-عرض الزواج-
لم يستطع تيوبالت أن يتابع الكلام لوقت طويل.
“كفى مزاحًا. الجميع في الإمبراطورية يعلم أنك ستكونين عروس إيموس. أم تراكِ الوحيدة التي لم تعرفي ذلك؟”
“النبوءة، ثم وصية الإمبراطور الراحل، لا تقول إنني زوجة الأمير الثاني… بل زوجة ولي العهد. أي أنني قد أكون زوجتك يا سمو الأمير.”
“أنت تعلمين أن الزواج ليس كلمة تناسبنا، أليس كذلك؟ لا… بل صرت فضوليًا الآن. ما الذي ستكسبينه من زواجك بي؟”
“الفرصة.”
فرصة للبدء في انتقامٍ ملطخ بالدماء.
إمكانية للشروع في حياة جديدة.
“ولأجل ذلك، يجب أن تستعيد مكانتك أولًا يا سمو الأمير.”
لم يكن في الإمبراطورية سوى تيوبالت، الرجل الوحيد القادر على أن يسلب من ليليانا أعز ما لديها، ويمنح كلير قوة تفوق قوة إيموس نفسه.
تطلعت عيناه مباشرة إلى كلير، وصوته المشوب بالسخرية بدا كأنه لا يصدق.
“أنا؟ الذي تخلى عني والدي ودفعني إلى المعبد؟”
“تزوجني يا سمو الأمير. إن فعلت، سأساعدك لتجد ما تبحث عنه.”
“الآن فهمت… لا تميزين بين الثقة والغباء.”
كان ردّه طبيعيًا.
ففي كل الوقت الذي قضاه مع ليليانا، لم يكن يرى في كلير إلا فتاة حمقاء ووديعة، لا تجرؤ على رفع صوتها.
لكن كلير، وبكل هدوء، أجابت:
“الأثر المقدس الذي فقده سموك في طفولتك، عقد إير، ليس في ضريح الإمبراطورة الراحلة.”
فجأة تغيرت ملامح تيوبالت، وغشى الغضب أجواءه.
“……وكيف عرفتِ هذا؟”
“لقد تجسست مرة على حديث دار بين الإمبراطورة الأم غريسيلا.”
في الواقع، كانت هذه المعلومة من ذاكرة ليليانا، لكن الظاهر أنها مجرد محظية مرشحة للعرش وتحظى بحماية الإمبراطورة الأم، فلم يشك فيها.
“وأين الأثر إذن؟”
“في حفل التأسيس. تعال للقصر لرؤيتي، وسأخبرك بمكانه.”
“هاه!”
“لكن دعني أقدم لك نصيحة… تفقد الأزقة الخلفية القريبة من المعبد. هناك من ينتظرك.”
قالت كلير كلماتها الأخيرة ثم انحنت لتؤدي التحية.
كان كشف المزيد من الأسرار خطرًا.
ظل تيوبالت واقفًا لبرهة، ثم أمسك بيدها فجأة وبقسوة.
“آه…”
ارتجفت كلير إذ وجدت نفسها محاصرة في حضنه بلا مفر. شحب وجهها خوفًا من أن يزيح نقابها.
ومع أنها أدركت أن طريق الهرب مسدود، تراجعت إلى الوراء، حتى صارت على بعدٍ يكفي لسماع خفقات قلبه.
“زواج، تقولين؟”
نظر إليها تيوبالت ساخرًا.
“ولمَ ظننتِ أنني سأرفض؟”
“……ماذا؟”
“بل أستطيع الزواج بك بسهولة.”
ارتعشت عينا كلير البنفسجيتان باضطراب.
وبهمس صوته العميق قرب أذنها، ازدادت قبضته قوة.
“كيف أفرّط بفرصةٍ لأدنّسك وأحطمك طيلة حياتك؟”
تحت وطأة هيبته الطاغية، أفلت من شفتي كلير أنينٌ مكتوم.
“أتظنين أنك قادرة على الزواج برجل مثلي؟ وأنت لا تعرفين ما الذي قد أفعله بك؟”
“……”
“من دون خوف؟”
“……أستطيع.”
رفع تيوبالت ذقنها، واقترب حتى كاد يقبّلها.
وعلى الرغم من النقاب الذي يحجب وجهها، شعرت بنظراته وهي تفتش ملامحها، فارتعشت رموشها.
لكن في تلك اللحظة—
“سيدي القائد!”
رنّ من بعيد صوت مألوف.
كانت ليليانا، التي يبعث وجودها وحده على أن تتفتح الأزهار.
وبسماع صوتها، تراجع تيوبالت تدريجيًا.
أطلقت كلير أنفاسها المثقلة أخيرًا.
“سيدي القائد، ها أنت هنا! بحثت طويلًا ولم أرك في ساحة التدريب…”
لكن حين أبصرت ليليانا الظل الذي كان يخفيه تيوبالت بجسده، تحوّل صوتها فجأة إلى حدّة.
“……كلير، أنتِ أيضًا هنا.”
“مرحبًا، ليلي.”
“ماذا تفعلين في المعبد الرئيسي؟”
كان صوتها، الذي طالما لفّته بأجنحة الملاك، مشوبًا هذه المرة بحدّة سكين.
لم يكن على أحد أن يرى وجهها ليدرك مقدار غضبها.
(كم من السهل أن تكشف مشاعرك يا ليليانا.)
اضطرت كلير لتخفي ابتسامة ارتسمت على شفتها.
“كنت أزور مقبرة والديّ وأضع الزهور، وفجأة تذكرت طفولتي، فمررت من هنا قليلًا. لم أكن أعلم أن في المكان شجرة ليلك.”
داعبت بلطف غصن الشجرة كمن يسترجع ذكرى عزيزة.
“الليلك شجرة عادية جدًا.”
“أهكذا؟”
تراقصت بتلات الزهور البنفسجية العطرة مع نسمة هواء رقيقة.
“على أي حال، سيدي القائد، الطباخ في منزلنا صنع فطيرة ليمون شهية. وحيث إن كلير حضرت أيضًا، فلتأتوا لتناول الشاي معًا، وأرونا قاعة القائد، أليس كذلك؟”
(منزلنا؟)
ابتسمت كلير بسخرية قصيرة.
منذ متى صار قصر عائلة لوبيوس يندرج تحت اسم عائلة بالم الصغيرة؟
كان الشاي مجرد ذريعة، بينما رغبتها الحقيقية أن تنفرد بتيوبالت في قاعته.
_ “أريد أن أكون وحدي مع سمو الأمير. أليس كذلك؟”
تذكرت كلير تلك اللحظات التي انسحبت فيها أمام توسلات ليليانا السخيفة لتتركها معه.
(لكن من الآن فصاعدًا، لن يحدث ذلك.)
وعندما مدت ليليانا يدها لتشبك ذراعه، هزّت كلير رأسها رافضة.
“آسفة يا ليلي. هذه أول مرة أخرج فيها منذ زمن طويل، لكنني أشعر بالتعب. الأفضل أن أعود إلى القصر الآن.”
“……بعد أن جئتِ كل هذه المسافة؟ كان يمكنك على الأقل المرور سريعًا على قاعة القائد قبل العودة.”
“سأنسحب. لكن يا ليلي، ألم تدخلي غرفة القائد من قبل؟”
مهما يكن أن تيوبالت كان كثيرًا ما يغيب بسبب الحملات، إلا أن ليليانا قد أصبحت قديسة منذ سنوات.
حين تمتمت كلير باستغراب، أطبقت ليليانا فمها وقد فقدت ما تقوله.
ضحك تيوبالت بسخرية باردة، ثم سرعان ما أدار جسده كما لو فقد الاهتمام.
“مـ، مهلاً! يا قائد!”
نادته ليليانا بصوت يائس، لكنه لم يلتفت حتى خلفه، بل اختفى من مكانه.
عندها استرجعت كلير بطبيعية ماضيه.
قبل عودتها بالزمن، لم يُثر تيوبالت أي فضيحة مع أيٍّ من السيدات النبيلات.
لم يكن هناك سوى شائعات غريبة: أنه يميل للرجال، أو أنه نذر نفسه لطريق الكهنوت.
_ “إن كنتِ أنت، فيمكنك الزواج. متى شئتِ.”
كانت تعرف جيدًا أن تلك الكلمات أيضًا لم تكن سوى انعكاس لكراهيته لها.
حتى لو أسقطها في الحضيض، فهي كانت مستعدة لتحمّل أي شيء من أجل انتقامها.
قدرها كان كوحش مقيد بطوق الوحي.
(على أي حال، لا يوجد أمامي طريق آخر.)
لو لم يكن لديها هذا القدر من العزم، لما وصلت إلى هنا أصلًا.
تركت كلير ليليانا التي كانت تحدق في ظهر تيوبالت، وسارت في الطريق الذي مضى فيه.
فقد حققت ما أرادته، ولم يكن هناك سبب للبقاء أكثر.
صرخت ليليانا وقد استفاقت متأخرة.
“كلير، انتظريني!”
سمعت نداءها الملهوف، لكنها أسرعت خطاها كأنها لم تسمع شيئًا.
✦✦✦
في ساحة التدريب داخل المعبد، كان الفرسان التابعون يتصببون عرقًا وهم يتدربون.
كان حول تيوبالت هالة ذهبية تتلألأ.
ذلك النور المقدس الذي انبثق في مواجهة عدد من الفرسان بدا جميلاً، لكنه أيضًا خطير.
_ “مولاي، تزوجني من فضلك.”
زواج؟
(ما الذي تفكر فيه لتتفوه بمثل هذا؟)
تَـشَـقَّق.
انكسر مقبض السيف في يد تيوبالت إلى نصفين.
ابتلع الفرسان ريقهم تحت وطأة الجو المرعب.
“استراحة.”
خرجت الكلمة الباردة من فمه، فتنادى الفرسان باسم الرب، ثم تفرقوا كلٌ إلى مكان للراحة.
عاد تيوبالت بخطواته نحو الخيمة الكبيرة.
بين أزهار الربيع المتفتحة، لفت نظره أريج الليلك الذي فاقها عذوبة.
سقطت زهرة بنفسجية صغيرة على كفه، تتراقص مع النسيم كأنها تعزف لحنًا.
كان لونها هو نفسه لون عيني تلك الفتاة اللطيفة.
حتى لو غطّاها الحجاب، فاللون الذي يشتاقه لم يتغير.
لكن تيوبالت عقد حاجبيه فجأة.
(اللعنة.)
منذ قليل، لم يتوقف طيف كلير عن إزعاج عقله.
معه، انفجرت في صدره نوبة غضب حاد.
أول حبٍ بريء وناقص، صار خنجرًا غرس نفسه في ظهر الفتى.
“أيها الغبي… إن لطف مولاي معك لم يكن إلا شفقة. أما علمت؟”
“الشخص المناسب لمالكة الوحي لستَ أنت، تيوبالت الضعيف، بل الأمير إيموس. سأكون عروسه وأصبح إمبراطورة لإمبراطورية أركاديا.”
حتى وهو تحت تأثير نبتة مخدّرة جعلت وعيه ضبابيًا، ظلّت كلماتها الباردة تتردد في أذنه كأنها قيلت البارحة.
(كلها أوهام.)
سحق تيوبالت الزهرة البنفسجية في يده، وعيناه تشتعلان بالقتل.
ظن أنه نسي، لكنه أدرك أن وجودها ما زال يفتت كل جزء منه.
“سيدي القائد.”
قطع صوت نائبه فريتز أفكار تيوبالت عن كلير.
لاحظ فريتز أن هالة قائده مختلفة عن المعتاد، فاختار كلماته بتردد.
“هل ما زلتَ مترددًا في البحث عن الأثر المقدس…؟”
اهتزت عيناه الذهبيتان لحظة قصيرة.
كان تيوبالت يريد أن ترى كلير التعاسة.
ولذلك، حتى لو كان عليه أن يرتكب جريمة بنبش قبر أمه، فلن يتردد.
سيجلس بنفسه على عرش الإمبراطورية، ويحطم كل ما كانت ترغب به.
أرادها أن تمضي حياتها في الندم، تبكي وتترجاه تحت قدميه.
لكن ما الذي تفكر فيه هي يا ترى؟
وفي هذا التوقيت بالذات، قبل أيام من نبش قبر والدته.
تمتم تيوبالت بصوت منخفض نحو فريتز:
“هل تأكدت أن الأثر المقدس موجود فعلًا في تابوت أمي؟”
“عفواً؟ ألم تتحقق بنفسك مئات المرات من ذلك يا سيدي؟”
كان محقًا.
لقد عرف الأمر من خلال تحقيقات سرية بالغة السرية.
ولم يكن أحد غير الإمبراطورة الأم يجرؤ على وضع أثر مقدس في تابوت الإمبراطورة الراحلة.
ألقى تيوبالت نظرة على الزهرة المسحوقة في كفه.
كان يدرك أنه لا يجب أن يثق بكلام امرأة ماكرة، ومع ذلك…
(لماذا إذن؟)
لماذا عادت لتقف أمامه بتلك الصورة البائسة، ومعها كل تلك الشائعات القذرة؟
والأغرب من ذلك أن صوتها المتوسل كان يثير أعصابه بشدة.
“فريتز.”
“نعم، يا سيدي القائد.”
“أوقف خطة التسلل إلى القصر الإمبراطوري مؤقتًا. وسأقوم بمسح سري حول المعبد اليوم، فاستعد لذلك.”
“ماذا؟!”
“وأمر آخر… ضع أحد رجالي لمراقبة كلير لوبيوس.”
“مفهوم!”
كان فريتز قد أتم الاستعدادات كلها مسبقًا، لكنه انحنى خاضعًا لأوامر قائده رغم ارتباكه.
(لا بد أن أعرف ما الذي تخطط له هذه الفتاة بخداعها.)
انطفأ بريق عيني تيوبالت ليحل مكانه برود قاتل.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 4"