غرفة الطّعام في قصر الكونت.
“أمم، تفضّلوا بتناول الطّعام.”
كان وجه والدي مليئًا بالإحراج.
لكن، بما أنّ الضّيف كان دوق هارديون، حاول بأقصى جهده الحفاظ على اللياقة وتهدئة تعبيراته.
كان يتلعثم في كلامه، مما يدلّ على توتّره الشّديد.
‘لا عجب في ذلك. إنّه دوق هارديون على أيّ حال. هه.’
لم يكن والدي خائفًا منّي، لكنّ الأمر كان ممتعًا.
شعرتُ وكأنّ كايل ينتقم لي.
على النّقيض، لم يهتمّ كايل بتصرّفات والدي، وظلّ يربت على ظهري حتّى توقّفت عن النّحيب.
لم يحاول ضبط تصرّفاته أمام والديّ، أو التّظاهر بالرّسميّة أو التّحفّظ.
كانت تعبيراته محايدة طوال الوقت.
قبل قليل، عندما انفجرتُ بالبكاء في الرّدهة، تجاهل تحيّة والديّ ومسح دموعي، رغم أنّ الخدم كانوا ينظرون.
‘الآن وأنا أفكّر في الأمر، إنّه محرج بعض الشّيء.’
لكسر هذا الجوّ المحرج، حاولت والدتي، السّيّدة المضيافة، إلقاء تحيّة لائقة:
“لم نتمكّن من التّجهيز مسبقًا، لذا قد يكون هناك نقص. أرجو منكم التّسامح، سيّدي الدّوق.”
“لا بأس.”
لم يقل شيئًا مثل “إنّه وليمة رائعة!” أو “طعام والدتي لا يُضاهى!”، ولو كانت كلمات مجاملة.
بالنّسبة لأمّ تريد صهرًا ودودًا ولطيفًا، كان كايل مخيّبًا للآمال.
لكنّني، هذه المرّة أيضًا، كنتُ راضية.
‘هه.’
شعرتُ وكأنّني أنتقم من والدتي أيضًا.
مسحتُ الدّموع الملتصقة بجفوني بظهر يدي. تاريخ تمييز جاكلين عنّي طويل، لكنّني اليوم شعرتُ بالحزن أكثر من المعتاد.
لا أعرف لماذا انفجرتُ اليوم رغم أنّني تحمّلتُ كثيرًا من قبل.
عندما مسحتُ أنفي بالمنديل، توقّف كايل عن التّربت ومرّر يده بلطف على مؤخرة رأسي.
“هل هدأتِ الآن؟”
أومأتُ برأسي بدلًا من الإجابة. ثمّ ألقيتُ نظرة خاطفة على والديّ وجاكلين الجالسين قبالتي.
كان الثّلاثة متجمّدين، لا يعرفون ماذا يقولون.
كنتُ أُهاجَم من عائلتي كمنبوذة، لكن هذا الغريب يعتني بي، مما جعل الوضع غريبًا.
شعرتُ بالحزن أكثر، لكنّه كان مطمئنًا ومريحًا بطريقة ما.
كان كايل أكثر لطفًا اليوم، وهذا بدا غريبًا.
أبعد كايل يده عنّي وعدّل جلسته. عندما نظر إلى الجهة المقابلة، فتح والداي وجاكلين أعينهم كالبوم المذعور.
شاهدتُ المشهد بهدوء كمتفرّجة.
‘هه.’
إنّه دوق هارديون. بالتّأكيد هم متوترون.
‘كنتُ أنوي أن أُرفَضهُ بأيّ طريقة قبل وصول والديّ.’
تحوّلت جهودي من دم ودموع وعرق إلى فقاعات وأندثرت مع أول نفخه
‘لا يهم، سأرتاح اليوم.’
لا أريد التّفكير أكثر اليوم. سيتّضح الأمر بطريقة ما.
في الحقيقة، كان السبب وراء رغبتي في الرّفض قبل وصول والديّ واضحًا.
بغضّ النّظر عن الشّائعات، أليست عائلة هارديون الدّوقيّة تُضاهي العائلة المالكة؟
شخص مثل والدي، الذي يعتبر ابنته جزءًا من ثروته، قد يرحّب بهذا بحماس.
‘لحسن الحظّ، يبدو أنّ والديّ لا يحبّان كايل كثيرًا.’
إن عارضاني، فهذا أفضل.
كيف يمكن لزواج أن يتمّ إذا عارضه والدا العروس؟
“تناولوا طعامكم براحة.”
“نعم، نعم…”
عندما رفع كايل السّكين، رفع والداي وجاكلين سكاكينهم تباعًا.
‘سيختنقون هكذا.’
بعد بكائي، شعرتُ بالجوع الشّديد. لم يكن لديّ طاقة للمضغ، فبدأتُ أتناول حساء الكريمة الأسهل.
بعد مضغ قطعة ستيك، قال كايل:
“كنتُ أنوي زيارتكم، لكن لم أتوقّع أن تكون اليوم.”
“حسنًا… أمم.”
كان ردّه يعني: ‘كنتُ سأزور للتّحيّة، لكن بما أنّكم تسبّبتم في هذه الفوضى، لم أستطع التّجاهل. هل أنتم راضون لأنّكم أوقفتموني؟’
تردّد والدي وهو يحاول ابتلاع قطعة ستيك.
يبدو أنّ تفسيري صحيح.
‘إنّه عاجز عن الكلام وهو ممسك بالشّوكة، منظر رائع.’
عندما ساد الصّمت، تدخّلت والدتي، السّيّدة المضيافة التي يعترف بها والدي، للدّفاع عنه:
“نعتذر عن هذا المظهر غير اللّائق، سيّدي الدّوق. هذا الرّجل يحبّ ابنته كثيرًا…”
“بالنّسبة لحبّه الشّديد لابنته.”
قطّع كايل قطعة ستيك أخرى مقاطعًا كلماته:
“كان قاسيًا جدًّا.”
يمكن تفسير ذلك بـ: ‘كان يوبّخها بشدّة وكأنّه سيلعنها.’
لم يستطع والدي تناول الستيك بعد. يبدو أنّه فقد شهيّته تمامًا ولم يفكّر حتّى في لمس الشّوكة.
‘هل هذه قوّة السّلطة؟ إنّها مثيرة.’
تخيّلتُ نفسي أتناول الفشار وأراقب، فغطّستُ قطعة خبز في حساء الكريمة ونظرتُ إلى عائلتي.
كانوا يحاولون الابتسام، لكن زوايا أفواههم ترتجف.
“لقد كنتُ قاسيًا بعض الشّيء، ههه…”
رفع والدي الرّاية البيضاء أخيرًا. كان كايل مذهلًا لإجباره شخصً عنيدًا ومتشدّدًا مثلهُ على الإستسلامِ.
“كنتُ متحمّسًا قليلًا… عادةً لا أتحدّث إلى إيفيلن بهذه القسوة.”
كان يجب أن يصمت. يبدو أنّه نسي أنّني أخته.
“لا أحبّ الفوضى في التّرتيب.”
“ماذا؟”
تلعثم جاكلين. تجعّدت جباه والديّ. يبدو أنّ الجميع، باستثناء جاكلين، يعرف مشكلته.
“أعلم أنّكَ أصغر من إيفيلن بسنتين.”
“…نعم، نعم.”
“ومع ذلك، طريقتكَ في معاملة أختكَ الكبرى، سيّئة.”
تسك. أصدر كايل صوتًا بلسانه.
“آه! عادةً أناديها أختي! لقد كنتُ مرتبكً للتو…!”
اغتنمتُ الفرصة للوشاية:
“لم يناديني أختي أبدًا! ولا حتّى أخت! دائمًا يناديني باسمي!”
جاكلين، هذا الوقح. من أين يأتي بهذه الجرأة؟
نظر كايل إلى جاكلين لمدّة عشر ثوانٍ تقريبًا.
كان يراقبه بصمت، لكنّني شعرتُ وكأنّ حلقي يضيق.
بدا جاكلين كذلك أيضًا، فأدار عينيه ثمّ أخفض رأسه فجأة.
” يجب عليكَ إصلاح عادة الكذب، يا سيد فلورنس.”
“نعم، نعم… أنا آسف.”
أومأ جاكلين برأسه مرّات عديدة، ثمّ التقت عيناه بعينيّ، فنظر إليّ بنظرة لائمة.
‘لم تتعلم بعد.’
“جاكلين، ما هذه الطّريقة في التّحدث إلى أختك؟ كنتُ سأوبّخك لكنّني تحمّلتُ. من الآن فصاعدًا، ناديها بأختك الكبرى باحترام!”
“حسنًا، أبي.”
كان والدي خاضعًا بشكل ملحوظ. تغيّر سلوكه بسبب وجود كايل وحده.
ثمّ نظرت والدتي إلى جاكلين بنظرة حادّة وأضافت:
“نعتذر عن هذا المظهر البائس في لقائنا الأوّل، سيّدي الدّوق.”
“لا داعي للاعتذار لي، سيّدتي.”
كما توقّعتُ، لم يقل كايل أيّ كلام مجاملة.
كان يقول بجملته المحدودة: ‘لا تعتذروا لي، بل كونوا أفضل مع ابنتكم.’
بعد انتهاء الوجبة القصيرة، مسح كايل فمه بالمنديل.
لم يأكل أحد لقمة واحدة، لكن عندما أنزل كايل أدواته، وضع الجميع أدواتهم.
“لقد رأيتم الفرسان بالفعل.”
“أمم.”
لم يؤكّد والداي أو ينفيا. كان جاكلين صامتًا تمامًا.
“لا أنوي التراجع عن هذا القرار.”
ساد الصّمت فجأة. لكنّني أعلم.
والداي لا يحبّان كايل كثيرًا.
تعبيراتهما توحي بعدم الرّاحة والاستياء.
‘لا عجب. إنّه يقول: لا تفكّروا في معارضتي.’
لو كنتُ مكانهما، لخفتُ من استقبال صهر مثله.
كان والدي متجهّمًا كطفل عابس، وكانت والدتي تتظاهر بالهدوء لكنّها تعضّ شفتها السّفلى باستمرار.
‘لحظة.’
قرّرتُ الصّمت اليوم، لكن هذه كانت فرصة ذهبيّة.
أليس هناك مقولة تقول إنّ المعارضة تزيد من اللهب؟
‘لنستغلّ ذلك عكسيًّا.’
لطالما عارض والداي كلّ ما أردتُ فعله. لذا، هذه المرّة أيضًا، سيرفضان رغبتي بالتّأكيد.
‘إذا قالت ابنتهما إنّها تريد الزّواج من صهر لا يحبّانه، سيعارضان بجنون، أليس كذلك؟’
نعم. لقد انتقمتُ بما فيه الكفاية من والديّ، والآن حان وقت العناية بعائلتي.
‘هذه مسألة تتعلّق بمستقبل عائلتنا. صهر سيّء قد يدمّر العائلة.’
اتّخذتُ قراري.
أمسكتُ يد كايل الجالس بجانبي بقوّة. ثمّ، بعيون متقلّبة وجسم يرتجف، قلتُ:
“إذا لم تسمحا لي بالزّواج من الدّوق، سأموت! لا أستطيع العيش بدونه!”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات