ولم يكتفِ بذلك، بل أرسل لي أيضًا تلك الورقةَ السخيفة بنفسه إلى الملحق.
“يبدو أنني سأكون مشغولًا بالعمل في نهاية هذا الأسبوع، لذا أسمح لكِ بالخروج الحر. يمكنكِ زيارة منزلكِ إنْ أردتِ.”
نظرتُ إلى ذلك “العقد السخيف” الموضوع بعناية على الطاولة الصغيرة بجوار السرير، فصررتُ أسناني غيظًا.
وما زاد الطين بلّة تلك الملاحظةُ المتصنّعة التي تركها لي، وكأنّه إنسانٌ لطيف.
‘يتظاهرُ بالاهتمام بعد أن أغمي علي بالأمس!’
إذًا، من المفترضِ أن أستريحَ اليوم، أليس كذلك؟!
“لا، لا يُمكنني أنْ أتركَ الأمر يمرُّ بهذه السهولة!”
“لكن مالذي يمكنكِ فعلهُ يا آنستي ؟”
“……هذا ما لا أعلمه بعد.”
صحيح. لا يمكنني أن أذهبَ إليه وأتحدّاه في قتالٍ مثلَ الأبطال.
جسدُ كايل صلبٌ كالحجر. قويٌّ وراسخٌ بطريقةٍ غير طبيعيّة.
في لحظةٍ من الجنون فكّرتُ في التدريب الجسديّ لمواجهته يومًا، لكنّني أدركتُ سريعًا أنّني سأُسحقُ.
‘سأسحقُ قبل أن أبدأ حتى.’
قالت إيميلي وهي تضع الشاي أمامي:
“لكنّه مذهلٌ فعلًا،”
“……مذهلٌ فعلًا.”
“وهل تكرهينهُ يا آنسة؟”
“ليس تمامًا.”
“إذًا، هل لا تشعرين بشيء بكونكِ معهُ؟”
“……بالعكس، إنّه رائعٌ جدًّا.”
لم أستطع الكذب.
ابتسمت إيميلي
“هذا نادر يا آنستي”
“……حقًّا؟”
“نعم. خصوصًا النساء النبيلات، إذْ عليهنّ إنجابُ وريثٍ مهما كانت مشاعرهنّ. تخيّلي كم هو مُروّع أنْ تفعلي ذلك دون رغبة. إنّه يُهلكُ الروح.”
“……أجل. الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، يبدو ذلك فعلًا بشعًا.”
“بالضبط، لذا أنا راضيةٌ بحياتي هذه. أعملُ لأجل نفسي، لا أحد يُملي عليّ شيئًا. سيّدةُ النبيلة تملكُ المال، لكنّها تدفعُ الثمن من كرامتها.”
“إيميلي، يبدو أنّكِ تفهمين العالم أكثر ممّا تظنّين.”
“بالطبع. العملُ كخادمةٍ ليس سهلًا يا آنسة، فنحن نرى كلَّ أنواع البشر.”
تنهّدتُ بعمق. في حياتي السابقة، كنتُ فتاةً عادية بلا حبيبٍ ولا تجارب.
كلُّ ما فعلته كان الدراسةَ والعمل لأجل لقمة العيش.
حتى بعد أن وُلدتُ من جديد داخل هذا العالم، لم يتغيّر شيءٌ سوى أنني صرتُ آكلُ جيدًا وأعيشُ برفاهية.
كان لديّ خطيبٌ منذ الصغر، ووالداي محافظان، فلم أعرف الحبّ مطلقًا.
“لكن الآن… أشعرُ وكأنني انحدرتُ خلال شهرٍ واحدٍ تمامًا.”
“انحدرتِ؟”
حدّقت إيميلي بي بدهشة.
“نعم. أشعرُ بأنني صرتُ فاسدةً بشكلٍ لا يُصدَّق.”
لم نتزوّج بعد، ومع ذلك وقتنا دومًا معًا.
ففي الأصل، كانت الروايةُ التي أُعيدُ تمثيلَها روايةً للبالغين.
وكان كايل فيها صاحبَ ميولٍ ساديّةٍ غريبة.
ربما يُخفي الآن تلك الجوانب قبل الزواج، لكنّني قرأتُ كلَّ ما كان يفعله مع البطلة في النصّ الأصلي.
‘لهذا السبب صُدمتُ حين ضربني على رأسي بالأمس!’
صحيح أنّ الضربة كانت خفيفة، لكن… ماذا لو بدأ يضربُني اكثر؟!
“لا وقت للجلوس! إيميلي، هيا بنا نخرج!”
“لماذا يا آنسة؟”
“لقد حصلتُ على إذنٍ بالخروج! سنهربُ إلى بيتِ عائلتي حالًا، قبل أن يُغيّر رأيه!”
* * *
كايل في هذه الأيام يعيشُ على متعةٍ واحدة: إغاظةُ إيفلين.
كلّما قال جملةً بسيطة، كانت تتلوّنُ ملامحها بكلّ العواطف الممكنة.
ترتجف، تغضب، تهمس، تُقاوم، وكلّ ذلك في آنٍ واحد.
كانت تشبهُ جروًا صغيرًا لطيفًا لكنه يزمجرُ عند الخطر.
كم كانتْ ممتعةً حين تتلعثمُ من الخوف والغضب في الوقت نفسه.
إنّها بالفعل امرأةٌ تستحقّ المراقبة.
لم يشعر كايل يومًا بأيّ انجذابٍ لامرأة.
بل كان عطرُهنّ يُثيرُ في نفسه الغثيان.
ظنّ أنّه سيعيشُ ويموتُ وحيدًا، دون أن يلمسَ أحدًا.
لكن إيفلين كانت مختلفة.
كانت تفوحُ منها رائحةُ الفراولة.
وجلدُها الطريّ الدافئُ أيقظ فيه رغباتٍ لم يعرفها من قبل.
بل والأغربُ من ذلك، أنّه ينامُ بعمقٍ حين تكونُ إلى جانبه، وهو الذي لم يعرف النومَ العميقَ في حياته.
طرقٌ خفيفٌ قطع شروده.
“دوقي، لقد غادرت الآنسةُ إيفلين القصر متوجّهةً إلى منزل عائلتها.”
“حسنًا.”
يبدو أنّه لن يراها اليوم، وربّما غدًا أيضًا.
لقد سمح لها بالخروج لتستريح، لكنها فرّت كما يفرّ الحصانُ من الحظيرة.
ومع ذلك، شعرَ بشيءٍ غريبٍ في صدره.
“وهذا تقريرُ الفارس المكلّف بحمايتها سرًّا يا سيدي.”
تناول كايل الملفَّ وبدأ يقرأ.
لقد كلّف فارسًا خفيًّا بحراسةِ إيفلين لأجل سلامتها، وتلقّى منه تقاريرًا يوميّة عن تحرّكاتها.
قال مساعده هيوغو وقد بدا متحمّسًا:
“سيدي، إلى أيّ صفحةٍ وصلتَ الآن؟”
“مقهى الحلوى. شراء الماكرون.”
“حسنًا، لكنّ هناك شيئًا مدهشًا يا سيدي… إنّها تبرّعت!”
“تبرّعت؟”
هيوغو، كسائرِ خدم القصر، صار يُناديها بلقب “السيّدة القادمة”.
فالجميع تقريبًا صاروا يتمنّون أن تُصبحَ دوقةَ القصر بحقّ.
“نعم، هذا ما كُتب في التقرير، وقد وصلتنا رسالةُ شكرٍ من دار الأيتام، ومعها سجلّ التبرّعات.”
رفع كايل حاجبًا في دهشةٍ خفيفة، وأخرجَ من الظرف رسالةً مكتوبةً بخطٍّ جميل، تُشكرُه فيها دارُ الأيتام على دعمِه السخيّ.
لكنّ الصدمة كانت في التفاصيل.
فالمبلغُ الذي تبرّعت به إيفلين هو كاملُ مخصّصها الشهريّ الذي منحَه لها شخصيًّا كمالٍ شخصيٍّ للمعيشة.
“……ماذا؟”
قال هيوغو بانفعال:
“نعم سيدي! بعد أن أنهتْ زيارتها لمتجر المجوهرات، ذهبت مباشرةً إلى الساحة ثم إلى دار الأيتام. تخيّل! كلُّ هذا من أجل شراء الحلوى للأطفال.”
ظلّ كايل صامتًا، بينما تابعَ هيوغو باندفاع:
“ليس ذلك فحسب، بل قدّمت الصكّ بأكمله تبرّعًا باسمكَ الشخصي! يا للروعة، حقًّا ملاكٌ نزل من السماء! لم تأكل حتى قطعةً واحدة من الحلوى، واكتفت بثلاث أسياخ دجاج مع خادمتها طوال اليوم!”
ثمّ أردف وهو يضحك بإعجابٍ صادق:
“حقًّا يا سيدي، من يحتاجُ إلى الصلاة في المعبد ما دامت السيّدةُ المقيمة في قصرنا ملاكًا كهذه؟!”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 42"