لم يُقم حفل الزفاف في الإمبراطورية، بل في قصر مملكة ريو.
حتى الإمبراطور، الذي كان قد أعلنها ذات يوم بأنها ابنته المفضلة، لم يرسل لها رسالة تهنئة.
كانت جايين تعلم أن لا مبالاة الإمبراطور هذه ستجعل موقفها أضعف في القصر، لكنها لم تكترث.
مهما كانت المصاعب التي قد تواجهها، فلن تكون أسوأ من الأيام التي قضتها تحت تعذيب والدها.
أخذت نفسًا عميقًا، متعمدة رفع كتفيها، ثم قبضت ببطء على يدها.
عادت إلى ذاكرتها نظرات الاحتقار التي كانت تلمع في عيون وصيفات القصر قبل قليل. لم يكن مستغربًا.
فقد طلبت منهن جميعًا مغادرة الغرفة، مُصرة على تبديل ملابسها بنفسها. ومن وجهة نظرهن، كانت جايين قد أهانتهن.
“كل ما في الأمر أنني لا أريد أن يرى أحدٌ الندوب على ظهري.” همست بمرارة، فكان لصوتها صدًى بارد في الغرفة الخالية.
كان وجهها أمام وصيفات القصر باردًا ومتجمدًا، لكنه الآن بدا مختلفًا تمامًا.
لم تكن ترغب في أن يكتشف أحدهم آثار السوط الذي خلّفه الإمبراطور على ظهرها.
لم تكن تريد لأي أحد أن يعلم بأنها ترى المستقبل أيضاً. لم تكن ترغب في أن تعود لتكون دميةً لشخص آخر مجددًا.
“أريد فقط… أن أعيش حياة عادية.” كأي شخص آخر. لم تعتقد أن ذلك طموحٌ مبالغ فيه. لكنها لم تملكه قط.
“إن كانت هذه هي الفرصة الثانية التي منحت لي، فلا أريد أن أضيعها.” دان تاي مو. تذكرت وجه الرجل الذي أصبح زوجها دون أن يُمنَحَ لها أي خيار.
حتى لو رفضت، لم يكن زواجها هذا ليُلغى. ومع ذلك، لم تعارض، بل استسلمت للأمر فوراً.
فلماذا ترفض الفرصة الوحيدة التي قد تخلصها من قبضة والدها؟ ومع ذلك، بدأت تساورها الشكوك بأنها ربما لا تختلف كثيرًا عن والدها.
“كم أنا أنانية. يبدو أن الدم لا يكذب حقًا.” في تلك اللحظة، جاءت أصوات همسات من خارج النافذة المفتوحة.
“لم نشهد زفافًا فخمًا كهذا منذ زمن.” كانت نبرة الصوت شابة، ملأى بالفضول. لا بد أنها كانت وصيفة صغيرة تتبادل الأحاديث.
“من أين أتوا بكل هذا الحرير؟ إنه رائع حقًا. يا ترى، كم ستكون سعيدة الأميرة التي ستُزف اليوم؟”
“أميرة؟ يبدو أنكِ لا تعرفين شيئًا.” ردّت الفتاة الأخرى بتنهيدة مفرطة في التفاخر.
“ماذا تعنين؟ ما الذي لا أعرفه؟” تابعت الفتاة الفضولية بسؤال بريء. الفتاة الأخرى، التي بدا واضحًا أنها تستمتع بدورها كصاحبة الأسرار،
تنهدت بقوة قبل أن تبدأ بالكلام. “صحيح أنها أميرة، لكنها أميرة منبوذة.”
“أميرة منبوذة؟ تقصدين خطيبة ولي العهد؟ أليس والدها الإمبراطور نفسه قد قال بأنها ابنته المفضلة؟”
جايين ابتسمت بسخرية عند سماع لقبها القديم بعد طول غياب.
“هي ابنة لإحدى محظيات الإمبراطور التي لم تحظَ أبدًا بشرف دخول القصر الداخلي.”
“بل إنها نشأت في جناحٍ مهجور في أحد الأركان البعيدة من القصر. زواجها هذا؟ ليس إلا وسيلة لتجاهلنا وإهانتنا.”
“لكن، لماذا وافق جلالة الملك على هذا الزواج؟”
“أليس واضحًا؟ إنه لا يريد الدخول في حرب مع الإمبراطورية.”
“آه… هذا منطقي.”
“ليس ذلك فحسب.” خفضت الفتاة التي تدعي المعرفة صوتها وكأنها تروي سرًا خطيرًا. “ليس ذلك فحسب؟”
“تقول الشائعات إن جلالة الملكة كانت هي من دفعت بهذا الزواج قدماً، بل وأصرّت عليه.”
“الملكة؟”
“نعم. لقد رأت جلالة الملكة أنه من الأفضل أن يتزوج ولي العهد من فتاة بلا نفوذ في الإمبراطورية، بدلاً من أن يرتبط بابنة عائلة قوية هنا.”
“لكن لماذا؟”
“أوه، يا لكِ من جاهلة. هل ما زلتِ لا تفهمين؟” ألقت الفتاة الأخرى بتعليق ساخر، لكنها أسرعت بإكمال كلامها قبل أن تتلقى اعتراضاً.”
“الملكة تريد أن تمنح العرش لابنها، الأمير أنبوك، بدلاً من ولي العهد.”
“لو تزوج ولي العهد من فتاة تنتمي لعائلة ذات نفوذ، فسيتعزز موقفه بشكل أكبر، أليس كذلك؟”
“لهذا السبب تحاول الملكة تقييده.”
“آه…” انخفض صوت الفتاة العالمة شيئًا فشيئًا.
“هل تعلمين أن قتلة تسللوا إلى جناح ولي العهد أكثر من مرة؟ الجميع يعلم أن من يقف وراء ذلك هو الملكة.”
“يا إلهي! هذا فظيع! كيف يمكنها فعل ذلك؟ إنهما عائلة واحدة!”
“من أجل العرش، قد يرفع الإخوة السلاح ضد بعضهم البعض، فما بالك بابن زوجة أخرى؟ آه، سيدعوننا قريبًا. هيا بنا نذهب!”
“يا ويلي، ظننت أننا نتحدث لدقائق فقط، لكن يبدو أننا تأخرنا كثيرًا. سنُوبَّخ، لنسرع!” ثم تلاشت أصوات الفتاتين مع خطواتهما الخفيفة التي ابتعدت بسرعة.
عندها فقط، أدركت جايين السبب الحقيقي وراء إتمام هذا الزواج. صراع ولاية العهد بين ولي العهد والملكة.
“يبدو أنني سأجد نفسي وسط هذه العاصفة قريبًا.” في اللحظة التالية، شددت جايين على شفتيها.
بعد وفاة والدتها، لم يتبقَ لها أحد لتحميه. وهذا يعني أنها لم تعد مضطرة لتحمل المزيد، ولم تعد مجبرة على الصبر أكثر.
لذا، من هذه اللحظة، ستعيش من أجل نفسها فقط. “حتى لو أصبحتُ سيئة السمعة كألدّ الشريرات… لا بأس. سأعيش لأنانيتي.”
لن تدع أحداً يدوسها مجددًا. ستصبح شخصاً مختلفًا كليًا. “نعم، سأكون كذلك.” تمتمت جايين بهذه الكلمات بصوت مسموع،
وكأنها تلقي عهداً على نفسها. ثم، ولأول مرة منذ زمن طويل، فردت كتفيها المتيبسين بشكل واعٍ.
وعندما بدأت عيناها البنيتان تتلألأان ببريق خافت… طق طق. سمعت طرقًا خفيفًا على الباب.
استدارت جايين بوجه خالٍ من التعابير. لابد أنهن الوصيفات اللواتي طردتهن قبل قليل. “لقد انتهيتِ من ارتداء الملابس، لذا اسمحي لنا بأن نساعدكِ في…”
لكن جايين قطعت حديثها فجأة، وتوقفت عن الكلام. الرجل الذي دخل الغرفة لم يكن وجهًا غريبًا عليها.
بل كان وجهًا غير مرحب به. رسمت جايين ابتسامة مائلة على شفتيها الحمر، ثم قالت بنبرة باردة
“من يكون هذا؟ إنه سيف جلالته الشهير، أليس كذلك؟” كان ذلك الحارس الشخصي للإمبراطور،
ظله المرافق، الرجل الذي لا يحمل اسمًا ولا لقبًا. بابتسامة جانبية خفيفة، رفعت جايين حاجبها.
“أن تأتي أنت بنفسك إلى هنا، يبدو أن الشائعات عن كوني الابنة المفضلة لجلالته لم تكن أكاذيب بعد كل شيء. مع أنني لم أتلقَ حتى رسالة تهنئة، إلا أن هذا الاستقبال مبهر.”
ظهر على وجه الحارس تعبير من الحيرة أمام نقد جايين المعتاد الذي لطالما تحمّلته بصبر. لكن سرعان ما أعاد الحارس ملامحه الجامدة وتحدث ببرود،
بصوت جاف لا يحمل أي حرارة. “جلالة الإمبراطور أرسل وفد تهنئة لحفل الزفاف. لقد وصلوا في الوقت المحدد.”
“يا له من كرم بالغ يجعلني أبكي تأثرًا. أن يولي جلالته ابنته المحبوبة مثل هذا الاهتمام… إنه أمر يدعو للشكر.”
نظر الحارس إليها مطولاً، وكأن نظراتها الساخرة قد أربكته.
خط رفيع من التجاعيد ارتسم بين حاجبيه، كما لو كان ينظر إلى شخص آخر غيرها.
وبعد لحظة من الصمت، دخل في صلب الموضوع.
“سمعت أن جلالته أمر بإعادة جميع الخدم الذين جاءوا مع الوفد الإمبراطوري إلى بلادهم بعد انتهاء الزفاف.”
“خدم، ها؟ كنت أظنهم مراقبين، يبدو أنني كنت واهمة.” قالت جايين ذلك بابتسامة دقيقة،
وكأنها تسأله: هل أنا مخطئة؟ ثم توقفت فجأة. كان الحارس يحدق بها بنظرات مرتابة. اللعنة.
لم يحن الوقت بعد لتكشف عن كراهيتها للإمبراطور.
يجب أن تنتظر حتى تخرج من دائرة اهتمامه تمامًا، وعندها فقط ستبدأ بخنقه ببطء.
ستقطع أطرافه واحدة تلو الأخرى، وعندما يحين الوقت، ستغرس سكينها في قلبه النابض.
لذا، لم يكن هذا هو الوقت المناسب لتكشف عن أنيابها. كان عليها أن تخفي أنيابها داخل فمها، وتنتظر في هدوء.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم أجابت بصوت خافت، كما لو كانت قد اعتادت على الانكسار. “أعتقد أنني أصبحت عصبية دون أن أشعر، ربما لأن هذا الزفاف يُقام في أرض غريبة.”
“…”
“الناس يتهامسون عني بالفعل. من خلف النوافذ، لم يدركوا أنني أسمعهم وهم يشتمونني باعتباري الأميرة الإمبراطورية المنبوذة. قالوا إنني مجرد حجر شطرنج يُستخدم لإهانة ولي العهد.”
عند سماع شكواها، خفّت حدة نظرات الحارس. كان يدرك جيدًا أن الشخص الوحيد الذي رحّب بهذا الزواج هو الإمبراطور نفسه.
“ما الذي تعتقد أن عليّ فعله لأبقى حيّة هنا؟” لم يُجب الحارس. لم يكن ذلك لأنه لا يعرف الجواب.
بل لأنه ببساطة لم يكن مهتمًا بما إذا كانت ستبقى على قيد الحياة أم لا. وكأنها توقعت ذلك،
ارتسمت على شفتي جايين ابتسامة هادئة. في يوم من الأيام، ستغرس سكينًا في قلب هذا الرجل أيضًا.
ذلك الذي تجاوز مرحلة المتفرج وأصبح سيف الإمبراطور. ستحرص على أن ينال موتًا بائسًا هو الآخر.
قبضت على يدها في صمت، لكنها حافظت على ابتسامتها الباهتة. “سأعيش وكأنني ميتة. لن أزعج ولي العهد، وسأتنفس بهدوء، تمامًا كما فعلت مع جلالته. لذا، أبلغه رجاءً أن ينسى حتى اسمي.”
“…”
“سواء خسر ولي العهد صراع العرش، أو ساءت العلاقة بين الإمبراطورية ومملكة ريو، أول شخص سيتم إعدامه سيكون أنا. في النهاية، أنا ميتة بالفعل، أليس كذلك؟”
كان الحارس على وشك أن يقول شيئًا، حينما قاطعهم صوت مفاجئ. “ما الذي يدور بينكما حتى تطردي الوصيفات وتتحدثي بهذا القرب؟”
استدار كل من جايين والحارس في ذات اللحظة.
كان دان تاي مو يقف عند مدخل الغرفة، مسندًا كتفه إلى الحائط، ويداه معقودتان أمام صدره، وعيناه تضحكان وهو يراقبهما.
قطب الحارس جبينه بانزعاج. لم يشعر مطلقًا بوجود دان تاي مو، ومع ذلك، كان الأخير واقفًا هناك منذ وقتٍ لا يُعلم متى.
منذ متى كان يستمع؟
“لو رآكما أحد، لاعتقد أنكما عاشقان تودعان بعضكما قبل الزفاف.” قال دان تاي مو بصوت ساخر وكأنه يمزح.
لكن كل من في الغرفة كان يعلم أن هذا لم يكن مزاحًا. نظرت جايين في عينيه السوداوين الخالية من أي مشاعر.
عيناه كانتا تحكيان القرف لا غير. كلما نظر إليها، كان يسترجع تلك اللحظة المهينة. وكان عليها أن تتحمل هذا البرود القاتل منه لفترة طويلة قادمة.
لكنها لم تكن تملك النية لتتوسل إليه الحب كما فعلت والدتها من قبل. لم تكن تتوقع منه شيئًا.
بالنسبة لها، دان تاي مو لم يكن سوى أداة في طريق انتقامها. عليها أن تصبح أقوى.
إن أرادت البقاء على قيد الحياة، لا يمكنها الاتكال على أحد. الوحيد الذي يستطيع حمايتها… هو نفسها.
“أنا ببساطة لست معتادة على أن يساعدني أحد في ارتداء ملابسي، لذا صرفت الوصيفات.”
” كما تعلم، في الإمبراطورية كنتُ مجرد أميرة منبوذة’، ولم أحظَ أبدًا بخدمات وصيفات.”
نظر الحارس إليها بعينين ضيقتين، أما دان تاي مو فقد ضيّق عينيه وهو يحدق بها. أضافت جايين ببرود
“وبما أن حارس جلالته جاء لتحيتي في هذا اليوم المهم، فقد تبادلنا التحية لا أكثر. ربما شعر جلالته بالأسى لعدم قدرته على حضور زفاف ابنته المحبوبة، لذا أرسل أكثر رجاله ولاءً كجزء من وفد التهنئة.”
“… أحقًا؟ أتمنى ألا تكوني أنتِ، التي ستصبحين وليّة العهد قريبًا، مصدرًا للشائعات.” قال دان تاي مو بابتسامة مصطنعة.
جايين بدورها أمالت شفتي
ها بابتسامة مائلة. نظرت إلى الحارس، وكأنها تتأمل عبارة “لقاء سري” التي أُطلقت عليهما.
عشيقان قبل الزفاف؟ يا للسخرية. هذا الرجل كان سيف الإمبراطور. هو نفسه الذي طعن قلب والدتها بأوامر سيده.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 5"