-ليرا التي أخفت أشواكها-
أوصت ليليانا يوليا بأن تخدم بكل تفانٍ قبل أن تغادر المكان. جلست كلير تعبث بمقبض كوب الشاي الذي برد تمامًا، بينما كانت عينا يوليا المتأملتان تلمعان بحدة لافتة.
(ظهور يوليا هذه المرة أسرع مما كان عليه قبل عودتي بالزمن…)
في الماضي، كانت ليليانا تقدم مستحضرات التجميل لكلير بدافع المزاح فقط، لتجعلها مثار سخرية وتعاسة.
لكن الآن… الأمر مختلف.
في صوتها النقي تخفي سيفًا حادًا من الحقد.
(تحاولين قتلي إذن…)
ابتسمت كلير بخفة وكأنها حقًا مبتهجة.
(حسنًا، عليك أنتِ أيضًا أن تتغيري…)
كانت ذات يوم تعتبرها أقرب من الأخت. وربما لهذا السبب بالذات… كانت لا تزال تحمل في أعماقها أملاً سخيفًا بأن عودتها بالزمن لم تكن سوى حلم، وأن علاقتهما قد تتغير إن حاولت.
لكن ذلك الأمل الضئيل تلاشى تمامًا.
لن تعود علاقتها بليليانا أبدًا كما كانت.
(سأدعك تلعبي بدميّة كلير الغبية التي تريدينها، من أجل أوهامك البائسة. لكنكِ ستدفعين الثمن… ثمنًا قاسيًا. انتظري فقط.)
اختفت ابتسامتها في لحظة.
“يوليا.”
“نعم، آنستي كلير.”
“لقد برد الشاي. اذهبي وأحضري إبريقًا جديدًا.”
لم تبدُ يوليا راضية عن هذا الطلب التافه، إذ لم تكن معتادة على أن تؤدي مثل هذه المهام البسيطة بعد أن كانت تتصرف كخادمة ملازمة لليليانا.
“…مفهوم.”
أومأت برأسها بلا مبالاة وغادرت الغرفة. تابعتها كلير بنظرة باردة حتى اختفت خلف الباب.
✦✦✦
توقفت عربة تحمل ختم البجعة البيضاء أمام المعبد.
(أين ذهبت أمي؟ هل ما زالت تبحث عن خالي؟)
منذ انتهاء مهرجان تأسيس الإمبراطورية، لم تظهر إيفلين إلا نادرًا بعد مرورها السريع على القصر.
ولم تتمكن ليليانا من مناقشة خطتها الجديدة معها كما يجب.
(لا بأس… بعد أن أنهيتُ ترتيباتي لجعل كلير أضحوكة، حان وقت الخطوة التالية.)
عضّت ليليانا شفتها حتى سال الدم.
وما إن نزلت من العربة حتى انحنى لها خادم بلباقة وهو يقول:
“سيدتي القديسة، سيدي في انتظاركم. تفضلي من هذا الطريق.”
غطّت رأسها بقبعة ردائها وتبعت الخادم في صمت.
كان المنزل الكبير القريب من المعبد جميلاً لدرجةٍ تفوق الفخامة.
(مذهل…)
زارت منازل كثيرة لأثرياء، حتى منزل عائلة لوفيوس الكونت، لكنها لم ترَ بيتًا بهذا القدر من البذخ من قبل.
لكنها تنفست بعمق وهي تدخل غرفة الاستقبال لترى رجلاً يجلس في المنتصف بهدوء مترف، متكئًا على الأريكة بساقٍ فوق الأخرى، يتأملها بنظرة مثيرة للاهتمام.
قال بصوت رزين يحمل نغمة سخرية خفيفة:
“ما الذي يدفع القديسة التي هبطت على الإمبراطورية المقدسة لزيارتي اليوم؟”
نزعت ليليانا غطاء رأسها وانحنت تحية.
“أُحيي صاحب السمو، الأمير الثاني للإمبراطورية المشرقة أركاديا.”
“اجلسي.”
كانت نبرته لطيفة، لكن قلبها خفق بسرعة وهي تبتلع ريقها وتجلس أمامه.
وكأنهم يعرفون ذوقها مسبقًا، قدّم الخدم لها الشاي الذي تفضّله بالضبط.
ساد صمت ثقيل، فتجرأت على رفع نظرها إلى الرجل المقابل — إيموس.
شعره المائل إلى الحمرة الملتفة قليلًا، وعيونه الرمادية الهادئة كالسحب، مظهره الناعم، وأناقته المرهفة.
كان مثالاً كاملاً للأمير النبيل، يليق بهذا المنزل الفاخر أكثر من أي شخص آخر.
أي فتاة نبيلة كانت ستنجذب إليه بسهولة، لكن ليليانا لم تكن من بينهن.
هي تفضل من هو أكثر وحشية.
ذلك الفارس الشجاع الذي يجوب ساحة المعركة دون خوف، الباحث عن العدالة والمجد، الذي لا يتزعزع أمام أي شيء — تيوبالت.
قلبها لم ينبض إلا له.
لذلك، لم يكن مسموحًا لها أن تضعف أمام هذا الأمير.
إذا كان تيوبالت سيفًا مقدسًا صُقل بنبلٍ وشرف، فإن إيموس هو آلة موسيقية تعزف لحنًا ساحرًا — ليرا تخفي بين أوتارها الأشواك.
~هيما: ليرا تُستخدم كتشبيه لشخص لطيف المظهر وهادئ الصوت لكنه يحمل تهديدًا أو جانبًا مؤذيًا مخفيًا وليرا هو إسم آلة موسيقية.
(لو لم يمت الإمبراطور السابق فجأة، لكان إيموس الآن ولي العهد بلا شك…)
عضّت شفتها السفلى بضيق وهي تتذكر الظروف البائسة التي قلبت كل شيء.
في الوقت الحاضر، يقيم إيموس في هذا القصر بعيدًا عن البلاط الإمبراطوري، لتنفيذ مهمة سياسية كبرى أمره بها الإمبراطور —
للتقرب من المعبد وكسبه إلى صفه، لأن المعبد هو العقبة الأكبر أمام طموحاته.
قالت ليليانا بصوتٍ حازم يخفي ارتباكها:
“جئتُ إلى سموّكم لأنني أريد أن أقدم لكم المساعدة.”
ابتسم الأمير ببطء وهو يرفع كوبه إلى شفتيه.
“مساعدة؟ وكيف يمكن لقديسة جميلة مثلك أن تساعدني أنا؟”
أجابته بثبات، وقد لمعت عيناها بالحذر:
“ما دام مجلس النبلاء يقف في صف سموّكم، فأنا أستطيع أن أساعدكم في السيطرة على المعبد وحلّ مشكلته.”
همم. بالتأكيد إذا التصقت القديسة بإيموس، فإن حل مسائل المعبد ضمن مهام الدولة سيكون سهلاً.
“لماذا فكرتِ بذلك؟”
“لأنني أرى أن صاحب السمو هو ولي العهد الشرعي لهذا الإمبراطورية. فالإمبراطور الحالي بلا أهلية من الأساس.”
ابتلع إيموس ضحكة صغيرة ازدرائية تجاه هذا التملق التافه.
ثم نهض ببطء من مكانه وداعب تمثالًا على شكل ملاك بإصبعه السبابة.
“إذا أتممتُ مهام الدولة على نحو ممتاز وأصبحت ولي العهد كما تشاءين، فماذا ستمنحينني بالمقابل؟”
ارتجفت عينا ليليانا من هذا الطلب المفاجئ. لم تكن تحتاج سوى معلومات عن المعبد، فما الذي يريد أكثر من ذلك؟
كان هذا الرجل حقًا مريبًا، فخلف المظهر الوسيم كان ثعبانًا ماكرًا.
“ألم تعد بحاجة لمعلومات المعبد؟”
“هاها، ألا تقللين من شأني؟ ألن يكون هناك من يتجسس في المعبد لصالح والدتي؟”
“مع ذلك، المعلومات التي سأعطيك ستكون مختلفة.”
“المهام الحكومية سيحلها والدتي على أي حال، فالعمل يقوم به المرؤوسون. لذا من سيشعر بالنقص ليس أنا بل القديسة، أليس كذلك؟”
“ما الذي تريده مني بالضبط؟”
“ما أريده هو جسدك.”
“ه-هاذا هراء لا يُصدق…” تمتمت ليليانا مذهولة، وبدون وعي اقترب إيموس منها وهمس بصوت لطيف:
“ما الفائدة من الحفاظ على جسد سيتعفن عاجلًا أم آجلًا؟ يجب أن نستمتع بأجمل أيامنا.”
أليس هذا ليس أول مرة؟
حركاته المليئة بالمغازلة وهي تقبّل خصلات شعرها الفضي كانت مغرية إلى حد كبير.
‘هل يعرف كل شيء؟’
ذكرت ليليانا لياليها الماضية التي كانت تقضيها سرًا مع النبلاء، وأصبحت جفونها ترتجف.
حاولت التظاهر بالهدوء وقالت:
“إنه اقتراح غير مرغوب فيه.”
“قلت لك، من يشعر بالنقص ليس أنا.”
عندما نهض إيموس بتعبير ممل، توترت ليليانا على الفور.
“سأفكر… فقط لا تجعل الأمير الأكبر يُعلن وليًا للعهد.”
“في المرة القادمة، عليك أن تعطيني الإجابة التي أريدها، أيتها القديسة.”
هربت ليليانا سريعًا، وابتسم إيموس ابتسامة ماكرة.
شعرها الفضي كالملاك، وعيونها المليئة ببريق يشبه أحجار الروبي الفاخرة.
تتصنع الضعف والهشاشة، لكنه أدرك فورًا أنها شخص مشابه له.
‘قديسة لا تستجيب للإغراء الصريح.’
بالطبع، هو يعلم أيضًا أن الرجل الذي تعلق قلبها به هو تيوبالت.
ابتسم إيموس بارتياح. هل يمكن أن تكون هناك متعة أعظم من ذلك؟
الرفيق الأسود يمكن أن يُعهد به إلى الوحش، وهذه القديسة الجميلة يمكنه أن يحصل عليها بنفسه.
“صيدة بعصفورين بسهم واحد.” همس إيموس لخادمه القريب بهدوء:
“هل تراهن معي، بيل؟ متى ستأتي القديسة لزيارتي مرة أخرى؟”
ابتسم ابتسامة ذات معنى. شعور غريب جعله متيقنًا بأنهما سيلتقيان قريبًا.
✦✦✦
حلّ الليل بهدوء.
يوليا عقدت شفتيها بغضب. طوال اليوم كانت كل ما تأمرها به كلير مجرد أعمال تافهة، والآن جلست كلير بعد الاستحمام أمام طاولة التجميل.
على الرغم من أن الحجاب أصبح أخف قليلاً، إلا أن كلير ما زالت ترتديه.
الآن فقط كانت تتباهى بعنادها.
أخرجت يوليا مستحضرات التجميل السامة المشتقة من زهرة هيلناميليا.
“سأشرح لك كيفية استخدام هذه المستحضرات.”
“يوليا.”
“نعم، آنسة كلير.”
“بما أنك أصبحتِ خادمة مخصصة، أريد أن أسألك شيئًا واحدًا: هل لديك معرفة بالآداب وقواعد البروتوكول؟”
توسعت عينا يوليا من هذا السؤال المفاجئ.
“رغم أنني انسحبت من الأكاديمية، إلا أنني تعلمت الآداب بشكل جيد.”
“أرى. ما تتحدثين عنه هو آداب عامة للنبلاء، لكن آداب البلاط مختلفة تمامًا.”
“ن…؟”
“ألم تكوني تعرفين ذلك؟”
خرج صوت كلير مثل تنهيدة:
“كنت أتوقع الكثير منك لخدمتك لي، لكني شعرت بخيبة أمل.”
أجابت يوليا بخفض رأسها، عاجزة عن الاعتراض.
تابعت كلير بصوت هادئ ومرعب:
“قبل 33 سنة، توفيت الإمبراطورة إليزا فجأة وانتقلت إلى حضن الحاكم.”
“……”
“لقد تسبب ذلك في فوضى في البلاط وبين النبلاء. لم يتمكن أحد من تشخيص السبب. وفي وسط الحزن، اكتشفوا مادة الزرنيخ في مستحضرات التجميل التي كانت تستخدمها الإمبراطورة. كانت مادة سامة جدًا.”
ابتلعت يوليا ريقها.
على الرغم من نبرة كلير الناعمة، شعرت وكأن كلير تعرف ما ستفعله بها.
“في ذلك الوقت، كان يتم تسميم الأعداء باستخدام الطعام ومستحضرات التجميل لقتل أفراد العائلة الملكية. كانت المكياج الثقيل رائجًا، لذا كان من الصعب العثور على دليل.”
“……حقًا؟”
“أما الآن، فقد أصبح المكياج الطبيعي والعناية بالبشرة أكثر شعبية من المكياج الثقيل.”
لم تستطع يوليا فهم سبب حديث كلير عن هذا الأمر.
“ومنذ ذلك الحين، أصبح هناك بروتوكول محدد في البلاط.”
“بروتوكول؟”
“نعم. في البلاط، يجب أن يجرب خادم مبتدئ كل مستحضرات التجميل والطعام المخصص للعائلة المالكة للتأكد من سلامته قبل استخدامه رسميًا.”
تكونت قطرات عرق باردة على ظهر يوليا.
ثم وصل صوت كلير المخيف إلى أذنها:
“إذن، سيكون هذا دورك.”
“إذن، سيكون هذا دوري.”
الانستغرام: zh_hima14
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"