وضعت كاليوبي خاتماً وأساور وأقراطاً أمامها، كانت تتفحصها جميعاً، ثم توقفت فجأة ودَفعت جانباً سواراً من الألماس بوجه حازم قائلة:
“هذا لا يمكنني التنازل عنه.”
“أكرر مرة أخرى… لا داعي لإنفاق هذا القدر من المال عليّ.”
وقبل أن ينهي كلامه، رفعت كاليوبي إصبعها لتوقفه.
“أنت خطيبي. وإن قلت إنك لا تستحق أن يُنفق عليك هذا القدر من المال، فهذا يعني أن خطيبتك – أنا – لا أستحق كذلك.”
ارتبك إيزاك لأول مرة، ورفع صوته قليلاً:
“هذا… مستحيل! لا يمكن أن يكون الأمر كذلك.”
ضحكت كاليوبي بصوت مسموع وهي تنظر إلى وجهه الذي ارتسمت عليه الجدية.
“كما أنك تعتقد أنني ذات قيمة… فأنا أيضاً أراك ذا قيمة، فقط لوجودك.”
وهي تقول ذلك، تناولت سوار الألماس الذي أبعدته منذ لحظة وربطته بهدوء حول معصمه. لم يمنعها إيزاك، إذ غرق في تفكير عميق. وما إن تفحّصت كاليوبي السوار جيداً حتى أضافته إلى قائمة المشتريات.
وبينما كانت تعبث بمعصمه على هواها، استعاد إيزاك رباطة جأشه وأزال السوار بلطف بيده، ثم سألها:
“هل لهذا علاقة بما قلته لي في السابق؟”
“أي كلام تقصد؟”
ألقى نظرة على بريق الألماس الشفاف. كانت قد قالت إن عينيه تشبهانه، لكنه كان يعتقد أن عينيه لا يمكن أن تبثّا مثل هذا الجمال.
“قلتِ إنني أذكركِ بشخص ما عندما ترينني.”
نظرت كاليوبي إلى السوار الذي فكّه بأسى، ثم رفعت رأسها. بدا على ملامحه شيء من الثبات البارد، لا الحزن ولا الأسى. وهو أمر منطقي، فهي بالنسبة له لم تكن سوى خطيبة حديثة العهد.
“ولماذا تظن ذلك؟”
“لأنه لا سبب آخر يجعلني أستحق كل هذا اللطف منك.”
ترددت كاليوبي. لم تعرف ما الجواب الأنسب الآن. في الماضي، حين كانت مع إيزاك، لم يتبادلا كلمات كثيرة، بل قضيا وقتاً في الاعتياد على وجود بعضهما: نزهات في طرق الغابة الخالية، قراءة في مكتبة العائلة، أو السير في حدائق العاصمة.
لم يكن بينهما الكثير من الحديث، لكن شيئاً فشيئاً صارا معتادين على وجود الآخر. إيزاك منحها وقتاً وصبراً، لم يقترب أكثر مما ينبغي ولم يبتعد، بل وقف حيث هو حتى تشعر بالطمأنينة.
ومن هناك وُلد إيمان كاليوبي به. أنه حتى إن تأخرت أو ترددت، فسيبقى بجوارها. وأرادت هي الآن أن تمنحه هو أيضاً شيئاً من الإيمان.
“هل يبدو الأمر كذلك لك؟”
“…نعم، قليلاً.”
ابتسمت بمرارة. لكنها كانت تعرف في قلبها أن إيزاك الذي عاشت معه وأحبته قبل عودتها، وإيزاك الذي يقف أمامها الآن، هما الشخص نفسه. غير أنه كان يقظاً، حساساً، يدرك تلك الفجوات الدقيقة التي لا يريدها أحد أن يلاحظها.
‘رجلي ذكي أكثر مما ينبغي’.
“إن شعرت هكذا فأنا آسفة. لكنني أعدك… أن خطيبي وزوجي لن يكون إلا أنت وحدك.”
وبينما تقول ذلك، تناولت خاتماً من الألماس من أمامها، وأدخلته في إصبعه. كانت ابتسامتها بيضاء مشرقة كأنها تُقدّم عرض زواج هي الأخرى. نظر إيزاك إلى الخاتم في يده وشعر براحة غريبة، لم يعهدها من قبل.
شخص يبتسم له لمجرد أن تتقابل أعينهما، شخص يمنحه حناناً لم يعرفه في حياته.
“كما وعدتني أنت أيضاً.”
أومأ إيزاك بهدوء. لقد كان عطشاناً لقطرة من المودة، فارتوى بها مؤقتاً. لم تجبه بأنها لا ترى فيه شخصاً آخر، لكنه أقنع نفسه ألا يطلب أكثر من ذلك. ظن أن كما هو مقيد بهذه الخطبة باسم العائلة، فلعلها هي أيضاً لها أسبابها التي تمنعها من تقديم حبها الحقيقي لغيره.
ذلك اليوم، اقتنت كاليوبي لإيزاك الملابس، والحُلي، والأحذية، وحتى السيف. وعندما ودّعته، كان يبدو متعباً رغم قوته، ما جعله في نظرها لطيفاً أكثر. لكنها لم تطرد من ذهنها قلقاً صغيراً:
(منذ تلك المحادثة، بدا مكتئباً بعض الشيء).
كلامه عن أنها ربما ترى شخصاً آخر في صورته ظل يطن في أذنها. كانت تعلم أن إيزاك في هذه المرحلة لم يكن يحمل مشاعر خاصة تجاهها، بل كان يؤدي دور الخطيب المخلص وحسب. أما الحب الحقيقي، فقد كان يتولد بينهما في الماضي ببطء مع مرور الأيام.
‘لكن يبدو أن هناك تأثيراً ما بدأ فعلاً…’
فمجرد أنه بدأ يطرح تلك الأسئلة ويهتم بما تشعر به، يعني أنه بدأ يكوّن شيئاً من العاطفة أو حتى الغيرة. ومع أن حزنه آلمها، إلا أنها رأت فيه بادرة جيدة.
وعندما عادت في عربتها بعد أن أوصلته، ابتسمت لنفسها.
“حسناً… حان وقت تنفيذ الخطة التالية.”
إنها اللحظة المثالية للشروع بخطوة جديدة.
✦✦✦
في قصر آل إستيڤان كانت تسود أجواء غريبة. كان الوضع المثالي للعائلة يقوم على ربّها الذي يُعد من رجال الملك المقرّبين، والابن الأكبر الذي يدير شؤونها ببراعة، بينما يعيش الابن الأصغر – إيزاك – كأنه ظل لا وجود له.
لكن مؤخراً، بدأ حضور إيزاك داخل القصر يزداد شيئاً فشيئاً، وهو ما أربك الخدم الذين اعتادوا تجاهله تماماً. كان ذلك أحد الأسباب التي ولّدت هذا الجو الغريب في القصر.
“خاتم لم أره من قبل.”
قالها إيرڤين، الأخ الأكبر، عندما صادف إيزاك في الممر. فوجئ إيزاك ولا شعورياً ضم أصابعه ليخفي الخاتم. غير أن أحد الخدم خلف إيرڤين لمح الخاتم، وعيناه أظهرتا الدهشة والإعجاب. كان الخاتم من الواضح أنه ثمين للغاية.
تردّد إيزاك، هل يجيبه أم لا؟ لكن حين لمح في عينيه انتظاراً للرد، نطق بحذر:
“إنه هدية من الآنسة كاليوبي…”
“كنت أعلم ذلك!”
لم يُخفِ إيرڤين انزعاجه، فصرخ بصوت غاضب. تجمّد كتفا إيزاك على الفور. في الواقع، لم يكن بروز وجود إيزاك في العائلة مؤخراً بفضل جهوده هو، بل كان السبب الأكبر وراء ذلك خطيبته، كاليوبي أناستاس.
بعد لقائهما الثاني منذ التعارف الأول، بدا إيزاك عند عودته أكثر فتوراً ومتعباً. وعندما شاهد الخدم ظهره وهو يسير وحيداً نحو غرفته الضيقة، هزّوا رؤوسهم متمتمين: “كما توقعنا…”
لكن في اليوم التالي تغيّر كل شيء.
“لقد وصلت هدية من بيت ماركيز أناستاس!”
بدأت الهدايا تتدفق على إيزاك بلا توقف. كانت ملابس منسوجة من أفخر الأقمشة التي لا يرتديها سوى الملوك وكبار النبلاء، مطرزة بخيوط الذهب ومرصعة بالجواهر. أما الحُلي فلم تكن إلا من الألماس الخالص والذهب، والأحذية مصنوعة بإتقان يلمع كالحرير.
لكن أكثر ما أثار الجدل، تلك الرسالة التي رافقت الألماس:
[إلى خطيبي صاحب العينين الجميلتين، الشبيهتين بالألماس.]
مهما كان أسلوب الكتابة مبتذلاً بعض الشيء، إلا أن الهدايا جميعها كانت من أعلى المستويات، حتى إن غرفة إيزاك الضيقة لم تعد تتسع لها. وكان يفكر: ماذا لو جاءت خطيبته فجأة إلى القصر؟ كيف سيفسر الأمر؟
لم يجد إيرڤين بُدّاً من تخصيص غرفة ملابس جديدة لإيزاك. لم تكن غرفة فاخرة، لكنها على الأقل أفضل كثيراً من غرفة الخدم التي اعتاد أن يسكنها. ومع ذلك، بدا الأمر مثيراً للسخرية: غرفة الملابس أوسع من غرفة نومه بأضعاف!
(كنت أظن أن تلك الفتاة من بيت أناستاس، باعتبارها ابنة زوجة سابقة، لا تملك نفوذاً في بيتها… لكن من حجم إنفاقها الآن، يبدو أن الأمر ليس كذلك.)
فلو كانت مكانتها ضعيفة ومهمّشة كما إيزاك، لما كان من الممكن أن تمنحه حتى غرفة جديدة. رؤية حال شقيقه الأصغر – الذي وُلد على حساب حياة أمه – يتحسن يوماً بعد يوم، كانت تزيد من غليان إيرڤين.
وبينما كان يرمق أخاه بصمت ثقيل، اقترب منه أحد الخدم مسرعاً عبر الممر.
“سيدي… الأمر هو…”
انحنى الخادم لهمس شيء في أذن إيرڤين بدلاً من إيزاك، فتكشّف وجهه عن غضب شديد.
“إنها خطيبتك المتباهية، أرسلت هدية أخرى، أليس كذلك؟”
“لا يا سيدي… ليس الأمر كذلك.”
انحنى الخادم أكثر وهو يقرأ تعبير الغضب على وجه الابن الأكبر.
“الآنسة كاليوبي أناستاس بنفسها جاءت وهي تحمل الهدايا.”
“ماذا؟!”
حتى إيزاك ارتجف من وقع الخبر، وارتفع حاجباه بدهشة. كان يمكنهما أن يريا من نافذة الممر الرئيسية بوابة القصر، حيث أخذت عربات تصل تباعاً. أولها العربة البيضاء الفاخرة الخاصة ببيت الماركيز أناستاس، وتبعها أربع عربات أخرى باللون البني لا يُعرف مصدرها.
ومن العربة البيضاء نزلت فتاة ترتدي ثوباً أحمر قانٍ – إنها كاليوبي أناستاس. وكان هذا أول لقاء لها مع إيرڤين.
وقفت كاليوبي أمام بوابة القصر تحت أشعة الشمس الذهبية، وفتحت مظلتها الصغيرة. حاولت خادمتها سوزان وخادمها جاك أن يمسكاها عنها، لكنها تجاهلتهما تماماً، وأدارت المظلة بخفة على كتفها ثم استدارت في حركة رشيقة. وبعد لحظة فتحت ذراعيها على اتساعهما وصاحت بصوت عالٍ:
“حبيبي! لقد جئتُ إليك!”
اهتزت المظلة المطرزة بالدانتيل. في تلك اللحظة، وضع إيزاك يده على جبهته وهو يسمع صوتها يجلجل حتى يصل إلى الممرات.
أسرع إيرڤين وإيزاك إلى البوابة بخطوات متلاحقة. وهناك، تحت وهج الشمس، كانت واقفة بفستانها الأحمر المتألق، تسير بخطوات رشيقة حتى وقفت أمامهما.
لكنها، بدلاً من أن تحيي إيرڤين أولاً وفق الأصول، وجّهت بصرها مباشرة إلى إيزاك، قائلة:
“أين الثياب التي اشتريتها لك؟ لماذا ما زلت ترتدي مثل هذه الملابس؟”
“…كانت غير مريحة. لا، سأبدلها حالاً.”
كان إيزاك يرتدي قميصه الأبيض البسيط الخالي من الزخرفة، مثلما اعتاد، بدلاً من الثياب الفاخرة التي أهدتها إياه. وكان السبب الرئيسي لهذا الخيار ألا يثير غضب أخيه إيرڤين.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"