-شرف الميت-
انسكبت قوة النور الذهبية برفق، وشعرت كلير بيد ما تمسح شعرها بلطف.
فتحت عينيها ببطء.
وعندما رأت قبة السرير الكريمية، أدركت أنها في غرفة النوم داخل قصر الدوق. رفعت جسدها عن السرير الوثير.
“…تيو.”
كل مخاوفها من أنها قد تموت قبل أن تنتقم— وكل تلك المشاعر اختفت بفضله.
كانت تدرك غريزياً أن جزءاً من عمرها قد تقلّص، لكنها لم تمت بعد.
“هل أنتِ بخير؟”
تذكرت كلير عينيه المرتبكتين آخر لحظة قبل أن ينقطع وعيها.
“الآن اشرحي. ما الذي حدث بالضبط؟”
“لقد رأيتُ كل ماضي إيفلين. رأتُ كل الجرائم التي ارتكبتها… وكل القذارة التي تحملها بداخلها.”
روت كلير لتيوبالت ما شاهدته واحداً تلو الآخر.
وبعد أن انتهت، تجمّد وجهه وبرُد تماماً.
“…لقد ردّت الجميل بخيانة.”
“لكن من حسن الحظ أني قرأت ذاكرتها. لولا ذلك لما عرفت أنها قتلت والديّ… ولا أنها رغبت بأخي كرجل.”
“سنضع فرساناً بارعين في التخفي لحماية ديتريش أولاً.”
“شكراً لك.”
حتى لو عاد قائد الفرسان إلى القصر، وجود رجال تيوبالت سيمنحها الطمأنينة.
كانت تكرهه وتريد الانتقام منه فقط لأنها لم تكن تعرف شيئاً… فشعرت كلير بمرارة وهي تخفض رأسها.
تنهد تيوبالت بخفة ومسح دموعها المتجمعة.
“…هل تريدين أن أقتلها لكِ الآن؟”
“لا. لا يمكن أن أموتها هكذا ببساطة.”
“هل ستخبرين ديتريش؟”
ساد الصمت لوهلة.
ترددت كلير عند سماع كلام تيوبالت.
بصراحة، لم تكن واثقة مما إذا كان ديتريش سيصدقها.
طوال حياتهما قبل العودة وبعدها، كانا غريبين عن بعضهما مدة طويلة.
ولكي تكشف أن إيفلين هي من دبّرت الحادث وقتلت والديها، فهي تحتاج إلى دليل قاطع.
مرّ عشر سنوات على وفاة والديها.
مات كل من كان في العربة ذلك اليوم: الدوق، الدوقة، والسائق. وتحطمت العربة بالكامل ولم يبقَ أي شاهد أو دليل.
لكن لأنها قرأت ذاكرة إيفلين، فهي تعرف الآن أين أخفت الدليل.
تغيّر بريق عيني كلير.
“الدليل الذي أخفته إيفلين موجود في البرج السحري.”
أكثر خزائن الإمبراطورية أماناً هو بنك الإمبراطورية، لكن هناك صندوقاً أكثر سرّية وفريدة من نوعه—صندوق البرج السحري.
تضاءلت قوة السحر مع الزمن، وتراجع نفوذ البرج، لكن السحرة ما زالوا موجودين، والأدوات السحرية والدوائر السحرية ما زالت تعمل.
لم يستطع سيد البرج الحفاظ عليه، فسلّم إدارته للإمبراطور مقابل الحماية.
أي أن البرج ملك للإمبراطور وحده.
للوصول إلى الدليل، يجب أولاً الحصول على إذن دخول البرج.
رفع تيوبالت طرف شفتيه وهو يسمع كلامها.
“إذًا علينا الإسراع في الزواج.”
فأومأت كلير ببطء، لأنها تعرف أنه على حق.
“لكن قبل ذلك، علينا تقييد حركة إيفلين.”
“فكرة جيدة. يجب أن نعيد الشرف لمن ماتوا مظلومين.”
فتوهجت عينا كلير كشرارة نار.
في صباح اليوم التالي، في مكتب إدارة النبلاء بالقصر الإمبراطوري.
جلس الموظف ميلو أمام مكتبه وهو يحتسي قهوته المركّزة.
“أختي، هل سمعتِ الأخبار الجديدة في المجتمع الراقي؟”
“ما هي؟”
“شش، اسمعي. أختي الكبرى تعمل في المعبد… وتقول إن القديسة ستطلق مستحضرات تجميل جديدة!”
“حقاً؟ تقصدين الآنسة ليليانا؟”
“نعم! وحتى ماء التجميل يحتوي على مقدس!”
أصوات الموظفات المتحمسات بجانبه أزعجت ميلو بشدة.
فأخرج سدادات الأذن ووضعها، وبدأ يتفحّص الرسائل على مكتبه واحدة تلو الأخرى.
‘ما هذا؟’
وجد رسالة سوداء بلا ختم ولا مرسل.
فتحها وقرأ داخلها.
“إن أردت معرفة حقيقة اختفاء البارون بالم قبل 11 عاماً، فابحث تحت أرضية مخزن البطاطس الثالث في قصر الإقطاعية.”
الجملة قصيرة، لكن خطها كان جميلاً جداً ومتقناً إلى حد مدهش.
أزال ميلو نظارته ومسحها عدة مرات ليستمتع بجمال الخط.
‘البارون بالم… أليس هذا والد القديسة التي كنّ يتحدثن عنها؟’
فتّش في سجل النبلاء المختفين ووجد اسم “هيوسنان بالم”.
كان قد اختفى منذ 11 سنة.
وفي الورقة المكتوبة عنه: “هرب مع عشيقته إلى دولة أخرى. لم يتم التأكد من حياته أو موته.”
قطّب ميلو حاجبيه وهو ينظر إلى توقيع الكاتب.
الموظف الذي سجّل هذه القضية تقاعد منذ زمن.
ولأن البارون لم يكن له إخوة ولا أبناء ذكور، لم يكن هناك وريث للقب.
كان من المفترض أن ترث ابنته الوحيدة ليليانا اللقب، لكن إيفلين مددت حالة اختفاء زوجها ولم تسمح بانتقال اللقب.
فسأل ميلو زميلته بدافع الفضول:
“أريد أن أسألك عن شيء.”
“ما هو؟”
“هل تعرفين الكثير عن إيفلين بالم، زوجة البارون؟”
“أوه! هل أنت أيضاً من محبّي القديسة؟”
هل يبدو هكذا فعلاً؟
لوّح ميلو بيده بانزعاج.
“لا، مجرد سؤال وظيفي.”
“حسناً. الكونتيسة مشهورة جداً. جميلة، لطيفة، وأهم شيء أنها أم القديسة.”
“ليس هذا ما أسأل عنه. رأيت في السجلات أن زوجها مفقود.”
“آه نعم. هذا صحيح، مؤسف جداً. سمعت أنه هرب مع عشيقته.”
“هذا مكتوب هنا أيضاً.”
لوّح ميلو بالورقة التي كُتب فيها سبب الاختفاء.
“ومع ذلك، تقول زوجة البارون إنها ما زالت تنتظر عودة زوجها. مرّت عشر سنوات كاملة. شخص يحافظ على إيمانه بهذا الشكل نادر هذه الأيام.”
كانت إيفلين في نظرها سيدة نبيلة، أم القديسة، وامرأة لم تفقد وقارها رغم خيانة زوجها لها.
مرّر ميلو يده على ذقنه وهو يضيق عينيه.
“مكانتها وسمعتها تبدوان واضحتين… فلماذا وصلني هذا الخطاب الغريب؟”
كان المكان المذكور محدداً جداً بحيث يصعب اعتباره مجرد مزحة.
ربما أرسل الخطاب شخص من الداخل يعرف الحقيقة.
“لن يضرّنا شيء لو بحثنا.”
أرسل ميلو حمامة رسول إلى فرقة الحرس المحلية القريبة من مقاطعة البارون بالم لطلب التعاون.
بعد عدة ساعات.
وصل فرسان من الحرس المحلي إلى قصر البارون بالم.
لكن كلمة “قصر” كانت مبالغة، فهو مجرد مبنى مهترئ وبائس.
جدرانه الخارجية تقشّر طلاؤها، والنوافذ مغطاة باللبلاب، مما أعطى المكان جوّاً مخيفاً.
ركض خادم نحوهم بسرعة عندما رأى الفرسان يترجّلون عن خيولهم.
“أوه، سادتي الفرسان! ما الذي جاء بكم إلى هذا المكان المتواضع؟”
“جئنا بناءً على أمر رسمي من القصر الإمبراطوري. أين مالك هذا المنزل أو كبير الخدم؟”
انحنى الخادم مرتبكاً.
“الأمر أنّ السيدة في العاصمة، ولا يوجد كبير خدم هنا. عدد المستخدمين أربعة فقط، بمن فيهم أنا… ولسنا في موسم الحصاد، لذلك لا يوجد عمال أيضاً.”
أخرج الفارس وثيقة مختومة وأراها له.
“أين مخزن البطاطس؟”
“نحن نزرع البطاطس بشكل رئيسي، لذا لدينا عدة مخازن…”
“الوثيقة تقول الثالث منها.”
“آه، هكذا إذن؟ سامحوني، فأنا لا أجيد القراءة. تفضلوا معي.”
قادهم الخادم إلى المخزن الثالث.
وعندما فتح القفل الصدئ، هبّت رائحة رطوبة وتراب متعفّن.
كانت الجدران والسقف مغطاة بشبكات العنكبوت، وصناديق مليئة ببطاطس العام الماضي مكدّسة حول المكان.
لكنّ مساحة المخزن كانت واسعة، ومن المستبعد أن يستطيع خادم واحد حفر الأرض كلها.
“الأمر يقول أن نفحص أرضية هذا المخزن. اجلب بقيّة الخدم واحفروا الأرض كلها.”
“ماذا؟ آه… حاضر.”
استغرب الخادم قليلاً، لكنه استدعى ثلاثة مستخدمين آخرين، وبدأوا الحفر.
راقبهم الفارس بحدة وهو يطرح سؤالاً تلو الآخر.
“هل لاحظتم شيئاً غير طبيعي في هذا المكان؟”
“كان بعض اللصوص يسرقون البطاطس بين الحين والآخر. لكن… قبل حوالي ثماني سنوات، بعد أمطار غزيرة، ظهرت رائحة تعفّن سيئة جداً وأزعجتنا كثيراً.”
“رائحة تعفّن…؟”
توقّف الفارس لوهلة.
تعفّن المحاصيل في المخازن أمر معتاد في الأرياف.
وفكّر أن الأمطار ربما تسللت من السقف القديم فأفسدت المخزون.
كما أن ثماني سنوات لا تتطابق مع زمن اختفاء البارون، الذي اختفى قبل إحدى عشرة سنة.
أعاد الفارس النظر إلى العمال بلا اهتمام.
مرّت عشرون دقيقة…
“هممم؟ شيء ما يعترض الطريق…”
ضرب أحد العمال الأرض بقوة مرة أخرى.
ـ طق!
ارتطم شيء صلب بالمعول.
اعتقدوا أنها بطاطس فاسدة… أو صخرة.
انحنى العامل ليرى الشكل بوضوح، وما إن أدرك ما هو، حتى تراجع صارخاً بجنون.
“آآآااااااه!!”
ما ظهر من بين التراب لم يكن بطاطساً… ولا حجراً…
بل عظم أبيض تماماً.
يد بشرية متحلّلة حتى أصبحت هيكلاً عظمياً.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 40"