نظر أوتيس إلى كاليوبي، التي لم تزل تمسك بوجه إيزاك، بتعب ظاهر على محياه.
هل يُعقل أنها اكتشفت ذلك الجرح المخفي بين خصلات شعره السوداء من تلك المسافة؟
“كيف أصابك هذا؟ يا إلهي، حتى العلاج لم يُجرَ كما ينبغي!”
كاليوبي، التي لم تكن بليدة الذهن، خمّنت على الفور من الذي تسبّب بهذا الجرح على جبينه. فتحوّل تعبيرها من الدهشة إلى الغضب، مما جعل الرجلين يقفان مذهولين للحظة عاجزين عن الكلام.
“ذلك الحقير… كنت أعلم أن هذا سيحدث، لذلك أرسلت رسالة مسبقاً!”
“يا… آنستي؟”
كان صوتها منخفضاً، لكنه بلغ مسامع إيزاك الذي كان يقف قريبا. عندها تماسكت كاليوبي بصعوبة وهي تنظر إلى وجهه المرتبك، ثم نادت:
“سوزان، استدعِ المعالج. أيها السيد إيزاك إستيفان، تفضّل إلى غرفتي. سأشيّع الضيف ثم ألحق بك حالاً.”
“غرفة… آنستك؟ هذا… ربما لا يليق.”
“ولم لا؟ نحن خطيبان وسنتزوج عاجلاً أم آجلاً. سنرى بعضنا في كل حال، فلا بأس أن يدخل غرفتي مسبقاً.”
“…ماذا؟”
“خذي السيد إستيفان إلى الأعلى حالاً.”
لم يستطع إيزاك الاعتراض أكثر، فقادته سوزان بخجل بينما بقي متردداً. أمّا أوتيس، الذي شاهد كل ما جرى، فقد لزم الصمت للحظات، ثم أطلق صوتاً غريباً بين الضحكة الساخرة والتنهد.
“حقاً لا أدري من أين أبدأ.”
“وهل هناك ما يُقال؟”
كاليوبي وأوتيس كلاهما أذكياء. هو استطاع أن يخمّن سبب تصرّفها الأول معه، وهي بدورها أدركت ما يدور في ذهنه. وهكذا، يصعب أن ينسجم الأذكياء مع بعضهم… لأن كلًّا منهم يظن الآخر مزعجاً.
“على أي حال، كلانا حقّق ما أراد. لا أظن أن أحدنا خسر شيئاً.”
“تمثيلك كان بارعاً حقاً.”
“أما أنت حينما هربت مذعوراً، فكنت لطيفاً جداً.”
حين أدرك أوتيس سبب جفاف تعاملها معه مقارنة ببدايتهما، اعتلى وجهه الجمود، ثم صعد عربة عائلته. أما كاليوبي، فأمسكت أطراف ثوبها وانحنت مودّعةً حسب الأصول، لكن ذلك بدا له سخرية متعمّدة، فصفق باب العربة بعنف.
ما إن غادر حتى أسرعت كاليوبي بالدخول إلى القصر، بينما كان أوتيس يراقب من نافذة عربته، ثم ما إن تجاوزوا أسوار قصر المركيز حتى ضرب جدار العربة بقبضته بقوة.
“…تبّاً.”
شعر بمهانة شديدة. تذكّر كيف كان يتيه زهواً، مقتنعاً بأنها تحبه، فحمد الله أنه لم يتفوّه بجملة صريحة يمنعها من حبه. لو قالها حقاً، لكان ألقى بنفسه من العربة الآن.
حديثها عن ملك الشياطين تبعثر من ذهنه تماماً، ولم يبق فيه سوى خزيه الشخصي.
– “الأصل في الخطبة أن تكون رباطاً بين العائلات. أعلم أنك تكنّين لي الود، لكن عزاءك أن الزيجات القائمة على الحب الخالص نادرة أصلاً.”
لو استطاع العودة بضع دقائق للوراء، لصفع نفسه دون تردّد.
“آآاخ!”
“مولاي! ما الذي أصابك؟”
“اصمتوا!”
ارتبك الخدم والسائق لصرخته، لكنه نهرهم بعصبية، فأطبقوا أفواههم وتبادلوا النظرات فقط. أما هو، فظل غارقاً في جلد الذات حتى وصلت عربته إلى قصر الدوق.
في تلك الأثناء، كانت كاليوبي قد دخلت غرفتها، لتجد إيزاك جالساً على الأريكة يستمع للمعالج. جلست بجانبه فوراً، وأزاحت شعره عن جبينه، فظهر جرح طويل ممتد على يسار جبهته. تقلّص وجهها ألماً وهي تتفحصه، فرأت بقعاً سوداء داخل الجرح. عندها تكلّم المعالج:
“لقد تسرب الحبر إلى الجرح. لإخراجه… ربما يلزم حفر المكان.”
“حفر؟”
استدارت كاليوبي بسرعة وحدّقت فيه بصرامة. ارتبك المعالج ورفع يديه مبرّراً:
“ه… هناك طريقة أخرى. باستخدام جرعة التطهير الخاصة التي لا تُنتَج إلا في معابد الإمبراطورية. عندها لن نضطر للحفر، وسينقّى الجرح.”
“حسناً، لنجربها.”
“لكن المشكلة أن ثمنها باهظ جداً.”
اقترب منها وهمس بالسعر في أذنها. ارتسمت على وجهها علامة فتور، ثم قالت:
“لا بأس. أحضرها.”
“كما تأمرون.”
كانت الجرعة تساوي ثمن قصر ريفي كامل. لكن لحسن الحظ، امتلكت كاليوبي المال الكافي لشراء بضع زجاجات منها. عندها قاطعها صوت خافت متردد:
“آنستي… لا حاجة لكل هذا من أجلي.”
لم تعلم إن كان قد سمع السعر وهمس المعالج، أم أنه فقط استثقل أن يُصرف مال كثير عليه، لكن كلامه آلمها. قطّبت حاجبيها ومدّت يدها تلمس وجنته قائلة:
“أنا أفعل هذا لأني أريد ذلك.”
“لكن…”
“أنا حزينة.”
“…….”
عندها صمت إيزاك. لم تكن تفضل استعمال هذا الأسلوب، لكن إنقاذه كان أولويتها. تنهدت في سرها، وظلّت تعبث بوجهه برفق حتى أثناء معالجة المعالج له.
“من الذي تجرأ على تشويه هذا الوجه الجميل؟”
“…إنها…”
“كنت أريد أن ألمس هذا الوجه برفق خشية أن يتأذى.”
“آنستي…”
“حتى لو ترك ندبة، سيظل جميلاً.”
“…….”
“إذن… العلاج انتهى، سأستأذن الآن.”
لم يحتمل المعالج البقاء بين هذين الاثنين وسط جو غريب كهذا. لحسن الحظ، أشارت له كاليوبي بيدها مؤذنةً له بالانصراف.
وما إن خرج حتى ساد الصمت بين كاليوبي وإيزاك. جلست تتأمل جرحه الذي لم يبق فيه سوى بقع سوداء، بينما هو بدا مرتبكاً أمام عاطفة لا يعرف من أين تنبع.
“الآن انتهينا.”
“مؤقتاً فقط. فلا يمكن الحصول على الجرعة في الحال… فلنرَ… نعم، ربما يمكنك العودة نهاية الأسبوع القادم.”
أدركت كاليوبي أنه يشعر بالثقل من معاملتها. لذلك سحبت يدها عن وجنته وجلست مبتعدة عنه بمقدار شبرين.
إيزاك ظل جالساً بهدوء، ثم نظر إليها، ونظر إلى الغرفة من حوله. كانت غرفة كاليوبي أوسع بكثير من غرفته، فاخرة بشكل لا يقارن. ورغم أن أثاثها بدا قديماً، إلا أن قيمته العالية كانت واضحة حتى لمن لا يعرف في هذه الأمور مثله. بدا له الفارق بينهما شاسعاً، خلاف ما كان يتوهم قديماً أنها تشبهه في ظروفه.
“اليوم… استدعيتِني لأجل…”
تردّد. هل يليق به أن يرتبط بامرأة كهذه؟ شعر بالخجل من نفسه حينما تذكّر أنه كان يظن في الماضي أنه يليق بها. كانت طيبة، ودودة، تعرف كيف تمنح الآخرين حباً واهتماماً… عكسه تماماً.
“نحن مخطوبان. رغبة الخطيبة في قضاء وقت مع خطيبها ليست غريبة، أليس كذلك؟ ثم علينا أن نتحدث بشأن حفل الخطوبة أيضاً.”
“حفل… الخطوبة؟”
“نعم، حفل الخطوبة.”
في الماضي، كانت خطبتهما قد تمت دون أي مراسم، مجرد تبادل أوراق بين العائلتين. لم يكن الأمر زواجاً في الرحم حتى يُبرَّر هذا التجاهل، بل مجرد استعجال شديد في إنهاء الأمر. أما هذه المرة، فلم ترغب كاليوبي في أن يتكرر ذلك. لم تكن تريد حفلاً ضخماً كحفلات الزواج، لكنها أرادت إقامة حفل خطوبة متواضع على الأقل. ولهذا قالت:
“لنبدأ بالملابس. سنخرج لشرائها.”
“ماذا؟”
“الملابس، والحُلي، والأحذية أيضاً.”
أومأ إيزاك برأسه مطيعاً. كان يظن أنها تقصد أغراضها هي، لا أغراضه. تركته على اعتقاده، ولم تصحح فهمه. ثم نهضت واقفة.
كانت قد أرادت أن تقضي اليوم معه وحدهما، لكن مظهره اليوم أثبت لها أن عليه تغيير كل شيء فوراً: من ثيابه المستعارة إلى جبينه الذي يحمل ندبة.
“…؟”
مدّت يدها فجأة، وأزاحت شعره لتكشف جبهته، فرفع رأسه نحوها باستفهام. كان شعره جميلاً في ملمسه لكنه مهمَل، لم يعتنِ به أحد. ابتسمت له برفق وهمست:
“سأتولى كل شيء بنفسي.”
✦✦✦
في ذلك اليوم، انساق إيزاك وراء كاليوبي مذهولاً. أخذته العربة إلى مشغل للملابس الرجالية الفاخرة، لا إلى متجر فساتين كما توقع. هناك، وقفت كاليوبي بكل جدية تطلب أن تُعرض عليها أفخر الأقمشة. جرّبت واحداً تلو الآخر على جسده، ترفض هذا لونه، وتستبعد ذاك لمعانه.
بعد أن اختارت ثمانيةً وثلاثين نوعاً من الأقمشة، أمرت بأخذ مقاساته، وطلبت إرسال الملابس فور إنجازها إلى قصر عائلتها.
“هذا… مبالَغ فيه.”
“حقاً؟”
حتى عندما حاول الاعتراض، اكتفت بالابتسام بوداعة، مما أربكه أكثر.
لكن دهشته لم تتوقف عند هذا الحد. إذ أخذته تالياً إلى متجر المجوهرات. لم تشتر لنفسها شيئاً، بل راحت تلتقط الإكسسوارات الرجالية: أزرار أكمام، دبابيس، بروشات.
وقالت إنها اختارت الماس الشفاف لأنه يليق بعينيه، ثم راحت تضيف القطع إلى قائمة المشتريات بلا تردد.
“كل هذا… ليس ضرورياً.”
تجرأ إيزاك على الكلام أخيراً بعد أن ظل صامتاً طيلة الوقت.
“أنا حزينة…”
“لكن، لا. لا يجوز.”
آه… لم ينجح الأمر هذه المرة. أرخَت كاليوبي حاجبيها وأظهرت ملامح حزينة، ثم فجأة وسّعت عينيها بدهشة طفولية. تعابيرها المتبدّلة بسرعة أذهلت إيزاك، فلم يملك سوى النظر إليها باستغراب وإعجاب.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"