بينما كانت سوزان تثرثر كالعصفور المغرّد، ضحكت كاليوبي بسكون. لم يكن على جاك أن يقوم بأي عمل ذلك اليوم، لذا منحته يوم إجازة، والمكان الذي ذهب إليه بكل حماس كان… غرفته. على الأرجح، سينام طوال اليوم كعادته.
وضعت لمسة من أحمر الشفاه بلون يتناسق مع بشرتها، ثم وضعت مسحوقاً خفيفاً بلون المشمش على وجهها الشاحب، فأضفى عليه حيوية مشرقة. نظرت إلى وجهها في المرآة وأمالت رأسها قليلاً في الاتجاهين، ثم نهضت ونظرت إلى الوقت. لم تكن قد قامت إلا بتعديلات بسيطة على الملابس والمكياج، لكن أربعين دقيقة كانت قد مضت بالفعل.
“حان وقت النزول.”
توجهت مباشرة إلى التراس الذي أُعد فيه حفل الشاي. وما إن فتحت مدخل التراس حتى هبّ نسيم صيفي حرّك الستائر ذات اللون المماثل للمنضدة برفق. وقفت بالقرب من المدخل مستعدة لتحية الضيوف فور وصولهم، بينما ألقت نظرة أخيرة على ترتيب الطاولات. كل شيء، من أماكن الجلوس إلى الزهور، كان مرتبًا تمامًا كما أرادت — مثاليًا بكل معنى الكلمة.
“آنستي، الضيوف قد وصلوا.”
همس أحد الخدم بهدوء قبل لحظات من وصول الضيفات. التفتت كاليوبي برأسها نحو الرواق، حيث كانت فتاتان تمشيان ببطء خلف خادمة ترشدهما. كانتا ترتديان فستانين بلون بتلات الزهور، وكأنهما نسّقا ملابسهما معًا.
“مرحبًا، آنسة أناستاس. نشكرك على دعوتك لنا إلى حفل الشاي.”
“تشرفنا بلقائك. القصر رائع حقًا. شكراً جزيلاً على دعوتك.”
كانت هاتان الفتاتان، في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة على التوالي، مشهورتين بصداقتهما القوية. وعلى الرغم من أن ابنة البارون روبيرتا تكبر صديقتها بسنة، إلا أن علاقتهما الوثيقة دفعت الناس إلى التكهّن بأنهما قد تقيمان حفل ظهورهما الاجتماعي (دبيوتانت) معًا في المستقبل.
رحّبت كاليوبي بهما بابتسامة، وتبادلتا المجاملات الخفيفة، ثم وجّههما أحد الخدم إلى طاولة مشتركة. بعد ذلك بدأت الضيفات يتوافدن واحدة تلو الأخرى، حتى وصلت الضيفة التي كانت كاليوبي تنتظرها أكثر من غيرها.
كانت تلك الشقيقتان من عائلة كاربيوليه. اقتربت أورثيا، الأخت الكبرى، وهي تبتسم ابتسامة عريضة، واصطحبت معها أرمونت كما اتفقتا مسبقًا. أما أرمونت، فكانت تختبئ خلف فستان أختها، مترددة في التقدم.
“أشكركم على حفاوتكم، آنسة أناستاس.”
“بل أنا التي تشكركما على تلبية الدعوة. كارولي لا تزال في غرفتها، متظاهرة بالعناد، لكنها استيقظت مبكرًا اليوم واهتمت بمظهرها، لذا أعتقد أنها ستخرج بعد قليل.”
تنهدت أورثيا بشكل درامي وضحكت، ثم رفعت ذقنها قليلاً.
“يبدو أنك تعانين مع شقيقتك الصغرى أيضاً. أما أنا، فلا أخبرك كم عانيت هذا الصباح.”
“أختي!”
“تقول إنها ستذهب، ثم تغير رأيها وتقول لن تذهب. تربط شعرها ثم تفكّه مجددًا، وهكذا طوال الوقت.”
وعندما بدأت أورثيا تداعب أختها الصغيرة، قفزت أرمونت من خلف الفستان، محتجة بغضب. لم تستطع كاليوبي منع نفسها من الضحك، لكن بمجرد أن ضحكت، تجمدت الطفلة فجأة. عندما لاحظت كاليوبي أن الطفلة ارتبكت، أدركت على الفور أن السبب هو هي نفسها. فخفضت جسدها حتى تكون في مستوى عيني الطفلة، وتحدثت إليها بلطف:
كان من الواضح أن الطفلة تشعر بالحرج لرؤية من تسببت لها بأذى في الماضي، حتى لو كان ذلك بغير قصد. لكن بما أن الطفلة أدركت خطأها بوضوح، لم يكن هناك ما يثير الغضب في قلب كاليوبي.
وأثناء تفكيرها في طريقة لتخفيف توتر الطفلة، تذكّرت ما كان يجدي نفعًا دائمًا مع كارولي.
“لدينا كعكة من البسكويت. ألا ترغبين في تناولها مع كارولي؟”
وبالفعل، لمع بريق في عيني الطفلة، ولم تستطع إخفاء سعادتها. ابتسمت كل من كاليوبي وأورثيا في نفس اللحظة، ثم عبست أرمونت من جديد.
“لكن ماذا لو لم ترغب كارولي في أكل الكعكة معي؟”
“همم، هذا سر صغير…”
اقتربت كاليوبي أكثر وخفّضت صوتها، فاستشعرت أرمونت أنها على وشك سماع سر حقيقي وانتظرت بترقّب.
“كارولي تحبك أكثر مما تتصورين.”
رفعت أرمونت رأسها وبدأت ترمش بعينيها في دهشة. ابتسمت لها كاليوبي مجددًا، ثم اعتدلت واقفة.
“هل تودين الجلوس؟ الضيفات التاليات قد وصلن.”
“نعم، سأتوجه إلى هناك.”
أمسكت أورثيا بيد أرمونت وتوجهتا إلى الطاولة التي جهزها الخدم مسبقًا. كان هناك كرسي خاص يناسب حجم أرمونت. جلست الفتاة الصغيرة وهي تتأرجح بقدميها، ثم همست لأختها:
“أعتقد أنني أخطأت كثيرًا.”
“أعتقد ذلك أيضاً.”
“وأيضًا…”
كانت أرمونت تتسلل بنظرها لتراقب كاليوبي التي كانت تستقبل الضيوف الآخرين.
“أعتقد أنها أجمل منكِ يا أختي.”
“همم.”
قالت ذلك بنية أن تمازح أختها التي طالما مازحتها، لكن أورتيا كانت جادة تمامًا هذه المرة، وهزّت رأسها دون أي تردد.
“بالفعل، أعتقد ذلك حقًا.”
“هـه، ها؟”
ارتبكت أرمونت وبدأ صوتها يتلعثم، لكنها رأت أورتيا تراقب كاليوبي بجدية واضحة.
لقد عاشت أورتيا حياتها وهي تتلقى المديح على جمالها. لا تذكر ذلك جيدًا، لكنها متأكدة أن الكبار عندما رأوها وهي رضيعة قالوا: “لم نرَ طفلًا بهذا الجمال من قبل!”
قد يبدو هذا الكلام غريبًا لو قيل للناس، لكنه يعكس مدى كثافة المديح الذي تلقته على مر حياتها. منذ أن بلغت الثالثة عشرة، بدأت تختلط بفتيات النبلاء من نفس السن، وصنعت صداقات كثيرة، لكنها في قرارة نفسها، لطالما اعتقدت أنها الأجمل بينهن.
لم تكن تختار صداقاتها بناءً على الشكل، لكنها كانت في سن المراهقة حيث تزداد حساسية الناس تجاه المظهر الخارجي، ولهذا كانت تميل إلى المقارنة. وكانت تعلم أن هذه العادة ليست حسنة.
“عليّ أن أتخلص من هذه العادة الآن.”
“أختي، لماذا أنتِ جادة هكذا فجأة؟”
“اصمتي يا أرمونت، أختك تمر بمرحلة نضج الآن.”
“ما هذا الهراء؟”
وفيما كانت الأختان تتبادلان هذا الحديث الغريب، كانت كاليوبي تستقبل آخر ضيفة في الحفل.
ظهرت فتاة بشعر بنفسجي متوهج تحت أشعة شمس الصيف، مرتدية فستانًا أحمر يزيدها إشراقًا. كانت عيناها الزرقاوان حادتين مرفوعتي الزاوية. نساء عائلة دايلَس لطالما ورثن هذا الشعر البنفسجي النادر في المملكة.
كانت الضيفة هي بيرتشي دايلَس، الابنة الوحيدة لدوق دايلَس. لكنها بدلاً من أن ترد التحية، اكتفت بالنظر إلى كاليوبي من رأسها إلى أخمص قدميها ثم فتحت مروحتها وقالت:
“نعم، لقد جئت لأن خالتي دعتني شخصيًا. لن يكون هذا الوقت مثاليًا، لكنه سيكفي لقضاءه هنا.”
رغم أنها لم تذكرها صراحة، فإن كلماتها أوحت باستهزاء واضح تجاه الحفل. كاليوبي، التي سبق أن سمعت تعليقات لاذعة أكثر من هذه، ابتسمت بهدوء وغطت فمها بيدها بلطف، وضحكت بلباقة.
“لقد أقيم هذا الحفل بناءً على نصائح السيدة المركيزة بنفسها، لكن يبدو أنه لم يرتقِ إلى مستوى ذوق الآنسة دايلَس. كما هو متوقع من رائدة الذوق الرفيع. آمل أن أتعلم بعضًا من ذوقك خلال هذا الوقت.”
كأنها تقول: “خالَتُك ساعدتني في التحضير.” رغم أن كلماتها كانت مهذبة، إلا أن المعنى كان واضحًا. أخذت بيرتشي لحظة ثم رفعت حاجبها وقالت:
“خالتي مشغولة كثيرًا مؤخرًا بشؤون العائلة، لست متأكدة إن كانت بخير.”
وهذا يوحي بأنها تعرف عن حال خالتها أكثر مما تعرف كاليوبي، نظرًا لنشاطها المستمر في المجتمع الأرستقراطي. لم تستطع كاليوبي أن تخفي إعجابها: كم أنتِ مستعدة لتلميع صورتك حتى لو على حساب سمعة كبار العائلة!
لكنها لم تُظهر شيئًا من ذلك، بل ردت بابتسامة مشرقة:
“لديكِ قلب طيب، آنسة دايلَس. السيدة المركيزة بخير، رغم انشغالها، ولم تبخل عليّ بالنصائح لتنظيم هذا الحفل.”
“…هذا يطمئنني.”
“بما أن الدوقية تُقدركِ غاية التقدير، لا بد أن صلتك بالسيدة المركيزة وثيقة جدًا. ستُسر حين تسمع أنكِ مهتمة لأمرها.”
كأنها تقول: نعم، نحن نعرف أنكِ مدللة، لكن لا داعي للتفاخر أكثر من هذا. وفور انتهائها، أغلقت بيرتشي مروحتها بإحكام، بينما كاليوبي ما تزال تبتسم بابتسامة بريئة.
“بما أنكِ آخر من وصل، دعيني أرافقك إلى مقعدك بنفسي.”
رغم أن كلماتها كانت مغطاة بلباقة، إلا أن الفتاة الذكية والمتمرسة في أوساط المجتمع النبيل لن تفوّت فهم ما بين السطور.
ومع ذلك، ظلت كاليوبي محافظة على وجه بشوش ورافقت بيرتشي بنفسها. ولم تقم بيرتشي بأي تصرف وقح، بل اكتفت بالتحديق في مؤخرة رأس كاليوبي بهدوء. ربما لأنها حضرت بناءً على دعوة من خالتها، فهي تحاول أن تتصرف بشكل لائق.
جلست بيرتشي برشاقة على الكرسي الذي قادتها إليه كاليوبي، مستقيمة الظهر. مظهرها كان نموذجًا للفتيات النبيلات. الفتيات من حولها نظرن إليها بخوف أو بإعجاب. لكن بيرتشي، التي اعتادت مثل هذه النظرات، جلست بهدوء تحدق أمامها فقط، بينما كانت في داخلها تفكر:
هناك شيء غريب في أسلوب كلام هذه الفتاة…
كانت تشعر بانزعاج من نبرة كاليوبي، لكن الأخيرة لم تبدِ أي عدائية، ولم تستخدم أي كلمات مستفزة. حتى ابتسامتها، بطريقة ما، كانت تُضعف عزيمتها.
رغم أن الابتسامة المغلفة بخنجر كلامي أمر شائع في المجتمع الأرستقراطي، إلا أن الحقيقة هي أن بيرتشي دايلَس…
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"