بما أن جاي إن تتظاهر بأنها لا تعلم، فلم يستطع هو أن يبدأ الحديث أولاً. ولم يستطع أن يقول كلمة «سأساعدك».
دور دان تاي مو ليس سوى المراقبة فقط. حتى تمد هي يدها إليه.
حرّك يده التي كان قد أوقفها من جديد. فعادت رأس جاي إن إلى الأمام.
«إذا لم يحدث شيء، فهذا أمر جيد. هل تناولتِ طعام الغداء؟».
«نعم».
«وهل تناولتِ وجبة خفيفة أيضاً؟».
«نعم».
كانت جاي إن تُومئ برأسها على كل سؤال يطرحه.
مع أن دان تاي مو يفهم كلامها جيداً، إلا أنها كعادتها كانت تهز رأسها صعوداً وهبوطاً.
وجد الأمر مضحكاً، فلم يستطع دان تاي مو إلا أن يستمر في الحديث دون وعي.
«بالطبع، تناولتِ كمية معتدلة، أليس كذلك؟ لن تكوني قد أفرطتِ في الأكل بعد تلك المعاناة التي مررتِ بها قبل أيام».
«نعم».
«لقد انتهى جدول اليوم، فلنتناول العشاء معاً».
«… نعم».
كلما همس لها بلطف، شعرت جاي إن بشيء يدغدغ عمودها الفقري.
أحياناً كانت شعيرات رأسها تنتصب، وأحياناً كان جانبها يتقلص.
مع أنها تعلم أن هذا السلوك اللطيف مجرد تمثيل ليراه الآخرون.
كان هذا النوع من اللطف شيئاً لم تذقه طوال حياتها.
لطف دان تاي مو كان مختلفاً عن لطف أمها. فالأم كان من الطبيعي أن تمنحها الحب منذ الولادة.
لأن جاي إن كانت بمثابة نسخة منها، ولأنها ابنة الرجل الذي أحبته.
أما دان تاي مو فكان غريباً تماماً. لم يكن هناك أي سبب يدفعه لأن يكون لطيفاً مع جاي إن.
ومع ذلك كان لطيفاً. حلواً أحياناً، وبارداً أحياناً أخرى. كحلوى الياكغوا اللزجة الملتصقة بضرس العقل.
نظرت جاي إن إليه بنظرة جانبية سريعة. وعندما التقت أنظارهما فجأة، ضيّق دان تاي مو عينيه كعادته وابتسم.
«!»
انتفضت جاي إن كمن أُحرقت بالنار، وأسقطت بصرها مرة أخرى. سقط قلبها فجأة دون سبب.
خفضت رأسها بعمق كمن ارتكب جريمة كبرى.
في تلك الأثناء، وصلت نظرة دان تاي مو إلى عنقها النحيل. عبس عينيه قليلاً أمام تصرف جاي إن الغامض.
تارة تبدو باردة ثم تكون مهملة، وتارة تبدو ماكرة ثم تكون ساذجة.
لم يكن يعلم أيّها هو وجهها الحقيقي. ولهذا السبب بالذات لم يستطع أن يصرف بصره عنها أبداً.
على كل حال، كان هناك سابقة أن صرف نظره لحظة فأكلت الجوز وسقطت مغشياً عليها.
يا للعجب، حتى طفل صغير لن يحتاج إلى هذا القدر من العناية.
نظر دان تاي مو إليها بنظرة دافئة وهو يخفي ما في قلبه.
تشون جاي إن.
ثم دار اسمها مرة أخرى ببطء داخل فمه.
كحصاة مختلطة بين حبات الأرز، كان اسمها يلعب لوحده فوق لسانه.
«……»
«……»
تشاطر الاثنان الزمن نفسه وسط صمت يتراكم طبقة فوق طبقة.
لم يكن حواراً حميمياً على وجه الخصوص، ولا جواً كثيفاً ينضح بالعواطف.
كانت جاي إن تحدق فقط في الطاولة البريئة أمامها، وكان دان تاي مو يمسح فقط شعرها الذي لا ذنب له.
ومع ذلك، كان الزمن يمر باطّراد. خطوة بخطوة.
***
كان الصمت المزعج يخنق عنق جاي إن. لم تستطع أن تأخذ نفساً عميقاً، واكتفت بتحديق الفراغ أمامها.
رفعت الملكة شفتيها الحمراوين بابتسامة ملتوية، ووزّعت نظراتها بالتتابع بين جاي إن ودان تاي مو.
بردت نظرة دان تاي مو التي كانت تحمل ابتسامة فجأة، لكن الملكة لم تبالِ.
بل على العكس، ازدادت ابتسامتها عمقاً.
كانت الملكة متيقنة تماماً أن جاي إن لا تملك أي عاطفة تجاه دان تاي مو.
عندما سمعت أن جاي إن طردت جواري القصر الشرقي، شعرت بتوتر لحظي.
فإذا كانت علاقة الزوجين جيدة، لربما تعطّلت خطتها لكسب جاي إن إلى صفها.
لكن جاي إن التي أجرت مقابلات الجواري بنفسها، اختارت عوضاً عن الجواري البسيطات نساءً شابات وجميلات لوضعهن في القصر الشرقي.
بسبب ذلك، عادت الجارية التي كانت الملكة تنوي زرعها في القصر خالية الوفاض، لكن هذا كان مجرد مصادفة، فدعونا نترك الأمر جانباً.
حسب كلام الجارية أون جين التي اشترتها بالمال، فإن الاثنين يؤديان دور الزوجين المثاليين أمام الآخرين فقط، أما عندما يكونان بمفردهما فهما باردان جداً تجاه بعضهما.
ذلك بالضبط ما كانت تتمناه. والآن حان وقت التحرك.
فتحت الملكة فمها بصوت ينم عن هيبة بالغة. وكانت نظرتها موجهة إلى جاي إن لا إلى دان تاي مو.
«ليس الوزراء فقط، بل حتى أهل القصر جميعاً يعلمون القصة. مضى شهر تقريباً منذ أن أصبحتما زوجين، ومع ذلك لم تتمما الاقتران الحقيقي بعد».
دارت الملكة حدقتيها ببطء، ووجهت هذه المرة نظرها إلى دان تاي مو.
وكما كان متوقعاً، كان وجهه مشوهاً.
أسعدتها تلك النظرة. لم تستطع كبح ضحكتها.
وجه دان تاي مو المستاء الذي كان يقلب أحشاءها يومياً بابتسامته المترفة كان أكثر انتعاشاً من أي دواء هضمي.
جاء الرد من دان تاي مو لا من جاي إن.
«كما تعلمين يا والدتي، أصيبت ولية العهد بمرض فور وصولها إلى مملكة ريو. وبعد ذلك اضطجعت في الفراش عدة مرات أخرى. ألا تعلمين أنني لا أستطيع أن أجبر شخصاً مريضاً على الاقتران. أرجو ألا تسمعي للشائعات المتداولة».
كلام دان تاي مو بدا منطقياً للوهلة الأولى. لكن الملكة لم تكن تنوي تفويت هذه الفرصة.
فرصة كهذه لا تأتي كل يوم. كان يجب أن تكسر أنفه في مثل هذا الوقت.
أصبح صوتها أكثر صرامة. وجهت له موقفاً سلطوياً.
«لا تنسَ واجب ولي العهد. إنجاب ولي العهد الكبير أيضاً من الواجبات التي يجب على ولي العهد القيام بها».
«ولي العهد الكبير».
تمتم دان تاي مو بكلمات لم يسمعها أحد. تسرب التهكم دون أن يتمكن من كبحه.
مقعد ولي العهد نفسه مهدد، وهم يتحدثون عن ولي العهد الكبير. هل هناك نكتة أكثر إضحاكاً من هذه؟
للحظة، شعر أن نظرة جاي إن اخترقت خده، لكنه لم يلتفت.
لم يرفع عينيه عن وجه الملكة الذي يبدو كأنه انتصر ويضحك فرحاً.
سألت الملكة بصوت بارد:
«مهما كانت شائعة، فإنها مع مرور الزمن تتحول إلى حقيقة. أم أن هناك سبباً يمنعكما من الاقتران؟»
«… لا يمكن أن يكون هناك سبب كهذا».
عند إجابة دان تاي مو، رسمت الملكة ابتسامة مشرقة. وجه واثق من نفسه كأن كل شيء يسير حسب خطتها.
«أكيد. إذن أتمنى أن تبذلا جهداً حتى لا تنشأ شائعات فاحشة. أقول هذا كسيدة القصر الداخلي، فاحتفظي به جيداً يا أميرة».
«نعم».
عندما وجهت إليها الكلمة الأخيرة، أجابت جاي إن بلامبالاة. لكنها في داخلها كانت في حيرة أيضاً.
لا خصوصية لولي العهد وولية العهد. حتى أحاديثهما السرية كان القصر كله يعرفها.
«أنا أذكر هذا الأمر قبل أن يُثار في البلاط، فلا تأخذاه على محمل الضيق».
«نعم».
حدّقت الملكة
في وجه جاي إن الخالي من التعبير.
لم تكن تعلم هل هي حقاً لا تهتم، أم أنها تهتم لكنها تجيب هكذا فقط.
مهما كان الأمر، فلا يهم. ففي النهاية، ولية العهد ستأتي إلى قبضة يدي.
ابتسمت الملكة ابتسامة خفيفة وهي تتخيل علاقة الاثنين التي ستزداد سوءاً بعد الاقتران.
التعليقات لهذا الفصل " 35"