”
“عليكِ أن تتصرّفي ببرود كما اعتدتِ. ما حدث اليوم، ليس من مصلحة ديتريش أن يعرف به.”
ارتجفت عينا ليليانا من الغيظ.
لو انكشف أن قوتها الإلهية ليست سوى زيف يعتمد على حجر تعزيز الطاقة، الإيثرون، فكل ما بنته سينهار كقلعة من رمل.
وقد تخسر تيوبالت إلى الأبد.
“……سأفعل كما تقولين.”
“هكذا أحسنتِ، يا ابنتي العزيزة.”
شهقت ليليانا نفسًا عميقًا يملؤه الغضب، وتلألأت عيناها الحمراوان.
“يومًا ما سأقتل كلير، لا محالة.”
“هذا أمر مفروغ منه. فالحاكم دومًا في صفك.”
ربّتت إيفلين على ابنتها مبتسمة برقيّ.
لكن حينما رأت الدم يتساقط من أنف ليليانا، انطلقت منها ومن ابنتها صرخات جديدة.
الانستغرام: zh_hima14
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"