“كنت أخرج للصيد عندما كنت أعيش في القرية. وتعلمت بعض أساسيات المبارزة من… آه، من الحداد هناك، دورا.”
لم تستطع كاليوبي الادعاء بأن دورا علّمتها فنون السيف بشكل رسمي، لذا اختصرت القصة بتلك الطريقة. لكن حينها، ارتسمت على وجه فالونا ملامح غريبة للحظة، ما جعل كاليوبي تحدق فيها بفضول.
“دورا؟”
“أجل، هذا اسم الحداد. يقولون إنها كانت مرتزقة شهيرة عندما كانت شابة…”
“أهي تلك التي كانت تتصرف بجنون وهي تلوّح بفأسها؟”
رمشت كاليوبي بدهشة عدة مرات.
“قالوا لي إنها كانت تستخدم فأسًا، نعم.”
“أجل، وكانت تستعمل المطرق أيضًا أحيانًا. لكن الطريقة التي كانت تلوّح بها بتلك الأسلحة كانت دائمًا متوحشة.”
وبينما بدا على وجه فالونا الجدية المعتادة، لاحَ فيه لمحة حنين دافئة. تساءلت كاليوبي، وقد شعرت ببعض الذهول، إن كانت حقًا تعرف دورا.
“أأنتِ تعرفينها؟”
“أعرفها؟ لقد كنا في نفس فرقة المرتزقة.”
لم تكن تتوقع إطلاقًا أن فالونا تعرف دورا.
في الماضي، لم تكن هناك حاجة للحديث عن الأشخاص الذين اختلطت بهم عندما كانت تعيش كالعامة، لذلك هذه الصدفة جعلت كاليوبي تميل رأسها بدهشة خفيفة.
رغم لهجتها الجافة، فإن فالونا كانت تبتسم ابتسامة خفيفة، وكأنها تسترجع ذكريات دافئة من الماضي.
“علمتكِ المبارزة؟ دورا؟”
“أوه، نعم. علّمتني الأساسيات، كما قالت.”
“هذا منطقي. هي كانت بارعة أكثر في التلويح بالأسلحة الثقيلة من المبارزة الحقيقية.”
وقفت فالونا واضعة يديها خلف ظهرها، ثم نظرت إلى خدي كاليوبي المحمرة من الجهد، وكأنها ترى فيها صدى صديق قديم. لقد مرت عشرون سنة تقريبًا على تلك الأيام.
كانت قد سمعت مرة أن دورا تزوجت، لكنها كانت حينها مشغولة في التكيف مع حياتها في القصر، ولم تجد فرصة لتتواصل معها. وحين استقرت أخيرًا، كانت كل الروابط الثمينة قد تلاشت من بين يديها.
“كيف حالها؟”
“تقصدين دورا؟”
تظاهرت كاليوبي بالتفكير، ثم رمقتها بابتسامة مشاكسة ورفعت حاجبًا:
“سأخبركِ إذا وافقتِ على أن تصبحي معلمتي.”
“ههه…”
ضحكت فالونا ضحكة خافتة، وهي تنظر إليها، لا تدري إن كانت كاليوبي تبتسم مثل دورا فعلًا،
أم أن ذكريات الماضي هي من جعلت صورتها تتراءى على وجه الفتاة…
لكنها لم تكره هذا الشعور.
ادّعت التفكير بجدية، ثم أشارت بأصبعها نحو المخزن.
“اذهبي وأحضري سيفًا خشبيًا. يبدو أنك تملكين لياقة بدنية مقبولة.”
ابتسمت كاليوبي ابتسامة عريضة، بينما انطلقت سوزان نحو المخزن وهي تهمس في سرها: “ألا يكفي ما قمنا به؟!”
—
عادت كاليوبي إلى غرفتها وهي تسحب قدميها المنهكتين بصعوبة، بعد أن أنهت أول حصة تدريب بالسيف.
كانت فخورة بنفسها لأنها لم تزحف على الدرج، بل صعدته واقفة، معتبرة أنها بهذا حافظت على كرامتها.
سوزان، التي كانت تهتز من التعب إلى جانبها، ساندتها.
لم تمارس التدريبات مباشرة، لكنها كانت تركض ذهابًا وإيابًا طوال وقت تدريب آنستها، فاستُنزفت طاقتها بالكامل.
في العادة، كانت الخادمات يُسمح لهن بالراحة أثناء التدريبات، لكن هذه الخادمة المجتهدة لم تقدر على البقاء ساكنة.
أما جاك، الذي كان ينتظرهما في الغرفة، فقد رمقهما بنظرة متحفظة مليئة بالتساؤلات.
“أما آنستنا فمتوقعة، لكن لماذا أنتِ يا سوزان بهذا الشكل؟”
“حدث ذلك من غير قصد…”
كانت تحاول تثبيت كاليوبي عند الباب، لكن جاك تنهد، ثم رفع آنسته فجأة وحملها على كتفه.
اتسعت عينا سوزان من المفاجأة، بينما قهقهت كاليوبي بضحكة طفولية.
وضعها جاك على السرير بلطف، ثم التفت وحمل سوزان أيضًا ووضعها على الأريكة.
ضحكت كاليوبي وهي ممددة على السرير. أما جاك، فجثا عند قدميها وبدأ ينزع عنها حذاء الفروسية.
كانت قدماها متورمتين حمراء، ما يدل على الركض والجهد الكبير. قرر في نفسه أن يحصل لها على ملابس وأحذية أكثر راحة في أقرب وقت.
استلقت قليلًا تسترجع أنفاسها، ثم تذكّرت فجأة موعدها مع الماركيزة.
نهضت من السرير وهي تترنح، وسوزان التي كانت تترنح بدورها سحبتها إلى حوض الاستحمام، ثم دفعَتها إلى غرفة الملابس.
نظرت كاليوبي إلى غرفة الملابس الممتلئة، وأطلقت تنهيدة طويلة.
أدركت أن مجرد تجربة كل هذه الفساتين سيتطلب منها شهورًا.
اختارت فستانًا أرجوانيًا باهتًا ذا زينة بسيطة، ثم اتجهت إلى قاعة الطعام حيث تنتظرها الماركيزة.
وما إن وصلت إلى الطابق الأول حيث تقع القاعة، حتى شعرت بشيء يقترب منها بخفة.
ابتسمت كاليوبي دون أن تنظر للأسفل وقالت:
“إلى أين تذهب؟”
“إلى غرفة الطعام. قالت أمي إنها تريد أن تتناول الطعام معي.”
كانت كارولي تسير بخطى أكثر خفة من المعتاد، ويبدو أن الدعوة المباشرة من قبل زوجة الماركيز لتناول الطعام معًا قد أسعدتها كثيرًا. وعلى ما يبدو، فقد قامت بجمع ابنتيها، لكن الطفلة الصغيرة تظن أنها ستتناول الطعام وحدها معها. وبينما كانت كاليوبي تفكر في كيفية شرح الأمر لها دون أن تجرحها، كانت كارولي قد فتحت باب غرفة الطعام بالفعل واستدارت قائلة:
“ما الذي تفعلينه؟ هيا، ادخلي بسرعة.”
نعم، هذا هو طبع كارولي. كانت دائمًا واضحة ومباشرة. لحقت بها كاليوبي ودخلت غرفة الطعام. جلستا جنبًا إلى جنب تتحدثان بهدوء، وبعد لحظات دخلت كيركي الغرفة. نظرت إلى ابنتيها وهما تتحدثان بلطف، ثم رفعت إحدى حاجبيها وتقدمت لتجلس في مقعدها دون كلمة.
“ألم تقولي أنكِ لن تلعبي مع أختك الجديدة؟”
ما إن جلست كيركي حتى ألقت بهذه العبارة، فما كان من وجنتي كارولي إلا أن احمرتا بسرعة. كانت مشاعرها واضحة جدًا على وجهها. مدت كاليوبي يدها لتحك خد الطفلة بإصبعها القائم، لكن كارولي رفعت ذقنها بسرعة وقالت بجرأة:
“قلت إن لا أحد يعرف ما قد يحدث، هذا كل شيء!”
“أفضل من أن تكذبي وتزعمي أنكِ لم تقولي ذلك أصلاً.”
قالت كيركي ببرود، وما إن أنهت عبارتها حتى بدأ الخدم في تقديم الطعام، وكأنهم كانوا ينتظرون إشارة. تمامًا كما حدث في أول وجبة جمعتهم، لم يتبادل أحد الحديث، لكن الجو لم يكن متوترًا كما في ذلك اليوم. وبعدما انتهوا من تناول الطعام واقترب وقت تقديم الحلوى، تكلمت كيركي أخيرًا:
“يبدو أن علينا المرور بسوق المتاجر غدًا، لذا أفرغا وقتكما.”
لم تسأل بلطف إن كان لديهما وقت، لكنها أوصلت الرسالة: نذهب سويًا للتسوق. وبينما أمالت كاليوبي رأسها قليلًا وهي تشكك في المعنى، أشرقت ملامح كارولي بحماس. الخروج مع الأم كان أمرًا نادرًا. كانت دائمًا مشغولة. أما الآن، فهي تقول إنها ستأخذهما إلى السوق بنفسها! تحت الطاولة الصغيرة، بدأت ساقا الطفلة تهتزان بحماس واضح.
“أنا أيضًا؟”
“نعم، فأنتِ الأشد حاجة لذلك. اليوم أيضًا حضرت درس المبارزة بثياب ركوب الخيل لأنك لا تملكين غيرها.”
‘كيف علمت بذلك؟’
تساءلت كاليوبي في نفسها، لكنها اكتفت بالإيماء برأسها. رفعت كيركي كوب الشاي الأحمر وأخذت رشفة.
“لم تخوضي بعد حفلة الديبيوتانت، لكنك بحاجة إلى الاندماج مع أقرانك من بنات الطبقة الأرستقراطية. لكنك لا تملكين حذاءً مناسبًا ولا مجوهرات ولا حتى حصانًا. سمعت أن والدك اكتفى بتكديس الفساتين والمجوهرات الثمينة في غرفتك دون مراعاة لما تحتاجينه فعلاً.”
وكان كلامها دقيقًا تمامًا. فكل الزينة والمجوهرات التي في غرفة كاليوبي كانت مخصصة لحفلات الديبيوتانت التي لم تقم بها بعد. ارتداء شيء فخم كهذا في لقاء عادي مع أبناء النبلاء لا يثير إلا النفور. ومع أن كلام كيركي منطقي، إلا أن تساؤلاً تبادر إلى ذهن كاليوبي.
“لكن هل من المفترض أن تكون هذه مسؤوليتكِ، سيدتي؟”
قالت وهي تدفع بحصتها من الحلوى إلى كارولي. لكن الأخيرة لم تفرح بالحلوى الزائدة بل عبست ونظرت إليها شزرًا، قلقة من أن تكون كلمات أختها ستؤدي إلى إلغاء الموعد النادر مع والدتها.
هيما: النظر الشزر يعني بنصف عينها وما دارت وجهها على إسمها واخيرا فاد درس العربي
“سيظن الناس أنني ابنتكِ أنتِ، لا ابنة والدي.”
خرجت الكلمات من فمها بنبرة ساخرة دون قصد. لم يكن ذلك اعتراضًا على كيركي، بل استياءً من والدها إيلان. حتى في الماضي، كانت كيركي هي من ترسل لها الأشياء الصغيرة التي تحتاجها، لكن دون دعوة أو مرافقة؛ بل كانت تُسلَّم لها فجأة دون مقدمات.
لكن كيركي لم تغضب، بل ردت بهدوء:
“بما أنك أصبحتِ الآن مُسجّلة رسميًا ضمن عائلة الماركيز، فأنتِ ابنتي أيضًا.”
ثم تابعت بجملة فيها شيء من التفاخر، وهي تحدق في عيني كاليوبي الحمراوين اللتين عكستا شيئًا من التوتر والامتعاض:
“لقد حُسم أمر الوريث، وسيكون ابني. أما أنا فغنية ولدي ما يكفيني من الأملاك. إن تجاهلت ابنة زوجي السابقة تمامًا، فذلك هو الخطأ الحقيقي.”
وفي تلك اللحظة، فُتح باب غرفة الطعام ودخلت إحدى وصيفات كيركي وهي تحمل مجموعة من الأوراق. يبدو أن أمورًا عاجلة قد طرأت. وحين رأت كاليوبي ذلك، لم تستطع كتم ضحكتها:
“همم، لا يبدو أن لديكِ الكثير من الوقت الفارغ كما تدعين.”
نظرت كيركي إلى ابنتها الجديدة التي أظهرت جانبًا مشاكسًا، وقطبت حاجبيها كما لو أنها تشعر بالصداع منها. وضعت فنجانها على الطاولة، ونهضت.
“نغادر غدًا في العاشرة صباحًا. هناك الكثير مما ينبغي رؤيته، لذا تأكدا من تناولكما الإفطار.”
ثم غادرت كيركي غرفة الطعام بسرعة، فيما تنهدت كارولي بارتياح عندما تأكدت أن الموعد لم يُلغَ، وبدأت بتناول الحلوى التي قُدمت للتو. رفعت كاليوبي مرفقيها على الطاولة وأسندت ذقنها على يدها وهي تراقب الطفلة.
“في رأيكِ، ما الذي تفكر به أمكِ الآن، يا كارولي؟”
“لا أعلم. لكنها تريد الشراء، فاستفيدي من ذلك. أمي غنية!”
ضحكت كاليوبي بخفة، ثم ضغطت بطرف إصبعها على خد الطفلة المنتفخ والممتلئ بالحلوى، وزفرت زفرة طويلة.
—
استيقظت كاليوبي باكرًا في صباح اليوم التالي، وبدأت تجهيز نفسها. وبينما كانت سوزان تشد شرائط الفستان من الخلف، سألت جاك:
“هل ورد أي رد من دييلورين؟”
“نعم، قال إنه عثر على النبتة التي تحدث عنها. إنها عشبة بالكاد يستخدمها العامة. تأثيرها ضعيف للغاية، لذا لا يبحث عنها إلا من لا يملك المال لشراء شيء أفضل. لهذا، لا تُباع في الأسواق غالبًا، بل تُجمع من الجبال مباشرة.”
“حقًا؟”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"