“تحققوا بدقة من الكيفية التي يُعامَل بها الابن الثاني لعائلة إستيفان داخل أسرته.”
“حسناً.”
“وإن لزم الأمر، ابحثوا عن طريقة يمكن أن نقدم له بها يد العون.”
“بالطبع.”
كان هذا أقصى ما يمكن للأسرة التي فرضت عليها خطبة لم ترغب بها أن تفعله من أجلها. بل إن وصفه بـ “الاهتمام” كان أمراً مبالغاً فيه. لحسن الحظ أن الفتاة بدت راضية عن خطيبها، أما لو لم يعجبها، لكانت ستُبدي وجهًا شاحبًا كل يوم… آه.
“إن لم يكن قد راق لها، لكانت قد تخلصت منه بطريقة أو بأخرى.”
استحضرت كيركي شخصية ابنتها بالتبني، ذات الطبع الصعب، ورأت أن رضاها عن خطيبها نعمة من السماء. وبعد أن غادرت الخادمة لتبحث في تفاصيل أكثر عن الابن الثاني لأسرة إستيفان، تمكنت كيركي أخيراً من التركيز على أعمالها.
✦✦✦
لحسن الحظ، تم تحديد موعد للقاء إيزاك بسرعة. في البداية حاول أن يؤجل الموعد مراراً، لكنها تظاهرت ببعض العتاب، فما لبث أن أرسل جواباً بالقبول. “ها هو رجل ضعيف أمام هذا النوع من الضغط العاطفي.”
كاليوبي أنهت زينتها هذه المرة باهتمام لم يسبق له مثيل. كان موعدها مع إيزاك في الثانية بعد الظهر، لكنها كانت قد انتهت من تجهيز نفسها لتوّها بعد الواحدة بقليل. والسبب في ذلك:
“هل صحيح أن اللورد أوتيس غلايدرت قد وصل؟”
“نعم، يا سيدتي، وقد أُجلِس في غرفة الاستقبال.”
لقد بعث أوتيس غلايدرت برسالة يطلب لقاءها. لم تفهم ما الذي جعله يرغب فجأة في “أن يكونا صديقين”، لكنّه أصر أنه يريد التحدث إليها. ولأنه كان في اليوم نفسه الذي حددت فيه موعدها مع إيزاك، فكرت في تأجيله، لكنها آثرت أن تنهي الأمر بسرعة وتُبعده عن تفكيرها.
كان أوتيس جالساً في غرفة الاستقبال، يحتسي الشاي الذي قُدّم له. وكان سبب مجيئه على عجل أمرين: أولهما أن يؤكد بوضوح أنه لا يفكر في أي علاقة تتجاوز حدود الصداقة، والثاني أن يسألها عن كيفية حصولها على المعلومة التي قالت فيها إن الوحوش بدأت تزداد في إقليم دوروتا.
كان قد تلقى تقريراً رسمياً من هناك بعد ذلك: نعم، ازدادت الوحوش قليلاً، لكن ليس لدرجة تستدعي القلق، ولن يُعاق سير المهرجان. لذلك، بدا له منطقياً أن يصدق تقرير الحاكم المحلي لا إشاعة غامضة، ومع ذلك ظل شعور مزعج يلازمه، فقرر التحقق بنفسه.
انتظر خمس دقائق تقريباً، ثم فُتح الباب بعد طرق خفيف، ودخلت كاليوبي. شعر أوتيس أن شعرها الأبيض المتناغم مع فستانها الأصفر الفاتح يسطع بجاذبية، لكن انطباعه الوحيد كان:
“لقد بذلتِ جهداً خاصاً.”
أما ما حُذف من العبارة ــ “لتظهري بمظهر جميل أمامي” ــ فقد فهمته كاليوبي تماماً.
“تأخرتُ قليلاً، أليس كذلك؟”
“لا بأس. جئت فقط لقضاء أمر سريع وسأغادر حالاً.”
أجابه بصرامة، وعيناه توحيان بأنه يعرف جيداً محاولات النساء المعتادة لإطالة اللقاء باعتذار بسيط. لكنه فوجئ بأن كاليوبي أومأت بهدوء وجلست قبالته دون أي محاولة للإطالة.
“هذا حسن، فأنا أيضاً لدي موعد آخر قريباً.”
ابتسمت في داخلها بسخرية، وهي ترى التردد يلوح في عينيه: “هل ما تقوله حقيقي أم مجرد مناورة؟” ثم طلبت فنجان شاي، وارتشفت منه قليلاً قبل أن تقول بصوت هادئ وجاف:
“لقد خُطبت مؤخراً.”
“ماذا؟ خُطبتِ؟”
ارتسمت على وجه أوتيس ملامح الدهشة. وهو يعلم أنها في ذلك اليوم تركت عنده انطباعاً بأنها تميل إليه، لذا بدت له كلماتها غامضة.
“إنه نجل أسرة إستيفان. خطيب اختاره ليَ أهلي.”
“آه.”
هزّ رأسه وكأنه فهم، وإن بدا لكاليوبي أنه لم يفهم شيئاً في الحقيقة. لكن أوتيس شعر براحة غريبة: وجود خطيب رسمي يعني أنها لن تحمل بعد الآن أي أوهام بشأنه. بعد أن فشلت خطوبتها السابقة مع آل غلايدرت، ها هي تخطب من جديد، وهذه المرة من أسرة تنتمي إلى التيار الملكي.
“مباركٌ لكِ خطوبتك. فالخطوبة في أصلها رباط بين العائلات. أعلم جيداً أنكِ كنتِ تكنّين لي مشاعر ما، لكن ليكن عزاؤكِ أن الزواج القائم على الحب نادر، حتى بين النبلاء.”
“أشكرك.”
أجابت كاليوبي ببرود. لاحظ أوتيس أن حديثها وسلوكها في هذا اللقاء مختلفان تماماً عن المرة السابقة، فلا أثر لنظرات التعلق أو الشغف. بدا وكأنها متحررة كلياً، لا كما لو أنها فقط “تتأدب” بسبب خطوبة فرضتها عليها العائلة.
وما إن انتهت كلمات المجاملة، حتى انتقلت مباشرة إلى صلب الموضوع:
“إذن، ما سبب زيارتك الحقيقية اليوم؟”
أوتيس، وقد شعر بالإحراج لانتفاء الحاجة إلى إغلاق باب الأمل أمامها، قال متردداً:
“لقد اطلعت على الملاحظات التي كتبتِها على الأوراق التي تركتُها. كانت مفيدة جداً. غير أن هناك شيئاً أثار فضولي…”
ابتسمت كاليوبي بلطف.
“هل تعني الجزء المتعلق بازدياد عدد الوحوش في إقليم دوروتا؟”
أومأ أوتيس سريعاً، وقد فوجئ بأنها التقطت بالضبط ما يراوده. وضعت كاليوبي فنجانها على الطاولة برفق، وأخذت لحظة تفكير. إذا كانت تعتزم أن تجره تدريجياً ليستفيد منها، فمن الأفضل أن تدفع له بعض “المكافآت” الصغيرة مسبقاً.
“هل سمعت بشيء من الأساطير التي تتناقلها المعابد الإمبراطورية؟”
“المعابد الإمبراطورية؟”
“أدقّ وصف هو أنها أسطورة تناقلتها أرجاء القارة عبر معابد الإمبراطورية.”
كان أوتيس، الذي اعتاد منذ صغره قراءة أي كتاب يقع في يده، قادراً على تذكّرها بسهولة.
“أتقصدين الحكاية التي تقول إن ملك الشياطين يبعث من جديد كل خمسمئة عام؟”
“نعم. سيبعث قريباً. آه، ليس قريباً جداً… بقي حوالي سبع سنوات.”
نسي أوتيس حتى أن يحافظ على تعابير وجهه، فعقد حاجبيه بشدة. ملك الشياطين الذي يقال إنه يعود كل خمسة قرون… قصة مشهورة لدرجة أن الأطفال يعرفونها، لكنها لم تكن مثار قلق لأحد بسبب بُعد المدة الزمنية.
“على حد علمي، معظم السجلات المتعلقة بملك الشياطين قد فُقدت أو شوهت، لذا لا أحد يعرف متى بالضبط سيعود.”
“صدق أو لا تصدق، الأمر سيان بالنسبة لي. لكن، أليست أرضكم ملاصقة للجبال؟ لن يضر أن تُعزَّز تحصيناتها مسبقاً. مثل هذه التضاريس ملاذ مثالي لوحوش تخرج فجأة بأعداد كبيرة.”
كلماتها تركت انطباعاً واحداً فقط في ذهن أوتيس:
“حقاً… إنها مجنونة تماماً.”
بدأ يلوم نفسه: لماذا فكرت أصلاً في أن أصادقها؟ لكن لا، الملاحظات التي كتبتها على الأوراق السابقة كانت مفيدة وواقعية. إذن، ليست كل أقوالها هراء. وبينما أرهق نفسه بالتفكير حتى ظن أن رأسه سيؤلمه، قرر أن يحافظ على قدر من اللباقة يليق بنبيل.
“حتى لو كان ذلك صحيحاً، فهناك سبع سنوات كاملة. ألا ترين أن من المبكر الحديث عن إصلاحات الآن؟”
“لا أظن. إن تأخرتم أكثر، ستواجهون صعوبة كبيرة.”
كانت كاليوبي تتذكر جيداً أن إقليم دوروتا متصل بالسلسلة الجبلية حيث سيبعث ملك الشياطين. ما يعني أن الوحوش ستفيض فجأة، ناشرة الفوضى. كم كان عدد الناجين في المرة السابقة؟ لم يكن كثيراً. أشارت للخادمة كي ترفع فناجين الشاي كلها.
“أنا أقول هذا لكم وحدكم، لورد أوتيس.”
“نعم، بالطبع.”
رد بلا مبالاة وهو ينهض. نهضت معه لتشيّعه.
“وأرجو ألا تذكر لأحد حديثنا هذا. سيعتبرونك مجنوناً فوراً.”
“…إذن أنت تعلمين ذلك جيداً.”
لم يتمالك نفسه من قولها، فاكتفت بابتسامة أخرى. وسرعان ما وصلا إلى بوابة القصر.
“لو كان ملك الشياطين سيبعث فعلاً بعد مدة قصيرة كهذه، لكانت معابد الإمبراطورية قد أنذرت بذلك.”
“بالتأكيد سيُعطون إنذاراً. لكن متى؟ قبل عام من البعث على الأكثر. مع أنهم في الحقيقة يعرفون الموعد منذ البداية، إلا أنهم يتعمدون إخفاءه حتى آخر لحظة.”
“كأنك تتحدثين وكأنك ترين المستقبل.”
سخر من كلامها، لكنها لم ترد. ظن أوتيس أنها استاءت، فالتفت نحوها، لكنه اكتشف أن الأمر لم يكن كذلك.
كانت عيناها معلقتين على عربة توقفت غير بعيد. وعندما لاحظ تغير ملامح وجهها تدريجياً، أدرك شيئاً ما.
“أيمكن أن تكوني…؟”
“عليك أن تذهب الآن. لقد وصل خطيبي.”
أجابت وهي ما تزال تحدق في تلك العربة المتواضعة، رغم أنها وجهت كلماتها له. حين رأت العربة، أزهرت ملامحها بابتسامة لم تشبه تلك التي أبدتها له عند لقائه.
عندما ترى المزيف، قد لا تلاحظ زيفه. لكن حين يظهر الحقيقي، يصبح من السهل اكتشاف الفرق. عيناها الحمراوان كانتا تتوهجان بحرارة كالشمس فوق الصحراء، مشبعتين بمشاعر لا يعرف أوتيس مصدرها.
وقف مذهولاً، عاجزاً عن الصعود إلى عربته، يراقبها فقط. ثم لمح أن ابتسامتها المشرقة شابها ارتعاش غريب، وعيناها اتسعتا أكثر، ونظراتها تحولت إلى شدّة.
ذلك التعبير لم يختف حتى ظهر الرجل الأسود الثياب الذي نزل من العربة واقترب منها. كان أوتيس يعرفه: إيزاك إستيفان، المعروف بشبح عائلة الكونت.
“ما الذي حدث لوجهك؟”
كاليوبي، وقد نسيت وجود أوتيس بجانبها، مدت يدها وأمسكت وجه إيزاك، تجذبه نحوها. حاول أن يتراجع بتوتر، لكنها اقتربت أكثر.
ذلك المشهد الغريب جعل أوتيس يفكر باستغراب:
“ما معنى قولها: ما الذي حدث لوجهك؟ أليس هذا قاسياً قليلاً؟”
صحيح أن عينيه البيضاء تجعل الناس ينفرون منه، لكن ملامحه لم تكن قبيحة أبداً. في الحقيقة، كان وسيماً إلى حد ما. أقل مني، لكنه وسيم.
وبينما كان يتفحصه بدقة من غير قصد، لاحظ شيئاً بين خصلات شعره: جرح حديث، لا يزال الجلد حوله محمراً.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"