_المقدمة_
“لدينا ضيف غير مرحب به.”
اختفى الضوء المتسرب من خلال الحجاب الأسود، وألقى ظل طويل بظلاله فوق رأسها.
رفعت كلير رأسها ببطء نحو الصوت الذي بدا مختلفًا كثيرًا عن صوت طفولتها.
تيوبالت دوين فيرهايم.
الرجل الذي كان ولي عهد الإمبراطورية العظمى، إمبراطورية أركاديا.
ذلك الذي جُرّد من لقبه كولي للعهد، ولجأ إلى المعبد، ليصعد بنفسه إلى منصب قائد فرسان الهيكل المقدس.
“كلير.”
ظل صوته العميق عالقًا قرب أذنها. كان قريبًا جدًا، حتى إن ملامح أنفه المستقيم وشفتيه بدت واضحة من خلف الحجاب، كأنهما على وشك أن يلامساها.
هل أنهى للتو تدريبه؟
فمن جسده العاري بعد خلع سترته، انبعثت رائحة هادئة كعبير الغابة.
ورغم أن منظر جسد رجل مكشوف كهذا كفيل بجعلها ترتبك، إلا أنها فكرت أن الحجاب الذي يغطي وجهها في هذه اللحظة نعمة تحميها.
دفعتْه كلير برفق مبتعدة، ثم انحنت على ركبتيها لتؤدي التحية.
“أرفع بصري لرؤية صاحب السمو ولي عهد الإمبراطورية المتألقة، أركاديا.”
“صاحب السمو؟”
ضحك تيوبالت ضحكة ساخرة كأنها لا تُصدق.
“أتظنين أنك تملكين الحق في مناداتي هكذا؟”
خائنة تافهة.
كلماته الباردة اخترقت صدرها كخنجر.
الرجل الذي لم أرغب أبدًا أن أصادفه، حتى ولو صدفة.
ومع ذلك، لم يكن أمامها خيار، إذ إنها تحتاج إليه من أجل انتقامها الملطخ بالدماء.
بأنانيةٍ، فكرت:
عليّ أن أعيد له ما أفسدته أنا… مكانته، شرفه.
ولهذا، يمكنها أن تتحمل هذه الكلمات القاسية.
فوجودها عنده لا بد أن يكون كابوسًا.
أخفت كلير مشاعرها المتشابكة، وتمتمت ببرود:
“أتيتُ لأن لدي ما أقوله لسموك.”
“وأي كلمات عظيمة هذه التي تجعلك تتريثين هكذا؟ لماذا؟ هل جئتِ تحملين دعوة زفاف مثلًا؟”
كان صوته جليديًّا.
“ألا ترغب في استعادة مقامك، يا صاحب السمو؟”
ابتسم تيوبالت ابتسامة ساخرة باردة، ثم ترك الشجرة وراءه واتجه نحو الجناح. كان يتحرك ببطء، كفهد أسود فقد اهتمامه.
“كلام ممل.”
“إن سوء الفهم الذي لُصق بجلالة الإمبراطورة الراحلة وبسموك… لا بد أن يُزال.”
“ألخطر ببالك أنه لم يكن ليحدث لولاك؟”
في لحظة، تغيّر الجو تمامًا.
شهقت كلير أنفاسًا جافة تحت وطأة هالته المشتعلة. لقد انسكب الغضب من صوته بلا حواجز.
“ما الذي تريدين قوله بالضبط؟”
زمجر تيوبالت بوحشية.
وحين لم تُبدِ كلير أي حركة، زفر تنهيدة عميقة ثم استدار مبتعدًا، عازمًا على مغادرة المكان.
“أرجوك، تزوجني.”
توقفت خطواته فجأة، وأدار بصره نحوها.
“هل فقدتِ عقلك؟ أعدي ما قلته.”
“يا صاحب السمو، تزوجني.”
نطقت كلير مرة أخرى بكلمات خطيرة ستقلب المستقبل رأسًا على عقب.
✦✦✦✦✦✦✦✦✦
-الإمبراطورة الموبوءة-
ضيق الإمبراطور إيموس عينيه وهو يتفحص غرفة النوم التي غطتها خيوط العنكبوت الرمادية. كانت رائحة اللحم المتعفن تخترق أنفه بفظاعة.
“الإمبراطورة ظلت متعجرفة حتى آخر لحظة.”
نظرت كلير بعينين مرهقتين إلى زوجها، الذي لم يتردد في إطلاق كلمات قاسية.
“لولا طلب القديسة، لما تكبدت عناء المجيء إلى هذا المكان. أتجرؤين على جلب جلالتي إلى هنا؟”
“…….”
“حسناً، حان الوقت لتنهي الأمر وتموتي. ما الذي يجعلك متمسكة بتلك الحياة البائسة؟ ألا ترين أنها مضيعة للوقت؟ أليس الأفضل أن تشربي السم وتموتي بهدوء؟”
مع قسوة كلماته، انحنى الخدم برؤوسهم، محاولين كتم أنفاسهم.
لم تعد كلير قادرة على مواجهة وجهه، فحولت نظرها إلى النافذة الصغيرة، كالمجرمة التي تتجنب العيون.
كنت أرغب في رؤية سماء صافية قبل أن أموت…
لكن السماء وراء النافذة لم تكن سوى غيوم كثيفة قاتمة، بلون رمادي ثقيل. بدا وكأن حتى السماء ترفض تحقيق أمنية شخص على وشك الموت، وذلك كان قاسيًا بحق.
كما قال إيموس، كانت كلير تواجه موتها نتيجة مرض غامض لا يُعرف سببه.
[من يتخذ ابنة كونت لوبيوس زوجة، فسينال كل مجد وسلطة هذا العالم.]
ولدت كلير لوبيوس كابنة لعائلة نبيلة مرموقة، ومصيرها حُدد مسبقًا عبر النبوءة بأن تصبح إمبراطورة.
كانت حياتها تبدو مثالية، تمامًا كما تحلم بها بنات النبلاء، لكنها لم تعرف طعم السعادة ولو للحظة.
فخلف كل ذلك البذخ، كان سجن ينهش جسدها وروحها شيئًا فشيئًا.
بدأ جلدها يتعفن، وعظام وجهها تذوب. الألم المبرح جعلها تشعر وكأن أنفاسها ستنقطع في أي لحظة.
وطُردت من القصر الإمبراطوري إلى برج مهجور، بذريعة أنها قد تنقل المرض إلى الإمبراطور. ومنذ ذلك الحين، مرت سنوات طويلة عليها وهي حبيسة ذلك المكان المحظور.
“جلالتك، الإمبراطورة.”
بجهد كبير، حولت كلير عينيها نحو مصدر الصوت. هناك، وسط المكان الكئيب، ظهرت قديسة جميلة لا تتناسب مع هذا الخراب. ارتسمت على شفتي كلير ابتسامة باهتة.
“…لي… ليلي.”
“نعم، أنا هنا.”
هل كانت تبكي؟ كانت عينا ليليانا محمرتين وهي تمسك بيد كلير بقوة.
كانت ليليانا أعز صديقة لها، وسندًا في حياتها الوحيدة. رغم قسوة الحياة، شعرت كلير أنها ستكون قادرة على إغماض عينيها بابتسامة مطمئنة، ما دامت ليليانا ستكون بجانبها في لحظتها الأخيرة.
“مولاي، أرجو أن تسمح لي بالانفراد بالإمبراطورة لتوديعها.”
رد إيموس بنبرة لطيفة وناعمة، على عكس قسوته السابقة، حتى بدا وكأن كلماته السابقة لم تكن صادرة عنه:
“مهما كنتِ قديسة، فلا تقتربي كثيرًا. قد تُصابين بالعدوى.”
“أنا بخير. أرجوك، اسمح لي.”
لم يتمكن إيموس من رفض رجائها، فاستدار وغادر الغرفة، وتبعه الخدم بصمت.
دمدمة.
انغلق الباب، ومسحت ليليانا دموعها بظهر يدها، ثم همست بصوت خافت:
“أنا آسفة.”
ابتسمت كلير ابتسامة مشوشة نحو ليليانا الطيبة.
كانت ترغب في شكرها، لكن غصّة خانقتها فلم تستطع إخراج الكلمات.
وفجأة، دوى صوت الرعد عاليًا في البرج الصامت، وكأنه يعلن نهاية الوداع.
كروووم! دوووي!
“آسفة… لأنني لم أقتلك أسرع.”
مع دوي الرعد، وصلت كلمات قاسية إلى أذن كلير، حتى إنها لم تصدق ما سمعت.
“لي… ليلي، ماذا… ماذا تقصدين؟”
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتي ليليانا، ووجهها ما زال يحتفظ بدموعه المصطنعة.
“هاهاهاهاهاهاهاها!”
اختلط ضحكها المجنون مع صخب الرعد، ليخترق أذن كلير بوحشية.
“…لي… ليلي…؟”
“أيتها الغبية يا كلير. منذ اللحظة التي رأيتك فيها أول مرة، كنت أرغب في قتلك.”
“……!”
“أن أضطر لمجاملتك والعيش كصديقة لك، وأن تصبحي إمبراطورة فقط لأنك وُلدتِ في أسرة عريقة… أليست تلك أمورًا كان يجب أن تكون لي أنا؟ ألا ترين أن الأمر مضحك؟”
وجه ليليانا، الذي اعتادت كلير أن تراه دومًا يبتسم بود، بدا الآن مثل وجه شيطان قاسٍ.
“كان من الممتع حقًا أن أراكِ وأنتِ تزحفين كحشرة، أيتها الإمبراطورة الموبوءة. مؤسف أن يكون هذا هو المشهد الأخير.”
ارتعشت كلير بجسدها، ومدّت يدها المرتجفة لتخدش وجهها بلا وعي. كان ذلك رد فعل اعتادت عليه كلما سمعت كلمة “موبوءة”.
“أ، أنتِ… تعلمين… أنني… مصابة… بمرض…”
“ههه! ماذا؟ مرض؟”
كررت ليليانا كلماتها بسخرية، ثم أطلقت ضحكة خفيفة.
وفي تلك اللحظة، شعرت كلير أن عينيها غشيهما بياض كامل. هل هذا يعني أن جلدها المتعفن لم يكن مجرد مرض؟ ما الذي يحدث بحق السماء؟
وبينما كانت غارقة في صدمة أفكارها، خطفت ليليانا يدها فجأة وانتزعت قفازها.
“أعيدي… أعيدي القفاز…!”
“حتى وأنتِ تحتضرين، لا زلتِ تتصنعين. مقزز حقًا.”
قالت ببرود، قبل أن تلقي القفاز بعيدًا باستهزاء. شهقت كلير برعب، وعيناها تملؤهما الفزع.
“حين تموتين، سأقيم أنا وإيموس زفافًا فخمًا.”
“ماذا…؟”
“في أحشائي طفل منه.”
وضعت يدها بحنان على بطنها المسطحة، وكأنها تعتز بجنينها.
ارتجف عقل كلير من وقع الكلمات الصادمة. صديقتها العزيزة التي اعتبرتها أثمن من حياتها خانتها، بل وتجرأت على خيانتها مع زوجها وإنجاب طفل منه.
“هذا كذب… أ… أخي… حين يعلم… لن يترككما أبدًا…!”
صرخت بصوت مخنوق بالدموع، لكن ليليانا لم يطرف لها جفن.
“أتظنين أن ديتريش لا يعرف؟”
ازداد وجه كلير شحوبًا حتى صار كالجليد، وارتجف جسدها. لم يكن ذلك مرضًا هذه المرة، بل ألم الخيانة الذي كان أشد فتكًا، كأن روحها تُحرق ببطء.
“أنتِ شيطانة! لستِ قديسة… بل شيطانة!”
“أوه، كلير. عليكِ أن تختاري كلماتكِ بدقة. كل ما حدث سببه غباؤكِ أنتِ.”
انهارت دموعها غزيرة من عينيها، وسقطت بتعاسة.
“لماذا… لماذا فعلتِ هذا؟! كان بإمكانكِ… أن تُخفي الأمر حتى أموت… كان أفضل لو رحلتُ من دون أن أعرف الحقيقة!”
بكلماتها المتهالكة، انفجرت ليليانا ضاحكة بقسوة.
“أتظنين أنني سأدعكِ تموتين بسلام؟ كم كان مثيرًا للسخرية أن تتصرفي كإمبراطورة عظيمة، وأنتِ مجرد موبوءة. القفازات؟ انظري إلى جلدكِ… أشبه بقشرة شجرة متعفنة.”
“……!”
“بطلة النبوءة لم تكن أنتِ، بل أنا. حيّة أو ميتة، ستظلين طَوال حياتكِ تزحفين تحت قدميّ، تعيشين في جحيم أبدي.”
كانت كلمات ليليانا القاسية كالشرارة التي أضرمت النار في قلب كلير. لم يكن بوسعها أن تغفر لتلك المرأة التي لبست قناع القديسة بينما كانت مجرد شيطانة، ولا أن تغفر لنفسها لأنها كانت غبية كفاية لتظنها صديقة.
مدّت كلير ذراعها المرتعشة وأمسكت بمعصم ليليانا.
“أيتها اليد القذرة… ماذا تفعلين؟! اتركي يدي حالًا!”
نظرت إليها ليليانا باشمئزاز، كما لو أنها تنظر إلى حشرة.
لكن كلير ابتسمت بسخرية، فقد كان وجه ليليانا في تلك اللحظة نسخة طبق الأصل من وجه زوجها إيموس حين كان يزدريها.
كان سرّ كلير، الذي لم يعرفه سوى والديها، هو قوتها المخفية. لطالما حاولت إخفاءه ولم تستعمله قط، لكنه كان الآن سلاحها الوحيد: قدرتها على قراءة ذكريات الآخرين بمجرد لمس بشرتهم.
“أيتها… الوغدة! أطلقي يدي حالًا!”
صرخت ليليانا وهي تشد شعر كلير بعنف.
“آه!”
ضربتها بيدها بقسوة، لكن كلير لم تتراجع.
وبينما تمسكت بجلدها، انكشفت أمام عينيها ذكريات واضحة، وكأنها أعادت الزمن إلى الوراء. كل الأفعال الخبيثة، كل الخيانات، خاصة المشاهد المقززة التي جمعتها بإيموس… كانت من الانحطاط بحيث جعلت معدة كلير تنقلب.
رفعت رأسها ببطء، عيناها البنفسجيتان تلمعان بجنون.
“أنتِ… لستِ قديسة حقيقية، أليس كذلك؟”
هيما: رواية جديدة ~
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 1"