‘مَن ذاك الصغير هذه المرّة؟’
كان إدْوِين يتعقّب إيفلين مثل لصٍّ صغير.
بعد أن حمّلت الصناديق في العربة، صارت الآن تلعب مع طفلٍ ما عند النّافورة.
وبينما هو مختبئ خلف العمود يتلصّص بصمت، قامت إيفلين مع الصّغير واتّجهت نحوه.
‘اللعنة!’
إنِ استمرّ على هذا الحال فقد يلتقيان وجهًا لوجه.
فكّر أنْ يقترب ويكلّمها، لكن تذكّر أنّها جاءت في عربة الدوق.
قد يكون أحدٌ ما يُراقبها من مكانٍ قريب، سواء كان ذاك الشخص أو شخصٍ أخر.
‘اللعنة بحقّ!’
استدار إدْوِين مبتعدًا.
“حبيبي، وصلتَ؟”
ابتسمت كاميلا له ابتسامةً مشرقة، واحمرّت وجنتاها.
لكن إدْوِين لم يكن في مزاجٍ لاستقبالها.
فمجرّد رؤية إيفلين أفسدت مزاجه تمامًا.
أنْ يراها تجلس في عربة دوق هاردِيون، كأنّها امرأته، كان كافيًا ليثير غضبه.
“اللعنة!”
ركل إدْوِين الباب بغضب.
مجرّد تخيّل إيفلين واقفةً بجانب الدوق جعله يَصرّ بأسنانه.
سألت كاميلا بارتباكٍ وقد أفزعها انفعاله:
“حبيبي! ماذا هناك؟ لماذا أنت غاضب؟”
لم يُجبها إدْوِين، بل دخل غرفة الجلوس.
انهار على الأريكة جالسًا بعصبيّة.
تبعته كاميلا بخطواتٍ حذرة.
“حبيبي.”
“ماذا؟”
“هل أنت مشغول في الآونة الأخيرة؟”
“قلتُ ماذا؟”
“أقصد… لا تزورني كثيرًا هذه الأيام…”
“هاه، بدأنا مجدّدًا.”
اعتدل إدْوِين جالسًا فجأة.
كان متوتّرًا أصلًا بسبب إيفلين، والآن يسمع التذمّر فور وصوله، فاشتعل غضبُه أكثر.
“أتعلمين أنّي أكره التعلّق والغيرة، أليس كذلك؟”
“…”
“فلنلتزمْ حدودنا، مفهوم؟”
“فقط… لم تعد تُريني وجهك كثيرًا هذه الأيّام…”
“هل تريدين أنْ آتي كلّ يوم لأُريكِ وجهي؟ ألا تفهمين أني مشغول؟ لماذا كلّ هذا النّحيب؟”
“أنا فقط قلِقة عليك…”
“توقّفي عن النّق. مزاجي سيّئ أصلًا، فلا تفسديه أكثر. أحضري لي الطعام، لم آكلْ شيئًا منذ الصباح وأنا جائع حتى الموت.”
“ا، انتظر قليلًا، سأحضّره فورًا.”
“تسك،” نقر إدْوِين بلسانه وهو ينظر إلى ظهر كاميلا المغادر.
‘يا له من أسلوبٍ مزعج في إتعاب الناس.’
* * *
أمام قصر دوق هاردِيون.
‘يا لهذا الطفل من لطيف!’
ظننتُ أنّه خجول، لكنّه الآن يُمسك يدي بقوّة.
“لنُمسك الأيدي.”
“لا أُريد.”
“هذا المكان خطير جدًّا وواسع، قد تضيع.”
“…فليكنْ إذًا.”
لكن ما إنْ قلتُ إنّه خطير، حتّى أمسك يدي بسرعة.
كانت يده الصغيرة تُمسك بيدي بإحكام.
لطيفٌ جدًّا.
“هل هذا بيتك يا أختي الكبيرة؟”
“ليس بيتي، بل بيت صديقي، أنا أقيم هنا مؤقّتًا.”
“لكن هل يجوز أنْ تُدخلي شخصًا غريبًا إلى بيتٍ ليس لكِ؟”
“أه…”
أربكني سؤاله الذكيّ.
“سأطلب الإذن لاحقًا. آه، صحيح، هو رجل، لكن… لا بأس، فأنت طفل صغير.”
“لا أفهم ما تقولين.”
“أقصد أنّ الأمر بخير. صحيح أنّ صديقي مُخيف قليلًا، لكنّه لن يؤذي طفلًا أبدًا.”
‘أتمنّى ذلك.’
قادته إلى المبنى الفرعيّ للقصر.
وفجأة، خطف كيرين قُبعتي القشّيّة.
“أيمكنني استعارتها؟”
“هاه؟ لماذا؟”
“عندي خوفٌ من الأنظار.”
“آه، فهمت. حسنًا، ارتدِها.”
ثمّ شرحتُ بإيجازٍ للخدم الذين استقبلوني.
“التقيتُ بهذا الطفل في السّاحة، وقد ضاع عن والديه. سأبقيه هنا إلى أنْ نجدهما، وسأطلب إذن الدوق لاحقًا.”
“حسنًا، يا سيّدتي. إنِ احتجتِ شيئًا، فنادينا.”
“من فضلك، أحضروا له ثيابًا تناسب عمره وبعض كتب القصص. عمره تسع سنوات. آه، وتجهيز العشاء مبكرًا من فضلكم.”
“حاضر، يا سيّدتي.”
تجاوزنا المدخل وصعدنا نحو الطابق الثاني.
سأل كيرين:
“هل أنتِ حقًّا السيّدة المخطوبة؟”
“همم؟”
“لستِ مجرّد صديقة لمالك البيت، بل خطيبته؟”
“آه، نعم، نوعًا ما. نحن مخطوبان، لكن لا نعلم بعد إنْ كُنّا سنتزوّج فعلًا.”
وصلنا إلى الطابق الثاني.
أغلقتُ باب الغرفة بحذر.
خلع الطفل القبّعة أخيرًا.
بما أنّه يُعاني من خوف الأنظار، سأطلب من الخادمات أنْ يدعنَه يرتاح وحده.
“جلبْنَ الثياب سريعًا. هل يمكنك الاغتسال وحدك؟ هذه الملابس تبدو مناسبة لك.”
“أجل أستطيع، لستُ طفلًا صغيرًا.”
‘كلامه يُشبه الكبار تمامًا، كأنّه عاش حياة ثانية!’
“ذكيّ جدًّا، أنت ناضجٌ بالنسبة لطفلٍ في التاسعة.”
“لكنّكِ رغم أنّكِ بالغة، تبدين حمقاء بعض الشيء.”
“هاه؟ لستُ حمقاء!”
“تبدين كمن يسهل خداعه.”
“هذه أوّل مرّةٍ يقول لي أحد ذلك!”
“ألا تعرفين مَن أكون لتُدخليني إلى هنا بلا تردّد؟ من السّهل أنْ يُخدع شخصٌ يثق بسرعة.”
“أنا حذِرة جدًّا، فقط لا أُشكّ في الأطفال.”
“الحُكم من المظاهر فقط يزيد أخطاءك.”
“لستُ من هؤلاء.”
“ولا تذهبي مع أيّ شخصٍ وسيم، قد يُغرّك شكلُه وتندمين.”
‘حقيقةً… معه حقّ.’
وفي تلك اللحظة، التقت عيناي بعيني إيميلي التي كانت تُرتّب الكتب.
وبما أنّها تعرف قصّتي مع كايل، فقد شعرتُ بالحرج.
“إمم! على أيّ حال، لستُ حمقاء، فلنبحث عن والديك. هل عندك وسيلة تواصل معهما؟”
عندها جذب كيرين طرف ثوبي الصغير وقال بهدوء:
“أختي، لا، ليس الآن.”
“هاه؟ لماذا؟ هل تحتاج شيئًا؟”
“لا. فقط، أرجوكِ، لا تتّصلي بوالديّ بعد. أُريد أنْ أبقى هنا يومين لأفكّر قليلًا.”
“لا يمكن. يومان كثيران. يومٌ واحد فقط، اتّفقنا؟”
“حسنًا. لكن دعيني أبقى الليلة.”
“موافق. لكن يجب أنْ تغتسل وتتناول العشاء، وإلّا سأتّصل بوالديك فورًا!”
كانت السّاعة السادسة مساءً، والشمس تغيب ببطء.
أنهى كيرين استحمامه وبدّل ثيابه.
“كيرين، لديّ موعدُ عشاءٍ مع صديقي، سأعود سريعًا.”
“تبدوان على وفاقٍ شديد. هل كان زواجَ حبّ؟”
“همم… تقريبًا، ليس زواج مصلحة.”
“أفهم. إذًا إلى اللقاء.”
“إلى اللقاء. العبْ مع إيميلي جيّدًا.”
أوصيتُ إيميلي بالاعتناء به، ثمّ أمسكتُ بصندوق الماكرون وتوجّهتُ إلى المبنى الرئيسي.
* * *
طَرق، طَرق.
“أمم… كايل؟”
أدخلتُ رأسي من الباب فرأيتُ كايل يقف يراجع الأوراق، ملامحه الوسيمة تُضيء الغرفة.
حتى عقد حاجبيه بدا جذّابًا.
‘لا شكّ أنّه وسيمٌ حقًّا.’
رفع كايل نظره نحوي، بدا متفاجئًا قليلًا برؤيتي.
“هل أنتَ مشغولٌ؟”
“قليلًا. لِمَ تسألين؟”
“جئتُ… لأتناول العشاء معكَ.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 48"