عندما فتحتُ عينيّ، كان الدّخان الأبيض الكثيف يملأ المكان.
“أوه، أين أنا…”
“استيقظتِ؟”
كان صوت كايل هادئًا، يحمل شيئًا من القلق.
“انتظر… أين نحن؟”
“لقد أُغمِي عليكِ، فاضطررتُ لمساعدتكِ. كنتِ متعبة جدًّا.”
جلستُ مرتبكة وأنا أجد نفسي في حوض الاستحمام الدافئ. كان البخار يحيط بالمكان.
“ما الذي تفعله؟!”
“كنتُ فقط أحرص على أن تستعيدي وعيكِ. لم يكن بوسعي ترككِ هكذا.”
شعرتُ بالحرج الشديد، فسحبتُ نفسي بعيدًا بسرعة وقلتُ بعصبيّة:
“لم يكن عليكَ أن تفعل ذلك! كان يمكنني الاعتناء بنفسي!”
ابتسم كايل ابتسامة هادئة وهو يبتعد قليلًا:
“كنتِ فاقدة الوعي… لم يكن أمامي خيار آخر.”
وضعتُ يدي على وجهي من شدّة التوتّر، ثمّ تناولتُ المنشفة القريبة وغطّيتُ نفسي بسرعة.
“لا تنظر هنا!”
أدار كايل بصره فورًا، ثمّ أسند ظهره إلى الحوض قائلًا:
“اطمئني، لن أنظر.”
أخذتُ نفسًا عميقًا، وحاولتُ تهدئة دقّات قلبي.
‘يا إلهي… ما هذا الموقف المحرج!’
نهضتُ بحذر وأنا متأكّدة من أنّه لم يحاول النظر. لحسن الحظّ، غطّت المنشفة جسدي بالكامل، فتمكّنتُ من الخروج بسرعة.
* * *
“لمس شخص نائم تصرّف سيّء.”
تحدثتُ وأنا أنظرُ إليهِ بالإنزعاجِ وأنا جالسةٌ داخل العربةِ.
“أنتِ من صعدتِ فوقي وأنا نائم.”
“كنتُ سأتوقّف!”
تجاهل دفاعي كأنّه هراء.
نظرتُ إليه بنظرات مشتعلة.
حقًّا، هذا مزعج.
“ممنوع فعل ذلك في المستقبل.”
“بأمر من؟”
فجأة، تصلّبت نبرة كايل.
أصبحت عيناه حادّتين.
“بأمري أنا.”
ساد الصّمت.
هل تصرّفتُ بأنانيّة زائدة؟
في النّهاية، أنا من بدأتُ بالهجوم…
إذا أخطأتُ في التّصرّف، قد أُعاتب بدلًا منه.
“عند التّفكير مجدّدًا، يمكنكَ فعل ذلك. لكن، ليس كثيرًا، فلنتوافق على أن يكون أحيانًا فقط…
وأيضًا، أتمنّى أن تترك هذه الأشياء في أماكن لا تُرى.
من الصّعب إخفاؤها…”
كشفتُ عن فستاني قليلًا لأظهر ترقوتي.
كانت هناك علامة واضحة لعضّته.
“حسنًا.”
في تلك اللحظة، طرق السائق الباب مرّتين، إشارة إلى وصولنا قريبًا إلى قصر كونت فلورنس.
نظرتُ من النّافذة، فكانت اللّيلة حالكة الظّلام.
كان ضوء القمر الهادئ يتلألأ في السّماء.
عند انعطافنا، رأيتُ برج السّاعة الصّغير لقصر الكونت، أصغر بكثير من قصر دوق هارديون…
لحظة.
‘المكتب مضاء!’
* * *
“ماذا؟ إيفيلن لم تعود بعد؟”
“الأمر…”
“ما الذي تفعلونه أيّها الحمقى! لا تستطيعون مراقبة إيفيلن!”
عندما فتحتُ باب المدخل على عجل، تردّدت أصوات صراخ من ردهة القصر.
كانت السّاعة الثّامنة مساءً.
بالنظر إلى أنّ حظر تجوّلي في السّادسة، لم يكن غضب والدي مفاجئًا.
“آه، لقد وصلتُ!”
ركضتُ كالسّنجاب إلى مكان والديّ.
كانت هناك أكوام من الأمتعة على الحائط، على الأرجح أمتعة جاكلين بعد رحلة طويلة.
بينما كنتُ ألهث، صرخ والدي بصوت يصمّ الآذان:
“هل جننتِ حقًّا؟ كم السّاعة الآن؟!”
“إيفيلن، ما هذا السّلوك! غير لائق!”
بدأت موجة التّوبيخ.
كنتُ مرتبكة مثل والديّ اللذين عادا مبكرًا من المتوقّع.
“لقد عدتم مبكرًا. خرجتُ قليلًا… وتأخّرتُ أكثر ممّا توقّعتُ، أنا آسفة.”
“هل تعتقدين أنّ الأمر ينتهي بأسف؟ كيف تتصرّفين هكذا! في غيابي، تجوّلتِ كفارسة جامحة!”
عندما يبدأ والدي التّوبيخ، لا أحد يستطيع إيقافه، حتّى والدتي.
في هذا القصر، كلمة والدي هي القانون.
تنهّدتُ داخليًّا، مستسلمة لموجة التّوبيخ التي ستستمرّ ساعتين.
“تسك، تصرّف جيّد.”
فجأة، سمعتُ صوت جاكلين من قرب.
حدّقتُ فيه وهو يتسلّل من خلف والدتي.
‘حقًّا، انظر كيف يتحدّث إلى أخته الكبرى بعد شهرين!’
هذا مزعج حقًّا.
يتحدّث وكأنّه لم يستمتع هو الأخرى.
“وما دخلكَ؟ اعتن بنفسكَ!”
“كيف تجرؤين! ماذا فعلتِ لتتحدّثي إلى أخيكِ هكذا؟!”
نعم، كسرتُ حظر التّجوّل، وعشتُ بلا أدب لبضعة أيّام.
لكن، ما الذي فعلته هل كان أسوأ من جاكلين الذي أنفق ثروة وتجوّل لشهرين؟
بل، والداي اللذان ذهبا لاستقبال ابنهما المدلّل، ما الذي يجعلهما يفضّلانه هو فقط؟
شعرتُ بالظّلم فجأة.
“لمَ توبّخانني أنا فقط؟ لا تقولان شيئًا لجاكلين حتّى لو قضى اللّيل خارجًا!”
“كيف تجرؤين! هل الفتاة كالرّجل؟”
بينما كنتُ أغلي دون ندم، أضاف جاكلين كأخ أصغر وقح:
“لم تتعلمي بعد. سمعتُ كلّ شيء. كنتِ تقضين اللّيالي خارجًا كأنّه روتين يومي، وتجرئين على انتقادي؟”
جاكلين أصغر منّي بسنتين، لكنّه منذ الصّغر يعاملني باستعلاء.
بل إنّ…
“بدلًا من التّوبة، تتّهمين أخيكِ؟ ألا يجب على الأخت الكبرى أن تكون قدوة؟!”
مع هكذا تربية، ربّما من الطّبيعي أن يعاملني هكذا.
لم يكن لي حليف.
شعرتُ بالدّموع تترقرق من الظّلم.
في مثل هذه اللحظات، أبحث عن والدتي غريزيًّا.
كبحتُ دموعي الموشكة على السّقوط، ونظرتُ إلى والدتي بشفاه مشدودة.
ربّما ستدافع عن ابنتها التي تواجه اثنين لواحد.
“اعتذري لوالدكِ فورًا! قبل أن تُعاقبي أكثر! واعتذري لجاكلين أيضًا!”
تساقطت الدّموع.
حاولتُ كبحها لأجل كبريائي، لكنّها استسلمت للجاذبيّة.
يبدو أنّ إيميلي هي الحليفة الوحيدة في هذا القصر.
“حتّى لو شوهتِ سمعة والدكِ، فهناك حدود! كم مرّ على إنهاء خطوبتكِ، وما الذي كنتِ تفعلينه حتّى هذه السّاعة؟!”
“…؟”
“توقّفي عن البكاء! ما الذي فعلتِه لتبكي؟ أين كنتِ حتّى هذه السّاعة؟!”
مسحتُ دموعي المتصبّبة كالشّلال بكمّي.
لا أريد الإجابة.
‘ما الذي فعلته خطأ؟’
في تلك اللحظة، غطّى شيء ثقيل كتفيّ.
انتشر عبير خشبي مألوف في أنفي.
“كانت معي.”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات