كانت تلك مسيرة ولي العهد وزوجته. كان الخدم في القصر يصطفون خلفهما على شكل صف طويل.
بالنسبة لجايين، لم يكن هذا أمرًا مألوفًا. كانت تستشعر كل الأعين المراقِبة وتتحسس خطواتها، تخشى أن ترتكب أي خطأ مهما كان صغيرًا.
كان شعورها أشبه بأن أعصابها تتمزق وهي تبذل جهدها للتركيز على كل تفصيلة تافهة.
“لقد وصل سمو ولي العهد وسمو ولية العهد.”
قال خادم القصر الذي كان يحرس الباب، بصوت منخفض وهو يوجه حديثه إلى داخل الغرفة.
الملك والملكة.
حاولت جايين أن تستعيد صورة لقائهما التي رأتهما فيها أثناء حفل الزفاف، لكنها فشلت.
ففي ذلك الوقت لم يكن لديها أي مجال للاهتمام بهما، إذ كان مجرد رفع رأسها في وجه كل تلك النظرات المنصبة عليها أمرًا مرهقًا بحد ذاته.
“يجب أن أربط الزر الأول جيدًا. لا يجب أن أبدو أبدًا سهلة المنال.”
تمتمت جايين بآخر عهد لنفسها، ثم أخذت نفسًا هادئًا.
“لقد جئتما.”
رفعت الملكة حاجبيها وهي تضع فنجان الشاي جانبًا.
جالت جايين ببصرها في أرجاء الغرفة ببطء. كان هناك خمسة أشخاص جالسين على الكراسي: الملك، الملكة، رجل في منتصف العمر، رجل شاب، وامرأة تصغر جايين سنًا.
“تفضلا بالجلوس.”
قالت الملكة وهي تعرض عليهما الجلوس، وكأنها هي صاحبة هذا المكان بحق.
أما الملك، الذي جلس في صدر المجلس، فكان أشبه بكيس شعير وُضع في غير موضعه.
وبصوت هادئ لكنه مفعم بالسلطة، قدّمت الملكة الحاضرين:
“هذا هو مون سون غون، شقيق جلالته الأصغر، وهذا آن بوك داغون، شقيق ولي العهد الأصغر، وهذه الأميرة سوهوا، شقيقة ولي العهد الصغرى.”
أدت جايين التحية للملك والملكة، ثم نظرت تباعًا إلى الثلاثة الآخرين.
كان الملك، كما قيل عنه، ذا ملامح وديعة وهادئة، بينما كانت الملكة جميلة بشكل لا يتناسب مع السمعة المرعبة التي تسبقها.
ابتسم مون سون غون وأومأ برأسه بخفة، أما آن بوك داغون فاكتفى بإيماءة صغيرة غير مبالية.
أما الأميرة سوهوا فقد أدارت وجهها عنها ببرود.
“لن يكون الأمر سهلاً.”
كان كل هذا غريبًا ومخيفًا لجايين، التي قضت معظم حياتها شبه حبيسة في مقرها المنعزل.
فمجرد الوجود وسط غرباء كان أمرًا مربكًا لها.
كانت تشعر أن كلمة واحدة خاطئة قد تفضح حقيقتها… تلك الفتاة الضعيفة التي لم تكن تجرؤ على رفع رأسها أمام أبيها، وترتجف خوفًا.
أرادت العودة إلى مقرها، إلى ذلك المكان الذي لا يقترب منه أحد ولا يتطفل عليه أحد.لكنها لم تستطع الهرب. رفعت ذقنها متعمدة، وأدّت دور المرأة الواثقة.
وفجأة، تذكرت صورتها في المرآة قبل قليل، وجهها الشاحب لدرجة قد يستخف به حتى طفل صغير.
ضغطت عينيها بقوة، وشعرت بشيء من الثقة يعود إليها.
وقبل أن ينطق الملك، سبقت الملكة بالكلام، وعيناها الكبيرتان تتجهان نحو جايين:
“ولية العهد، أهنئك على زواجك. فلنحرص على أن نلتقي كثيرًا من الآن فصاعدًا ونعزز روابط الود بيننا كأم وزوجة ابن. فأنا سيدة هذا القصر، أليس كذلك؟”
ها.أخفى دان تيمو سخرية قصيرة وهو يرفع فنجان الشاي إلى فمه.
لقد كان يرى بوضوح النوايا الخفية وراء كلمات الملكة، رغم مظهرها الودود.
“ها هي تمد مخالبها بالفعل… لا بد من الاعتراف بأنها سريعة الاندفاع.”
رسمت الملكة ابتسامة تنتظر بها رد جايين، لكن الأخيرة لم تقل شيئًا.
لم تكن تعرف ماذا يجب أن تقول في مثل هذه اللحظات.
الملكة كانت ماهرة ومتمرسة، وجايين لم تكن تريد أن تكشف لها عن سذاجتها.
فبمجرد أن تتهاون للحظة، سيتحدد ترتيب القوى بينهما، وغالبًا ما ستكون هي الطرف الأضعف.
اختارت الصمت بدلًا من الرد، خشية أن ترتجف نبرتها كما كانت ترتجف أمام أبيها.
تظاهرت ببرود وكأنها ابنة إمبراطور عالية الشأن، تنظر للأمام دون أن تحرك وجهها.
على الأقل، كان ذلك كفيلًا بأن يضمن لها نصف المعركة.
أوه، وعليها ألا تنسى أن تبقي عينيها مشدودتين.
“يبدو أن ولية العهد متوترة جدًا. نحن الآن بين العائلة فحسب، فلنحتس الشاي براحة.”
“نعم.”
أجابتها جايين بإيجاز، فاختفت ملامح الابتسامة من وجه الملكة قليلًا.
كانت قد توقعت أن تسمع منها جملة ودودة إن لم تكن لطيفة، لكن عينيها أصبحتا أكثر حدّة على الفور.
“يبدو أنك ذات طبع صامت للغاية. أم أن جميع أهل الإمبراطورية مثلك متعالون؟”
“…”
كان سؤالها يطلب جوابًا صريحًا، لكن جايين تمسكت بصمتها مجددًا.
عندها، لم تتحمل الأميرة سوهوا فهاجمتها بحدة:
“هل تتفاخرين بكونك ابنة الإمبراطور منذ الآن؟ أم أنكم في الإمبراطورية لا تعلمون الناس الأدب؟ تذكري أنكِ لستِ في الإمبراطورية الآن، بل في القصر الملكي لمملكة ريو.”
ارتجفت كتفا جايين قليلًا تحت وقع هذا التوبيخ الحاد كالإبرة.
لكنها سرعان ما شدّت عينيها مجددًا حتى لا يظهر ارتباكها.
“من الأفضل أن يُنظر إلي كوقحة، على أن يُنظر إلي كضعيفة.”
في تلك اللحظة، تحدث دان تيمو بصوت هادئ وهو يخاطب أخته:
“الأميرة سوهوا.”
فأجابت مترددة:
“نعم، سمو ولي العهد.”
كانت نظرتها المتجهمة تشبه تمامًا طفلًا غاضبًا.
“على الرغم من مظهرها، فإن زوجتي خجولة للغاية. حين نكون بمفردنا، تتحدث جيدًا وتضحك أيضًا، لكن أمام الآخرين سرعان ما تلتزم الصمت. ما زالت تشعر بالغربة هنا، فأتمنى أن تتفهمي ذلك.”
“؟”
عند سماع الكلمات التي جاءت من جانبه، اتسعت عينا جايين فجأة.
تتحدث جيدًا وتضحك أيضًا؟ من؟ أنا؟ … أيمكن أنه قد رآها سهلة المنال بالفعل؟
بدا الاضطراب واضحًا في عيني جايين، لكنها ما إن أدركت أن نظرتها قد تراخت حتى سارعت إلى شد عينيها مجددًا.
بـق.
أدار دان تيمو رأسه ببطء نحوها والتقت عيناه بعينيها، مبتسمًا بدفء.
هذه المرة، كان الارتباك الخفي خلف قناع جايين اللامبالي ظاهرًا تمامًا.
“لا بأس، يا زوجتي. ستعتادين على الأمر مع الوقت.”
لم تقل جايين شيئًا. بل الأصح أنها لم تستطع أن تقول شيئًا.
أين بدأ الخطأ بالضبط؟
وبينما كانت شاردة وقد فقدت كلماتها، ارتسمت على شفتي الملكة ابتسامة ساخرة.
“يبدو أنكما على وفاق شديد، يا ولي العهد. من يراكما يظن أنكما تعيشان معًا منذ سنوات.”
“شكرًا على حسن ظنكِ. سأقتدي دائمًا بكما، وأتمنى أن نعيش معًا عمرًا مديدًا كسعادتكما.”
قطبت الملكة جبينها أخيرًا، والتفتت نحو الملك بنظرة غير راضية.
“جلالتك، ألا تود أن تقول شيئًا أيضًا؟ ألا يجدر بك أن تقدم على الأقل تهنئة لابنك وزوجته؟ إن لا مبالاتك هذه ستجعل ولي العهد يشعر بالاستياء.”
“لا، أبدًا، لن أشعر بالاستياء مطلقًا. فأنا أعلم جيدًا كم يكن لي والدي الملك من مودة خاصة، حتى لو لم يقل ذلك بلسانه.”
أجاب دان تيمو بهدوء وهو يضع فنجان الشاي جانبًا.
ازدادت ابتسامة الملكة عمقًا قليلًا، لكن عينيها لمعتا بسخرية خفية.
“من السهل معرفة عمق عشرة أذرع في الماء، لكن من الصعب معرفة باطن شخص بعمق ذراع واحد. ومع ذلك فأنت تعرف حتى ما في قلب جلالته الذي لم يقله… هذا حقًا مدهش يا ولي العهد.”
“وأنا أعرف أيضًا ما في قلب جلالتي الملكة، فلا تحزني كثيرًا.”
“حقًا؟ وما الذي في قلبي إذن؟”
حدّقت الملكة في دان تيمو بعينين ضيقتين كأنها تسمع قصة مسلية.
كان حديثهما أشبه بساحة معركة تتطاير فيها رماح وسيوف خفية.
ارتجفت جايين لا إراديًا وهي تنظر إلى الابتسامات الناعمة المرسومة على شفاههما.
هل يمكن أن أهزمهما مهما حاولت؟
فقدت ثقتها فجأة.فهي أساسًا ليست بارعة في الجدال، ولم تدخل في شجار قط.
في مقرها المنعزل، لم تكن ترى سوى أمها اللطيفة وقلة من خادمات القصر، فلم يكن هناك مجال للشجار.
وفوق ذلك، كانت ضحية إساءة، ولم تجرؤ يومًا على معارضة والدها.
وحين وصلت إلى هذا الحد من التفكير، خشيت أن يُكشف ضعفها، فعادت تشد وجهها بتوتر، وضغطت عينيها بقوة، تحدق في الأرض وكأن عدوها اللدود يقف هناك.
بهذا، على الأقل، لن تبدو ضعيفة.
“أليست جلالتكِ الملكة تفكرين بي كثيرًا أيضًا؟ سمعت أنكِ كنتِ من أشد المؤيدين لهذا الزواج. وبفضلكِ حصلت على زوجة جميلة كهذه، فليس لي إلا أن أشكركِ على فضلكِ العظيم.”
جميلة؟
قبضت جايين على طرف تنورتها بقوة حتى لا يظهر ارتباكها.
“يا لها من كلمات لطيفة. شكرًا لك، يا ولي العهد.”
ابتسمت الملكة برفق، لكن قلبها كان مليئًا بالكراهية لدان تيمو.
وُلدت بايك هوا ران ابنة كبرى لعائلة نافذة، وصعدت طبيعيًا إلى مقعد الزوجة الرئيسة.
أما دان تيمو، فكان شوكة في عينها.
كانت تعرف أن تحت ابتسامته اللطيفة، يخبئ مخالب حادة.قد يمدحه العميان على لطفه، لكن لا يمكنه خداع عينيها.
هي تعرف جيدًا أن المعادلة بسيطة: إن لم تقتله، فسيقتلها.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ملتوية.
أما الآخرون، فبدوا معتادين على الوضع، يحتسون الشاي ويتبادلون الأحاديث الصغيرة، دون أن يجرؤوا على التدخل في معركة الاثنين.
عندها، فتح الملك الصامت فمه بحذر، وكان صوته رقيقًا كما يوحي مظهره.
“أهنئك بزواجك، يا ولي العهد.”
“شكرًا لك، يا والدي الملك. تهنئتك تزيد من فرحتي.”
ابتسم دان تيمو ابتسامة مشرقة كالصورة وهو يؤدي التحية.
حتى جايين، التي كانت تحدق أمامها في صمت، أومأت برأسها قليلًا.
شدّت الملكة شفتيها بهدوء وهي تلقي نظرة جانبية على جايين.
ابنة إمبراطور الإمبراطورية…
حتى وإن كانت “أميرة محتقرة”، فهي أميرة في النهاية.
إن استطاعت أن تضمها إلى جانبها، فقد تنفعها في المستقبل.
وإذا ما اضطرت يومًا إلى مواجهة دان تيمو وجهًا لوجه، فإن الاستناد إلى الإمبراطورية سيكون مكسبًا لا يضاهى.
حتى لو لم يكن ذلك، فهي زوجة دان تيمو، المرأة التي تشاركه أكثر لحظاته خصوصية.
إمكانية استغلال جايين لا حصر لها.
وقطع رأس ولي العهد وهو نائم لن يكون بالأمر الصعب حينها.
بقيت نظرة الملكة المليئة بالرضا على وجه جايين لوقت طويل.
عيناها المزدوجتا الجفن انحنتا برقة.
قد تبدو شامخة الأنف، لكنها في النهاية أميرة مدللة، وفتاة صغيرة سقطت وحيدة في بلد أجنبي.
إغواؤها سيكون سهلًا كأكل الحلوى.
ابتسمت الملكة بثقة وهي ترفع طرف شفتيها الحمراء.
أما دان تيمو، فكان يراقبها بعينين نصف مغمضتين، وكأنه يرى بوضوح ما تفكر فيه.
لم تمد يدها إلى زوجتي بعد… إذن ربما من الأفضل أن أسبقها إلى كسب زوجتي في صفي.
في أحلامهما المختلفة، ارتشف الاثنان الشاي بهدوء.
خلال ذلك، تقدم مون سون غون وآن بوك داغون لتحية العروسين.
“أبارك لسمو ولي العهد وسمو ولية العهد زواجهما. إنه يوم مبارك للأسرة الملكية.”
“أبارك لك، أخ
ي.”
أما جايين، فبقيت تحدق في الأرض، متمنية أن ينتهي هذا الوقت بسرعة.
لم يكن لعب دور أميرة الإمبراطورية المعتزة بنفسها بالسهولة التي تخيلتها.
فقد شعرت طوال اليوم أن عينيها ستسقطان من شدة شدّهما، لكنها صمدت بكل ما تستطيع، دون أن تظهر ضعفها.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات