“سيّدة إيفيلن.”
“نعم؟!”
“لا داعي للقلق. سأضمن، بالتّأكيد، أن أوصلكِ دون أن يكتشفني سيّدي! ثقي بي فقط…!”
تحدّث هيوغو بنظرة صلبة وعينين تلمعان بحزم.
“…حسنًا، أرجوكَ، اعتنِ بالأمر.”
قرّرتُ أن أترك هيوغو يفعل ما يشاء.
لو أخبرته أنّ هذا المبالغة مبالغ فيها، قد يشعر بالإحباط.
* * *
ظهر مدخل المبنى الرّئيسي.
بسبب تفتيش هيوغو المبالغ فيه للمحيط، استغرقنا ثلاثين دقيقة للوصول إلى مسافة كان يمكن قطعها في عشر دقائق.
“هاها! هيوغو!”
فجأة، سُمع صوت رجل مسنّ ودود من مكان ما قرب باب المدخل.
نظرتُ أنا وهيوغو، الذي لم يُفلت حبل التّوتّر أبدًا، نحو المصدر في الوقت ذاته.
“أوه، العمّ براندون؟”
اقترب الرّجل المُسمّى العمّ براندون منّا.
كان براندون، ذو اللحية الكثيفة، يُحيّيني بحماس وكأنّه يعرفني.
“أوه! أليست هذه السيّدة إيفيلن؟”
“نعم؟ كيف تعرفني؟”
“في قصر هارديون، السيّدة الوحيدة المسموح لها بالدّخول، باستثناء الخدم، هي أنتِ يا سيّدة إيفيلن. هاها! بالمناسبة، أنا البستاني هنا! هاه!”
“أوه، حسنًا! سعدتُ بلقائكَ، براندون!”
“أوه، سيّدة إيفيلن! هل تحسّن جرح رجلكِ؟ سمعتُ أنّكِ أُصبتِ بجروح بالغة لدرجة أنّكِ لا تستطيعين المشي!”
“…نعم، أنا بخير. كما ترى.”
كايل. لقد جعلني مريضة طريحة الفراش ليحبسني في غرفته.
في تلك اللحظة.
“العمّ براندون… شوش…!”
رفع هيوغو إصبعه إلى شفتيه.
تبع براندون فعل هيوغو، رافعًا إصبعه إلى فمه وهو يهمس:
“شوش…؟”
“نحن الآن في مهمّة سريّة جدًّا.”
“أوه، يا للأسف! عذرًا! سيّدة إيفيلن، سأراكِ لاحقًا!”
عند سماع كلمة “مهمّة سريّة”، لم يسأل براندون المزيد، بل ترك تحيّة سريعة وغادر.
كان بإمكانه أن يسأل عن طبيعة المهمّة ولو مرّة واحدة.
ومع ذلك، هل يمكن حقًّا تسمية هذا بمهمّة سريّة؟
لكنّني قرّرتُ أن أترك هيوغو يتصرّف كما يشاء هذه المرّة أيضًا.
* * *
غيّرتُ ملابسي بسرعة إلى قميص والدي.
كان القميص كبيرًا جدًّا، يغطّي حتّى أسفل فخذيّ.
كانت يداي مغطّاتان بالكامل بأكمام القميص الكبيرة، لا تظهران.
كان سبب تغييري من الفستان إلى قميص والدي نصيحة إيميلي.
تكوّمتُ تحت الطّاولة.
انكمشتُ بشدّة خوفًا..
كلّ شيء جاهز.
الآن، كلّ ما على هيوغو فعله هو إخبار كايل أنّني أنتظر هنا!
لكن…
في هذا الفضاء الصّامت، وبعد انتظار أكثر من ساعتين دون فعل شيء، شعرتُ بالملل.
“أشعر بالنّعاس…”
فجأة، اجتاحني النّعاس.
دفنتُ وجهي في ذراعيّ المطويّتين.
بينما بدأ وعيي يتلاشى وكانت عيناي على وشك الإغلاق، سمعتُ ذلك.
صوت خطوات ثقيلة من وراء الباب.
تلك الخطوات…
‘إنّه كايل!’
رفعتُ رأسي فجأة كسنجاب اكتشف جوزة.
سرعان ما فُتح الباب بعنف.
“إيفيلن؟”
أيقظني صوت كايل العميق كالكهف.
كنتُ لا أزال مختبئة تحت الطّاولة، أنظر نحو الباب.
لم أرَ سوى بنطاله وأحذيته المرتبة.
“إيفيلن، هل أنتِ هنا؟”
تجوّل كايل ببطء وبخطوات رزينة في الغرفة الفارغة.
انتظرتُ بهدوء، حتّى اقترب أخيرًا من الطّاولة.
الآن!
“…كايل.”
أخرجتُ جسدي ببطء من تحت الطّاولة، ونطقتُ اسمه.
“…إيفيلن؟”
غرق صوته فجأة.
نظر إليَّ من رأسي إلى أخمص قدميّ ببطء، بوجه متصلب.
بدوتُ قد أثرتُ إنزاعجه.
“كايل… هل يمكنكَ القدوم إلى هنا؟”
أمسكتُ يده الكبيرة وسحبته أقرب إلى الطّاولة.
تبعني بطاعة رغم وجهه المتجهّم.
نظرتُ إلى عينيه الحمراء كالدّم بنظرة يائسة، ثمّ جلستُ على حافة الطّاولة.
كانت الطّاولة مرتفعة قليلًا، فاضطررتُ للتّسلّق بجهد.
شعرتُ بالفخر.
كانت حركاتي تبدو كحركات امرأة ماهرة جدًّا.
تبعني كايل مرّة أخرى بطاعة، مقتربًا منّي.
هل فقد عزيمته؟
أم أنّه مرتبك ومنزعج؟!
لم يقل كايل شيئًا بعد.
كان ذلك علامة جيّدة.
‘لا يستطيع مواصلة الكلام؟’
عانقتُ خصره بذراعيّ وسحبته نحوي.
تردّدتُ قليلًا من التّوتّر.
فتلّت حاجب كايل بنظرة استياء واضحة.
‘هل سينجح هذه المرّة حقًّا؟’
لكن عندما واجهتُ تعبيره المخيف عن قرب، شعرتُ بالتّوتّر.
ابتلعتُ ريقي مرّة واحدة، ثمّ أرخيتُ يديّ من حول خصره.
بدأتُ أعبث ببطء بزرّ الزّيّ الرّسمي الذي يرتديه، دون أن أرفع عينيّ عن وجهه.
واصلتُ النظر إلى كايل الصّامت، محاولةً إلقاء نظرة مغرية، وبدأتُ بفكّ الزّر.
لكن، على عكس توقّعاتي، بدأت يداي ترتجفان.
‘لا تتوتري، إيفيلن. افعلي كما تدرّبتِ، من فضلك…!’
لكن…
على عكس أزرار قميص والدي الفضفاضة، كانت أزرار زيّه صلبة جدًّا.
“…؟”
“…؟”
ماذا؟ لمحتُ وجه كايل بسرعة.
كان لا يزال ينظر إليَّ بوجه خالٍ من التّعبير.
ماذا أفعل؟
لا ينفكّ… هذا الزّر!
حرّكتُ يديّ بسرعة أكبر.
لكن الأزرار المغلقة بإحكام لم تُظهر أيّ علامة على الانفكاك.
نظرتُ إليه مرّة أخرى.
كان لا يزال يحدّق بي بنظرة حادّة.
شعرتُ بالحرج تحت ضغط عينيه الثّاقبتين.
أصبحت يداي مبلّلتين بالعرق.
لذا، أصبحت أطراف أصابعي التي تمسك الزّر أكثر انزلاقًا.
بدأتُ أشعر بالقلق.
“…آه، يا إلهي. لماذا لا ينفكّ هذا الزّر اليوم…؟”
“…؟”
واصلتُ محاولة فكّ الأزرار الصّلبة.
في تلك اللحظة.
أمسك كايل يديّ بقوّة وأنا أحاول فكّ الزّر.
فوجئتُ بحركته المفاجئة، فنظرتُ إليه بعينين مدوّرتين.
كان هناك تجعّد خفيف على جبينه.
عضّ كايل شفته السّفلى مرّة واحدة، ثمّ تحدّث بصوت بارد:
“ماذا تفعلين الآن؟”
“…ماذا؟”
“ماذا تفعلين؟ الآن.”
“أحاول… فكّ أزراركَ…”
“ها…”
ضحك كايل بسخرية وأطلق نفسًا خشنًا.
ثمّ أطلق يديّ التي كان يمسكها.
فجأة، وضع يده على الطّاولة التي أجلس عليها، مقتربًا بخصره أكثر.
كان قريبًا لدرجة أنّ أنوفنا كادت تتلاقى.
كانت رائحة الدّم القويّة تنبعث منه.
كانت عيناه الحمراء كالدّم تلمعان ببريق مخيف.
يبدو أنّه غاضب جدًّا.
‘هل تصرّفتُ بفجور أكثر من اللّازم…؟ ردّة فعله أقوى ممّا توقّعتُ…’
تحت نظرته الثّاقبة التي كأنّها تخترقني، تراجعتُ غريزيًّا وقد قلتُ:
“إن كنتَ شعرتَ بالإهانة، أنا آسفة…”
“ما الذي ترتدينه الآن؟”
“…”
“ملابس من؟”
“…؟”
مال برأسه قليلًا وسأل بنبرة تهديديّة.
كان وكأنّه سيلتهمني في الحال.
“أخبريني.”
“…؟”
هل يهتمّ حقًّا بمعرفة من يملك هذا القميص؟
ظننتُ أنّه غاضب لأنّني بدوتُ امرأة فاسقة…
“أجيبي، إيفيلن.”
سألني كايل بصوت خشن كأنّه مقتطع من أعماق حنجرته.
…كان مخيفًا قليلًا.
“…إنّه… قميص والدي…”
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات