ما إن تجاوزت كاليوبي الوصيفة ودخلت إلى مكتب إيلان حتى التقت عيناها بعيني والدها.
يبدو أنه كان يراقبها وهي تتحدث مع وصيفة زوجة الماركيز.
لم تكن راغبة في إخبار والدها بما دار بينهما، فبادرت بسؤاله لتصرف انتباهه:
“ما الذي تفعله وصيفة زوجة الماركيز هنا؟”
“أرسلتُ لها أوراقًا لمناقشة أمور تخص العائلة.”
كان من المعتاد أن يتبادل الزوجان الأوراق الرسمية بدلًا من الحديث المباشر، وهذا بحد ذاته كان أقرب إلى الصورة المثالية للأزواج النبلاء. اقتربت كاليوبي من مكتبه ووقفت أمامه.
“ستتحدث عن المعلمين الذين اقترحتهم، أليس كذلك؟”
“صحيح. راجعت القائمة التي قدمتها لي وانتقيت الأنسب منهم، وتجاهلت من لم أجدهم جديرين.”
بدلًا من الرد، أخذت كاليوبي الوثائق الموضوعة فوق المكتب، ويبدو أنها كانت عقودًا مبدئية مع المعلمين المحتملين.
وحين بدأت تتصفحها، أطلقت ضحكة ساخرة قصيرة.
“ليست سيئة.”
في حياتها السابقة، كان أكثر من خمسة من معلميها من أتباع ديتـرون، أما الآن فقد تقلصوا إلى اثنين فقط. ربما لأن ديتـرون بات يحاول استمالتها بنفسه، فلم يجد حاجة للتلاعب بالمعلّمين، أو ربما لأن قائمتها نجحت في إحباط خططه… لم تكن متأكدة، لكنها راضية عن النتيجة.
صحيح أنه قد يظهر شخص جديد تحت تأثيره لاحقًا، لكن احتمال ذلك ليس كبيرًا.
“وبالمناسبة، نجحنا في التعاقد مع المعلم الذي أردته بشدة.”
نظر إيلان إلى ظهر الورقة التي كانت تحملها. وعندما قلبتها لترى، لم تجد شيئًا غير صفحة بيضاء.
“لم أكن أعلم أنك مهتمة بفن السيف.”
“آه.”
إذًا لهذا السبب كان يحدق في الورقة هكذا…
بين المعلمين المدرجين، وجدت اسم الشخص الذي كانت تطمح إليه بسهولة:
فالونا بايرونتس، فارسة من عامة الشعب، كانت ضمن الفرسان الملكيين.
قبل عشرين عامًا، تعرّضت الملكة لهجوم مفاجئ من وحوش أثناء رحلة نقاهة بسبب تدهور صحتها،
وكانت فالونا هي من أنقذتها، مما منحها لقب الفروسية مباشرة من الملكة.
لكن صعودها المفاجئ أثار امتعاض الكثيرين من النبلاء آنذاك.
“تعلم أي شيء مفيد دائمًا، أليس كذلك؟”
ارتعشت حاجبا إيلان قليلًا لسماع هذا الجواب، يبدو أن نبرتها الخفيفة لم تعجبه. كونه ماهرًا في المبارزة، لم يعجبه تعاملها اللامبالي مع الأمر.
صحيح أن فن السيف يُعتبر من الفنون الراقية للذكور النبلاء، لكن لا شيء يمنعها من تعلمه كذلك.
ولأن اعتراضه لم يكن قويًا، لم يوجه لها أي لوم.
تفقدت كاليوبي باقي الأسماء وهزّت رأسها موافقة، أي أنه لا مانع لديها من المضي قدمًا.
“على ما يبدو أنكِ سمعتِ مسبقًا، لكن فالونا بايرونتس قالت إنها ستقرر ما إذا كانت ستقبلكِ تلميذة لها بعد أول حصة تدريب.”
“لا بأس، كنت أتوقع ذلك.”
“إن كنتِ ترغبين بمعلم من المرتبطين بالبلاط الملكي، فربما كان من الأفضل اختيار رجل.”
“لكني أريدها هي.”
كانت تعرف ما يرمي إليه والدها. فبايرونتس، إلى جانب كونها من عامة الشعب، فهي امرأة.
صحيح أن القانون الملكي يجيز للمرأة وراثة الألقاب، لكن الملك السابق منع ذلك مؤقتًا لقمع ابنته،
ولا تزال بعض رواسب فِكره منتشرة في المملكة، إذ يرفض الكثير من كبار السن وبعض النبلاء وجود فارسة أو سيدة نبيلة حاكمة.
“مكانتها داخل المملكة ليست قوية. وتدريبات الفرسان الملكيين أقسى مما تظنين.
لو كنتِ ترغبين بتعلم الدفاع عن النفس فقط، فربما الأفضل اختيار شخص مناسب من العائلات المجاورة.”
“لا بأس. ما دامت بارعة في القتال، فذلك يكفيني. أفضل أن أتعلم منها على أن أتعلم من رجل نصف موهوب يستخف بي.”
“ومن قال إنه سيستخف بك…”
“لقد فعلتَ ذلك للتو.”
توقف فمه عن الحركة. وضعت كاليوبي الأوراق مجددًا على مكتبه، ثم انحنت تحية وخرجت من المكتب.
آه… كم هو مرهق.
كلما نظرت في وجهه، شعرت بتضاعف التعب. فركت صدغها بأطراف أصابعها وهي تعود إلى غرفتها.
لاحظت أن جاك كان ينظر إليها بطرف عينه، لكنه لم يكن لديها طاقة لتفسير ذلك.
—
5. صلة غير متوقعة
قضت كاليوبي صباحها تلعب مع الأطفال، ثم أعطت كلاً من كابير وكارولي واجبًا منزليًا قبل أن تعيدهما إلى منزليهما.
تذمر الصغيران قائلين إن لديهما ما يكفي من واجبات المعلمين، لكنها لم تُعرهما اهتمامًا.
بعد أن أخذت نفسًا عميقًا، سألت جاك:
“هل صحيح أن السيدة بايرونتس ستزورنا اليوم؟”
“نعم، بقية المعلمين سيبدأون من الأسبوع القادم، لكنها أرادت رؤيتك اليوم تحديدًا.”
“جيد، لا شيء على جدولي حتى وقت العشاء.”
“ألن تذهبي اليوم للقاء العجوز؟”
“صرتِ تتصرفين بجرأة الآن، أليس كذلك؟ قولي للطبيب أن يجهز كمية من الـرونتس ويرسلها إليه، بما أن صحته سيئة.”
“أمرك.”
نهضت كاليوبي لتبديل ملابسها، لكن شيئًا ما خطر ببالها فجأة فسألت:
“بالمناسبة، هل لديّ ما يمكنني ارتداؤه أثناء دروس السيف؟”
رمش جاك بعينيه كأنه لم يفكر في الأمر من قبل، ثم عبس قليلًا.
“أظن أن هناك بضع بذلات للفروسية.”
“حسنًا، سأرتدي واحدة منها اليوم.”
دخل جاك إلى غرفة الملابس وعاد بثلاث بذلات للفروسية. اختارت كاليوبي الأغمق لونًا من بينها. بدأت سوزان تساعدها في ارتدائها وهي تدندن بنغمة مرحة.
“ترى من ستكون؟ بما أنها أول معلمة لكِ، فأنا متحمسة جدًا.”
“يقولون إنها وقحة ولا تعرف الأدب، لكن كل ذلك مجرد كلام فارغ. تبدو صارمة، لكنها في الواقع لطيفة ومتفهّمة أكثر مما يظهر.”
أثناء ربط حبال السروال، أمالت سوزان رأسها بدهشة.
“وكيف تعرفين ذلك يا آنستي؟”
“هناك طرق كثيرة لأعرف.”
ضحكت كاليوبي بخفة وبدا عليها الغموض، وكأنها تُخفي الكثير. لم ترد الخوض في التبرير، لذا اكتفت بتلك الإجابة.
نظرت سوزان إليها باستفهام، لكنها ما لبثت أن استسلمت وربطت الزر الأخير من السترة.
ثم طُرق الباب، وتقدم جاك لينظر من خلاله، قبل أن يغلقه ويقول:
“وصلت السيدة بايرونتس إلى ساحة التدريب.”
“حسنًا، حان الوقت للذهاب.”
صدرت خطوات خفيفة من حذاءها الفروسي الصلب وهي تتجه نحو قاعة المبارزة.
في طريقها، استرجعت ذكرى من الماضي.
عندما ظهرت للمرة الأولى في المجتمع الراقي، لم تتأقلم سريعًا وارتكبت بعض الأخطاء.
وذات مرة، لم تحتمل السخرية فخرجت باكية إلى الردهة، وهناك، مدّت لها امرأة منديلاً دافئًا ونظيفًا، على الرغم من قدمه. تلك اللحظة بقيت محفورة في ذاكرتها.
قاعة التدريب التي تقع في الجهة الشمالية من قصر الماركيز، كانت في ما مضى تستخدم من قبل إيلان نفسه عندما كان شابًا. أما الآن، فهي مخصصة للماركيزة في تمارينها الخفيفة، أو لتدريب كابير على السيف.
شعرت كاليوبي ببرودة الجو في الداخل، ثم وقع بصرها على ذيل حصان بني داكن مشدود بإحكام.
“تشرفت بلقائكِ، السيدة بايرونتس. أنا كاليوبي أنستاس.”
تقدمت نحوها وألقت التحية بكل أدب.
واجهتها ملامح تبدو أصغر مما كانت تتوقعها، لكنها بدت مألوفة لها.
“أنا فالونا بايرونتس، من الفرسان التابعين للعائلة الملكية.”
ذيل الحصان القصير والمشدود بإحكام، دون شعرة خارجة من مكانها، كان كافيًا ليصف شخصيتها.
وقفت كاليوبي بثبات أمامها منتظرة كلمتها التالية.
“سمعت أن آنسة القصر هي من اختارتني لتكون معلمتها في فن السيف.”
“صحيح.”
ضيقت فالونا عينيها كما لو أن لديها الكثير من الأسئلة، لكنها لم تنطق بأي منها.
وضعت يديها خلف ظهرها.
“أعتقد أنكِ على دراية بأنني سأقرر ما إذا كنت سأصبح معلمتكِ بعد أول درس، أليس كذلك؟”
“بلى، أعلم ذلك.”
“إذن…”
نظرت إلى ملابسها، وبدت على وجهها لمحة من الاستياء، ثم أشارت بأصبعها إلى الأرضية.
“اركضي أولاً. عشر لفّات، بأقصى سرعة.”
“ماذا؟!”
صرخت سوزان بجانبها بدهشة، لكن كاليوبي اندفعت تركض على الفور. نظرت سوزان بين معلمتها وكاليوبي بتردد، ثم اندفعت تركض خلفها دون تفكير.
لكن… هي لا تحتاج للركض… فلماذا تتبعها؟
لفة، لفتان، ثلاث…
تابعت كاليوبي الركض دون توقف. أما سوزان، التي كانت واثقة من لياقتها، فقد انهارت عند اللفة الرابعة.
وعند الخامسة بدأت أنفاس كاليوبي تتقطع، لكنها شعرت بأنها قادرة على إكمال العشر لفات.
أزعجتها خصلات شعرها الأبيض الطويلة التي تطايرت وهي تركض. كان عليّ أن أطلب ربطة شعر.
وقفت فالونا تراقبها بتمعن، ثم سألت سوزان التي كانت مستلقية بجانبها تلهث:
“هل تقوم الآنسة بأي نوع من التمارين؟”
“لا… لا أظن ذلك…”
رغم اللهاث، أجابت سوزان بصدق:
“قالت لي آنستي إنها كانت تعيش في قرية قريبة من الجبال قبل أن تعود إلى بيت الماركيز. ربما لذلك السبب…”
لم يكن بإمكانها أن تقول إن آنستها عاشت كعامة الناس، لذا اختارت صياغة مهذبة. أومأت فالونا وكأنها فهمت.
ثم عادت بنظرها إلى كاليوبي التي كانت لا تزال تركض.
لو كانت نبيلة عادية، لانهارت بعد لفتين، لكنها كانت لا تزال تركض، تتنفس بثقل، لكنها لم تتوقف.
والحقيقة أن فالونا كانت تنوي جعل هذا الدرس الأول صعبًا جدًا حتى تعتذر عن تدريسه لاحقًا.
كونها امرأة من العامة، ومتقدمة في السن، وتثير المشاكل داخل البلاط الملكي… لم تتوقع أن يتم اختيارها أصلًا.
“لقد… انتهيت…”
خرج صوت كاليوبي متقطعًا وهي تقترب من فالونا.
وقفت بهدوء، ثم بدأت تمشي لتبرد جسدها، بينما ترفع شعرها المبعثر بأصابع عصبية.
أتت سوزان، وقد استعادت أنفاسها قليلًا، وربطت شعر سيدتها الأبيض الطويل بربطة محكمة.
وجهها محمر، أنفاسها متقطعة لكنها منتظمة، ووقفت بثبات دون أن تظهر عليها علامات الانهيار.
قطبت فالونا حاجبيها.
الطالبة… كانت أكثر استعدادًا مما توقعت.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"