اقتربت السيدة الأرستقراطية بخطوات أنيقة وقدمت التحية.
“يشرفني لقاؤكم يا سيدي ديتريش، يا آنسة كلير. أنا دوروثيا من أسرة ماكسيـوس.”
“جيرترود هيسن، ابنة الكونت هيسن، وسيف ولي العهد الأول. أتشرف بلقائكِ يا آنسة كلير.”
أجابت كلير بلطف:
“يسعدني لقاؤكما يا سيدتي ماكسيـوس، ويا آنسة هيسن.”
“أشكركم على هذا الاستقبال رغم زيارتنا المفاجئة.”
تغيّر تعبير ديتريش قليلًا وبدا معقّدًا بعض الشيء.
كان كلاهما من الشخصيات التابعة للتيار الإمبراطوري.
“هل جئتما بأمرٍ من سموّ وليّ العهد الأول؟”
“نعم. أنا واللورد هيسن، وجميع الهدايا المحمّلة في العربة—كلها أرسلها سموّ الأمير تيوبالت بنفسه.”
وما إن أنهت دوروثيا كلامها، حتى فُتحت أبواب عدّة عربات كانت بانتظار الإشارة في الوقت نفسه.
صناديق المجوهرات المعبأة بعناية تلألأت تحت الضوء، والأقمشة الفاخرة التي تحظى بمعاملة خاصة داخل القصر الإمبراطوري انسكبت منها لمعة حريرية ناعمة.
أما الأزهار فبدت وكأنها حديقة غريبة نُقلت كاملة إلى هذا المكان، إلى جانب التوابل الفاخرة، والتحف الزجاجية، وأدوات الطعام المصنوعة من الذهب والفضة، وحتى العاج النادر الذي يصعب الحصول عليه. لم يكن هناك ما ينقص.
“يبدو أنه لم ينسَ بعد.”
انطلقت همسات إعجاب صادقة من الخدم أمام تلك الهدايا الباذخة.
كانت أسرة كونت لوبيوس عائلة مرموقة، لكن تقييم النبلاء لـ’كلير’ لم يكن جيدًا أبدًا.
وبدأ بعض الخدم يتململون حماسًا، يفكرون منذ الآن في نشر الشائعات.
“خادمات الشرف اللواتي اختارتهنّ الإمبراطورة الأرملة تمت إقالتهنّ جميعًا بأمرٍ من سموّ الأمير.
وقد أوصى سموّه بأن تحددي بنفسك ما تحتاجينه من موظفات إضافيات بعد دخولك القصر.”
قدّمت دوروثيا رسالة مختومة بخاتم تيوبالت.
『ظننتُ أن المجوهرات أو الكنوز لن تثير اهتمامك.
لكن هاتين… أعتقد أنك ستحبينهما.
هما الآن سلاحك.
استخدميهما كما تشائين.』
انقبضت أطراف أصابع ‘كلير’.
كانت هذه الهديتان، كما كُتب في الرسالة، أغلى بكثير من أي كنز خلفهم.
فما كانت تحتاجه أكثر من الكنوز… هو البشر.
“أرى أنه عليّ أن أتقبّل هذه المكرمة الكبيرة بامتنان.”
قدّمت كلير تحية أنيقة وابتسمت ابتسامة مشرقة.
كانت في صوتها لمحة خفيفة من السرور، وكأنها تلتقي بـ’صديقة قديمة’ من جديد.
‘دوروثيا… هكذا نلتقي مرة أخرى.’
بعد أن أصبحت كلير زوجة وليّ العهد، كانت الخادمات اللواتي خصصتهن الإمبراطورة الأرملة جميعهنّ من بنات أرقى الأسر النبيلة.
من الفتيات الصغيرات إلى السيدات الكبيرات، لكن لم تكن إحداهنّ إلى جانب كلير.
في القصر المليء باللامبالاة والإهمال، كانت دوروثيا—التي أرسلها الإمبراطور ماركوس—الوحيدة التي مدّت لها يد العون.
كانت سابقًا كبيرة خادمات الإمبراطور، سيدة ذات نفوذ يُحتذى به بين النبلاء.
وبعد أن فقدت زوجها في معركة ضد البرابرة، حافظت على شعرها القصير ومنذ ذلك الحين لُقّبت بـ’دوروثيا ذات الشعر القصير’.
كانت شجاعتها ونُبلها مثالًا يُحتذى به بين سيدات الطبقة الأرستقراطية.
‘حين حُبستُ في القصر الجانبي كمنبوذة… كانت الوحيدة التي لجأت إلى إيموس لتصرخ بظلمي.’
لكن إيموس الغاضب لطّخ سمعتها وطردها من القصر بلا شرف.
لاحقًا، حين سمعت كلير أنّ دوروثيا وزّعت ثروة أسرتها على الفقراء ثم أمضت ما تبقّى من حياتها في دير…
بكت حتى ابتلّ وسادتها بالكامل.
وإن عاد بها الزمن إلى القصر الإمبراطوري، كانت تنوي التوسّل للإمبراطور ماركوس ليجعل دوروثيا كبيرة خادماتها من جديد.
‘وهكذا… شاء القدر أن يجمعنا مرة أخرى.’
قبضت كلير يدها بهدوء.
شعرت وكأن الخيوط الخفية التي كبّلتها لسنوات بدأت تتقطع واحدًا تلو الآخر.
‘السلاح الذي بين يدي…’
وقد عزمت ألا تفقد أي شخصٍ عزيز عليها مجددًا بسبب عجزها.
التعليقات لهذا الفصل " 29"