“هلْ فاتَ الوقتُ إلى هذا الحدّ؟”
قالَ ذلك وهوَ يُدلّكُ صدغَه بإبهامه.
‘يبدو مُتعبًا جدًّا.’
يبدو أنّه كانَ منشغلًا بالعملِ إلى درجةٍ لم ينتبهْ فيها إلى مرورِ الوقت.
أومأتُ برأسي وقلتُ:
“لم أستطعْ الذهابَ إلى بيتِ العائلةِ اليوم. سمعتُ أنّ أمّي وأبي تشاجرا، فلهذا لعبتُ قليلًا مع إيميلي ثمّ عدتُ فحسب.”
“هكذا إذًا؟”
“نعم. لذلك عدتُ مُبكرًا، وحانَ وقتُ العشاء، فقلتُ في نفسي… أليسَ علينا أنْ نتناولَه معًا؟”
بصراحة، كانَ الموقفُ مُربكًا قليلًا، وفكّرتُ طويلًا في ما أفعل.
كنتُ قدْ أخبرتُه أنّني سأزورُ بيتَ العائلةِ في عطلةِ نهايةِ الأسبوع، وقدْ وافقَ على ذلك.
لكن بسببِ شجارِ والديّ، عدتُ قبلَ الوقت.
فهل عليَّ الالتزامُ بوجبةِ العشاءِ المشتركةِ اليوم أيضًا؟ أم لا؟
وبينما كنتُ أتردّدُ في قراري، قرّرتُ أخيرًا أنْ آتي لتناولِ الطعامِ معه.
كنتُ خائفةً أنْ يتظاهرَ بأني لم أكنْ في القصر، ثمّ يستغلّ هذا كحجّةٍ غريبةٍ لاحقًا.
انتظرتُ ردَّه وأنا أُحرّكُ عينيّ بتوتّر، فرأيته يُلقي نظرةً على ساعته كأنّه يُفكّر.
“لماذا لا نخرجُ لنتناولَ الطعامَ في الخارج؟”
* * *
“ما هذا؟”
أثناءَ تناولِ الطعام، قدّمَ لي كايل دعوةً أنيقة.
كانت مظروفًا ذهبيًّا فاخرًا، لامعَ السطحِ كأنّه مطليٌّ بالعسل.
“دعوةٌ إلى حفلِ ميلادِ وليِّ العهد.”
‘هاه؟! بالفعل؟! إذًا سيبدأُ مجرى الأحداثِ الأصلي قريبًا…!’
“أريدُ أنْ تذهبي معي.”
“ماذا؟ أنا أيضًا؟ ولماذا؟”
رفعَ كايل حاجبيه وكأنّه يقول: “أهذا سؤال؟”
“ولِمَ الدهشة؟ سنُصبحُ من الآنِ فصاعدًا شخصينِ يحضُران مثلَ هذه المناسباتِ سويًّا.”
“لكـ… لكن أليسَ هذا الحفلُ رسميًّا جدًّا؟ نحنُ لم نقمْ حتى المأدبةَ بعد، فهلْ من الضروريّ…؟”
صحيحٌ أنّه في المجتمعِ المخمليّ يمكنُ للناسِ الذهابُ شركاءَ دون علاقةٍ خاصّة،
لكنّي لا أرغبُ في الذهابِ أصلًا!
ثمّ فكّرتُ… هلْ بدايةُ القصةِ الآنَ شيءٌ جيّدٌ لي؟ أم كارثة؟
1. الاحتمالُ الجيّد: كايل يقعُ في حبّ البطلة → يتركني بسلام.
2. الاحتمالُ السيّئ: كايل يقعُ في حبّ البطلة → ويقتلني.
لا شكَّ أنّ الاحتمالَ الأوّل أفضل بكثير.
‘حسنًا، قرّرتُ. لن أذهب.’
لكن قبلَ أنْ أرفضَ تمامًا، أسقطَ كايل السكينَ والشوكةَ على الطاولة وقالَ بهدوء:
“لا بأس، لستِ مضطرّةً للذهاب.”
“حقًّا؟”
أومأ برأسه بخفّة.
“أنا أيضًا، لا أُطيقُ الأماكنَ الصاخبة.”
“ماذا؟! لحظة… إذًا لن تذهبَ أنت أيضًا؟”
“ولماذا أذهب؟ قضاءُ الوقتِ معكِ سيكونُ أفضل بكثيرٍ من ذلك الضجيج…”
“سأذهب! سأذهبُ إذًا!”
صرختُ وأنا أسدُّ أُذنيّ بكلتا يديّ.
لمْ أخرجْ من تلك الوجبةِ معه بأيِّ فائدة.
وفي النهاية، أنا مَن أعلنَ المشاركةَ في الحفلِ بلساني.
اللعنة.
* * *
اشترى لي كايل طعامًا فاخرًا بكثرة، وأنا بدوري أكلتُ كلّ شيءٍ بلا أنْ أتركَ لقمة.
فهو مَن دفعَ الثمن، وليسَ من اللائقِ تركُ الطعامِ في الطبق.
بعد وجبةٍ كاملةٍ من أطباقِ المطعمِ الفاخر، شعرتُ بأنّ بطني سيفجرُ ثوبي من الشبع.
ثمّ اقترحَ كايل أنْ نتنزّهَ قليلًا في الحديقة قبل العودة.
“عمّ براندون لديه ذوقٌ رائع، أليسَ كذلك؟”
“ربّما.”
كنتُ قد لاحظتُ سابقًا أنّ حديقةَ قصرِ الدوقِ غايةٌ في الجمال.
نظيفةٌ تمامًا بلا أيّ عشبٍ عشوائيّ، وألوانُ الورودِ المتعدّدةِ تبعثُ الحياةَ في كلّ مكان.
وفي الوسطِ نافورةٌ صغيرةٌ جميلة.
ومع حلولِ الليل، أُضيئت الحديقةُ بأنوارٍ برتقاليةٍ دافئةٍ تُكسبُها جوًّا ساحرًا.
وبينما كنتُ أتأمّلُ المكان، سقطَ شيءٌ على كتفي.
كانَ معطفَ كايل.
“آه، لا حاجةَ لذلك.”
كانتْ نسماتُ الليلِ باردةً قليلًا، فقلقتُ لأنّه لا يرتدي سوى قميصٍ رقيق.
“ستبردُ وأنتَ هكذا. أنا دافئةٌ اليوم، أرتدي فستانَ المخملِ الذي اشتريتَه لي!”
“لا بأس. لا أتأثّرُ بالبرد.”
…هكذا إذًا.
أمامَ جوابهِ البارد، لم أجدْ ما أقولُه سوى إيماءةٍ صامتة.
لكن فجأةً، غمرَ كفَّه الكبيرُ يدي تمامًا.
“…!”
“لا تتفاجئي. لقدْ لمسنا أكثرَ من هذا.”
“توقّفْ عن قولِ أشياءٍ فاضحةٍ كهذه!”
ضحكَ كايل بخفّة.
‘آه، لماذا قلتُ كلمةَ فاضحة؟!’
في الآونةِ الأخيرة، صرتُ أخجلُ من كلِّ تصرّفٍ أحمقٍ ارتكبتُه في الماضي.
‘هه، أتظنّني لا أزالُ ساذجة؟’
لن أكونَ مجدّدًا تلك الفتاةَ التي يُمكنُ قراءةُ نواياها بسهولة.
كما خطّطتُ مع إيميلي، سأصبحُ أسوأَ سيّدةِ منزلٍ في العالم!
ليجرّبْ مرارةَ الندم بنفسِه.
“أنفقتُ بعضَ المالِ مؤخرًا.”
قلتُ ذلك بنبرةٍ متصنّعة، لكن كايل اكتفى بفركِ ظاهرِ يدي بإبهامه متجاهلًا كلامي.
“كانَ شعورًا جميلًا. أعني… مصاريفُ الحفاظِ على المظهرِ.”
رغم أنّ قلبي خفقَ بعنف، حاولتُ أنْ أبدو كسيّدةٍ مترفّةٍ باردة.
‘لكن لماذا لا يردّ؟’
نظرتُ إليه من طرفِ عيني، فوجدتُه يرمقُني بلا تعبير،
وعيناهُ الحمراءُ تتلألأ تحتَ الضوءِ البرتقاليّ.
“آه، لمْ أنفقْ كلّ المالِ بعد. أُنفِقُه تدريجيًّا فحسب…”
ارتبكتُ للحظة، لكن لمْ يكنْ وقتُ التراجع.
“لكنّ الإنفاقَ مُمتعٌ جدًّا!”
“حقًّا؟”
“نعم! خصوصًا حين يكونُ المالُ ليسَ مالي، يا لها من متعةٍ غريبة!”
“…”
“ربّما أنا امرأةٌ تملكُ غريزةَ الترفِ في داخلها. وجودُ حبيبٍ غنيٍّ أمرٌ رائـ… ما الذي تفعله؟!”
شعرتُ بملمسٍ دافئٍ ورطبٍ على ظهرِ يدي.
كانَ كايل يلعقُها كقطةٍ مدلّلة، ثمّ فجأةً عضّها كالكلب!
“آه! هلْ جننت؟!”
حاولتُ سحبَ يدي لكنّه لم يُفلتها.
ضربتُ ذراعَه مرارًا بلا جدوى.
“وماذا لو رآنا أحد؟! أتركني حالًا!”
“نحنُ في الخارج.”
“إذًا لا تعضّ شيئًا أصلًا!”
آه، لا يمضي يومٌ من دون استفزاز!
ثمّ حملني كايل على كتفِه كما لو كنتُ حقيبة.
صرختُ وأنا أتدلّى فوقَ كتفِه:
“لا تُلقِ اللومَ عليّ دائمًا! أنتَ فقط تفعل ما تريده!”
“اهدئي.”
ثمّ رنّتْ صفعةٌ خفيفةٌ على رأسي.
“ما زالَ هناكَ أشخاصٌ يروننا! لا تضربْني هكذا!”
آه، يُجرّني مجدّدًا!
وفي طريقِ اختطافي إلى المبنى الرئيسيّ، حاولتُ الدفاعَ عن نفسي:
“أنا امرأةٌ مُترفّةٌ جدًّا، أنفقتُ مالًا كثيرًا!”
“أحسنتِ. أُثني عليكِ.”
“لقد أنفقتُ أكثرَ ممّا تتخيّل! ألا تعرفُ كم أنا امرأةٌ مسرفة؟!”
“حقًّا؟ إذًا سأناديكِ من الآنَ فصاعدًا: السيدةُ المترفةُ إيفلين.”
تدلّيتُ على كتفِه وصرختُ ملوّحةً بقبضتي:
“أتظنّني أكذب؟ أنا فعلًا مدمنةُ إنفاق! لا أستطيعُ التوقّف! اليومَ أيضًا أنفقتُ مبلغًا ضخمًا و… لا تلمسْ مؤخرتي!”
ضحكَ كايل ضحكةً خافتةً، ثمّ بصوتٍ عالٍ: “هاهاها!”
يا إلهي، كمْ هو مُستفزّ!
“من الأفضلِ أنْ تُصابَ بخيبةِ أملٍ بي، هذا لمصلحتك! لو عرفتَ حقيقتي ستفزعُ!”
“حسنًا. إنْ نفدَ مالُ الترفِ لديكِ، أخبريني.”
وبينما كنّا نقتربُ من مدخلِ القصر، رأيتُ بعضَ الخادماتِ يكنسنَ الساحة.
غطّيتُ وجهي بخجلٍ وأنا لا أزالُ معلّقةً على كتفه.
“آه، بحقّ السماء.”
أردتُ أنْ أتحرّك، لكنّي خفتُ أنْ يصفعني ثانيةً أمامهنّ، فبقيتُ جامدة.
يا للعار! ما هذا الموقف!
“يا إلهي، السيّدةُ تخجل!”
“كم هي لطيفة! هلْ رأيتِ وجهَها؟ صارَ أحمرَ كالطماطم المشوية!”
لا! ليسَ الأمرُ كما تظنّان! لا تُسيئا الفهم!
فتحَ كايل بابَ غرفةِ النوم، فتمسّكتُ بالبابِ بكلّ قوتي.
“لا! لن أدخل!”
تشنّجتْ أصابعي على المقبضِ كأنّها تتشبّثُ بالحياة.
حينها، قالَ صوتهُ العميقُ القريبُ من أذني:
“إنْ دخلتِ بهدوء… ثلاث قبلات. وإنْ قاومتِ… عشر قبلات.”
سريعًا، أفلَتُّ الباب.
وانغلقَ البابُ خلفنا..
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 49"