‘كايل؟’
كان يُميل زاوية فمهِ إلى أحد الجانبين.
بدا وكأنّه يبتسم، لكنّه لم يكن يبتسمُ على الإطلاق.
ذلك لأنّ عينيه الحمراوين كانتا قد فقَدتا دفئهَما تمامًا.
عندها فقط، أدركَ إدوين فداحةَ الموقَف وارتعشتَ كتفاهُ.
أدار لي ظهره بسرعةٍ، ووقف في مواجهةِ كايل.
“د-دوق؟ ما الذي أتى بكَ إلى هذا القصرِ؟”
الهيبة والضغط اللذان يميّزان كايل، غطّيا أجواءَ المكان بأكمله.
ولهذا، بدا ظهر إدوين المنكمَش أمامهُ أكثر ضعفًا وهشاشة.
“آنسة، هل أنتم بخير؟”
جاء صوت إيميلي من خلفي.
استغليتُ ارتباك إدوين، وانتزعت المجرفة من يده بسرعة.
“إيميلي، تعالي!”
أمسكتُ يدها، وهرولتُ بها لاختبئ خلف ظهرَ كايل.
كان مرعبًا فعلًا، لكنّه بالتأكيد أفض!ل من إدوين الذي حاول قبل قليلٍ ضرَب إيميلي.
لكنّ ظهر كايل كان واسعًا كالمحيط الهادئ.
لم أعد أرى شيئًا أمامَي.
‘مهلًا، الآن فقط انتبهت… هل يعر!فان بعضهما؟’
رأيتُ إدوين يتعرّف على كايل فورًا قبل قليل.
أخرجت رأسي من خلف ظهر كايل، ممسكة بيد إيميلي بإحكام.
ثمّ سألتُ إدوين، الذي بدا متيبّسًا تمامًا:
“أنتَ، تعرفَ الدوق؟ كيف؟”
“بسبب عمل والدي… التقيتُ به عدة مرات.”
ويبدو من كلامه أنّ لكايل حصةٌ كبيرة في أعمال والد إدوين.
“إيفلين، ألم تقولي إنّ علاقتك مع هذا الكونت قد انتهت؟”
“نـ-نعم. لم يعَد بيننا أي علاقةٌ. أخبرتُ والديّ أيضًا بأنّي سأفسخُ الخطوبة.”
عند كلامي ذاك، عضّ إدوين شفتهُ السفلى بقوةٍ.
ثمّ بدأ يتحدّث بتردّد:
“ماذا… ماذا تقولين، إيفلين. نحن لم نفسخ…”
لكن كايل قاطعهُ على الفورٌ.
“هذا ليس ما أريدُ معرفتهُ.”
“…”
“قبل قليل. مالذي كان يَحدثُ هنا؟”
ارتجفت عينا إدوين بوضوحٍ.
نظر إليّ بنظرة لوم، ثمّ بقي صامتًا متردّدًا.
“ذ-ذلك لأنّ…”
“لم يكن سؤالي صعبًا.”
قال كايل، وهو ينقر بلسانه مستاءً.
“لـ-لا… في الحقيقة، هذا كان…”
يبدو أنّه لا يسَتطيع التكلّم.
وهذا طبيعي، فقد ضُبط متلبّسًا وهو يحاول الاعتداء على إيميلي.
ولأنّه لا ينوي قول شيء… إذًا سأقوَل أنا.
“كان يحاول ضرب إيميلي! بالمجرفةِ!
إيميلي هي أقربُ صديقاتي!
قال عنها أشياءً مهينةً فقط لأنّها من عامةٌ الشعَب!”
اتسعت عينا وأنف وفم إدوين بصدمةٍ.
“وأيضًا…”
“أيضًا؟”
“نعم! قال إنّه لن يفسخ الخطوبة! مع أنّه ليس من عائلتي حتى!”
“تابعي.”
بدأتُ أشكو كما لو كنتُ سمكةً تجد الماء من جديد.
“أمسك بمعصمي بشدة! قلتُ له ألا يفعلَ، لكنّه تجاهلني وأمسكَ بهِ، وهزّه، وخدشه!”
أريتُ كايل المعصم الذي خدشه إدوين.
“هـ-هكذا! حتى جُرحت!”
على معصمي الأبيض، لم يكن هناك خدش فحسب، بل أيضًا آثار واضحة لأصابعه.
عبسَ كاَيل، وظهرتَ تجاعيدٌ عميقةٌ بين حاجبيهِ.
“د-دوق! كان ذلك خطأ غير مقصودٍ! في الواقعٌ، أنا من تعرّض للضرَب! إيفلين ضربتني بالمجرفةِ!”
مدّ كايل يده ليوقفهُ دون أن ينبسَ بكلمةٍ.
إشارةٌ صريحةٌ للصمتِ.
نظرتُ إلى المجرفةِ في يدَي الأخرَى.
اتّضح أنّ عليه بقعًا من دم إدوين.
أخفيتهُ بهدوء خلفَ ظهري.
“إيفلين.”
“نعم؟!”
شهقتُ.
رفعتُ رأسي إليه، ويدي تُمسك بالمجرفةِ المخفيةِ خلف ظهري.
‘ماذا لو سألني إن كنتُ من بدأ بالضرب؟ في تلك الحالة…’
“أريدكِ أن تتركي المكان قليلًا.”
“لِـ-لماذا؟”
“أريد التحدّث مع الكونت لوحدنا.”
هل، هل سيكون الأمر بخير؟
يشعّ منه نيةُ قتلٍ واضحة…
‘لا بأس. إدوين هذا، لا بأس إنْ تلقّى درسًا قاسيًا.’
أومأتُ ببطء وحزم.
كان وجه إدوين شاحبًا تمامًا. لم أرهُ من قبلٍ يرتجفُ بهذا الشكل.
“حـ-حسنًا! فـ-فقط لا تقتلهُ. أرجوكَ خذ الأمرَ باعتدال…”
كايل لم يُجب.
أمسكتُ بيد إيميلي.
“هـ-هيا بنا، إيميلي.”
أسرعنا نحو المَدخل.
وبعد لحظاتٍ…
دوّى صراخ شنيع ملأ أرجاء قصر فلورنس.
كان صوتَ إدوين يصرخُ ويتوسّلُ.
لكن سرعان ما سَاد الصمت.
كأنّ أحدهم كمّمَ فمه، وغرقَ القصرُ في هدوءٍ تامٍ.
* * *
“لـ-لقد تأخّر كثيرًا.”
“بالفعلِ.”
وقفنا أنا وإيميلي أمام المدَخل ننتظر كايل.
‘هل لم ينتهِ بعد…؟’
نظرتُ إلى الأفقِ بقلق.
لستُ قلقة على إدوين.
لكن بعد أن هدأتُ، بدأ القلق من مستَقبلي يزحف داخلي.
رغم أنّه ساعدني قبل قليل، لكنّ كايل لا يزال شخصًا مخيفًا.
‘لو أغضبتهُ… هل سينتهي بي مثله؟’
“إلى أين تنظرين بهذا الشكل؟”
وصل إلى أذنيَ صوتٌ عميقٌ ومنخفضٌ.
التفتُّ بسرعة، لأقابل نظرات كايل مباشرة.
رمش بعينيه وهو يراني.
“آه!”
“…”
“فـ-فزعتُ! أرجوك لا تفاجئني هكذا!”
وضعتُ يدي على صدري أتنفّس بارتياح.
“لماذا لم تَدخلي ؟”
“فـ-فقط هكذا. بالمناسبةِ، أين إدوين؟”
سألتُ وأنا أبحثُ بعينيّ خلفَه.
لم يظهر إدوين الذي كان يملأ المكان صراخًا قبل قليل.
“أرسلته. منذ قليل.”
“هو، لم يمت، صحيح؟”
“كان مجردُ حديثٍ. معتدلٍ.”
“صـ-صحيح؟”
لكنني سمعتُ صراخًا مرعبًا!
‘لا، لا يمكن. ما دام هناك شراكةٌ بينهما في العمل، فلا بدّ أنه بخيرٍ.’
حلّ صمتٌ غريبٌ.
‘يجب أن أشكرهُ، على الأقل. فلولاه، لتعرّضت إيميلي لأذى كبير.’
راقبتُ ملامحه وقلتُ بحذر:
“ذاك… كايل.”
“نعم؟”
“شـ-شكرًا جزيلًا.”
تلعثمتُ، إذ تذكّرتُ صراخ إدوين.
وفجأةً…
“آنسة!”
جاء صوت إيميلي من الخلف، وقد بدا مستعجلًا جدًا.
“إيميلي؟ متى ذهبتِ كل هذه المسافة؟!”
كانت بجانبي منذ لحظةٍ، وفجأة أصبحت بعيدة جدًا.
“سأسبقكم إلى غرفة الضيوف لأجهّز الطاولة. تعاليا على مهلٍ!”
ركضت وهي تلقي الكلمات سريعًا، كأنّ أحدًا يطارَدها.
“إيميلي، انتظري!”
لا تتركيني معهُ! أنا خائفة من أن أبقى وحديَ مع كايل!
مددتُ يدي نحوها بوجه يائس.
“إيفلين.”
في تلك اللحظة، وُضعت كفّ كبيرة على كتفي.
تجمّدتُ بالكامل كأنّي صرتُ رجل ثلجٍ.
لفّ كايل يده حول عنقي بلطف، وأدارني لأواجههُ.
ارتجفتُ لا إراديًا.
رائحة عطره المألوفة دغدغت أنفي.
“نـ-نعم؟”
أجبته وأنا أنظر إليه.
اقترب مني وهمس بجانب أذني:
“هل… أنتِ تتجنّبينني؟”
كادت شفتيَه تلامسان أذني.
كنتُ مشغولة بتوبيخ إدوين، ولم أنتبهِ…
يجب أن أتماسك. هذا الرجل لا يتردّد في الخطِف أو الحبس.
نبضي يتسارعُ بقوة…
‘ربّاه، قد يسمع صوت قلبي!’
تراجعتُ بخجل خطوة إلى الخلف.
“لـ-لا أبدًا. لستُ أتجنّبك على الإطلاق…”
أخذتُ أعبث بأطرافِ فستاني، فأطلقَ كايل ضحكةً قصيرةً.
كانت ملامحه أقلّ رعبًا من قبل بقليل.
“فلندخَل. لديّ ما أقولهُ لكِ.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 7"