عبرتُ حديقة قصر الدوق، وأخيرًا وصلتُ إلى المدخل الرئيسي.
أمسك كايل يدي ليُساعدني على النزول دون أن أدوس على فستاني.
رتبّتُ بسرعة الفستان الذي كان كايل قد عَبَثَ به.
‘هاه..’
كنتُ متوترة.
رغم أنني زرتُ القصر عدة مرات من قبل، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها رسميًا وأُستقبل من جميع الخدم.
بالنسبة لحجم القصر، لم يبدُ عدد الخدم كبيرًا.
ربما بسبب طباع كايل الذي يكره التعقيد والإزعاج، يبدو أن القصر يُدار بأقل عدد ممكن من الخدم.
لكن.
“….”
كان الخدم جميعًا يحدّقون بي.
رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، كانوا ينظرون إليّ بوجوه خالية من التعبير أقربُ إلى تعبير مخيفٍ أكثرَ.
لم أستطع تحمل نظراتهم الحادة، فاختبأتُ خلف كايل.
دفنتُ وجهي في ظهره وأمسكتُ بطرف ثيابهِ.
أدار رأسه قليلًا وسألني:
“ما بكِ؟”
“أ-أنهم جميعًا يحدّقون بي كثيرًا.”
ما الذي يفكرون به؟
كيف كان الوضع في القصة الأصلية؟
عائلة الدوق المباشرة، وحتى الخدم، كانوا جميعًا أشخاصًا ساخرين وباردين.
كانت الروابط بين أعضاء القصر قوية، لكنه كان مكانًا منغلقًا جدًا. كانوا يكرهون الغرباء بشدة.
حتى عشيقة كايل المتعاقد معها في القصة الأصلية عانت الكثير في هذا القصر. التنمر الخفي والتجاهل كانا أمرين أساسيين.
بل إن كايل نفسه، رغم أنه كان شريكها بالعقد، كان يتجاهلها.
الأشخاص الوحيدون الذين كانوا ودودين معها هما هيوغو والبستاني السيد براون.
‘أن أصمد شهرًا في مثل هذا المكان.’
لهذا السبب لم أرد المجيء أبدًا. أتمنى أن تأتي إيميلي بسرعة.
بينما كنتُ مختبئة خلف كايل، ألقيتُ نظرة خفية إلى الخارج.
رأيتُ بعض الخدم يبرقون بعيونهم بحدة، ويمدّون زوايا أفواههم بطريقة غريبة.
كان بعضهم يحرّك شفتيه كما لو كان يتحدثُ.
‘يا إلهي!’
هل يردّدون تعويذة لعنة أم ماذا؟
* * *
“يا إلهي. ما هذا الأرنب الصغير؟”
“إنها لطيفة جدًا.”
“عندما اختبأت خلف سيدي، لم يظهر حتى ذيلها.”
هَهْ، السيدة المستقبلية حقًا رائعة.
نظر الخدم إلى السيدة المستقبلية، التي بدت كشعاع ضوء في هذا القصر القاتم، بعيون مليئة بالحب.
كان عليهم أن يكبحوا زوايا أفواههم المرتجفة بقوة.
شعرها الذهبي اللامع يتلألأ تحت أشعة الشمس، وعيناها الخضراوان المبللتان تلمعان كالنجوم.
من رأسها إلى أخمص قدميها، كل شيء فيها يلمع.
كيف هو حال سيدنا الذي كان ينضح بالبرودة؟ إنه الآن في حيرة من أمره وهو يرى خطيبته مختبئة خلف ظهره.
أليس هذا زوجًا لطيفًا ومحبوبًا؟
في الحقيقة، كان الخدم قلقين جدًا.
سيدنا، الذي ورث اللقب منذ زمن، لم يبدُ مهتمًا لا بالخلافة ولا بالزواج.
كان سيدنا، وخاصة بين أميرات البلدان المجاورة، يتمتع بشعبية كبيرة، لكنه رفض كل عروض الزواج، ثم فجأة، في يوم من الأيام، استولى على هذا الكائن الجميل واللطيف.
بل إن علاقتهما ودية للغاية، فالسيدة المستقبلية كانت تزور القصر كل يوم تقريبًا.
كل ما يحدث في قصر الدوق يُحفظ سرًا تامًا.
خاصة القصص المتعلقة بالسيدة المستقبلية، فقد أمر سيدنا بالتزام الصمت التام بشأنها.
لذلك، ليس هناك الكثير من الخدم الذين يعرفون تفاصيل علاقتهما. باستثناء الخادمة التي ساعدت السيدة المستقبلية في الاستحمام مرة.
وفقًا لما تناقله بعض الخدم، كان الاثنان، في كل مرة تزور فيها السيدة القصر، يقضيان وقتًادون انقطاع.
‘ربما يُحلّ مشكلة الخلافة قبل الزواج حتى.’
بدأ الخدم يتخيلون أحلامًا كبيرة. لقد انتهوا بالفعل من تخيّل وجوه أطفالهما المستقبليين الممزوجين بملامح السيد والسيدة.
* * *
“تشرفتُ بلقائكِ لأول مرة. أنا ماري، رئيسة الخادمات في هذا القصر.”
“أ-أهلًا…”
“يمكنكِ مناداتي بسهولة بالسيدة ماري. من اليوم فصاعدًا، سأخدمكِ دون أي تقصير.”
السيدة ماري. كانت مربية كايل.
كانت السيدة ماري هي من ربّت كايل كابنها منذ كان رضيعًا.
لذلك، وُصفت بأنها واحدة من القليلين الذين يثق بهم كايل، الذي لا يمنح ثقته للناس بسهولة.
‘لن يكون من الجيد أن أصنع عداوة مع الخدم. على أي حال، أنا لا زلتُ غريبة هنا.’
يجب أن أحاول التعايش معهم قدر الإمكان.
“على الرغم من أنها فترة قصيرة، أرجو أن تعتني بي، يا سيدة ماري!”
“… فترة قصيرة؟ أنتِ من ستكونين دوقة القصر مدى الحياة.”
“أ، آه… هكذا إذن.”
لن يكون الأمر سهلًا.
“اتبعيني. سأرشدكِ إلى المكان الذي ستعيشين فيه.”
تبعتُ السيدة ماري دون كلام. خرجنا من المبنى الرئيسي وعبرنا الحديقة.
بعد حوالي عشر دقائق من المشي، رأيتُ مبنى صغيرًا وأنيقًا ونظيفًا مقارنة بالمبنى الرئيسي.
كان يبدو أن المكان يُدار بعناية، حيث كانت الأزهار تتفتح جيدًا في الحديقة الصغيرة المحيطة به.
“هذا الجناح الملحق بالقصر. كانت الدوقة السابقة تقيم هنا مؤقتًا خلال فترة خطوبتها قبل الزواج الرسمي.”
الدوقة السابقة. تلك التي كانت تُقال إنها تستحم بدماء الخادمات الصغيرات.
“حتى بعد أن أصبحت دوقة، كانت تقيم هنا عندما تكون في العاصمة.”
شرحت السيدة ماري بهدوء وهي تقودني إلى الطابق الثاني من الجناح. كان المبنى الرئيسي يعطي شعورًا باردًا وقاسيًا، وكذلك كان الجناح.
يبدو أنهم حاولوا تزيينه، لكن الممرات والسلالم في الداخل كانت مزينة بأواني زهور صغيرة تحتوي على ورود سوداء فقط.
بل إن الجدران كانت مُعلقة بلوحات غريبة ومظلمة.
“جميلة، أليس كذلك؟ الدوقة السابقة كانت مهتمة جدًا بالفنون.”
“… ا-اه، هكذا إذن؟”
بدلًا من أن تكون اللوحات جميلة، كانت تبدو قاتمة وكئيبة.
لوحة لرجل منهك يصرخ وهو ملقى بين وديان مظلمة، لوحة لتمثال مغطى بالدماء وأطرافه مفككة…
‘لا أريد النظر إليها بعد الآن.’
“هنا المكان الذي ستقيمين فيه من الآن فصاعدًا.”
فتحت السيدة ماري باب الغرفة في أقصى اليمين بالطابق الثاني.
لحسن الحظ، كانت الغرفة مواجهة للجنوب، فكانت مليئة بأشعة الشمس بعد الظهر المتلألئة.
كانت الغرفة مزينة بألوان وردية وبيضاء، مما يعطيها جوًا دافئًا ومريحًا.
لم يكن هناك أي أثاث قديم، كل شيء بدا جديدًا.
في تلك اللحظة، رأيتُ ظلًا مألوفًا عند النافذة. شعر بني مربوط بعناية، تلك الخلفية الأنيقة!
“يا إلهي، إيميلي!”
كانت إيميلي تقوم بتغيير الستائر المعتمة بستائر بيضاء.
ركضتُ نحوها بفرح وأمسكتُ يديها وهززتهما بحماس.
“جميل. لقد زيّنوا الغرفة بشكل مشرق جدًا، يا إيميلي.”
“كل ذلك بفضل صبر رئيسة الخادمات.”
“رائع.”
ابتسمت السيدة ماري بارتياح، لكن ابتسامتها بدت قاتمة بعض الشيء.
“يا آنسة، سأترككِ الآن. إذا كنتِ تحبين قائمة طعام معينة، أخبريني بها وسأراعيها في تحضير العشاء.”
“أنا آكل كل شيء بسهولة!”
“لا تعانين من التذوق المتقلب أيضًا. حقًا الأفضل…”
“ماذا؟”
“آ، لا شيء. سأترككِ الآن. اعتني بها جيدًا، يا إيميلي.”
“نعم، سيدتي.”
أدّت إيميلي تحية مهذبة.
غادرت السيدة ماري، وسرعان ما بقينا نحن الاثنتين فقط.
“إيميلييي! ماذا تفعلين؟”
“أغير الستائر. يجب التخلص من كل شيء قاتم هنا.”
“هل أنتِ من زيّن كل هذا؟”
“نعم. أنتِ تحبين اللون الوردي، أليس كذلك؟”
من شدة فرحتي، بدأتُ أزعج إيميلي. لكنها ركزت على تغيير الستائر.
بعد بضع دقائق، أنهت إيميلي تغيير الستائر وصفقّت يديها برفق.
“هَه، انتهيتُ.”
“إيميلي، انظري إلى هذا! من وضع كعكة الفراولة وكعكة الشوكولاتة هنا؟”
“آ، لقد تركتهما خادمة منذ قليل. قالت إنهما من محل كعك مشهور في الجوار.”
“هيا نأكل! أنا جائعة.”
جلستُ مع إيميلي وجهًا لوجه عند الطاولة.
“هل يُعقل هذا؟ دروس عريس؟ لم أسمع بمثل هذه الدروس من قبل.”
“بالفعل. والأكثر غرابة أن السيدة الكبرى وافقت بحماس، كان ذلكَ مفاجئًا.”
“هَهْ، لكن وجودي معكِ يجعلني أتنفس. أنا خجولةٌ جدًا. كنتُ أفكر كيف سأصمد هنا لمدة شهر بمفردي، كان الوضع يبدو ميؤوسًا.”
“أينما ذهبتِ، سأتبعكِ.”
قالت إيميلي ذلك وهي ترفع شيئًا من تحت الطاولة.
كانت مجموعة كتب سميكة.
بينها كتب اشتريناها سابقًا من المكتبة، كتب عن المرأة المحبوبة وعن دور السيدة المضيفة.
هذا يعني!
“من اليوم مباشرة؟ بدء العملية؟!”
“نعم. هذه العملية هي عملية أسوأ مضيفة.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 33"