في الصباح الباكر من اليوم نفسه، اجتمعت في قصر آل فلورنس سيّدتان كانتا على وشك أن تُصبِحا حَموَتين.
كانت هذه أوّل مواجهةٍ بين الكونتيسة جين فلورنس والكونتيسة لورين هانز وورث منذ فسخ خِطبة ولديهما.
ساد الصمت طويلًا بينهما قبل أن تتحدّث لورين أوّلًا.
“في البداية، كنتُ أنوي أن أُعطي إيفلين بعض الوقت لتفكّر. كنتُ أؤمن أنّها ستتّخذ القرار الحكيم بنفسها.”
“…هكذا إذن.”
في الواقع، كانت جين فلورنس تشعر بانزعاجٍ واضح من هذا اللقاء.
‘وما الجدوى الآن؟ لماذا تُتعب نفسها وتأتي لرؤيتي؟’
لقد حدثت الفوضى بالفعل، وتمّ فسخ الخطوبة، فما الذي يمكن أن يفعله الأهل بعد ذلك؟
كانت جين متعبة في الأصل، بعد رحلةٍ طويلة، وفوق هذا، ما زالت تحاول استيعاب صدمة فسخ خطوبة ابنتها الوحيدة، التي لم تكتفِ بذلك، بل جلبت معها رجلًا جديدًا تسبّب في ضجّةٍ أخرى داخل القصر.
لذلك كانت ترى هذا اللقاء مضيعةً للوقت تمامًا.
‘تَفاهةٌ فوق تعب. كان النوم في هذا الوقت أفضل ألف مرّة.’
قالت لورين بهدوءٍ مصطنع:
“السبب الذي جعلني ألقاكِ الآن هو أنّني كنتُ واثقةً من ابنتكِ. كنتُ أُصدّق أنّها فتاةٌ عاقلة.”
“وماذا عن الآن؟”
“لا داعي لأن تتظاهري بالجهل، جين. الجميع في العاصمة يتحدّثون بالأمر. أتظنين أنّني لَمْ أسمع بخبر زواج ابنتكِ؟”
“أجل، سمعتُ. وأرى أنّ ما حدث أمرٌ جيّدٌ بالنسبة لها كأمّها.”
لم تكن كلماتها من جهلٍ بالموضوع، بل كانت تعلم أنّ الشائعات قد انتشرت فعلًا، خصوصًا أنّها تتعلّق بـ دوق هارديون.
‘وبالطبع، الحديث عن ابنتي إيفلين.’
كانت جين مسرورةً سرًّا.
‘أن تكون ابنتي بخير بعد فسخ الخطوبة أفضل من أن تتحوّل إلى حُطامٍ كما حدث لبناتٍ أُخريات. ثمّ إنّ الدوق وسيمٌ جدًّا وله حضورٌ وهيبة.’
بل كانت ترى أنّه أفضل من إدوين بمراحل.
أما لورين، فقد رأت الابتسامة الخفيفة ترتسم على وجه جين، فازدادت برودًا وهي تقول:
“جين… ألا تظنين أنّكِ فشلتِ في تربية ابنتكِ؟”
“ما الذي تعنينه؟”
وضعت لورين فنجانها على الطاولة وقالت بحدّة:
“كانت مخطوبةً لابني، ومع ذلك كان في حياتها رجلٌ آخر.”
“ماذا تقولين بحقّ السماء؟”
تطلّعت جين إليها بدهشةٍ صادقة.
‘هل جُنّت هذه المرأة لأنّ ابنها رُفض؟’
كانت متأكّدة أنّ لورين هانز ليست في حالتها الطبيعية.
“بعد أيّامٍ قليلةٍ من فسخ الخطوبة، شوهدت مع رجلٍ آخر، وترافقها الشائعات. ألا يبدو لكِ هذا غريبًا؟”
“وما شأنكِ أنتِ؟”
“ماذا؟!”
ارتفع صوت لورين حادًّا، وقد تغيّر وجهها تمامًا.
“ربّما صادفت نصيبها الحقيقي بعد الفسخ. لا أرى في ذلك مشكلة.”
ردّت جين بهدوءٍ متعمّد وهي ترفع فنجانها لترتشف منه، بينما تلعن في داخلها إضاعة وقتها مع هذه المرأة.
“جين!”
رغم أنّ صداقتهما القديمة كانت بفضل زوجيهما اللذين كانا على علاقةٍ وثيقة، فإنّهما لم تكونا في الواقع متفقتين أبدًا.
كانت جين تعتبرها امرأةً متكبّرةً مهووسةً بابنها، لا أكثر.
قالت لورين بلهجةٍ غاضبة:
“ابنتكِ خانت خطيبها وهي ما تزال مخطوبةً له. أفهمتِ؟”
“لابدّ أنّ هناك سوء فهم. إيفلين ليست من هذا النوع.”
ازداد غضب لورين.
‘وقحةٌ مثل أمّها. خانت أولًا ثمّ ادّعت البراءة! لا عجب، فالأبنة تشبه أمّها تمامًا.’
قالت لورين باستياءٍ وهي تطرق الطاولة بأصابعها:
“كنتُ سأتجنّب قول هذا، لكنّكِ تحتاجين أن تعرفي الحقيقة.
بينما كنتما في رحلةٍ خارج العاصمة، جاء ابني إلى هنا… وتعرّض للضرب من قِبل الدوق، ثمّ طُرد من القصر. وابنتكِ لم تُحرّك ساكنًا.”
“أفهِم.”
“إذن فأنتِ تعترفين أنّ ابني كان الضحية. إنّه لا يأكل منذ أيام، حزناً على ما جرى.”
قالت جين ببرود:
“فلنُقُل الحقيقة كما هي. من خان أولًا هو إدوين، وليس إيفلين. وأنتِ تعلمين هذا جيّدًا.”
“كانت نزوةً عابرة. لقد اعترف وندم عليها.”
“نزوة؟ أن يتقلّب مع امرأةٍ أخرى في حديقة قصرٍ عامّ؟ هذا ما تُسمّينه نزوة؟”
“أنتِ لا تفهمين، يا جين. الرجال ليسوا كالنساء. هذه طبيعتهم.”
‘يا للجهل…’ فكّرت جين ببرودٍ وهي تحدّق بها.
قالت لورين: “رجلٌ قد يخطئ ليلةً واحدة، فلا يجوز أن ندمّر حياته بسببها.”
“إذن فلنُنهِ الأمر. كلٌّ منهما في طريقه، ولنُغلق هذا الحديث.”
لكن لورين قالت فجأة:
“ثمّة شاهدٌ رأى إيفلين تخرج من فندقٍ في ضواحي العاصمة صباح اليوم التالي للحفل.
فكّري جيّدًا، جين. أعيدي الأمور إلى نصابها، وأنقذي سمعة ابنتكِ قبل أن تنتشر الفضيحة.”
وقفت جين وقالت ببرود:
“أتريدين إعادة الخطوبة؟ هذا مستحيل. والباب هناك.”
غادرت لورين القصر مغتاظة، بينما تمتمت جين:
“المرأة المجنونة ضيّعت وقتي على لا شيء.”
‘أتظنينني سأعيد ابنتي لذلك الفاسق خوفًا من القيل والقال؟ لن يحدث أبداً.’
كانت جين أصلًا تكره إدوين. وافقت على الخطوبة فقط لأنّ زوجها داميان هو من أصرّ عليها.
‘لم أكن أعلم أنّه بهذا السوء… لكن الرجال أمثاله يجعلون الدم يغلي.’
تنفّست بغضبٍ وهي تتذكّر وقاحة لورين أيضًا.
* * *
في مساء اليوم نفسه، في قاعة استقبال قصر فلورنس، كان الكونت داميان يقرأ صحيفةً قبل أن يصرخ بغضب:
“دروس للزواج؟ يا للسخافة! أيّ هراء هذا؟”
كان ما زال غاضبًا من تصرّف دوق هارديون الذي جاء فجأةً إلى القصر وأخذ ابنته بحجّة التدرّب على الحياة الزوجية.
“ما زلتُ لا أستسيغ هذا الرجل أبداً.”
قالت جين من مكانها المقابل وهي تطرّز بهدوء:
“لماذا تُضخّم الأمر؟ أنا أراه رجلًا جيّدًا في الحقيقة.”
توقّف داميان عن القراءة وحدّق بها، فخطر ببالها خاطرٌ ساخر:
‘هل يُمكن أنّه يغار من وسامة الدوق؟ أو لعلّه يضيق لأنّ ابنته تعلّق قلبها برجلٍ غيره؟’
صرخ:
“أنتِ لا تفهمين شيئًا! كلّ ما تعرفينه هو الجلوس في البيت والتطريز!”
أغلقت جين فمها. كانت تعلم أنّ الجدال معه لا ينتهي إلّا بالخصام.
جرّبت من قبل، وكانت النتيجة دومًا أنّها الخاسرة.
فهو يعاقبها بقطع مصروفها أو تقليص نفقاتها كنوعٍ من الانتقام.
كم يبدو هذا الزواج لامعًا من الخارج، فارغًا من الداخل.
قال بغضبٍ متزايد:
“كيف ربّيتِ تلك الفتاة؟ ما الذي تُعلّمينه لها طوال الوقت؟”
حينها، ارتسمت على وجه جين ابتسامةٌ باهتة وهي تتذكّر كلمات لورين في الصباح:
“جين، ألا تظنين أنّكِ فشلتِ في تربية ابنتكِ؟”
فأجابت بصوتٍ باردٍ متعب:
“هل انتهيتَ من كلامك، يا داميان؟”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 43"