تنهدت كاليوبي بعمق ثم نهضت من مكانها. رمشت سوزان بعينيها ثم سألتها بفزع:
“هل ستذهبين وحدك؟ سأذهب بسرعة، دعيني أرافقك.”
كان سبب قلق سوزان هو أن كاليوبي كانت تنوي الذهاب إلى الجناح المنفصل لرؤية ديترون. لقد كان متوعكًا مؤخرًا، ويبدو أن حاله اليوم أفضل قليلًا فاستدعاها. في الواقع، لا أحد في هذا القصر يود التعامل معه، لذا لم يكن هناك من يعتمد عليه سواها.
قالت كاليوبي: “لا بأس، من الأسهل أن أواجه هذا العجوز وحدي.”
“لكن مع ذلك…”
“هل وصلك أي خبر من دايلورين منذ ذلك الحين؟”
“منذ أن جاء في ذلك الوقت، لم ترد أخبار جديدة.”
منذ أن أبلغهم دايلورين قبل مدة أنه وجد عشبة الرسم، لم يحدث شيء جديد على ما يبدو. وصادف أن وصلت اليوم أيضًا نبتة “تولان”، التي كانت قد طلبتها من زوجة المركيز النشيطة.
“إذًا كل ما نحتاجه قد أصبح لدينا.”
سألتها سوزان التي كانت واقفة بجانبها:
“لكن، فيمَ ستُستخدم تلك الأشياء؟”
أجابت كاليوبي: “هناك أمر ما.”
قالت سوزان متذمرة: “آنستي مليئة بالأسرار.”
رغم تذمرها، انطلقت سوزان بجدية لإنهاء المهمات، أما كاليوبي فخرجت من الغرفة تاركة جاك النائم خلفها. وعندما وصلت إلى الجناح المنفصل، وجدت ديترون جالسًا على الشرفة، وقد وضع كرسيًا هناك واستلقى عليه بخمول. كان يحاول الحفاظ على هيبة النبلاء بانتصاب ظهره، لكن انحناءه كان لا يُخفى.
“جدي الكبير.”
“متى ناديتك حتى تأتي الآن فقط؟”
قال ذلك بصوت حاد، لكنه لم يكن يملك حتى طاقة الغضب، فأدار رأسه بعيدًا بتوتر. بجانبه، ألقى دايلورين نظرة سريعة وحيّاها بعينيه دون أن يلفت الانتباه.
جلست كاليوبي أمامه وابتسمت، وبدأت تمثل دور الحفيدة التي تحاول تهدئة مزاج جدها بلطف.
“آسفة، تأخرت لأن زوجة المركيز كلفتني فجأة بمهمة.”
“همف، يبدو أن زوجة المركيز تعاملُك كخادمة. في المرة الماضية خرجتما للتسوق وعدتِ فارغة اليدين، أليس كذلك؟”
هزّت كاليوبي رأسها بأسى، مع أنها تعمّدت أن تترك أغراضها مع كيركي وتتصرف وكأنها لم تحصل على شيء. ومع ذلك، الناس الذين لا يؤمنون إلا بما يرونه، كانوا يهمسون بأن زوجة المركيز تستغل ابنة الزوجة السابقة كحاملة أغراض.
في البداية، كانت الإشاعة تدور فقط حول أنها لم تشترِ لها شيئًا، لكن لا تدري متى تحولت إلى هذا الشكل من الظلم.
“أنا راضية بما لديّ الآن.”
“تش، راضية؟! قناعة كهذه تدل على ضيق الأفق. يجب أن تحصلي على حقك بكل وسيلة! يا لك من حمقاء.”
حتى ديترون، الذي كان حريصًا في السابق على الحفاظ على صورته أمامها، بدأ يظهر طباعه الحقيقية مع تدهور صحته. رغم تناوله المستمر للأدوية، لم تكن حيويته تعود، وهضمه أصبح أبطأ. كما أن حركته بدأت تصبح بطيئة بشكل واضح، مما جعله يشعر بالعجلة والضيق.
في مواجهة كلماتها الصادقة، خفَّ توتر وجه ديترون بعض الشيء. فمهما يكن، لم يتبقَّ له سوى كاليوبي يعتمد عليها. وحين ضعف جسده ومرض، بدأ يشعر بالوحدة التي لم يشعر بها في شبابه.
“نعم، في هذا البيت، أنت الوحيدة التي تهتم بي.”
وفي صوته ظهر شيء من السخرية الممزوجة بثقة ضعيفة، فأضاء وجهها بابتسامة عريضة.
يا له من شيخ أحمق…
لكن كاليوبي كانت تنوي حقًا أن تطيل عمره أكثر من المتوقع. وذلك، كان صادقًا منها.
لقد خالفت وعدها لسوزان بأن تعود بسرعة، وبقيت إلى أن غلبه النوم. رغم أنها كانت تعاني أحيانًا من نوبات غضبه، إلا أن فكرة أنها ستكون بجانبه في لحظاته الأخيرة خففت عنها الكثير.
وبينما هو نائم بسلام، لم يكن يتخيل ولو لحظة واحدة ما كانت تخطط له.
كانت تبتسم، بينما تردد في قلبها لعنات ضده. أما العجوز، فلم يكن يعلم شيئًا، ونام مطمئنًا بجوارها.
تركت كاليوبي الغرفة برفقة دايلورين.
“منذ متى بدأ يشرب مزيج الويذي واللونتس؟”
“مرَّ الآن حوالي ثلاثة أيام.”
“كما توقعت، بما أنه ممزوج بالماء، فمفعوله ليس سريعًا. يبدو أن بإمكاننا تجربة استخدام التولان بعد قليل من المراقبة. هل جففته كما علمتك؟”
“نعم، آنستي. أعتقد أنه سيجف تمامًا بعد عدة أيام.”
“هذا النبات لا يُظهر تأثيره إلا إذا جُفف في مكان جاف جدًا حتى يُصبح هشًّا. لذا اعتني به جيدًا.”
“مفهوم.”
ابتسمت كاليوبي بلطف وغادرت.
كان دايلورين ينظر إلى ظهرها الصغير وهي تبتعد، ثم فرك ذراعه حيث شعر بقشعريرة خفيفة، وعاد إلى الغرفة.
وفي اليوم التالي مباشرة، بدأت كاليوبي تشتري أشياء جديدة بإذن من زوجة المركيز، وبدأت تكتب بطاقات الدعوة.
وأثناء مراقبتها وهي تكتب، لم تتوقف سوزان عن التعبير عن إعجابها بخطها الجميل:
“خطكِ جميل جدًا يا آنستي.”
وقد كان كذلك فعلًا، إذ تدربت عليه حتى تقرّحت يداها.
وأثناء كتابتها الدعوات واحدة تلو الأخرى بخط يدها، توقفت يد كاليوبي فجأة عند اسم عائلة محددة:
“دايلَس، هكذا إذًا…”
“آه، السيدة هي من أضافت ذلك، أليس كذلك؟”
كيركي كانت قد استلمت من إيلان قائمة الضيوف المدعوين إلى حفل الشاي، مرفقة بخطة كاليوبي الخاصة بالحفل. قدمت بعض النصائح بعدم دعوة عدد من العائلات، لكن كاليوبي، التي لم تستطع توضيح السبب، اكتفت بالابتسام، فلم تسألها كيركي المزيد. أما الاسم الذي أُضيف في أسفل القائمة فكان يعود إلى دوقية دايلَس، عائلة والدتها.
“هل هي إشارة إلى ضرورة توطيد علاقتي بعائلة والدتي؟”
كانت كاليوبي تعرف أن لعائلة دايلَس الدوقية ابنة واحدة فقط، وهي الابنة الوحيدة من السلالة المباشرة.
عندما عادت بذاكرتها إلى الماضي، لم تستطع أن تتذكر فتاة أسوأ منها في السلوك. كانت عنيدة إلى حد مزعج، لا تحتمل أي خلاف لرغباتها، ولا تكبت غضبها أبداً. حتى إنها في أكثر من مناسبة، وجهت إهانات علنية لشركائها في مناسبات رسمية، وصرخت مطالبة إياهم بالمغادرة، مما جعلها حديث المجتمع لفترة طويلة.
“لا أذكر من علاقتي بها سوى الشجار”
كان هناك خلاف كبير بينهما في السابق، حين تدخلت كاليوبي دفاعًا عن إحدى الفتيات بعد أن وجهت لها تلك الشابة إهانة فظة. انعكست معاناة تلك الفتاة في أعين الناس على كاليوبي نفسها، التي لم تتحمل المشهد ووقفت في وجهها، لكن الجدال تصاعد وانتهى بخسارتها للنقاش، ما أجبرها على العودة إلى منزلها حيث تلقت العقاب.
“هل يمكن أن تسير الأمور بشكل جيد معها كما حدث مع كارولي؟”
كارولي، التي لم تكن على علاقة بها في طفولتها وتدهورت علاقتهما بعد أن كبرتا، أصبحت الآن في علاقة طيبة معها. لكن كارولي كانت لا تزال طفلة، أما تلك الفتاة من عائلة دايلَس فتكبرها بسنتين.
“لست واثقة من نفسي.”
لكن، بما أن كيركي أضافت الاسم، لم يكن في وسعها تجاهله. لم تكن تعرف لماذا وضعت كيركي تلك الفتاة أمامها، لكنها على الأقل لا تبدو أنها تحاول إيذاءها، لذا واصلت كتابة بطاقة الدعوة.
—
استُكملت تحضيرات حفل الشاي بشكل متتابع. تم إرسال الدعوات إلى آنسات من ثماني عائلات، ولحسن الحظ، لم تتلقَ أي رسالة رفض. ربما لأن الجميع يشعر بالفضول، خصوصًا عن الابنة المفاجئة لزوجة المركيز السابقة.
من الطبيعي أن تنشأ صداقات بسيطة بين آنسات الطبقة النبيلة قبل ظهورهن الرسمي، لكن كاليوبي كانت أشبه بشخص سقط من السماء، لذا كان عليها أن تكون أكثر حذرًا كي لا تُؤخذ عليها أية ملاحظة. عادت بذاكرتها إلى حفل الشاي الفوضوي الذي أعدّته قديمًا.
“هذه المفرش يُشعرني بجمال كلاسيكي عتيق. أظن أن جدتي كانت ستحبه وتسترجع به ذكرياتها”
عبارات مزيفة خلفها سخرية واضحة، وعيون مليئة بالاحتقار، مغطاة بالمراوح الحريرية. لم تكن لدى كاليوبي حينها سوى خدم الملحق للمساعدة، ولم تكن توجههم كما ينبغي، لذا أخطأوا كثيرًا، وفشل الحفل، حيث غادر الضيوف قبل أن يكتمل الوقت.
إيلان، حينها، اكتفى بالقول: “جربي أن تنظمي حفلاً بمفردك”، ولم يقدم أي مساعدة. الآن باتت تستطيع تنظيم الأمور وحدها، لكن حينها لم تكن كذلك. رغم أنها تلقت دروسًا في آداب الطبقة الرفيعة، إلا أن تطبيقها العملي يتطلب وجود معلم جيد.
الكتب تحدثت فقط عن أن الدانتيل الرقيق يوحي بالأناقة، والألوان الفاتحة تخلق جوًا مشرقًا، لكن لم تذكر شيئًا عن ما هو رائج حاليًا. لم يكن لدى كاليوبي من يرشدها، ولو كانت زوجة المركيز قد ساعدتها حينها، لكان الوضع أفضل، لكن مجرد التفكير بذلك كان ضربًا من الخيال.
“آنستي، إلى أين يجب أن نضع هذه المزهرية؟”
“آه، على تلك الطاولة.”
المزهريات الرقيقة التي حملها الخدم وضُعت واحدة تلو الأخرى على الطاولات حسب إشارات كاليوبي. الزهور التي بلا تنسيق—حمراء، صفراء، بنفسجية—انسجمت بشكل غير متوقع، فيما كانت السماء الزرقاء الصافية تبدو كأنها جزء من خلفية اللوحة فوق الطاولات البيضاء. عادةً ما يتم تنسيق الزهور من نوع أو نوعين لإعطاء إحساس بالانسجام، لكن كاليوبي أضفت إلى الزهور معاني مختلفة بدلًا من ذلك.
“كم بقي من الوقت حتى يصل الضيوف؟”
“حوالي ساعة، آنستي.”
“وماذا عن الشاي والحلويات؟”
“الشاي جاهز حسب اختيارك، أما الحلويات فستُقدم عند وصول الضيوف.”
أومأت كاليوبي برأسها، ثم عادت إلى غرفتها لتقوم بلمساتها الأخيرة. فتحت سوزان الباب فجأة وصرخت مستنكرة.
“آنستي، كيف تعودين الآن فقط؟!”
“لقد أنهيتُ ترتيبات الزينة الأساسية، أليس كذلك؟”
“ومع ذلك! إنه أول حفل شاي تقيمينه، يجب أن يكون مثاليًا!”
ضحكت كاليوبي بلطف على رد فعل سوزان وجلست أمام المرآة. لم تكن تنوي وضع مكياج ثقيل. آنسات ما قبل الظهور الرسمي لا يضعن زينة كثيفة، والمكياج الثقيل لا يترك انطباعًا جيدًا في اللقاء الأول.
ارتدت كاليوبي فستانًا صيفيًا أزرق مصنوعًا من الشيفون، وزيّنت نفسها بجواهر من نفس اللون، ثم وضعت شريطًا في شعرها كانت قد تلقته كهدية من زوجة المركيز. النتيجة كانت فتاة تبدو في الرابعة عشرة من عمرها، جالسة أمام المرآة. وحدها عيناها الحمراوان كانتا غريبتين.
“لا حاجة لأن أبدو محبوبة.”
“ها قد بدأنا ثانية… هل تعلمين كم تبذل الفتيات في مثل سنك جهدًا ليبدين محبوبات؟”
“أعرف، طبعًا أعرف.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"