لَمْ يُعارضْ أحد.
وسطَ الأجواء الصامتة المهيبة، كنتُ أنظرُ إلى والديَّ بتوترٍ، أتوسّل بعينيَّ.
‘يجب أن تُعارضا الآن! ماذا تفعلان!’
عندها، أدخل كايل أصابعه بين أصابعي. ثمّ ابتسم بابتسامة المنتصر.
“يبدو أنّ مقصدنا قد وصل بوضوح.”
مـ-مهلًا. هذا ليس ما أردتُه!
حاولتُ سحب يدي من قبضته، لكنه تمسّك بها بقوّة ولم يتركها.
“ا، اممم. على كلٍّ، أرى أنّ الأمر ما يزال مبكرًا قليلًا. فظروف إيفلين أيضًا… إنّه حقًا…”
“لا داعي للقلق.”
“نعم؟”
“أتجرؤ أن تفتح فمك أمام إيفلين، وهي التي صارت الآنسة الدوقة؟”
“……”
“وحتى لو تجرّأ أحدهم وتكلم، فسنقبض عليهُ ونعاقبه بما يليق.”
“هـ-هذا، هذا الأسلوب…”
كان أبي ينظر بتعجّب وكأنّه لا يوافقِ، لكنه على أيّ حال اكتفى بالإيماء.
لا يا أبي! لا تنساقَ خلفهُ!
‘يجب أن أساعَد أبي بنفسَي!’
سرعان ما غيّرت موقفي ووقفت في صفّه.
“لـ-لكنني أفهم أيضًا سبب قلق أبي. لقد مرّ وقت قصير على فسخي للخطوبة السابقة… وهذا قد يضرّ بصورتي كسيدة أيضاً…”
“إيفلين.”
“نٕ-نعم؟”
فجأة انحنى كايل نحوي، والتقت عيناهُ بعَيني. كان الأمر سريعًا لدرجة أنّي لم أملك سوى أن أرمش بحيرة. كان قريبًا جدًا.
وبحركة أشبه بتلطيف طفل، وضع يده الكبيرة على مؤخرة رأسي وربّت عليها برفق.
“ألم أقلْ إنّها مخاوفٌ لا داعَي لها؟”
“أ-أجل… صـ-صحيح!”
أجبتُه بخوف. كانت عيناه الحمراوان، اللتان تلتمعان وكأنهما مصبوغتان بالدم، أكثر حدةً من أيّ وقت مضى.
بعد لحظة، رفع يده عن رأسي.
‘كـ-كدتُ أموت من الرعب…’
كأنّ شيئًا فظيعًا سيحدث لجمجمتي لو طال الأمر أكثر.
التقطتُ أنفاسي المضطربة ونظرتُ نحو المقابل.
والداي وجاكلين تفادوا نظراتي بوضوح.
“نخطّط لإقامة لقاء العائلتين الشهرُ المقبلَ. وإن كان مجرد إجراء شكلي، فلا بدّ من اتّباعه.”
“نـ-نعم، هذا مناسب.”
“إذن، فالأمر قد حُسم.”
قال كايل بصوتٍ حازم. في النهاية، والداي لم ينبسا بكلمة اعتراض واحدة حقيقيةٍ حتى آخر لحظة.
أنا التي كنتُ أتلقّى التوبيخ دائمًا، بينما أمام خطيبي المرتقب لم يجرؤا حتى على فتح أفواههما!
كم هو مُهين.
“هناك أيضًا أمر أودّ اقتراحه.”
“مـ-ما هو؟”
على الأقل أبي، بصفته ربّ العائلة، تماسكَ قليلًا وتجرّأ على الردّ.
“أقترح أن نخوض شهرًا من دروسِ العريسِ، استعدادًا للزفاف.”
ماذا؟!
“وبطبيعة الحال، ستقيم إيفلين طوال هذه المدة في قصر هارديون.”
“ماذا؟! د-دروسُ العريس؟!”
“صحيح.”
“أ-ألا تعني دروس العروسةِ؟”
“لا حاجة إلى ذلك.”
بقي أبي فاغرًا فاه، كأنّ فكه قد سقط.
وأمي أيضًا. بدت مصدومة، وإن امتزجت في ملامحها لمحة فضول.
أما أنا، فلم أسمع في حياتي بمصطلح كهذا!
أكمل كايل شارحًا، بعدما خيّم الصمت على القاعة:
“أليس من واجب الزوج أن يعرف مسبقًا ما تحبّه زوجته المستقبلية وعاداتها اليومية؟ حتى أدقّ التفاصيل.”
“آه…”
أطلقت أمي تأوّهًا غامضًا، وارتسمت على وجهها نظرة يصعب تفسيرها.
شهرٌ كامل؟
‘هذا يعني أنّه يريد حبسي هناك لشهرٍ كامل!’
لقد كان هدفي أن أؤخر الزواج، فكيف ينقلب الأمر إلى إقامتي في قصره؟!
مستحيل.
أملتُ بجسدي إلى الخلف بعيدًا عن كايل، وأطبقتُ شفتي بعناد، محركة رأسي نفيًا وأنا أوجّه نظرات صارمة إلى والديَّ.
‘لا! لا على الاطلاق! مستحيل!’
حتى أنّي شكّلت شفتي بوضوح لتصل الرسالة.
‘قولوا لا!’
لكن أبي تهرّب من عيني.
سعلتُ عمدًا، ثمّ اجتذبتُ نظره من جديد. رسمتُ علامة × بإصبعيّ لأشدّد على المعنى.
“لـ-لكن يا دوق، مهما كان، لا يصحّ لفتاة لم تتزوّج بعد أن تعيش في بيت رجل أجنبي…”
“أنا أسمح بذلك.”
“ماذا؟”
“أمي؟!”
جاء صوت الموافقة من أمي فجأة!
ماذا يجري هنا؟
“أعترف أنّي تفاجأت قليلًا. لم أرَ من قبل رجلًا يقترح شيئًا كهذا.”
لا ترفعي من شأنه! هذا مجرد مبرّر سخيف!
ارتجف قلبي وأنا أتذكر كيف، في اليوم الذي عرّفني على أصدقائه، أسرَ قلوبهم جميعًا بمهارة الثعلبٍ الماكرِ.
كان عليّ أن أوقف أمي قبل أن تزداد إعجابًا به.
“أ-أمي، أعتقد أنّ الأمر ليس مناسبًا… كما قال أبي، نحن لم نتزوج بعد، والعيش في قصره أمر غير لائق…”
لكن أمي، بعكس كلامي، نظرت إلى كايل بعينين مفعمتين بالثقة.
“أوكلك بابنتي، يا دوق. إنّي أتطلّع لما سيأتي بعد شهر. أرجو أن تراعيها.”
بعد مغادرة كايل.
“آه، لماذا لم تمنعوه!”
انفجرتُ باكية، جالسة على أرض الصالون، وصرختُ من أعماقي.
هل هذا واقع؟ هل سأُسحب غدًا إلى قصره وأُحتجز هناك شهرًا كاملًا؟!
جلس والداي متجمّدَين على الأريكة، لا ينبسان ببنت شفة.
أما أنا، فلم أعد أهتم بالاتيكيت أو الهيبة، وبكيتُ حتى انهار جسدي.
لم أبالِ حتى بنظرات الخدم.
“ما بكِ تتصرّفين كالأميرات اللواتي يُزففن إلى وحوشٍ في الحكايات؟ أنتِ التي كنتِ تتوسّلين للزواج، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ أنت؟!”
“…أقصد، أختي.”
“نادِني كما يليق، قبل أن أشتكيك للدوق!”
قلتُها بعيون دامعة، مزمجرة. فتراجع جاكلين فورًا واضعً ذيلهُ بين ساقيهِ.
لكنّ غضبي انصبّ على أبي، الذي كان ساكتًا.
“أبي، لماذا جلستَ صامتًا؟!”
“ماذا تقولين؟!”
“أبي المعروف بصلابته وتشدّده، كيف سلّم ابنته بهذا الشكل؟! لا تتظاهر بالتفتح فجأة!”
احمرّ وجهه، ولم يجد ما يحتجّ به سوى رفع صوته.
“كـ-كنت خائفًا!”
“…عذرًا؟”
“ذاك الرجل… حين واجهته مباشرةً، كان مرعبًا أكثر.”
تنهد أبي بشدّة، واضعًا يده على صدغه.
‘حسنًا، أعترف أنّ كايل مرعب، بمظهره وصوته…’
لكن!
“أمّا أنتِ يا أمي، كيف وافقتِ فجأة؟!”
“إيفلين، لم أرَ رجلاً كهذا في حياتي.”
“…ماذا؟”
“فكرة دروس العريسِ. أليست لطيفة؟”
صُدمتُ. بأي معنى هي لطيفة؟!
“ما اللطيف في هذا؟!”
“معظم الرجال يطالبون العروس وحدها بالتهيؤ للزواج. أمّا هو، فقد قلب الموازين. كيف لا أعجب به؟”
“حقًا لا أصدق!”
“عيشي معه شهرًا فقط. هذا النوع من الرجال نادر، فلا تفوّتيه.”
“آه، يا إلهي…”
لم أستطع سوى البكاء من جديد. لماذا كل شيء يسوء أكثر فأكثر؟
لو أنّ والديّ رفضا بوضوح، لانتهى الأمر منذ البداية.
لكن لا…
غدًا بالفعل. سيُرسل كايل خدّمهُ ليأخذوا أغراضي إلى قصره.
“انتظروا، إيميلي لن تستطيع تجهيز الأمتعة وحدها. سأذهب لأساعدها.”
قالت أمي بحماس وهي تغادر الصالون.
“لا تفعلوا! لا تحزموا شيئًا… اهئ هئه هه!”
صرختُ وبكيتُ بحرقة، أمسح دموعي بذراعي.
‘هناك قبو مليء بالجثث، وغرفة تحنيط للحيوانات…!’
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا أسرعَ لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون الروابط، لحسابي واتباد، وقناة الملفات في أول تعليق~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 31"