الشاب، وهو يرمق الرجل ذا الوجه الأبيض بنظرة خاطفة، تمتم قائلاً: “لكن، هل يمكننا الوثوق بهذا الشخص…؟”

 

“لا بأس، تكلم.”

 

حثه الأمير أنبوك بلهجة عصبية ووجه متجهم.

 

عندها فقط، قال الشاب: “حسنًا”، 

 

وفتح فمه. نظر إلى الحضور بثقة واضحة، ثم قال: “بما أن ولي العهد يقضي وقتًا طويلاً في قصر الأميرة الملكية، فإنني أخطط لإدخال أحد رجالنا هناك. يبدو أن ولي العهد يفكر في استبدال بعض الجواري في قصر الأميرة هذه الأيام، وهو يبحث عن شخص يمكن الوثوق به. أنوي استغلال هذه الثغرة للتسلل إلى هناك.”

 

“وهل هذا كل ما لديك من خطة سرية؟”

عبس الأمير أنبوك بملامح مخيبة للآمال وقال: “حتى لو وضعت جارية في قصر الأميرة، ماذا يمكن أن تفعل بمفردها؟ هناك أعين تراقب من كل جانب.”

 

“بالطبع، هذا ليس كل شيء. هل تعتقد أنني سأتبجح بهذا الحد من أجل شيء تافه كهذا؟ الأمر الحاسم هو…”

 

في تلك اللحظة.

 

فجأة.

 

ارتجف جسد جاي ان بعنف. شعرت كأن وعيها يُسحب قسرًا.

 

“!”

 

فتحت عينيها المغمضتين فجأة. أول ما وقعت عليه عيناها كان السقف الأبيض الشاحب.

 

شعرت بغثيان في معدتها. رأسها كان يؤلمها وكأنه سينفجر، وأمام عينيها كل شيء يهتز.

 

“في القصر الشرقي…”

 

تحركت شفتاها دون إرادتها. كأن لحظة من المستقبل تحاول أن تأخذ شكلاً عبر فمها.

لكن في تلك اللحظة.

 

“هل أنتِ بخير؟”

 

عاد عقلها إليها فجأة عند سماع السؤال القادم من جانبها.

 

“الجارية…”

 

لا، لا يمكن!

 

بذلت جاي ان كل قوتها لتعض شفتها السفلى. شعرت بطعم الدم المر. توقف فمها الذي كان يتحرك بلا إرادة.

 

لم يكن بإمكانها أن تنطق بنبوءة أخرى أمام دان تايمو. إذا فعلت، سيكتشف قدراتها بالكامل.

 

لا، أرجوك!

 

“…”

 

في اللحظة التي حاولت فيها كبح الكلمات التي كادت تخرج من بين أسنانها، تسلل قطعة قماش ناعمة بين شفتيها.

 

“!”

 

اتسعت عينا جاي ان بدهشة أكبر.

 

“تسك.”

 

سمعت صوت نقرة لسان من فوق رأسها. رفعت عينيها بهدوء لتنظر إلى الأعلى.

 

التقى نظرها بوجه دان تايمو الخالي من التعبير، والذي لا يمكن معرفة ما يفكر فيه.

نظرت جاي ان إليه دون وعي. 

 

بعد أن وقف صامتًا لفترة، فتح دان تايمو فمه فجأة وقال: “إنها تنزف.”

 

فجأة، ضاقت حاجباه. مسح دان تايمو شفتيها بقطعة القماش الناعمة ونقر بلسانه مرة أخرى.

 

“أرخي قوتكِ. إلى متى ستبقين تعضين شفتيكِ؟”

 

رغم كلامه، عضت جاي ان شفتيها بقوة أكبر، خوفًا من أن تنزلق نبوءة من بين الثغرة.

 

تسك.

 

نقر دان تايمو بلسانه مرة أخرى.

 

“لقد زارك الطبيب. لقد أجرى العلاج بالإبر، لكن لا يزال لا يوجد تحسّن؟”

 

لم تجب جاي ان، بل اكتفت بالنظر إليه.

وعيها، الذي لم يعد بعدُ إلى الواقع بشكل كامل، لم يستطع فهم كلامه جيدًا.

 

كل ما شعرت به هو صوت منخفض وممتع يتردد في أذنيها.

 

في تلك اللحظة، فتحت أصابع قوية شفتيها بالقوة.

 

“!”

 

أدخل قطعة القماش الناعمة بين شفتيها. النبوءة التي كانت تدور بين أسنانها اختفت دون أثر.

 

تنفست جاي ان الصعداء دون وعي. بدأت القوة التي كانت مشدودة في جسدها تتلاشى تدريجيًا.

 

“يبدو أنكِ مرهقة. حسنًا، سأعود الآن، فارتاحي هذه الليلة. سيحضر الطبيب الدواء قريبًا.”

 

توقف دان تايمو، الذي كان يستدير للمغادرة.

أنزل ببطء نظره إلى الأصابع النحيلة التي كانت تمسك بمعصمه.

 

“…”

 

ثم نظر إلى جاي ان، صاحبة تلك الأصابع.

أخفت ارتباكها تحت قناع من البرود.لم يكن عليها أن تتركه يغادر هكذا.

 

لم تعرف متى سيحدث المستقبل الذي رأته، لكنها كانت تعتقد أن هناك جاسوسًا متخفيًا كجارية في القصر الشرقي حتى الآن.

 

لم تستطع أن تترك دان تايمو يذهب إلى القصر الشرقي وهي تعلم بوجود جاسوس هناك.

 

لكن بأي كلمات يمكنها أن تُبقيه؟هو سريع البديهة، وسيكتشف سرها من أدنى تلميح. كان عليها أن تكون حذرة ودقيقة.

 

وقبل أن يكتشف دان تايمو الأمر، كان عليها أن تجد الجاسوس بنفسها.

 

“آه…!”

 

فجأة، عبست جاي ان. تذكرت أنها لم تسمع الكلمات الأخيرة للشاب.

 

―الأمر الحاسم هو…

 

لم تسمع أهم كلماته.ماذا كانت الجارية ستفعل بدان تايمو؟ هل ستدس السم في شايه؟ كما فعل جوابوكيا؟

 

أم أنها ستشعل النار في غرفة نومه أثناء نومه؟

 

عبست جاي ان بضيق وضيّقت حاجبيها.

 

“هل تتألمين كثيرًا؟”

 

نظر دان تايمو إلى وجه جاي ان، ثم رفع حاجبًا واحدًا برفق. أومأ برأسه بهدوء وقال:  

 

“حسنًا، من وجهة نظر الآخرين، لن يكون منظرًا جيدًا أن أترك زوجتي المريضة وأنام بمفردي. سأبقى بجانبك حتى يطلع النهار.”  

 

“!”  

 

نظرت جاي ان إليه بعيون متفاجئة، كما لو أنها سمعت شيئًا لم تتوقعه.

 

كانت لا تزال تفكر في كيفية إقناع دان تايمو بالبقاء، مما جعل رد فعلها أكثر حدة.  

 

استلقى دان تايمو على السرير بلامبالاة وقال:  

“لمَ كل هذا الذهول؟ أليس من المفترض أننا الآن رفاق على نفس السفينة؟ بما أنكِ أمسكتِ بيدي، أليس هذا الحد من الاستعداد متوقعًا؟”  

 

“…”  

 

“سأنام عند طرف السرير حتى لا أزعجك، فارتاحي ونامي.”  

 

“شكرًا…”  

 

همست جاي ان بهدوء. شعرت براحة طفيفة في قلبها وهي تفكر أنها تجاوزت عقبة واحدة على الأقل.  

 

في تلك اللحظة، جاء صوت دان تايمو المتذمر من خلفها:  

“أن تصابي بعسر هضم بسبب وجبة واحدة فقط، أمر يثير ضحك الأطفال حتى.”  

 

“…”  

 

“وأنتِ كذلك. إذا شعرتِ بالشبع، كان عليكِ التوقف عن الأكل. لمَ أصررتِ على حشو نفسك حتى تسببتِ في هذه المشكلة؟”  

 

“…”  

 

“إذا أكلتِ كثيرًا، تصابين بعسر الهضم، وإذا لم تأكلي، تصبحين هزيلة. حقًا، تتطلبين الكثير من العناية.”  

 

“…”  

 

“لا أعرف حقًا كيف يجب أن أتعامل معك.”  

 

أغلقت جاي ان عينيها بهدوء، مستخدمة تذمر دان تايمو كتهويدة. جسدها الذي استنفدت قواه بالكامل غرق سريعًا في نوم عميق كالهاوية.  

 

نظر دان تايمو إلى ظهر جايين، التي كانت تتنفس بهدوء وبشكل منتظم، وأضيق عينيه.  

 

تأمل كتفيها المنحنيتين بشكل دائري، ثم نقر بلسانه بعدم رضا. بدت جسدها الصغير أصغر مما هي عليه.  

 

“من يراني سيظن أنني أعاملك بقسوة.”  

 

لو كان قد عاملها بقسوة حقًا، لما شعر بالظلم.  

تبع ذلك همهمة خافتة لنفسه. استدار دان تايمو ببطء ونظر إلى السقف المألوف نسبيًا.  

 

تذكر وجهها المذعور عندما فتحت عينيها قبل قليل، وأصابعها اليائسة التي أمسكت به،

وعينيها اللتين بدتا كأن لديهما الكثير لتقوله.  

 

“كانت هكذا في تلك المرة أيضًا. في اليوم الذي ذهبت فيه للقاء جوابوكيا، كان وجهها تمامًا هكذا.”  

 

فجأة، أظلمت نظرته.  كان يعلم منذ البداية أنها تخفي عنه شيئًا. المشكلة هي: ما هو هذا السر؟  

 

“مهما فكرت، لا أستطيع أن أفهم.”  

 

تنهد دان تايمو بعمق، مدركًا أنه لن يتمكن من النوم بعمق هذه الليلة أيضًا بسبب الأصوات القادمة من جانبها.  

 

لم يكن ذلك أمرًا استثنائيًا. على أي حال، كانت أيامه مجرد سلسلة من الليالي التي يغمض فيها عينيه بالكاد.  

 

ثم تذكر فجأة أنها هذه الليلة لم تتسلل إلى حضنه كما اعتادت. 

 

عندما ألقى نظرة جانبية، رآها معلقة على حافة السرير.  

 

حسنًا، كان الجو في الغرفة دافئًا جدًا لدرجة أنها لم تشعر بالبرد ولم تتذمر.  

 

نظر دان تايمو بنظرة استياء إلى الجمر المشتعل بقوة.  

 

شعر بضيق في صدره، ربما بسبب الهواء الساخن الخانق في الغرفة. لم يكن هناك سبب آخر.

 

***

“لمَ تنظرين حولك هكذا؟ ليس هذا المكان الأول الذي تزورينه.” 

 

عند سماع هذه الكلمات التي حملتها الريح، ثبتت جاي ان نظرها وشددت عينيها بقوة.  

 

كما قال دان تايمو، لم يكن قصر الملكة مكانًا تزوره لأول مرة.  

 

بل على العكس، كان ثاني أكثر الأماكن ألفة بالنسبة لها بعد مسكنها، بفضل زياراتها اليومية لتقديم التحية.  

 

لكنها كانت تنظر حولها فقط لترى إن كان الرجل الذي رأته في حلمها موجودًا.  

 

من بين الرجال الخمسة، كان اثنان منهم الأمير أنبوك وجوابوكيا. لكنها لم تتمكن من معرفة هوية الثلاثة الآخرين.  

 

الشيء الوحيد المؤكد هو أنهم من المقربين للأمير أنبوك.  

 

لا، الرجل ذو الوجه الشاحب بدا وكأنه منفصل نوعًا ما. ربما ليس من المقربين.  

 

فكرت جاي ان أنها إذا كانت محظوظة، قد ترى أحدهم هنا.  

 

فكون المرء مقربًا من الأمير أنبوك يعني أنه مقرب من الملكة أيضًا.  

 

“…”  

 

كانت العديد من الكلمات تتدفق في ذهنها،

لكنها لم تستطع نطق ولو كلمة واحدة.  مهما كان الشخص، إذا عرف بقدراتها، فسيطمع بها حتماً. هذه هي الطباع البشرية.  

 

الجشع لامتلاك المزيد من السلطة. بالنسبة لهم، كانت جاي ان أداة ممتازة. لذا، كان عليها أن تحافظ على سرها بصرامة.  

 

“هل مرت ليلتك بسلام؟ يبدو أنكما كنتما هنا أيضًا.”  

 

رفعت جاي ان رأسها، التي كانت منحنية، عند سماع تحية دان تايمو الصريحة.  

 

كان الأمير أنبوك والأميرة سوها يجلسان بجانب الملكة.  

 

نظرت جاي ان بلامبالاة إلى الأمير أنبوك، الذي كان يرتدي تعبيرًا مملا.  

 

“نعم، أخي. هل كنت بخير أيضًا؟ يبدو وجهك أكثر إشراقًا اليوم.”  

 

تردد في أذنيها صوته البارد وهو يأمر بإزالة دان تايمو.  

 

ومع ذلك، كان يبتسم ويسأل عن حال ولي العهد بلا اهتمام حقيقي. 

 

يا للسخرية. ومع ذلك يدّعون أنهم عائلة.  

 

“اجلسي.”  

 

جلست جاي ان في مكانها دون كلام. نظرت إليها الأميرة سوها بنظرة خاطفة وقالت بنبرة متعالية:  

 

“أمس، لم تتمكني من تقديم التحية بسبب عسر الهضم، أليس كذلك؟ هكذا، لا يمكننا معرفة إن كنتِ مريضة حقًا أم أنكِ تتظاهرين بالمرض لتتجنبي التحية. لكنكِ الآن تبدين بخير تمامًا.”  

 

“الأميرة سوها.”  

 

نادتها الملكة بنبرة تأنيب. عبست الأميرة سوها وقالت: 

 

“لم أقل شيئًا خاطئًا، فلمَ توبخينني أنتِ فقط، يا أمي؟”  

 

“الأميرة سوها.”  

 

هذه المرة، ناداها دان تايمو بنبرة ناعمة. عندها فقط، هدأت الأميرة سوها قليلاً وأجابت: “نعم، أخي.”  

 

بدأت شفتاها المتورمتان تعودان إلى وضعهما الطبيعي. حتى وإن كانت طائشة، لم تستطع التذمر أمام ولي العهد اللطيف.  

 

“مع تغير المناخ والبيئة، من الطبيعي أن تحتاج الأميرة زوجة ولي العهد إلى وقت للتكيف. فضلاً عن ذلك، ألم تأتِ إلى بلد غريب بعيدة عن عائلتها؟ ألم يكن الألم النفسي أشد من الألم الجسدي؟”  

 

“لكن…”  

 

“بالأمس، بقيت بجانبها طوال الوقت. أن تكون متظ

اهرة بالمرض؟ هذا كلام لا يصح. رأيت بعينيّ وجهها الذي تحول إلى اللون الأسود وهي تتألم. هل لن تصدقي كلامي أيضًا؟”  

 

“لا، أخي.”  

 

هزت الأميرة سوها رأسها بطاعة.  نظرت جاي ان إليها بعيون متفاجئة إلى حد ما. فالأميرة العنيدة تحولت إلى خروف وديع أمام دان تايمو.