تدخلت كارولي فجأة. كانت تراقب الأسماء التي تكتبها كاليوبي خلسة، ثم أبدت اعتراضها فجأة. نظرت إليها كاليوبي بتفاجؤ وسألت:
“لماذا؟ أليست صديقتك من عائلة كونت كاربيولي؟”
هل يكون السبب هو الخلاف الذي حدث سابقًا في مشغل الخياطة؟
“أليست أقرب صديقاتك؟ قد تكون هذه فرصة مناسبة للمصالحة.”
“لا، لا تعجبني! لا تدعيها!”
“كارولي، عليكِ أن تذكري السبب.”
“لا أعلم!”
ألقت كارولي بالقلم بعيدًا وركضت إلى خارج الغرفة. رمش كافير بدهشة، ونظرت كاليوبي إليه باستفهام، لكنه هز رأسه نافي. ما الذي حدث بينهما ليستمر أثره حتى بعد مرور فصل كامل؟ نهضت كاليوبي من مكانها وتبعت كارولي.
كانت كارولي قد ركضت بسرعة إلى غرفتها. وما إن دخلت حتى تبعتها الخادمة الخاصة بها وسألتها بلطف:
“هل أنتي منزعجة يا آنستي؟”
“اخرجي!”
صرخت بها كارولي، فتنهّدت الخادمة وأغلقت الباب خلفها. أما كارولي، فقد دفنت وجهها في سريرها، وبدأت تضربه بقدميها غاضبة.
“لا أحد يفهم ما أشعر به!”
عادت بذاكرتها إلى ما حدث قبل عدة أشهر في مشغل الخياطة.
أرمانت، التي كانت تشاركها نفس الذوق وحب الحلوى، كانت واحدة من أعز صديقاتها. في ذلك اليوم، خرجت كارولي مع والدتها، وكانت في غاية السعادة، فبدأت تختار الأقمشة والدانتيل بفرح كبير.
لاحظت أرمانت سعادتها، وأظهرت تشجيعها، لكنها كانت تراقب كاليوبي، التي كانت جالسة بهدوء إلى جانب الماركيزة.
“كنت قلقة، لكن من الجيد أنكِ تبدين سعيدة، يا آنسة كارولي.”
تفاجأت كارولي قليلًا من حديثها وسألت:
“لماذا كنتِ قلقة عليّ؟”
نظرت أرمانت حولها، وكأنها تتأكد من أن لا أحد يسمع، ثم همست:
“سمعت أن فتاة لا أصل لها دخلت إلى عائلة الماركيز، ولهذا السبب كانت الماركيزة قلقة جدًّا.”
كانت أرمانت في التاسعة من عمرها، ولم تكن تدرك تمامًا خطورة هذا الكلام. صحيح أنها لم تكن تكرر هذا الكلام أمام الجميع، لكنها لم تتردد في قوله لأقرب صديقاتها، كارولي، خاصةً أنها كانت تظن أن كارولي منزعجة من وجود أخت جديدة ظهرت فجأة.
لكن توقعاتها لم تكن دقيقة.
“من قال هذا الكلام؟!”
تغير تعبير كارولي على الفور، وبدأت تتحدث بنبرة غاضبة، مما أربك أرمانت.
“آه… أعني… لكنه حقيقي!”
أرادت الطفلة أن تتمسك بكلامها، غير مدركة أن ما قالته خطأ، فزاد ذلك من سوء الموقف.
وبينما ارتفعت أصوات الأطفال، تدخل الحراس والخدم لتهدئتهم. وكانت كاليوبي هي من هدأت كارولي واحتضنتها. رأت أرمانت هذا المشهد، وأدركت أن العلاقة بين كارولي وكاليوبي لم تكن سيئة كما توقعت. لكن هذا الإدراك جاء بعد فوات الأوان.
وقدمت والدة أرمانت اعتذارًا نيابة عنها، وقبلت الماركيزة الاعتذار، وانتهى الأمر ظاهريًا. لكن الغضب لا يزال يملأ قلب كارولي.
“أرمانت الحمقاء! كاليوبي الحمقاء!”
كان يؤلمها أن ترى كاليوبي تفكر بدعوة عائلة كاربيولي وكأن شيئًا لم يحدث. وبسبب ذلك، امتلأت عيناها بالدموع. وبينما كانت تبكي وتبلل وسادتها، فُتح الباب بهدوء.
“كارولي؟”
كانت كاليوبي.
“ألم تتعلمي أنه لا يجب دخول غرف الآخرين دون إذنهم؟”
ردّت كارولي ببرود، لكنها لم تطلب منها المغادرة. جلست كاليوبي بهدوء على طرف السرير، مبتسمة بلطف، رغم الأسى في عينيها.
“ما الذي أزعج صغيرتنا اليوم؟”
“أنا لست صغيرة!”
رفعت كارولي رأسها بغضب، وكانت عيناها ممتلئتين بالدموع. مدت كاليوبي يدها بلطف لتجفف دموعها وسألتها:
“هل أخطأت أرمانت بحقك كثيرًا؟”
“لم تخطئ بحقي أنا.”
“إذن بحق من؟”
ترددت كارولي قليلًا، وظهر التردد على وجهها، ثم عقدت حاجبيها وقالت:
“…بحقك أنتِ.”
“بحقي أنا؟”
رمشت كاليوبي بعينيها للحظة. عندما استرجعت الشائعات التي كانت تُقال عنها منذ زمن بعيد، بدا لها أن الناس قد قالوا عنها كلامًا سيئًا بالفعل. ولكن، هل انتشرت تلك الشائعات بهذه السرعة؟ ضمّت كارولي إليها وربّتت برفق على ظهرها.
“كنتِ قلقة من أن أتأذى، أليس كذلك، كارولي؟”
“هذا غير صحيح.”
سمعت صوت الطفلة وهي تشهق بصوت متقطع. ضمّتها كاليوبي دون أن تتكلم وبدأت تفكر. في الماضي، كانت الآنسة أرمانت فتاة ذات سمعة حسنة. كانت بريئة بعض الشيء، لكنها امتلكت نوعًا من البصيرة، وكانت تؤدي دور التوازن بجانب كارولي التي كانت تميل للتصرف بعفوية. من المحتمل أنها، وهي صغيرة الآن، صدّقت الشائعات عنها كما هي دون تفكير.
“لكنها اعتذرت، أليس كذلك؟”
“اعتذرت فقط لأن أمها طلبت منها ذلك. واعتذرت لي أنا، لم تعتذر لكِ أنتِ.”
ضحكت كاليوبي بصوت عالٍ. من المدهش أن فتاة في التاسعة تفكر بهذا العمق. تساءلت عن السبب الذي جعلها تتشاجر مع كارولي كثيرًا في الماضي. شعرت بندم بسيط. ثم أرقدت الطفلة بلطف ونظرت في عينيها.
“إذاً، هل تكرهينها تمامًا؟ لا ترغبين في رؤيتها مجددًا؟”
“همف.”
كونها لم تُجب صراحةً يعني أنها ما زالت مترددة. وهذا طبيعي، فقد ظلّتا ملتصقتين ببعضهما في المستقبل أيضًا. أعادت كاليوبي ترتيب خصلات شعر كارولي المبعثرة وقبّلت جبهتها قبلة خفيفة.
“سأفكر مجددًا في ما إذا كنت سأدعوها.”
“حسنًا.”
“ارتاحي جيدًا اليوم. عيناكِ منتفختان كعيون السمك، سيضحك كافير إن رآكِ هكذا.”
“وإن ضحك، سأجعل عينيه تبدوان مثل عيون السمك أيضًا.”
“يا إلهي، يجب أن أحذّر كافير من الابتعاد عن كارولي.”
خرجت كاليوبي من غرفة الطفلة وسارت في الممر وهي شاردة. ماذا ينبغي أن تفعل؟ لو كانت فتاة عادية لا تملك أية معلومات، لما احتاجت إلى دعوة شخص تحدث عنها بسوء، لكنها تمتلك معرفة بالمستقبل.
بعد نحو ثلاث سنوات، سيتم اكتشاف منجم في أراضي عائلة كاربيولي يحتوي على نوع نادر من المعادن. فكرت في البداية أن تستولي عليه، لكنها أدركت أن ذلك لن يغير شيئًا، ففي النهاية سيصبح من ممتلكات العائلة.
عائلة الماركيز تمتلك من الثروات ما يكفي، وحتى لو كان معدنًا نادرًا، فهو ليس جوهرة، وبالتالي لن تجني منه ثروة طائلة. لكنها كانت تخطط للاحتفاظ بعلاقة جيدة، لأنه سيكون مفيدًا للغاية في المستقبل.
“حتى إن كانت كارولي لا تحب الأمر، من الأفضل دعوتهم.”
عادت كاليوبي إلى غرفتها، ساعدت كافير على إنهاء واجبه، ثم جلست إلى مكتبها.
“أورثيا كاربيولي.”
شقيقة أرمانت الكبرى، تكبر كاليوبي بعام. في المستقبل، كانت على وشك أن تُلقب بـ”زهرة المجتمع الراقي”، لكنها لم تستطع الوصول إلى ذلك اللقب، لأنها كانت ضعيفة جدًا على الانخراط في صراعات النخبة. البعض يرى أن هذا اللقب يعني أن تكوني الأجمل والأكثر أناقة، لكن الواقع أكثر قذارة.
هناك من يضخم سمعته بشكل مفرط ويشوه سمعة الآخرين. وإن لم يجدوا فيكِ عيبًا، سيخترعونه. كونك زهرة المجتمع يعني امتلاكك قوة لتحريك الرأي العام للنبلاء، ولهذا كانت تلك المعركة هي الأعنف، رغم أنها لا تُرى.
“أتمنى أن أتمكن من التفاهم معها.”
أرسلت كاليوبي قائمة الضيوف إلى إيلان عبر سوزان، ثم بدأت تكتب رسالة إلى عائلة كاربيولي.
—
عادت أورثيا إلى غرفتها بعد أن حاولت تهدئة شقيقتها الصغيرة، التي بدت حزينة كالعادة. كانت قد عادت للتو من محل الأزياء برفقة والدتهما، وقد بدت شاحبة ومنهارة منذ ذلك الحين.
رغم مرور الربيع ودخول الصيف، إلا أنها بدت مثل برعم صغير لم يتفتح بعد. في البداية، لم تأخذ أورثيا الأمر على محمل الجد حين سمعت أن شقيقتها قد تشاجرت مع الآنسة أنستاس، لكنها بدأت تقلق مع مرور الوقت دون أن تتحسن حالتها.
“ما الذي يمكنني فعله لأجعل أرمانت تشعر بتحسن؟”
قالت خادمتها المخلصة، دولورا، وهي تنظر حولها ثم همست بهدوء:
“قالت خادمة الآنسة أرمانت إن السبب هو أن الآنسة أنستاس لم تتواصل معها منذ ذلك اليوم.”
“حقًا؟ يبدو أن الشجار كان جديًا أكثر مما ظننت. ألم تفكر في إرسال رسالة أولًا؟”
“على ما يبدو، غضبت الآنسة أنستاس بشدة حينها، ولهذا شعرت الآنسة أرمانت بالخوف ولم تجرؤ على إرسال أي رسالة.”
“لكن البقاء دون فعل شيء لن يحلّ المشكلة.”
صحيح أن شقيقتها لا تزال في التاسعة من عمرها، ومن الطبيعي أن تخشى المواجهة. لكنها رفضت قول أي شيء عن سبب الشجار، مما جعل من الصعب عليها كأخت أن تساعدها. وبينما كانت أورثيا تفكر إن كان عليها التدخل، طرق أحدهم الباب.
“تفضل.”
دخل أحد الخدم المكلّفين بفرز البريد في القصر. عادة ما يقوم بتوزيع الرسائل على الخدم ليقوموا بإيصالها لأصحابها.
“آنستي، وصلت رسالة من عائلة ماركيز أنستاس. قال الخادم الذي جلبها إنه يجب أن أُسلمها لكِ شخصيًا.”
“رسالة من عائلة أنستاس؟”
فرحت أورثيا دون أن تشعر. صحيح أن الآنسة أنستاس حادة الطباع قليلًا، لكنها ليست من النوع الذي يتعامل ببرود مع أصدقائه المقربين.
“لكن، لماذا لي أنا؟”
إن كانت الرسالة من الآنسة أنستاس، أليس من الطبيعي أن تُرسل إلى شقيقتها أرمانت؟ وبينما كانت تفكر في ذلك، أخذت دولورا الرسالة وتفحصت اسم المرسل.
“آنستي، هذه الرسالة ليست من الآنسة كارولي أنستاس.”
“إذًا، ممّن تكون؟”
في تلك العائلة، لا توجد فتاة تُدعى “الآنسة” سوى كارولي أنستاس. ولكن قبل أن تنطق بهذا السؤال، تذكّرت شيئًا.
آه، صحيح… قيل إن ابنة زوجة الماركيز السابقة قد تم تسجيلها من جديد رسميًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"