-احتفال التأسيس-
أُعلن عن بداية الموسم الاجتماعي رسمياً مع افتتاح حفل احتفالات التأسيس في قاعة “الأسود” داخل القصر الإمبراطوري.
في الداخل، أضاءت الثريات الكريستالية الضخمة القاعة، ناشرةً وهجاً فاخراً يملأ المكان. وزُيّنت الجدران من الأرض حتى السقف بنقوش مذهبة بديعة غطّت المساحة الرحبة كلياً.
كانت الموائد تعجّ بأصناف الطعام التي يفتح منظرها الشهية قبل حتى أن يتذوقها المرء، فيما انتشرت موسيقى عذبة تُداعب الأذن وكأنها حلم جميل يتناثر في الأجواء.
ولأن الإمبراطور والإمبراطورة الأم لم يكونا قد وصلا بعد، انشغل النبلاء في البحث عن شركاء محتملين للزواج، كلٌّ يحاول أن يسبق الآخر.
ورغم أن الأنظار كانت تتجه في الغالب نحو الفتيات الصغيرات اللواتي حضرن أول حفلات “الديبوتانت”، إلا أن الحضور الحقيقي للأمسية كان لشخص آخر تماماً.
“لا شك أن بطلة حفل الليلة ستكون الآنسة القديسة، أليس كذلك؟”
“بالطبع. أنظروا فقط إلى ذلك الفستان المبهر. مدام لوا صنعت خصيصاً لها تحفة فريدة لا مثيل لها.”
“على ما يبدو، الكونت لوبيوس نفسه طلبه لها شخصياً. ربما كان ما زال منشغلاً بما حدث حين فقدت وعيها.”
“يا إلهي، ما أرقّه من رجل!”
كانت السيدات متحلّقات في مجموعات صغيرة، يُحرّكن مراوحهن ويُلقين بنظراتهن بين الحين والآخر على ليليانا وكلير.
ليليانا جمعت شعرها الفضي المتلألئ في تسريحة أنيقة، وارتدت فستاناً أحمر قانياً يخطف الأنظار. ومع تطريز دقيق وأحجار كريمة متقنة، بدت كجوهرة متوهجة تُسحر من يقع بصره عليها.
أما كلير فجلست بعيداً عن مركز القاعة، صامتةً في مكانها. فستانها الأزرق الداكن، المتناسق مع حجابها، كان بسيطاً إلى حدٍ لافت، خالياً من أي زينة أو بهرج.
إحدى السيدات لم تُخفِ استياءها، فتمتمت وهي تُحرّك مروحتها:
“ألا يبدو أن النبوءة كانت خاطئة؟”
“حقاً. لقد مرّت عشر سنوات منذ أن لحق والداها الموتى. ومع ذلك ما تزال تخفي وجهها بهذا الحجاب كما لو أنها مجنونة لا مشوّهة.”
“أواه، يا لجرأتك يا كونتيسة إيرن! هوهو.”
ضحكت كلير بخفوت وهي تسمع همساتهن. لو كان هذا في الماضي، لارتجفت خوفاً من الجلوس وسط هذا الجمع. أما الآن، فلم يكن قلبها سوى بحيرة ساكنة، هادئة لا تُحرّكها أمواج.
أرسلت بصرها نحو الأمير الثاني إيموس، ثم ليليانا المشرقة بابتسامتها، وبعدهما إيفلين وديتريش.
استمتعوا بضحكاتكم ما استطعتم. فاليوم هو آخر يوم تستطيعون فيه الابتسام.
وبعد قليل، فُتحت الأبواب الضخمة، ودخل كبير الخدم بخطوات واثقة معلناً:
“أولوا أنظاركم. بعد قليل سيدخل جلالة الإمبراطور وصاحبة السمو الإمبراطورة الأم. فليستعد الجميع.”
في لحظة تبدّلت أجواء القاعة. شدّ النبلاء هيئاتهم، وأصلحوا ثيابهم، ووقفوا منتصبي القامة. حتى كلير نهضت، وضعت يديها معاً وأصلحت جلستها.
ارتفع صوت البواب وهو يعلن:
“ها نحن نُحيّي جلالة الإمبراطور العظيم والإمبراطورة الأم المكرّمة لإمبراطورية أركاديا المجيدة!”
جلس الإمبراطور على العرش الأعلى، فيما جلست الإمبراطورة الأم في مقعد أدنى بدرجتين. ولوّحا للحضور بابتسامات ودودة، مشيرين لهم بالجلوس.
“انهضوا.”
وعندما جال الإمبراطور ماركوس بعينيه على القاعة، توقفت نظراته عند كلير لبرهة، ثم صرفها عنها، وأشار إلى كبير الخدم.
فتح الأخير دفتر الأسماء وبدأ بمناداة النبلاء واحداً تلو الآخر:
“الآنسة ريكنا من عائلة البارون غران، تقدمي لتحيي جلالة الإمبراطور والإمبراطورة الأم.”
بدأ النبلاء الصغار بالتأهب، كلٌّ ينتظر دوره ليُقدم التحية.
وكان من المفترض أن تحضر كلير أول حفلاتها في سن الخامسة عشرة، تماماً مثل ليليانا، لكن النبوءة أخرت ظهورها حتى الآن، لتقف أمام الإمبراطور للمرة الأولى.
وبما أن الاستدعاء كان بحسب ترتيب وصول الضيوف، فقد تعمّدت كلير الحضور في آخر لحظة لتُصبح الأخيرة في القائمة.
ومع مرور الوقت انتهت التحيات جميعها، وجاء دورها أخيراً.
“الآنسة كلير من عائلة الكونت لوبيوس، تقدمي.”
في الحال، هبط الصمت على القاعة. حتى أن المرء كاد يسمع أصوات ريق يُبلع في الحناجر.
وبينما شعر الآخرون بالحرج من الهدوء، ارتاح قلب كلير لتلك السكينة. تقدمت ببطء نحو الإمبراطور والإمبراطورة الأم، ورغم أن مظهرها كان أقرب إلى هيبة جنازة، فإن خطواتها كانت مفعمة بالوقار والرقي.
انحنت وفقاً لأدق تقاليد البلاط، ورفعت بصرها نحو الإمبراطور ماركوس والإمبراطورة غريسيلا دون أن تنطق بكلمة.
الإمبراطور الرابع والثلاثون لأركاديا: ماركوس فيلهيلم برهايم.
كان ذا شعر ذهبي يلمع تحت الأضواء بخفوت مُحمر، ووجهٍ شاحبٍ يوحي بأنه على وشك الانطفاء مثل شمعة توشك أن تنطفئ.
منذ طفولته كان يعاني من مرض النوم المفاجئ بسبب ما تعرّض له من قسوة واضطهاد.
ورغم أن ماركوس كان الحاكم الذي منحها، وسط هذا الجحيم الباذخ، شعوراً بأنها إنسانة، إلا أن كلير كانت تعرف في قرارة نفسها:
‘لكنه لم يكن يوماً رجلاً يسهل التعامل معه.’
ثم كانت هناك الإمبراطورة الأرملة غريسيلا.
غريسيلا، التي كانت الزعيمة الفعلية لشيوخ النبلاء، لم يكن يُسمح لها من حيث المبدأ بالبقاء داخل القصر الإمبراطوري. فبعد مرور شهر واحد فقط على تتويجها إمبراطورة، مات زوجها، الإمبراطور غاسبار، الأخ الأكبر لماركوس، فجأة بأزمة قلبية، فخُفضت رتبتها إلى “أرملة كبرى”.
كان من المفترض أن تُطرد غريسيلا من القصر برفقة ابنها إيموس لتقيم في القصر الكبير الخاص بها، لكن المعارضة الشرسة من مجلس الشيوخ حالت دون ذلك، فبقيت في القصر وبسطت سيطرتها المطلقة على كل شيء.
“بما أن جلالة الإمبراطور ماركوس يعاني من مرض النوم المفاجئ، فالقصر بحاجة ماسة إلى قوة السيدة غريسيلا!”
لم يكن مرض الإمبراطور وحده هو الذريعة، بل وجود إمبراطورة ضعيفة وقليلة الحيلة كان أيضًا مبررًا مقبولًا لبقاء غريسيلا في القصر بوصفها إمبراطورة أرملة.
وبعد فترة قصيرة، توفيت الإمبراطورة نتيجة ولادة مبكرة، ثم عُزل تيوبالت من منصبه بسبب جريمة فقدان الأثر المقدس. عندها حشدت غريسيلا النبلاء وجعلت ابنها إيموس يُسجل رسميًا كابن متبنى للإمبراطور ماركوس.
وبذلك صار الثعلب الماكر هو الحاكم الفعلي للقصر بدلًا من الأسد المريض.
في حياتها السابقة، حين كانت كلير زوجة ولي العهد، كانت معاملة الإمبراطورة الأرملة لها قاسية وبالغة الوحشية.
‘كم من مرة أمرتني بأن أركع طوال الليل لمجرد أن آدابي لم تعجبها.’
لم يكن نادرًا أن تتلقى كلير صفعة من خادمة وضيعـة بأمر من الإمبراطورة الأرملة حتى تفقد وعيها.
وكانت آنذاك تظن أن كل العيوب تكمن فيها هي، ولم تفعل سوى الارتجاف مذعورة.
‘كنت حقًا غبية… لن أسمح بتكرار ذلك أبدًا.’
عين غريسيلا الأرملة التي كانت ترتدي مظهرًا وديعًا تومضت فجأة بحدة، فصارت نظراتها إلى كلير كالسهام.
‘هاء… من أين ظهرت تلك البنت…’
لم يعجب غريسيلا أبدًا أن تكون كلير هي شريكة لابنها.
صحيح أن مكانة أسرة الدوق العظمى مغرية، لكنها لم تكن تريد أن تزوج ابنها إيموس من فتاة أشبه بشبح تخفي وجهها خلف حجاب.
‘لو لم يكن ذلك النبوءة السخيفة…’
تذكرت غريسيلا نبوءة القديسة مارغريت، فطحن أسنانها غيظًا:
[من يتخذ ابنة آل روبيوس رفيقة له، سينال مجد هذا العالم كله وعرشه.]
الإمبراطور الثاني والثلاثون، وقد هابه أمر الحاكم، أغلق أفواه كل من سمعوا النبوءة وترك وصية مبكرة بأن تُعيّن كلير زوجة لولي العهد، ثم مات.
‘بأي حال من الأحوال، لا بد أن نحصل على تلك البنت، وإلا فلن يصبح ابني إمبراطورًا.’
لكن الإمبراطورة الأرملة لم تكن لتسمح بأن ترحل كلير بسلام.
ضيقت عينيها متذكرة الرسالة التي وصلتها من معلم آدابها:
[إلى جلالة الإمبراطورة الأرملة.
كلير روبيوس تخفي خلف مظهرها الهادئ طبيعة متغطرسة للغاية. بلا شك، لن تنفذ ما أمرتم به في هذا الحفل. أرجو من جلالتكم أن تغتنموا هذه الفرصة لتقويم كبريائها المتعجرف.]
أربعة من أصل خمسة معلمين كتبوا نفس الشيء.
ولذلك، كان إذلال الكنة المكروهة وكسر شوكتها أمرًا ضروريًا في هذا القصر.
مدّت غريسيلا الإمبراطورة الأرملة يدها اليمنى إلى كلير، خلافًا لما فعلته مع سائر الفتيات.
شهق النبلاء المراقبون من الدهشة.
“يا إمبراطورة أرملة.”
عَبَس الإمبراطور ماركوس معاتبًا بهدوء، لكن غريسيلا لم تُعره أي اهتمام.
‘طقس الولاء المطلق حيث يمسك المرؤوس بيد الإمبراطورة الأرملة ويلصقها بجبهته تعبيرًا عن الطاعة.’
كان هذا طقسًا لا يُفرض إلا على العبيد في العادة، وأحيانًا نادرة على بعض الخادمات رفيعات المنصب.
لكنه لم يكن مسموحًا به مطلقًا في مناسبة رسمية يحضرها الإمبراطور وسائر النبلاء.
‘كم أنتي حقيرة كما عهدتك…’
ابتسمت كلير ابتسامة قصيرة تخفي ارتياحها، ثم نزعت قفازها، وجثت على ركبتيها بأدب، وأمسكت بيد الإمبراطورة الأرملة.
رفعت غريسيلا إحدى حاجبيها بدهشة.
“آنسة روبيوس تعلن ولاءها للإمبراطورة الأرملة؟”
“يا للعجب!”
ارتجت القاعة للحظة.
لكن كلير استغلت الفرصة، وأطلقت العنان لقواها.
أطبق عليها ألم يمزق اللحم ويمعن في أحشائها كأنها تُقطّع بسكاكين حادة، حتى خارت أنفاسها كمن يتعرض لعقوبة قاسية.
‘اصبري… اصبري.’
اجتاحت ذكريات جشعة رأسها بلا توقف. لم تستطع أن تقرأها كلها، لكن كان عليها على الأقل أن تصل إلى أثر مقدس قريب.
كان الإحساس الموحش يبتلعها كموج غاضب، وأوشك الألم أن يجبرها على ترك اليد والهرب خارج القاعة.
لكن كلير عضت شفتيها حتى تقرحت وهي تحشو رأسها بالذكريات المتدفقة.
وكان من حسن حظها أن الحجاب غطى وجهها، فلو رأت الإمبراطورة الأرملة تعابيرها الملتوية لساورتها الشكوك واكتشفت أنها تملك قوة خاصة.
طال ركوعها، فاعتدل الإمبراطور ماركوس وعلت وجهه علامات الغضب، ثم تنحنح بحدة.
استفاق كبير الخدم متأخرًا وهمس بصوت خافت:
“الآنسة روبيوس، يكفي… حرري يد جلالتها.”
‘فقط قليلًا بعد…’
“الآنسة كلير؟”
أعاد الخادم همسه مرة أخرى بصوت لا تسمعه سواها، لكنها تجاهلته ولم تترك يد الإمبراطورة الأرملة.
‘ما زلت بحاجة إلى المزيد من الوقت.’
وفي اللحظة التي همّت فيها غريسيلا، بوجه متجهم، أن تقصفها بتوبيخ لاذع، وقع الأمر.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 10"