6
الفصل السادس
“أيُّ كلامٍ طائش هذا؟ ثم إنّ قولك يُوحي أنك تعلمين من أول الأمر غايةَ فرسان هيكل الصقيع.”
“الأمر معقد، لكن لنفرغ من هذه المعضلة أولاً ثم نُفصّل. ثم إن أولئك القوم لا يعرفون إلا كونك دركايد، أما اسمك الحقيقي فلا يدرون به. ولو عرفوه لما جاءوا بعشرين فارساً فقط، إلا إن كانوا يتمنّون لقاء حتفهم. فبذلك لا حاجة بك لقتلهم لكتم الأسرار.”
اتسعت عينا آيريس دهشةً.
“وأنتِ…؟”
“أنا ماذا؟”
“أتعرفين اسمي؟”
ابتسمت ميريا بعينيها نصف الهلال وقالت:
“لو لم أعرفه، فما الذي جاء بي إلى هنا؟”
ردّت بخفة، فما كان من آيريس إلا أن صوب نصل سيفه إلى عنقها.
“أما تراكِ متهورةً في قولك وفعلك؟”
فأجابته ميريا دون أن يبدو عليها خوف من تلك النية الدموية التي تفوح منه:
“أفستقتلني أيضاً؟ لتكتم السر؟”
أمالت عنقها نحو السيف حتى انشق جلدها الرقيق جرحاً دقيقاً.
“ما الذي تفعلينه؟”
“فلتقتلني إذن، ولننظر ما يحدث.”
اختفت التعابير من وجه ميريا حتى غدت مخيفة في برودها.
“أترينني أعجز عن ذلك؟”
“لا. أرى أنك رجل إن قال فعل. فهلمّ، افعل.”
“ألا تبالين بحياتك؟”
“بل أبالي.”
“وعلى ذلك لا أراكِ ترتعدين.”
“همم… ذاك لأنني لم أصل بعدُ إلى يقين، فأُجبرتُ على هذا الخيار.”
“ما مرادك؟ لا أفهم.”
ارتسمت على شفتيها قوس ابتسامة.
“كنتُ أود أن أعرف: ما صورةُ ذاتك الحقيقية، لا التي تُروى في الشائعات والأخبار؟ ما أفكارك، وما اختياراتك؟”
فرأى آيريس في بريق عينيها اللامعتين لمعةَ جنون.
“لستُ هنا لأُشبع فضولك.”
“أعلم. غير أنّ القدر ساقنا إلى اللقاء. فأنت تعلم اسمي، وأنا أعلم اسمك، فما يمنع أن نصبح صديقين، أو أن تتبدل علاقتنا إلى غير ذلك؟ وإن ملكتَ بدورك فضولاً تجاهي، فأنا راغبة أن أُجيبك عنه. فلا تدع الأمر يبدو كأني أنا وحدي أستمتع بفضولي. إن شئتَ، فلتسألني بلا حرج.”
ثم توقفت لحظة وأردفت:
“وأرى أن هذا من حقي.”
“حق؟”
“أجل، حق.”
قهقه آيريس ساخرًا من جرأتها.
“هاه! ومن الذي منحكِ هذا الحق؟”
“أنت.”
فلم يفهم مقصدها، ولم يدرِ كيف يرد. فاسترسلت ميريا تكمل:
“إذن، أول ما يثير فضولي: يا آيريس، أستقتل ميريا جانستر؟”
سكت آيريس.
“الأمر يسير. اختر بين اثنتين: إما تقتلني، أو لا. وأنا سأستخلص النتيجة. وحتى إن اخترت قتلي، فلا تشغل بالك، فلستُ أموت بتلك السهولة.”
‘إنها حقاً مختلة العقل.’ هكذا قال آيريس في نفسه، ثم كفكف سيفه بوجه متجهم. فقد أدرك أنّ الاسترسال في هذا الحوار لا يجلب إلا الخسران.
“حسناً. هاتِ ما خطتك.”
بدت راضية عن اختياره، انفرجت أسارير ميريا، وأشارت بيدها نحو الغابة.
“قلتُ لك: أستطيع أن أفتح لنا طريق الخلاص.”
فرفع آيريس حاجباً مستنكراً.
“أتريدين أن أعبر غابة المسوخ في هذه الحال؟”
“نعم، نعبرها، ولكن لا كما نحن الآن. فالفرسان لن يكترثوا بالمسوخ، بل سيتعقبوننا وحدنا. وهم أقدر على الغلبة في ذلك. فالأجدى أن نقلب الأمر لصالحنا…”
قاطَعَها آيريس قائلاً:
“إذن فلنقتلهم جميعاً. فما الحاجة إلى هذا التعقيد؟ أليس هذا أوثق السبل؟”
“أتقصد قتل عشرين فارساً دفعةً واحدةً؟”
زمجرت ميريا وقد ضاقت ذرعاً بتكرار قوله.
“تزعمين أنكِ تعرفين من أكون، أليس كذلك؟”
فرمقها بنظرة ثاقبة.
“إن كنت تعرفينني، لعلمتَ أن عشرين فارساً ليسوا عقبة أمامي.”
قالت:
“لكن توهّمتَ، فحضوري إلى هنا لم يكن لمساعدتك وحدك. بل لأمنعك من التهور واقتراف مجزرة.”
“ماذا تقولين؟”
“مهمتي أن أشغّلهم وأخلّصك بسلام، لا أن أساعدك فس ذبح عشرون فارساً. وأحب أن تنقضي هذه القضية بهدوء دون أن تتفاقم!”
ثم طعنت صدره بإصبعها قائلة:
“تملك قوةً تمكّنك من القتل، لكنك تملك أيضاً القوة لتمتنع عنه. فإذا اخترتَ أن لا تقتلني، فاختر كذلك ألّا تقتلهم.”
“بدأتُ أندم على ذلك القرار.”
تحدّقا بنظرات حادّة، حتى قطعت ميريا التوتر إذ أنزلت ما كانت تحمله على ظهرها.
“أنا أعلم خطتهم. ولي خطة بديلة.”
وكان ما أنزلته جهازاً يشبه النشاب. وقبل أن يتبين آيريس هيئته، انبعث في السماء عمود من نور، تفيض منه قوة ذهبية. فالتفّت التعويذات حول القرية طبقاتٍ طبقات، تشكّل جداراً حصيناً.
قالت ميريا:
“هكذا… أول خططهم أن يحجبوا عنك السحر، بنسج حاجز يتداخل مع جريان المانا، فيغلق القرية.”
فتمتم آيريس متنهداً وهو يرقب المشهد:
“ألم تخبريني بهذا عاجلاً؟”
“كنتُ مشغولة أجادلك، فَلُمْ نفسك! وكانت خطتي الأولى أن أمنع هذا.”
حشد آيريس المانا في كفيه، لكنها تفرقت ولم تنتظم في تعويذة. فزفر بضيق.
“والآن، أترغبين أن أُقاتلهم وجهاً لوجه وأنا عاجز عن السحر؟”
“لا بأس. سننتقل إلى الخطة الثانية!”
“خطة ثانية؟”
وقبل أن يُكمل، دوى طلق ناري، واخترقت رصاصة ما بينهما.
“وجدته!”
صرخ فارس يحمل بندقية، وفي اللحظة نفسها انقضّت عليه ميريا، فقطعت سلاحه نصفين.
وانقضّ آيريس بلا صوت، فجزّ ساقيه من الخلف، ثم غرز سيفه في كتفه حتى نَفذ إلى التراب. صرخ الفارس من الألم.
قال آيريس ببرود:
“لم أقتله.”
غطّت ميريا وجهها براحتها، تنظر إلى الرجل المتخبط ألماً:
“لكن… طلبتُ منك ألّا تقتلهم، وهذا؟!”
“تحاشيتُ الشرايين الكبرى. إن عُولج سريعاً فلن يموت.”
غير أن بقية الفرسان اندفعوا غاضبين لرؤية صاحبهم صريعاً.
“أيها الوغد!”
قال آيريس لميريا متذمّراً:
“يبدو أنّا سنخترقهم عنوة.”
لكنها لم تجب، بل هاجمت. صدّت سيف فارس بيسراها، ثم عاجلته بمقبض يمناها على صدره فصرعته. وأرسلت نصلها تتلوى على الثاني، فخلعت مرفقه، حتى سُمع صوت العظم وهو ينفك.
فتمتم آيريس مذهولاً:
“وتلومينني وأنتِ أدهى؟”
أما هي فقد غرست سيفها في أوتار ركبة ثالث، وركلت بندقيته بعيداً. عندها همّ آيريس أن يقف متفرجاً، فإذا به يلمح خيالاً خلفه، فتفادى الطعنة، وقطع ذراع خصمه.
وتقاتل مع آخر، لكن سيفه المهترئ تحطم من كثرة الضرب.
“تبّاً، خردة كهذه لا تصلح!”
رماه أرضاً، وأضحى أعزل بين ثلاثة، لكن الغريب أنّه لم يشعر بخطر.
“خذ هذا!”
رمَت إليه ميريا ببندقيتها.
“لا أجيد الرماية!”
لكنه حشا الرصاص وأطلق على أقربهم، فضاعت الطلقات الثلاث.
“أخطأتِ! أردتُ سيفاً لا بندقية!”
فترك الرماية، وضربهم بمؤخرة البندقية. فاشتد الالتحام، وتناوشوا بالسيوف مخافة أن تُصيبهم نيران صديقة.
وبعد حينٍ قصير، كان أكثر من عشرة فرسان مطروحين أرضاً. تقدمت ميريا لاهثة نحو آيريس الذي بقي واقفاً. ثم نظرت إلى فارس وجهه مسحوق مدمى تحت قدميه، وسألته بفضول حقيقي:
“لِمَ كنتَ تحمل بندقية في النهار؟”
“احتياطاً للطوارئ.”
فناولته ميريا أحد سيفيها:
“ليس عندي سلاح بديل. هو متوافق مع طاقتي فلا تنتفع به تماماً، لكن استعمله وأعده إليّ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"