‘لا… أهو هجومٌ بالوجه أم ماذا!’
فتحتُ فمي ذهولًا.
هو أصلًا ذو مظهرٍ لافت، لكن اليوم صفَّف جانبًا من شعرهُ، كاشفًا جبهتَه الوسيمة تمامًا.
يا للوقاحةِ… يعلم أنه وسيم وجاء بهذا المظهر ليكسب النقاط بوجهه، أليس كذلك؟
“أوه.”
“يا إلهي.”
كما توقَّعت، شهقت كايت ودوروثي بدهشة.
مظهرهما كان يصلح صورة بعنوان: “ملامح امرأة أمام رجل وسيم”.
غالبًا هذه أول مرَّة تريان كايل من هذه المسافةِ، لذا يمكن فهم ردّ فعلهما… فأنا نفسي عندما رأيتهُ أول مرَّة على السرير، تفاجأت كثيرًا.
حتى اللحظة التي جلس فيها كايل إلى مقعده، لم تستطيعا صرف نظرهما عنه.
أخذت أراقب بصمتٍ ملامح صديقتَيَّ، اللتين كانت أعينهما وأفواههما مفتوحة على اتساعها.
‘لا… كيف تستسلمن لوجهه بهذه السرعة! ألم تقلن إنكن ستتصرفن كحماتين شريرتين صعبتي المراس!’
يبدو أن الجو بأكمله بدأ يتغيَّر بسبب وجه هذا الرجل… وهذا مرفوضٌ!
“أوه، اليوم تبدو أكثر وسامةً من المعتادِ.”
قلتُها بضيق، وكأنني ألمِّح.
“سمعتُ أنكِ مقرَّبةً منهن، فلابد أن أُهتم بمظهري.”
ابتسم لي وهو يلتقي بعينيّ، فارتعشت زاوية فمي.
‘لا… ما به؟! أنتَ لستَ من هذا النوع !’
“أوه…”
“واو…”
كايت ودوروث كانتا تنظران إليه بنظرات مقدَّسة، وكأنهما اكتشفتا واحةً في الصحراء.
توقَّفن عن هذا الإعجاب حالًا، أيتها الفتاتان!
“هممم، هممم!”
سعلتُ متعمِّدة ونظرتُ إليهما بحدة. لحسن الحظ كان كايل يجلس بجانبي، فلا يرى وجهي.
ارتبكتا قليلًا، وهزَّتا رأسيهما، وكأنهما تحاولان استعادة رشدهما.
ثم فجأة محَتا الابتسامة من وجهيهما وتحوَّلتا إلى ملامح جادة.
“تشرفتُ بلقائكَ، دوق. أنا كايت بيوريل، صديقة إيفلين.”
“وأنا دوروثي ميلرون.”
اكتفى كايل بإيماءة يتقبَّل بها التحيَّة.
على أي حال، كايت ابنة بارون، ودوروثي ابنة ڤيسكونت، فالأدب يقتضي أن يبدآن بالتحية.
“أنا كايل هارديون، ربُّ أسرة دوقية هارديون.”
“سعدنا بلقائكَ.”
حتى أسلوب الاحترام الرسمي…
‘أنتَ لستَ هكذا عادةً! يا للدهاء!’
انتهى التعارف، وسرعان ما عدَّلت كايت جلستها وهمَّت ببدء الحديث.
“إيفلين صديقةٌ عزيزة جدًّا عليّ. وبصراحةٍ، أي رجل تأتي به، لن يعجبني بسهولة. طلبتُ لقاءك َلأنني أردتُ أن أتحقَّق بنفسي.”
قالت كايت ذلك بلهجةِ حازمة، فيما أضافت دوروث:
“صحيح. إيفلين بلا أي خبرة عاطفية، ولا تعرف كيف تحكم على الرجال.
صحيح أن الزواج قرارها، لكن إذا لم نرضَ نحن، فسيكون الزواج صعبًا.
وبصراحة، أنتما لم تلتقيا إلا منذ أيام قليلة، بينما نحن منذ عشر سنين…”
وفجأة توقفت وهي تحدِّق:
“…هيوغو؟”
كان هيوغو يقترب من طاولتنا، ووجهه محمرٌّ كعادته.
“سيدي، أحضرتُ ما طلبتم.
“أحسنتَ.”
كان يكاد يختفي خلف باقتين ضخمتين تكادان تفوقان حجم جسده، مزيج من الأصفر والزهري والأبيض.
قدَّم كلَّ باقة إلى كايت ودوروث على التوالي.
“هدية من الدوق.”
اتسعت أعينهما دهشة، واحتضنتا الباقات التي تكاد تحتوي على زهور لا تعرفان أسماءها.
“يا للجمال.”
“واو… عبقها مذهل.”
وكأن القلوب تتطاير من أعينهما.
ثم أخرج هيوغو علبتين مصقولتين، إحداهما بلون بني والأخرى سوداء، ووضَعهما أمامهما.
“هديتان خاصتان، صُنِعتا خصيصًا لكما.”
تبادلت الفتاتان النظرات ولم تجرؤا على الفتح، حتى قال هيوغو بابتسامة راضية:
“افتحاهما، ستعجبكما كثيرًا.”
فتحتا العلبتين معًا.
“وا… يا إلهي!”
“هيه، دوروثي! انتبهي! أنتِ أمام الدوق!”
اتسعت أفواههما، حتى أن دوروثي تمتمت بكلمة غير لائقة من شدَّة الصدمة، فضربتها كايت في خاصرتها.
“آسفة… لقد فاجأني جمالهما! إنها رائعةٌ جدًّا!”
كادت دموع الفرح تلمع في عينيها، وكايت كانت تكاد تطير من السعادة.
“لآنسة كايت: أميثيست، ولآنسة دوروث: غارنيت. أقراط صُنعت خصيصًا من أحجار ميلادكما.”
“يا للذوق الرفيع! حتى حبيبي لم يُهدِني شيئًا كهذا! لم أرَ حجرًا بهذا الصفاء من قبل!”
‘كايت يا فتاة…’
“بالضبطِ! حتى أبي لا يعرف حجر ميلادي! إنه يتلألأ، لا بد أنه غالٍ جدًّا!”
‘ودوروثي أيضًا…’
* * *
قهقهات وضحكات…
الأجواء أصبحت دافئة ًجدًّا.
حتى دون أن يتكلَّم كثيرًا، كان كايل يسحرهما بتصرفاتهُ.
نظراتهما له انقلبت تمامًا، وكأن بروده السابق لم يكن موجودًا.
أما أنا، فكنتُ أحدِّق في الفراغ بعينين فارغتين.
“هذا مقلقٌ…”
لا… لا يمكن أن تكونا قد انجرفتا وراءه بسبب هدية واحدة فقط. هما صديقتاي منذ عشر سنوات، ولهما ولاء… صحيح؟
يكفي أن ألمِّح قليلاً، وسيدركان ويعودان لدور الحماة المتشدِّدة.
“هممم! ألديكما سؤال للدوق؟”
“نعم! دوقَ، ما الذي يعجبك في إيفلين؟”
صفَّقت دوروثي بحماس، وكانت كايت تحدِّق إليه بعينين متلألئتين، وقد وضعت الأقراط للتو.
“لا أستطيع اختيار شيء واحد… من الرأس حتى أخمص القدمين، هي لطيفةٌ جدًّا.”
“يا إلهي! يعني أن وجودها كله لطيف!”
“آه! كم أنتَ رقيق!”
ضحكات لا تنتهي، وأيدٍ متشابكة بينهما، فيما أنا أزداد برودًا.
ثم همس هيوغو في أذن كايل.
“إيفلين، أظن أننا علينا المغادرة الآن.”
“آه، أنتَ مشغول، اذهب إذًا!”
‘أجل، الأفضل أن تذهبَ.’
“آه… كم هذا مؤسفٌ. أتمنى أن نراكَ مرةً أخرى!”
“أنتَ رائع حقًّا! أنتما ثنائي مثالي!”
“سعيدٌ بسماع ذلكَ.”
حتى مع صوته الجاف وابتسامته المتكلَّفة، ظلَّتا تضحكان بحماس.
“إيفلين، دفعتُ الحساب، فابقي وتناولي ما تشائين مع صديقتيكِ.”
رتَّب شعري وقبَّل جبهتي بخفة.
شعرتُ بحرارة على وجنتيّ عند ملامسة شفتيه.
أما الفتاتان أمامي، فقد انفجرتا مجددًا:
“هذا فيلم سينمائي!”
“ثنائي القرن! كم أنتما جميلان!”
رحل كايل، وبقينا نحن الثلاثة.
“ناجح.”
أشارت دوروثي إليَّ بجدية.
غلي دمي.
“ناجح؟! أين ذهبت شخصية الحماة الشريرة؟”
“الدوق رائع فعلًا! أليس كذلك يا دوروثي؟”
قالت كايت متجاهلةً كلامي.
“بالضبط! ذوقه خيالي، بل وحتى تركنا لنستمتعَ بوقتنا معًا!”
تنهدتُ… لقد وقعتا بالفعل في فخه، بالوجهِ والهدية معًا.
“كنتما تقولان أن أثق بكما… وهذا ما حصل؟”
“كان ذلك قبل أن نعرفه. لا تضيعي الفرصة، تمسَّكي به!”
“آه، كفى!”
لم يبقَ أمامي سوى المواجهةِ المباشرةِ.
✧───── ⋆⋅☆⋅⋆ ─────✧
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً لهذهِ الرواية في واتباد وقناة الملفات،
حَسابي واتباد : _1Mariana1
( حسابي السابق قد حُذف)
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات لهذا الفصل " 25"