“لو أن الذكريات يمكن أن تُمحى كما يغسل الغبار، لكان الأمر رائعًا.”
تلاشى حديثها الموجه إلى نفسها، الذي لم يكن ليستمع إليه أحد، وسط صوت المياه المتلاطمة.
فتحت “جايين” عينيها بعد أن كانتا مغمضتين، ومسحت وجهها بيد مبللة،وكأنها تحاول غسل الذكريات التي ترغب في نسيانها، مرة تلو المرة.
لكن تلك الذكريات التي التصقت بعناد لم تتحرك من مكانها قيد أنملة.
……………
كان “دان تيمو” يسير في الممر حين لمح أربع وصيفات مجتمعات أمام إحدى الغرف، فبطأ خطواته.
لم يكنّ يدرين أنه يقترب، إذ كن مشغولات بالثرثرة.
“ما الأمر هنا؟”
التفتت الوصيفات بسرعة بعدما أدركن وصوله، واصطففن في خط مستقيم منحنِيات الرأس.
“سموك ولي العهد.”
“لماذا تتركن سيدتكن وحدها وتقفن أمام الباب للدردشة؟”
لم تكن نبرته توبيخية، بل جاء سؤاله هادئًا، بل وفيه لمحة ود.
إحدى الوصيفات، وقد تذكرت لطف ولي العهد، تجرأت قليلًا وقالت:
“يبدو أن سموّ وليّة العهد لا ترغب في أن نقوم بخدمتها.”
غزتها الوصيفة التي بجانبها بكوعها في خاصرتها.
فرمقتها تلك نظرة مستاءة وكأنها تقول: “وهل قلتُ شيئًا خاطئًا؟” وهي تبرز شفتها السفلى.
ألقى “دان تيمو” نظرة فاحصة عليهن واحدة تلو الأخرى. كن جميعًا يرتدين الجاكيت الأخضر.
الوصيفات في القصر يرتدين ورديًا باهتًا أو أخضر أو أزرق وفقًا لسنوات خدمتهن، وهذا اللون كان يخص الوسطيات منهن.
وكان من المتوقع أن تكون هناك وصيفة عليا ترتدي الأزرق الداكن لخدمة وليّة العهد، لكن “دان تيمو” استبدلهن جميعًا في اللحظة الأخيرة.
فلو كانت الملكة ذات الطبع الحريص، لأدخلت إحدى وصيفاتها المواليات إلى خدمة وليّة العهد.
ولهذا السبب لم تكن الوصيفات اللواتي تم إرسالهن فجأة إلى جناح وليّة العهد يمتلكن خبرة الوصيفة العليا.
حتى إنهن تجرأن على التحدث عنها أمام ولي العهد.
“لا ترغب في أن تُخدَم؟ ولماذا تظنين ذلك؟”
“حاولنا مساعدتها في تبديل ثيابها لكنها قالت إنها ليست بحاجة، وحتى حين عرضنا مساعدتها في الاستحمام، طلبت منا المغادرة. يبدو أن سمو وليّة العهد القادمة من الإمبراطورية لا ترغب حتى بلمسة منّا.”
“أون جينا!”
نادت الوصيفة التي بجوارها اسمها بنبرة لوم،
لكن “أون جينا” اكتفت بإبراز شفتيها متجاهلة نصيحة زميلتها.
ظل “دان تيمو” يحدّق بصمت في الباب المغلق.
حتى في وقت سابق من اليوم، كانت قد صرفت الوصيفات وبدّلت ملابسها وحدها.
لماذا؟
تملكه فضول مفاجئ. ضيق عينيه قليلًا غارقًا في التفكير، قبل أن يقول بنبرة لينة:
“يبدو أن هناك سوء فهم. ربما أرادت بعض الوقت بمفردها لأنها متوترة في هذه البلاد الغريبة. سأدخل وأتحدث معها.”
“… نعم، سموك.”
حتى “أون جينا” التي كانت ترد ببرود قبل لحظات، انحنت له باحترام.
ابتسم “دان تيمو” ابتسامة خفيفة للوصيفات ومضى بخطواته. بدا أنه سيتعين عليه جلب وصيفة عليا لإدارة شؤونهن.
لكن، هل هناك من يناسب ذلك؟
وحين دخل الغرفة، فُتح باب الحمام في الداخل وخرجت “جايين”.
كانت تجفف شعرها المبلل بقطعة قماش، لكنها توقفت لحظة حين رأت “دان تيمو”.
التعبير الذي كان قد لان قليلًا على وجهها تجمّد من جديد.
انزلقت عيناه ببطء من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها، وارتفع حاجب واحد.
“يبدو أن هذا زي نوم من الإمبراطورية؟”
كان بصره قد وصل إلى قدميها ثم توقف عند ثياب النوم.
كانت ترتدي ثوب نوم من بلدها، ضيقًا ويلتصق بجسدها، بدلاً من الثوب الفضفاض الخفيف الخاص بـ”ليو”.
التعليقات لهذا الفصل " 9"