2
-إلى ربيع العشرين-
“ماذا؟”
“إ… إيتيريـون.”
كان الإيتيريون حجرًا سحريًا نادرًا يضخم القدرات الخاصة عشرات المرات.
تشوّه وجه ليليانا تشوّهًا بائسًا.
“جلالة الإمبراطور، أنقذوني! جلالة الإمبراطورة ليست بخير!”
حين رفعت ليليانا صوتها وقد شعرت بخطر غامض، اندفع إيموس وخدمه إلى الغرفة.
ورأوا كلير، التي أمسكت بمعصم ليليانا كالمجنونة، فارتسمت الدهشة على وجوههم.
“إ… إيتيريون! أ… أيتها القديسة الزائفة!”
ـ بَـم!
استشاط إيموس غضبًا، فأمسك بغمد سيف أحد الفرسان وضرب به رأس كلير.
“أتجرؤين، حقيرة، أن تمدي يدك على امرأتي؟”
“كـهَاك!”
سقط جسد كلير الهزيل إلى أرض الغرفة، تتلوى من ألمٍ يمنعها حتى من التنفس.
“آنسة روبيوس، هل أنت بخير؟”
“أنا… أنا بخير. أظن أن جلالة الإمبراطورة خافت من الموت فحسب.”
أجابت ليليانا بوجه القديسة البريئة، فردًا على قلق الخدم.
يا للوقاحة، حتى اسم عائلتي تجرأت هذه اللصة على انتحاله.
“ك… كاذبون… ماكرون…”
خرج صوت كلير مشوبًا بالحديد من بين شفتيها. فتجمدت وجوه من في الغرفة جميعًا، ونظروا إليها بنفور.
“هاها…”
قهقه إيموس غير مصدق، ثم راح يركل جسدها مرات أخرى.
“كـهَاك!”
ارتخت أطرافها، وانتشرت رائحة الدم المعدنية في المكان.
فتقزز إيموس وأصدر أوامره إلى خدمه:
“من هذه الساعة، الإمبراطورة ميتة. أحرقوا هذا البرج الملعون ولا تُبقوا حتى رمادًا!”
ثم غادر، وهو يحتضن ليليانا المرتجفة بحنو.
وفي اللحظة التي كاد الباب يُغلق فيها، التقت عينا كلير بوجه ليليانا القلق، فمالت برأسها وضحكت.
“هاها… هاهاهاها!”
نبرة لطيفة.
قدرات مهيبة كان الجميع يقدّسها.
كلها… كلها كانت كذبًا!
“زهرة الزنبق المتعفنة… ذات الرائحة الكريهة… كنتِ أنتِ إذن.”
ـ كُح!
اجتاحت جسد كلير آلام مبرحة، مختلفة عما سبقها. تفجّر الدم من فمها، وانهمرت الدموع من عينيها.
هذا إذن ما قصدته أمي حين حدثتني عن ثمن السلطة.
كلما استخدمت قوةً تشبه قوة الآلهة، جاءني هذا العذاب القاسي.
نعم، لقد كانت ليليانا محقة.
الغبية الحقيقية… هي التي لم تشك في شيء.
بدأ بصرها يتلاشى.
إن وُجدت حياة أخرى لي، فلن أعيشها بجهلٍ كهذا.
وهكذا أغمضت كلير عينيها وحيدة، وهي التي نالت وحيًا عظيمًا، لكنها لم تُدعَ إلا بـ “الإمبراطورة المشوّهة”.
✦✦✦
انتشر عبير لطيف من مكانٍ ما.
إنه شاي البرتقال الأسود الذي كانت كلير تحبه.
حتى في السماء تفوح هذه الرائحة…
رمشت بعينيها البنفسجيتين ببطء، فرأت حجابًا أسود يحجب بصرها. فتجعد جبينها.
هذا… حجاب؟
ذلك الحجاب الذي نزعتْه كرهًا يوم زفافها إلى إيموس، كان الآن يغطي وجهها كعادته.
ولمّا مدّت يدها لتزيحه، اختنقت أنفاسها فجأة، وضاق صدرها.
إنها نوبة الهلع التي لازمَتها منذ أن نجت وحيدة في حادث العربة حين كانت في العاشرة.
ومنذ ذلك الحين وحتى يوم زفافها، لم تفارق الحجاب الأسود وجهها، تلتهمها عقدة الذنب.
لكنني تخلّصت منها حين صرت إمبراطورة… لِمَ يعود هذا الألم الآن؟
رفعت يدها بسرعة عن الحجاب، فعادت أنفاسها طبيعية وكأن شيئًا لم يكن.
ما هذا؟
تحسّست وجهها المرتجف بأناملها.
لم تجد الندوب الغائرة ولا نتوءات الجلد، بل ملمسًا ناعمًا حريريًا.
حتى من خلف القفازات، أدركت ذلك بوضوح.
هل هذه السماء تعرض لي وجهي القديم كالحلم؟
مدهوشة بواقعية الشعور، أخذت تحدق حولها.
هذا المكان…!
كان المكان مألوفًا جدًا.
إنه قاعة استقبال آل روبيوس، بلا شك.
ارتعشت أصابعها.
فعلى صدر المجلس كان يجلس شقيقها الأكبر، ديترش روبيوس، ربّ البيت.
وبجانبه جلست ليليانا وأمها، الليدي إيفلين بالم.
نعم… البداية كلها كانت يوم قدومهم إلى هذا البيت.
فبعد أن هرب البارون بالم مع ثروته ومع عشيقة إلى بلد آخر، لم تجد إيفلين ولا ابنتها مأوى سوى قصر آل روبيوس.
وقد استقبلتهما والدة كلير كالأخت، راغبة في أن تصيرا ابنتاها صديقتين.
لكن بعد موت والدي كلير في حادث العربة، بدأ عالمها ينهار شيئًا فشيئًا.
“يا للأسف يا كلير. حتى ديترش يكتم حزنه، فلا يليق بكِ أن تبكي وقد قتلتِ والديكِ.”
“الجميع يقولون إنكِ قاتلة. لكن لا تقلقي، سأبقى صديقتك.”
“من الآن فصاعدًا، ثقي بنا واتبعينا. لا نريد أن تخسري شخصًا آخر بسببكِ.”
صدّقتهم آنذاك من قلبها.
لكن إيمانها عاد إليها خيانةً وميتةً وحيدة.
تجهم وجه كلير، ظانة أن ما تراه ليس سوى كابوس يعيد شظايا الماضي.
حلّ رباط عنق ديترش، ثم التفت إلى ليليانا يسألها:
“سمعت أن احتفال المعبد قد أُلغي لمرض القديس؟”
“أ… أجل يا أخي، بلغك الخبر إذن؟”
“عرفت صدفة. ثم إنكِ رددتِ عليّ الحديث أكثر من مرة. قلتِ إن القديسة ستضع بنفسها إكليل الزنابق على رأس قائد الفرسان العائد من حرب البرابرة.”
آه، نعم. تذكّرت ذلك الحديث.
كان زمنًا بدأ فيه السحر الضئيل لدى ليليانا يتضاعف بصورة عجيبة، حتى صارت قديسةً يقدّسها الناس.
وقد شاع صيتها بقدراتها العلاجية التي تضاهي كبار الكهنة.
ولم تكن سوى كاذبة.
“لا تحزني. مهما قالوا، فأنتِ قديسة هذه الإمبراطورية.”
“نعم، أخي…”
أمعن النظر فيها لحظة، ثم أردف بصوته العطوف المعتاد:
“ثم إن خطّابكِ يتهافتون. لم يعد في مجالس النبلاء سوى أحاديث عنكِ.”
حتى في هذا “الحلم”، شعرت كلير أنها غريبة بين الجميع.
لكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.
فالأحداث واقعية إلى حد يثير الشك.
وتجمد جسدها فجأة.
الإحساس الحقيقي، والذكريات التي تطابقت مع الحوار، وحتى نوبة الهلع التي عادت إليها…
هي ماتت، أجل. لفظت أنفاسها الأخيرة.
لكن كل حواسها الآن نابضة بالحياة.
‘أيمكن أنني… عدت إلى الماضي؟’
ديترش وليليانا، وربيع العشرين
من خلال حوار ديترش مع ليليانا، تأكد أن الأمر كان في ربيع العشرين.
خفق قلب كلير بعنف، حتى شعرت أنه سينفجر.
وخزها صدرها حتى كادت دموعها تنهمر، لكنها مسحت كل أثرٍ للفرح.
لم تسمح لنفسها إلا باسترجاع الألم الذي مزّق أحشاءها وفتّت روحها إربًا.
سواء كان ما تعيشه حلمًا أم تدبيرًا من السماء، لم يعد يهمّ.
كلير الغبية المطيعة ماتت.
والحياة الجديدة التي مُنحت لها… لن تُسلب منها.
عيناها البنفسجيتان أشرقتا بصلابة لم تعرفها من قبل.
لكن ملامحها بقيت محجوبة وراء الحجاب الأسود، فيما ظلّت أجواء قاعة الاستقبال دافئة كما هي.
“أما رسائل الخطاب، فدعها تُرفض على يدك يا أخي.”
“همم، ولماذا؟ بين الخطاب أبناء أسر مرموقة لا بأس بهم.”
ترددت ليليانا لحظة قبل أن تجيب:
“في الحقيقة… أنا منذ زمن بعيد أحب شخصًا.”
“ماذا؟ من هذا الوغد!”
انتفض ديترش من مقعده، صوته يعلو غضبًا.
“ما يزال سرًا.”
“ليلي، وأنتِ البريئة! كيف تعرفتِ إلى رجل؟ سأراه بنفسي وأحكم عليه.”
“أوه، كفى يا أخي! على أي حال، ألا ترون أن كلير مذهلة؟ إنها في عمري، لكنها صارت وليّة العهد!”
وبينما كانت الأجواء خفيفة، انقلبت فجأة.
أعينٌ ثقيلة امتلأت بنظرات غير مريحة، كلها صوبت نحوها.
“كلير.”
نادى ديترش اسمها بصوت بارد.
توقف نفسها لحظة.
لقد مر زمن طويل منذ أن ناداها أخوها باسمها بعد أن حُبست في القصر القديم.
“هل استعداداتك لمقابلة عيد التأسيس تسير كما يجب؟”
كان صوته يخلو من أي دفء، قاسٍ كالغرباء.
رغم أنه الأخ الوحيد لها.
كانت أيام الطفولة بينهما طيبة، لكن بعد رحيل والديهما، تصدّع ما بينهما كزجاج تحطم ولم يُصلَح قط.
تنهد ديترش طويلًا ثم أردف:
“إلى متى ستبقين خلف هذا الحجاب؟ سمعت أنك سقطت مجددًا أمام الناس.”
عادت لذاكرتها لحظةً مذلة حين نزعت ليليانا حجابها بالقوة أمام الضيوف.
“حتى وإن كان الإمبراطور قد سمح لك، فبقاؤه حتى الزواج عار على اسم العائلة.”
“… أعدك أنني أستعد جيدًا، فلا تقلق.”
لم يحن وقت إظهار المخالب بعد. لذا أجابت مثل كلبةٍ مطيعة.
“صديقتي وليّة العهد! يا له من شرف. أليس كذلك يا أماه؟”
“بالطبع، يا ابنتي. لم ألحظ متى كبرتِ لهذه الدرجة. حتى الإمبراطورة الأرملة تضع آمالًا عظيمة عليكِ.”
حتى وإن لم ترَ ملامحهن، فإن نبرة أصواتهن كانت كافية لقراءة ما يخفينه.
مديح مزيف، قلق متصنّع.
تحت كل ذلك… اشمئزاز لم تفطن له قبل موتها.
كنتُ حمقاء حقًا… صدقت أن هؤلاء عائلتي، ووهبتهم الحب.
وخزها الألم كما لو ابتلعت شظايا زجاج.
أما نظرات ديترش فارتاحت، ثم عادت لتستقر على ليليانا.
بينما بقيت كلير صامتة، تراقب هذه المسرحية المزيّفة حتى النهاية.
✦✦✦
عودة إلى غرفتها
انتهى ذاك اللقاء البغيض، وحين عادت إلى غرفتها كان الليل قد أرخى سدوله.
غرفتها كانت واسعة وجميلة، لكن يغشاها فراغ قاتم.
ومع ذلك، شعرت بالطمأنينة لرؤيتها.
فما زالت الدمية الأرنبية البالية التي خاطتها لها أمها، وما زالت الكتب التي نالتها هدية من أبيها بعد إنجازها واجباتها في اللغة القديمة، كلها هناك كما هي.
كتمت انفعالها ودخلت المكتبة مباشرة.
أخرجت دفترًا وبدأت تدوّن ـ بلغة الممالك البائدة ـ ما سرقته من ذكريات ليليانا.
ما كنتُ أعلم أن ما تعلمته قبل موتي سيكون ذا نفع الآن.
نظرت لما كتبت:
حدود السلطان والوصية (وليّة العهد)
مستحضرات “هيلناميليا”
حجر الإيتيريون الذي يضخّم قوة ليليانا الزائفة
“قبل كل شيء… عليّ أن أعرف حدود قوتي.”
خلعت قفازها، واستحضرت آخر إحساس قبل موتها.
فتح السلطان.
في لحظة، تدفقت طاقة هائلة من أصابعها وانتشرت.
إذن… ثمن السلطان ليس عذابًا فقط.
سحبت يدها بحذر.
إنها قوة تمنحها القدرة على استخدامها متى شاءت، لكنها لا تستطيع إيقافها بعد فتحها.
مدتها ساعة تقريبًا.
وخلالها، يجب ألا يلمس جلدها جلد الآخرين، فمجرد لمسة قد تختصر عمرها.
فإذا نفد السلطان… نفدت حياتها.
ومع ذلك، لم تعد تخشى الموت. لقد ماتت بالفعل وعادت. فما الذي تخافه بعد؟
وإن كان لابد من الفناء، فليكن بزهرة سامة تتفتح وتذبل بأجمل هيئة.
رياح عاصفة هبّت في قلبها.
لم يعد يشغل رأسها سوى الانتقام من كل من قادها إلى موتها.
زوجها إيموس، ليليانا، إيفلين… وكل من التفّ حولهم.
لكن كيف تبدأ؟
فالخدم في قصر آلـ روبيوس، باستثناء رئيسهم، كانوا جميعًا من اختيار إيفلين.
وبذريعة نوبات الهلع، فرضت إيفلين وليليانا عليها عزلة خانقة. حتى خادمة خاصة لم يُسمح لها بامتلاكها.
نقرت بأصابعها على المكتب.
أمر مستحضرات هيلناميليا والإيتيريون يحتاج وقتًا. لكن قبل ذلك، ثمة شخص عليّ أن أراه.
ثبت بصرها على كلمة “وليّة العهد”.
_ “في الحقيقة… أنا منذ زمن بعيد أحب شخصًا.”
تذكرت كلير الشخص الذي أحبته ليليانا بجنون قبل أن تبدأ خيانتها مع إيموس.
ذاك الذي انتظرت عودته بكل شغف في احتفال النصر… لأنه كان أول حبها.
إذن، ستبدأ بحرمانها مما تشتهيه أكثر من أي شيء.
ذلك الرجل… الذي كاد يكون زوجي.
ذلك الاسم الغائر في قلبها جعلها تتألم كجرحٍ لا يندمل.
خافت من لقائه، لكنها صبرت… فالانتقام يستحق.
سأقتلك ببطء، يا ليلي… كضفدع يُسلق في ماء لا يدري أنه يغلي.
وفي العتمة، اشتعلت ألسنة الغضب في صدرها، تكبر وتتعاظم.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"