“أعدني، من فضلك. لا يجب أن تكذب عليّ أبدًا. يجب أن تكون دومًا في صفي، دون استثناء.”
في تلك الأيام، كانت كاليوبي صغيرة ومغمورة داخل قصر مليء بالأكاذيب. وحتى إن لم تعرف الحقيقة، لم تكن لتخطئ في التمييز بين رائحة من يخدعونها. لذا، الطفلة المرتجفة في داخلها، كانت تطلب الثقة من رجل غريب وعدها أن يكون بجانبها. في الماضي، كانت تعتقد أن ذلك تصرف أحمق.
“مهما حدث، لا تكذب عليّ أبدًا.”
“نعم.”
“أحببني أكثر من أي شيء آخر، واعتنِ بي أكثر من أي أحد. إن فعلت ذلك، فسأبادلك المشاعر ذاتها، وأحبك وأرعاك أكثر من أي شيء.”
“…نعم.”
“اقسم.”
نظر إليها أيزاك بعناية، ثم أمسك بيديها بلطف كما لو كان يمسك بكأس زجاجي رقيق، ثم انحنى على ركبته أمامها. لم يكن طلبها للثقة تصرفًا أحمقًا. لقد بذلت جهده لأجلها دومًا.
“رغم أنني لم أحصل على لقب فارس بعد، فإنني أقدم قسمي هذا لكم، آنستي.”
تلك اليد القوية التي تمسك بيدها برفق، تلك العينان البيضاء النقية التي لا يشوبها سوء، وتلك الملامح التي نطقت بالصدق—كلها جعلت كاليوبي تفكر: إذًا لماذا خنتني في النهاية؟
“لا أملك القدرة على إلغاء هذا الزواج غير المرغوب فيه، ولكن… سأكون دومًا إلى جانبك.”
المشهد يتكرر. يده تمسك بيدها بقوة أكبر. لماذا خنتني؟ سؤال لا تستطيع أن توجهه له الآن، فتكتمه في قلبها.
“ينبغي أن يكون الأمر كذلك بالفعل.”
أنا لن أفرط بك مجددًا. هكذا أقسمت كاليوبي في قلبها. حتى لو كان إلهًا نفسه، فلن أسمح له بأخذك مني. أي شيء يسعى إلى التفريق بيننا، سأزيله من طريقي.
—
كان أيزاك يرى أنه طالما استطاع طمأنة خطيبته الغريبة هذه، وتهدئتها، فسيكون على استعداد لفعل أي شيء. لم يكن ذلك نابعًا عن مشاعر، بل عن شعور بالمسؤولية فقط. عزاء يُمنح لمن ارتبط به شخص آخر مكروه من الجميع.
لكن رغم ذلك، حين رآها تبتسم له بذلك الشكل، شعر بشيء يرتج داخله. جلس في العربة عائدًا إلى قصر عائلته، وضغط بيده على راحة الأخرى مستذكرًا إحساس يدها.
“كان بها شيء من الهوس…”
بحسب ما سمعه من قبل، فهي ابنة زوجة المركيز السابقة، ولم تكن محبوبة داخل العائلة. اعتقد أيزاك أنها، مثله، لا تملك أحدًا تعتمد عليه، ولذا أرادت أن تطلب مشاعر من هذا الخطيب المفروض عليها.
“يبدو الأمر كما لو أن وحشين صغيرين مجروحين يلعقان جراح بعضهما البعض.” ابتسم بسخرية.
“لكن… ليس بالأمر السيء.” فقد كانت أول مرة يرى فيها شخصًا يبتسم له بهذا الدفء، دون ازدراء. لذا، حتى وإن سخر الناس، طالما يشعر بالراحة، فلا بأس.
ففي الوقت الراهن، مجرد وجود شخص واحد يبتسم له… كان كافيًا.
“لقد وصلنا.”
فور وصول العربة إلى قصر عائلة الكونت، نزل الخادم وفتح الباب معلنًا الوصول. لم يهتم بالخادم ببقاء أيزاك داخل العربة، وكان ذلك طبيعيًا بالنسبة له. فقد اعتاد على الترجل وحده والعودة إلى غرفته دون مرافقة.
كان ما يرتديه من ملابس لا يخصه، بل كان من ملابس أخيه. بالتأكيد سيتم التخلص منها لأنها لامست جسده، لكنه كان ملزمًا بإعادتها. لحسن الحظ، كان أطول وأضخم من أقرانه، لذا يمكنه استعارة ملابس أخيه.
“السيد الأكبر يطلبك.”
لم يجب أيزاك، بل اكتفى بالإيماء، وغيّر ملابسه. لم تكن لديه غرفة تبديل ملابس فاخرة، فقط خزانة صغيرة تتسع لبضع قطع. فتحها، ليجد قمصانًا بيضاء وسوداء مصطفة بنظام. كلها متشابهة، لا حاجة للتفكير في الاختيار.
رتّب ملابسه بعناية لئلا يُؤخذ عليه شيء، ثم وقف أمام باب مكتب إيرڤن. أخذ نفسًا عميقًا، وفتح الباب. على الأقل، كان قد أدى مهمته بنجاح اليوم…
ضربة. ارتجاج. لكنه ما إن فتح الباب حتى شعر بألم حاد في رأسه جعله يترنح. شيء صلب ارتطم بجبهته وسقط.
سائل غامض سال على جبينه. أمسك بالباب متوازنًا، ونظر إلى الأسفل، فرأى زجاجة الحبر التي اعتاد إيرڤن استخدامها تتدحرج وهي تسكب الحبر. آه، إذًا هذا ما سال على وجهي… الحبر.
لكن حين أبعد يده عن جبينه، رأى السائل الداكن الممزوج بالأحمر… لم يكن كله حبرًا.
“سمعت أن آنسة أَنستاس كانت خائفة منك.”
نبرة إيرڤن حملت شيئًا من الغضب. رفع أيزاك رأسه فرأى الخادم الذي رافقه إلى قصر أَنستاس واقفًا بجانب إيرڤن.
آه، يبدو أنه أبلغ بكل شيء.
لكنه لم يظن أن هذا وحده كافٍ ليغضبه. حين أدار عينيه بحثًا عن سبب الغضب، لمح السيف المُلقى على المكتب.
آه، اليوم هو ذلك اليوم إذًا…
“صحيح أنها كانت خائفة، لكن…”
“لم أقل لك أن تفتح فمك!”
كان يحافظ على سمعة العائلة بشكل رائع، لكنه، بخلاف كونه ابن قائد فرسان القصر الملكي، لم يكن يمتلك أي موهبة في فنون السيف. من المرجح أنه كان اليوم في حصة تدريب على المبارزة مع أبناء العائلات النبيلة الأخرى، وغالبًا ما تلقى هزيمة نكراء ثم جاء يصبّ جام غضبه على ايزاك. لم تكن هذه المرة الأولى، لذا لم يكن هناك ما يدعو للاستغراب.
كان ايزاك الابن الثاني، وقد ورث موهبة والده بالكامل في فنون السيف، لكنه كان يعتقد أن شقيقه إيرفن يمتلك قدرات أكثر نفعًا من مجرد البراعة بالسيف. غير أن البشر بطبعهم يطمعون دومًا فيما لا يملكونه من مواهب الآخرين.
“إذا لم تصل رسالة قبول الخطوبة هذا اليوم، فسيكون كل ذلك خطأك. أنت تعلم جيدًا أن والدي يولِي أهمية كبيرة لهذه الخطبة، أليس كذلك؟”
لم يُجب إيزاك، بل اكتفى بإيماءة صامتة. ولحسن الحظ، لم تكن آنسة أناسْتاس تُظهر نية في فسخ الخطوبة، لذا لا حاجة للقلق. لكن الحبر المختلط بالدم كان يواصل سيلانه نحو عينيه، مما سبّب له حرقة.
“طبعًا، كيف يمكن أن تنال إعجابهم وأنت مقارنةً بدوق غلايدرت مجرد لا شيء؟”
لأول مرة، سرح إيزاك بأفكاره في حضور إيرفن، متأملًا في الشخص الذي ذكرته آنسة أناسْتاس. هل كانت تقصد ابن دوق غلايدرت؟ لكنه سرعان ما طرد الفكرة من رأسه. بدا أنها كانت تتحدث عن قصة قديمة، قبل أن تعود إلى العائلة.
“لو لم يكن آل أناسْتاس يسعون للانضمام إلى حزب العرش، لما فكروا في اختيارك أصلًا. ظننتك قدمت أخيرًا خدمة تُحسب لك، وإذا بك تعجز عن إنجاز أمر بسيط كهذا.”
رمقه إيرفن بنظرة شرسة، وإيزاك أدرك ما يعنيه تمامًا.
“…أعتذر.”
“الاعتذار هو الشيء الوحيد الذي تجيده، اغرب عن وجهي، منظرُك يثير اشمئزازي.”
مع أنه هو من استدعاه، تصرّف وكأن إيزاك اقتحم المكان من تلقاء نفسه. خرج إيزاك من المكتب بصمت. حتى بعد انتهاء الاتفاق بين العائلتين، فإن الإجراءات الرسمية تحتاج إلى بعض الوقت، لذا، فمن الطبيعي ألا تصل رسالة الموافقة على الخطوبة إلا بعد انتهاء هذا اليوم. وكان إيرفن يدرك ذلك تمامًا، لكنه كان بحاجة إلى ذريعة ليفرغ فيها غضبه.
ولم تعد لدى إيزاك حتى طاقة للسخرية من حاله.
لكن في مساء اليوم نفسه، وصلت رسالة قبول الخطوبة.
—
كانت كاليوبي جالسة في غرفتها تكتب رسالة إلى إيزاك. رغم أنه لم تمر سوى ساعات قليلة على لقائهما، إلا أن صورته لم تفارق ذهنها، ما دفعها للرغبة في تحديد موعد جديد بأسرع وقت ممكن.
ما إن عاد إلى قصره، حتى اقتحمت مكتب والدها وأصرت عليه أن ينهي إجراءات الخطوبة خلال اليوم، ولهذا كانت واثقة أن الأمور ستمضي بسلاسة.
السبب الحقيقي وراء استعجالها الخطوبة لم يكن إيزاك نفسه، بل شقيقه إيرفن. توقفت قليلًا وهي تكتب “إلى خطيبي، إيزاك إيستيفان”، وتمتمت:
“ما الذي ينبغي لي فعله بذلك الوغد؟”
“عذرًا؟ أي وغد تقصدين؟”
سأل جاك الذي كان واقفًا خلفها، ويداه خلف ظهره.
“إن كنتِ تقصدين ديتـرون أناسْتاس، فهو طريح الفراش مؤخرًا، حالته الصحية سيئة.”
“لا، ليس ذلك الوغد، بل وغدٌ آخر.”
“آه، لم أكن أعلم بوجود وغدٍ ثانٍ، آسف.”
أما سوزان، التي اعتادت على نوعية هذه الحوارات بينهما، فبدأت بجمع فناجين الشاي بصمت.
“ابحث عن معلومات حول إيرفن إيستيفان.”
“هاه! ما إن تُخطب السيدة حتى تبدأ في التحقيق عن عائلة خطيبها؟ يا له من أمر مثير. لكن، حتى لو كان في عائلته شيء مشبوه، فلن تتمكني من فسخ الخطوبة بهذه البساطة، أليس كذلك؟”
على ما يبدو، اعتقد جاك، الذي لم يحضر جلسة الخطوبة، أن كاليوبي لا تزال تسعى لإفشالها. لكنها هزّت رأسها وبدأت تتابع كتابة رسالتها.
“لا أنوي فسخ هذه الخطوبة. لكنني لا أريد أن يستمر خطيبي في عيش حياة بائسة وسط عائلته.”
“آه.”
أطلق جاك صوتًا قصيرًا يدل على الفهم. فرغم محاولة عائلة الكونت إخفاء الأمر حفظًا للمظهر، إلا أن نبأ تهميش الابن الثاني داخل العائلة قد انتشر بالفعل بين الناس. صحيح أن أحدًا لم يجرؤ على توبيخه علنًا، لكن العلاقة الباردة بين الإخوة كانت أمرًا لا يمكن نفيه.
“هل تخططين للتخلص منه؟”
“بالطبع لا. رب عائلة إيستيفان لا يهتم بشؤون العائلة أصلًا، وإن تخلصنا من إيرفن الآن، فستتزعزع أركان العائلة. كما أن خطيبي، إلى جانب مهارته في فنون السيف، لم يتلق أي تعليم حقيقي، ولا يمكن أن أسلمه زمام الأمور.”
“تبدو وكأنك تعرفين عنهم أكثر مني.”
“حدث ذلك، بطريقة أو بأخرى.”
قالتها وهي تلوّح له بيدها، فاقترب منها جاك. سلّمته ورقة كانت قد أعدتها مسبقًا.
“ابحث عن معلومات حول إيرفن بناءً على ما هو مكتوب هنا. لا بد أن شيئًا ما سيعلق في الشباك.”
رفع جاك حاجبه متفاجئًا أثناء قراءته للمحتوى.
“حقًا… أتساءل من أين تحصلين على مثل هذه المعلومات.”
“لكل شيء وسيلة.”
كانت كاليوبي تنوي أن تمتد يدها إلى كل شيء يحيط بإيزاك. لتكون هي من يمسك بقياده، لا عائلته. حتى لا يمكنه أن يخونها مجددًا. كانت تنوي أن تصنع له سجنًا، مغطى بالعاطفة، لا يمكن الفرار منه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات